الفصل الثالث

الاحتفاظ بسمات طفولية: الخروج من عنقِ زجاجةِ طَورِ أسلاف البشر

من العبث التام إثارة النقاش الذي يُحاول شرح تطوُّر اللغة من أنظمة تواصُل بدائية.

نعوم تشومسكي، «اللغة والعقل» (١٩٦٨)

كان اكتساب آلية مُستقلة (أي دماغ داخل الدماغ) ذات ذراعٍ حركية مُتمثلة في اللغة بمثابة تقدُّم تطوري فارق، وهو الأساس في تحول الإنسان المنتصِب إلى إنسانٍ عاقل، وفي القفزة النوعية في كفاءة المُعالجة التي غيرت علاقة الدماغ بنفسه. في هذا الفصل، أطرح تفسيرًا محتملًا للكيفية التي حدث بها كل ذلك، والكيفية التي أُرسِيَ بها أساسُ تطوُّرِ اللغة.

عادةً ما يُركز البحث عن العامل الحاسم الذي بدأ تلك السلسلة من الأحداث التطورية على دراسة أنظمة التواصُل بين الحيوانات باعتبارها أشكالًا سلفية للغة البشرية. وفي سياق تأمُّل ديريك بيكرتون في هذا النهج في كتابه «لسان آدم» (٢٠٠٩)، يقتبس من تشومسكي قائلًا:

يُسلِّم الجميع تقريبًا بوجود صعوبةٍ في تفسير تطور اللغة البشرية من أنظمة التواصُل الحيواني. لكن نتائج الدراسات التي أُجريت على التواصل الحيواني لا تشير إلَّا إلى تفرُّد اللغة البشرية، وعدم وجود أي نظيرٍ يُذكَر لها في عالم الحيوان.

إذا قارنَّا بين اللغة البشرية والتواصُل الحيواني، فسنجد أنهما لا ينتميان إلى تسلسُلٍ تطوُّري واحد، بل يختلفان في النوع. فاللغة البشرية تدعمها دائرة عصبية مُخصَّصة (مستقلة) موجودة في الجانب الأيسر من الدماغ. إذ تُعرَض مخرجات هذه الدائرة في الكتابة الداخلية، ويُمكن أن تُضفي تعديلًا كبيرًا على سلوك الإنسان. وتستعين بمُدركات مُسمَّاة بكلمات١ لتوليد عبارات مُستقلة عن السياق، ويمكن استخدامها للتأثير في عملية صُنع القرار داخل الدماغ. بعبارةٍ أخرى، إنها أداة «للتهيئة المعرفية» يستطيع الدماغ من خلالها توجيه نفسه. وإذا تَلِفت الدائرة المُخصَّصة لهذا الغرض، تضعف مهارة الكلام، وقد يصل الأمر إلى فِقدانها.

أمَّا ما نُسميه التواصُل بين الحيوانات — كالصرخات التحذيرية الثلاث المُميزة لدى قرد الفرفت مثلًا — فهو عبارة عن سلوك آنيٍّ. إذ لا يتضمَّن أيَّ تعديلاتٍ في الدوائر العصبية، أو آلية استجابة مُخصَّصة يمكن أن يستخدِمها الدماغ خارج السياق، ووفق تقديره الخاص. فالتواصل بين الحيوانات — سواء باستخدام الأصوات أو الإيماءات أو حركات لغة الجسد — دائمًا ما يكون جزءًا من الاستجابة الكُلية لدى الكائن الحي. أي لا يُمكن استخدامه لإرسال إشارات خارج السياق، أو في غياب الدافع الشعوري أو الهرموني الذي يَستحضِره. وعلى عكس كون الدائرة العصبية المسئولة عن لغة الإنسان — والموجودة في جانبٍ واحدٍ من دماغه — عُرضةً للتلَف، فإن انقسام الدماغ لدى الكائنات الأدنى لا يؤثر في إشاراتها؛ لأن التواصُل الحيواني ليس مهارةً معرفية مُتخصِّصة.

إذا قارنَّا بين اللغة البشرية والتواصُل الحيواني، فسنجد أنهما لا ينتميان إلى تسلسُل تطوُّري واحد، بل يختلفان في النوع.

ولكن إذا كانت لغة الإنسان، التي مثَّلت الذراع التعبيرية لآليةٍ جديدة تمامًا في الدماغ، ليست نسخةً متطورة من التواصُل الحيواني، فما هو أساسها إذَن؟ يكمن أحد العوامل المهمة هنا بالطبع في التوسُّع المُذهل لدماغ أسلاف البشر. وتعود السلالة البشرية إلى شعبةٍ من الثدييات تعود إلى جنس «القردة الجنوبية». وقد كان أفراد جنس القرد الجنوبي يمشون على قدمَين بالفعل، وكانت وظائف دماغهم مُتركِّزة بنسبة ٤ إلى ١ في الجانب الأيمن (كما هي حالنا)، فيما كانت سعة دماغهم أعلى قليلًا من الشمبانزي. وعلى مرِّ فترة تالية، تراوحت بين أربعة ملايين سنة وخمسة ملايين سنة، لم تتطوَّر سوى هذه السلالة من أسلاف البشر؛ إذ شهدت ازديادًا في حجم الجسم، لكنها شهدت ازديادًا أكبر في حجم الدماغ، ليتجاوز الحد الأدنى اللازم لاكتساب القدرة على تواصُلٍ بدائي بلُغة أوَّلية، والبالغ ٧٥٠ سنتيمترًا مكعبًا (على حدِّ تقدير فيليب توبياس [١٩٧١] وآخرين). وبعد الإنسان الماهر، الذي كان أول مَن استخدم الأدوات، صارت الهيمنة من نصيب الإنسان المُنتصِب، سلفنا المباشر. ومع أنه أتقن استخدام النيران، وبلغت سعة دماغه نحو ألف سنتيمتر مكعب، وهي سعة كافية لاكتساب لغة، جاءت بعدئذٍ فترةٌ طويلة مفاجئة من الجمود التام. وقد حيَّر ذلك بيكرتون (٢٠٠٩)، فأعرب عن دهشته في شكل سؤال بلاغي قائلًا:

ألم يستطع أسلاف الإنسان المُعاصر إحراز أي تقدُّمٍ عن الفأس اليدوية القديمة التي لم يخترعوا سواها طَوال مليون سنة؟ ألم يستطيعوا فعلَ شيءٍ لكسر ما أسماه أحد علماء الأنثروبولوجيا القديمة «الرتابة شِبه المُستحيلة» في العصر الحجري القديم السُّفلي؟

الإجابة واضحة كوضوح سببها. فعملية توسع الدماغ بحد ذاتها كانت قد أخذت مجراها، ووصلت إلى المستوى الأمثل من المُعالجة الآنية، وبلغت مُنتهاها. لذا كان لا بد من حدوث شيءٍ جديد ومختلف لكسر هذا الجمود، ولجعْل الدماغ ينفتح على نفسه عن طريق تطوير آلية استجابةٍ إضافية داخلية (مستقلة)، بحيث تكون هذه الآلية قادرةً على توجيه مخرجات الدماغ والتحكم فيها، وأن تفعل ذلك بطريقةٍ جديدة تمامًا. بالطبع كانت تلك الآلية الإضافية هي اللغة، وهذه هي الإضافة المكتسبة الاستثنائية التي لا بدَّ أن نستعرِضها الآن.

حدث التطوُّر من الإنسان المنتصِب إلى الإنسان العاقل بفضل «الاحتفاظ بالسمات الطفولية»، وهي آلية بارعة اتبعتْها عملية التطوُّر للخروج من عنقِ زجاجةِ أسلاف البشر، ومنح الدوائر العصبية في الدماغ التعديل اللازم لإكسابه الاستقلال الوظيفي. ففي حين أنَّ قدرة المشي على رجلَين (التي حرَّرت اليدَين لاستخدام الأشياء بمهارة)، والسياق الجماعي الذي عاش فيه أسلاف البشر؛ كانا عاملَين مُهمَّين في ذلك، فإنَّ عدم نضج الخلايا العصبية في الدماغ، مما يجعله يحتفظ بسماتٍ طفولية حتى مرحلة البلوغ، والتبعات المعرفية لذلك، هي التي وقع عليها الاختيار، وليس شكلًا من أشكال التواصُل الحيواني كما يعتقد الكثيرون. وهذا الاحتفاظ بالسِّمات الطفولية هو الذي مكَّن مرونة الدماغ من إجراء التعديل الضروري على الدوائر العصبية في الجانب الأيسر من الدماغ في مرحلة النمو المُلائمة، مؤدِّيًا بذلك إلى اكتساب اللغة المكوَّنة من تراكيب، وتحقيق الوعي الواعي بالذات.

تجدُر الإشارة هنا إلى أنَّ الاحتفاظ بالسمات الطفولية — أي النزوع إلى بدء مرحلةِ ما بعد الولادة بحالةٍ أقلَّ نُضجًا مما كان عليه أسلافنا — حوَّل محط التركيز من الغرائز إلى عملية التعلُّم، بصفتها العامل المُهيمن في اكتساب الكائن الحي مهارات البقاء والتكيُّف. وفيما يلي ما ذكره ستيفن جيه جولد (١٩٧٧) عن هذه العملية:

تُبالِغ الحيوانات في التقيُّد بخصائص بيئتها عن طريق تطوير تصميمٍ مضبوط بدقةٍ ليُناسب نمط حياةٍ مُخصَّصًا جدًّا. وبذلك تُضحِّي بمرونة التجاوب مع التغيرات المستقبلية. عندئذٍ يضطلع «الاحتفاظ بالسمات الطفولية» بدور المُنقذ، ويُتيح مخرجًا من هذا التقيُّد بظروفٍ مُحدَّدة. إذ يمكن للحيوانات أن تنسلِخ من مرحلة البلوغ ذات السمات المُقيدة بظروفٍ محددة جدًّا، وأن ترجع إلى مرونة مرحلة الصِّغَر، وتُجهِّز نفسها لتوجهات تطورية جديدة.

إذن، فكيف أدَّى الاحتفاظ بالسمات الطفولية إلى إحداث التغيير الحاسم في دماغ الإنسان؟ للإجابة عن هذا السؤال، أنتقل إلى مُنحنيَيِ النمو ذوَي الصلة، اللذَين يُمثلان تطور الدماغ لدى الإنسان المُنتصِب والإنسان العاقل في مرحلة الصِّغَر. ولا عجب في أن المُنحنيَين يُظهِران اختلافًا هائلًا في المستويات العمرية التي يصِل فيها حجم الدماغ إلى المستوى اللازم لاكتساب اللغة عند كلٍّ منهما. فقد كان العمر الحرِج لدى الإنسان المنتصِب الصغير هو ستة أعوام، بينما عند الرضيع العاقل كان العمر عامًا واحدًا. وليس من الصَّعب أن نرى أنه بحلول الوقت الذي اكتسب فيه الإنسان المُنتصِب قدرًا كافيًا من الخلايا العصبية لتحقيق قدر — ولو محدود — من استخدام عناصر لغوية بدائية مثل الإشارة اللفظية (أي: التسمية)، كانت مهاراته الحركية غير المُرتبطة باللُّغة مترسخةً لدَيه بالفعل، ولم تكن تُوجَد حاجة إلى التحوُّل إلى استخدام اللغة، ولا المرونة العصبية اللازمة لذلك.

أمَّا الرضيع العاقل، فبلغ المرحلةَ الحرجة في عامِه الأول. ففي ظلِّ افتقاره إلى مهاراتٍ حركية ليستخدِمَها، وترتيبًا على ذلك، اضطراره إلى الاعتماد على أفرادٍ آخرين يَرعَونه؛ كان دماغُه ذو المرونة العصبية في وضعٍ مثالي لاستخدام وسيلة التعبير اللفظي. وبذلك تمكَّن في الحقيقة من التأثير في الأشخاص المُحيطين به وعناصر بيئته، والتفاعُل معهم والتحكُّم فيهم إلى حدٍّ ما. ويصوغ ديتليف بلوج (١٩٧٩) هذه العملية قائلًا: «بالبكاء، والصور المُبكرة المعدَّلة من البكاء (لدى الرضيع)، فإنه يُقرِّب إليه القائمين على رعايته، وبذلك يؤثر في البيئة باستخدام قُدرته الفاعلة.»

وهكذا فإنَّ اعتماد الرضيع جسديًّا على غيره، ومرحلة النمو والمرونة العصبية؛ كلها عوامل ضمنت نجاح دمج المهارة اللفظية في الجهاز العصبي بصفتها وسيلةً فعالة في التعامُلات بين الأفراد، ثم إجراء العمليات المدعومة باللغة فيما بعد. ولمَّا كانت كل البُنى القشرية المشاركة في هذه الوسيلة المؤثِّرة الجديدة تتلقَّى كميةً زائدة من الدَّم والجلوكوز والأكسجين، فقد أدى ذلك أيضًا إلى تسهيل التشجُّر العصبي٢ الذي يعتمد على هذه الزيادات. ونتيجةً لذلك، أصبحت العمليات اللغوية البدائية والعمليات اللغوية اللاحِقة أسهلَ وأهمَّ من أي وقتٍ مضى للتكيُّف والانتقاء التناسُلي.

ما أوضِّحه هنا ليس سوى بدايةِ آلية الاستجابة المُستقلة وأساسها. أمَّا الحدث الرئيسي الذي أَطلق سلسلةَ التغييرات التي أسفرت في النهاية عن الإنسانِ العاقل، فكان اكتساب مناطق الكلام لذراعٍ حركية. ففي الدماغ المرِن عصبيًّا وغير المُكتمل التوصيلات العصبية لدى الرضيع البشري، نجد أن البِنيات الأكثر نضجًا يمكن أن تضمَّ إليها بنياتٍ أبطأ نضجًا، وتمدَّها بتوصيلاتٍ عصبية لتستخدِمها لأغراضٍ خاصة بها. وسواء في الماضي أو الحاضر، فهذه هي الطريقة التي تُستخدَم بها الأجزاء الجبهية اليسارية في الدماغ، المسئولة أصلًا عن التعامُل اليدوي مع الأجسام في الحيز الخارجي المُحيط بنا، لمعالجة الأشياء اللفظية (الكلمات) في الحيِّز الواقع داخل الدماغ. المُهم هنا أن إنشاء هذا الرابط الحركي الضروري للكلام عبارة عن تعديلٍ يجب أن يُحققه كل دماغ بشري، ويجب أن يحدُث في غضون فترةٍ زمنية مُحددة. وإذا مرَّت هذه المرحلة من دون أن يحصل دماغ الطفل على الفرصة المُحفِّزة لتكوين التوصيلات العصبية المسئولة عن التحكُّم اللفظي في البيئة المُحيطة به، تفوته فرصة اكتساب هذه المهارة، ولا يكتسب الآلية المستقلة التي تدير الكلام والأفكار.

وتجدُر الإشارة هنا إلى أنَّ إعادة تخصيص الشِّق المكاني من قدرات المعالجة في نصف الدماغ الأيسر،٣ المسئول أصلًا عن التعامُل اليدوي مع الأشياء المادية في البيئة، لهذا الغرض الآخر، أي تحويله إلى الذراع الحركية للُّغة، يترك مهمةَ تحكُّم الدماغ في تلك الأشياء المادية على عاتق النصف الأيمن من الكرة المُخية. والارتباط الوثيق بين الكلام والإيماءات شاهد على مصدر كلٍّ منهما في الوظائف الأصلية التي نشأت من سلفٍ مشترك. وتأكيدًا لمصدر مهارة الكلام في البنيات التي تعرَّفناها للتو، ذكر مايكل جازانيجا وجوزيف لو دو (١٩٧٨) أنه «من الواضح وجود رابط معقَّد بين القدرة على التعامُل اليدوي مع الأشياء المادية واللغة. إذ ربما أتاحت تلك القدرات الأساس لتكوين اللغة البدائية (تسمية الأشياء)، وكذلك يتطلَّب كلٌّ من اللغة والشقِّ المكاني من قدرات المعالجة آلياتٍ عصبيةً متماثلة».

بدأت صورة تطوُّر اللغة تتَّضح الآن. فالاحتفاظ بسِمات طفولية حتى مرحلة البلوغ، والمرونة العصبية، أسفرا عن إتاحة التوصيلات العصبية المسئولة عن اللغة في دماغ الطفل البشري. بعبارة أخرى، فإنَّ تغييرًا في التصميم — أو تعديلًا بسيطًا في الآلية — هو الذي روَّى الجفاف المعرفي، ووضع حدًّا للجمود الطويل الذي بقِيَ فيه الإنسان المُنتصِب، وبدأ حقبةً جديدة من إدارة الاستجابات الداخلية بآلية عالية الجودة.

استغرق تطوُّر الأداة اللغوية التي نفَّذت هذه العملية بعض الوقت. وسأتتبَّع مسار تطورها مرحلةً مرحلة. في البداية كانت تُوجَد قائمة مؤقتة قصيرة من مفردات مجردة من القدرة على الصياغة الواضحة، خالية من التراكيب النحوية. لكن هذه القائمة كانت بمثابة موطئ قدَمٍ في عالمٍ واعد جدًّا قابل للتعمير، وهذا العالم نُسميه «العقل».

وقد أدَّى اكتساب ذراع حركية لغوية إلى تمكين الدماغ من نطق الكلمات، ومن ثَم الوصول إليها وإعادة تعريضها للفحص الجبهي.٤ ومكَّن الدماغ أيضًا من تحويل آلية الانتباه من سِمةٍ بارزة إلى سمةٍ بارزة أخرى، يشمل ذلك السماتِ البارزةَ التي كان الدماغ ذاته يولِّدها، والإحساس بأنه فاعل مؤثر في إدارة تجربته. وتُعَد الطريقة التي تطوَّرت بها هذه المرحلة الأولية، وأصبحت أداة دقيقة لتوليد التراكيب اللغوية وتمثيل العالم قصةً رائعة سأسردها في الفصل الخامس.

قبل أن أختتم هذا الفصل، أودُّ أن أستطرد وأُلمِح إلى تصوُّرٍ خاطئ شائع نوعًا ما يظنُّ أن اكتساب اللغة الأولى لدى الطفل عملية تحتاج إلى هيكلٍ داعم، أو قالب داخل العقل. وقد اقترح بعض اللغويين والفلاسفة (مثل جيري فودور وستيفن بينكر) تصوراتٍ افتراضية، مثل «التمثيل اللغوي العقلي»، أي «لغة الفكر»، و«غريزة اللغة»، من أجل هذا الغرض. وكما ستُوضح الفصول التالية، فإن عملية اكتساب اللغة في الحقيقة عملية مُستكفية بذاتها. واكتساب الذراع المُحرِّكة في الدماغ المرن عصبيًّا لدى الرضيع البشري يتيح له قدرة جديدة على الاستجابة المستقلة، وتُبنَى المهارة اللغوية للطفل في حدود هذه القدرة. وباستخدام الذراع الحركية اللغوية المُخصصة، يستطيع الطفل أن يُعبر عن أفكاره، وبذلك يُصبح فاعلًا مؤثرًا في تشكيل عالمه الداخلي وتوجيه استجاباته. أي إنَّ اللغة، أداة الوعي بالذات والتواصُل، تفصل الدماغ عن الاضطرار إلى الاستجابة الآنية، وتفتح أمامه عالَم العقل.

يُمكننا الآن أن نواصِل ونستعرض المادة الخام الدلالية، وهي الكلمات الأولية التي اضطُر الدماغ إلى أن يتعامَل بها في عملية بناء أداته المعرفية، أي اللغة المُكتملة النمو.

١  المُدرَك يُشير إلى مدرَكات حسِّية مُنظَّمة ومُدمَجة، مثل المظهر الثابت لشيءٍ مُدرَك يمكن تحديده وتسميتُه.
٢  التشجُّر العصبي هو النزوع إلى التشعُّب. وفي عِلم الأعصاب، فإنه يُشير إلى النمو المُتفرِّع لترابُطاتٍ بين الخلايا العصبية.
٣  الشق المكاني من قُدرات المعالجة، هو القدرة القشرية على التعامُل مع الأشياء المادية في البيئة الخارجية.
٤  الفحص الجبهي هو وظيفة التصفية والتعميم التي يؤديها الفص الجبهي، فيستخرج بها عناصر بارزة ثابتة من التجربة المُعالَجة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤