الفصل الرابع والثلاثون

لي هونغ تشانغ

fig70
شكل ٣٤-١: لي هونغ تشانغ الوزير الصيني الشهير (وُلد سنة ١٨٢٣ وتُوفِّي سنة ١٩٠١).

(١) ترجمة حاله

وُلد لي هونغ تشانغ في بلدة «سوي تشو» من مقاطعة «نجان هواي» في شرق الصين في ١٦ فبراير سنة ١٨٢٣، وفي سنة ١٨٤٩ نال رتبة «هان لين» وهي من رتب الشرف عند الصينيين. وفي السنة التالية مات إمبراطور الصين «تاو كوانغ» وكان محبًّا للإصلاح، وقد اشتغل في أواخر أيامه بإدخال الصنائع الإفرنجية إلى بلاده حتى كادت تزهو وتنمو، فلما مات خلفه ابنه «هيانغ فونغ» وكان ضعيف الرأي معتسفًا، فعمل على هدم ما بناه أبوه، فشق ذلك على بعض رجال النفوذ، وهاج الشعب الصيني وطلبوا خلع الإمبراطور وطرد التتر من بلادهم، ورأس العصاة رجلٌ اسمه «تيان تيه» كان قد تثقف على يد بعض الإفرنج وتعلم مبادئ الديانة المسيحية فنهض نهضة دينية، وزعم أنه معيدٌ عبادة «تشانغ تي». وجعل يعلم التعاليم والشرائع مما استخرجه من التوراة، وادَّعى أنه سلطان أهل الأرض قاطبة، وسُمِّي أتباعه «ناي ينغ»؛ أي أمراء السلام، وكان الإنكليز يومئذٍ ناقمين على الصينيين لاختلاف سياسي، فخابر «تان تيه» الإنكليز وعرض عليهم المساواة بالتي هي أحسن.

وكان «لي هونغ تشانغ» في تلك الأثناء من حزب الإمبراطور وعمل على مساعدته وإصلاح ما فسد من أموره، وطالت ثورة «تاي بنغ» ١٤ سنة، وانتهت أخيرًا على يد صاحب الترجمة لحسن سياسته، فانتحر زعيم الثورة وقبض الإمبراطور على سائر قوادها، وقتلهم سنة ١٨٦٤، وكان لي هونغ تشانغ في أثناء ذلك قد تقلب في مناصب عديدة، فتولى قضاء مقاطعة «تشي كيانغ» ثم حكومة «كيانغ سو» سنة ١٨٦١، فلما قدم الجنرال غوردون سنة ١٨٦٣ إلى «كيانغ سو» لمطاردة العصاة كان صاحب الترجمة عونًا له في إخراجهم من تلك المقاطعة. فانقضت الثورة سنة ١٨٦٤ وكان الإمبراطور هيانغ فونغ قد تُوفِّي سنة ١٨٦٢ وخلفه ابنه «تونغ تشي» فعرف هذا الإمبراطور له فضله فخلع عليه الجاكت الصفراء، وقلَّده ريشة الطاووس، وهما شعار الأشراف، فأصبح لي هونغ تشانغ شريفًا من الدرجة الثالثة، يتوارث أعقابه ذلك الشرف من بعده، وفي سنة ١٨٦٦ تعيَّن حاكمًا عامًّا لمقاطعة «ليانغ كيانغ» وفي أثناء ذلك ثار المسلمون في المقاطعات الجنوبية بقيادة قائد منهم اسمه السلطان سليمان، وحاولوا خلع نير الصين والاستقلال، فحاربهم الإمبراطور حربًا عنيفة استعان بها برأي لي هونغ تشانغ وقيادته فانفثأت نار هذه الثورة سنة ١٨٧٣ فتناول السلطان سليمان السُّمَّ فرارًا من الوقوع في الأسر.

وكان فوز «لي هونغ تشانغ» في هذه الحرب سببًا في ارتقائه إلى ولاية مقاطعة تشيلي أرقى مقاطعات الصين، لأن بكين واقعة فيها، وأصبح من ذلك الحين محل ثقة الإمبراطور وسائر أهل البلاط، فتقلَّب بعد ذلك في عدة مناصب رفيعة، فتعيَّن مستشارًا أعظم للإمبراطور ومندوبًا ساميًا في الأمور الخارجية، ومديرًا عامًّا للقوات البحرية في الثغور، وناظرًا للتجارة في الشمال، وقائدًا عامًّا لجند الصين في مقاطعات الشمال. ولما انتشبت الحرب بين الصين واليابان ثم أرادت الصين المخابرة بأمر الصلح لم ترَ خيرًا منه للتوسط في ذلك، فانتدبته سنة ١٨٩٥ لمخابرات اليابان كما انتدبته بعد ذلك لمخابرة دول أوروبا.

وفي سنة ١٨٩٦ بعد انقضاء حرب اليابان رحل إلى أوروبا رحلة تحدث بها الناس زمنًا طويلًا، ولم تبقَ جريدة من جرائد العالم لم تذكر تلك السياحة أو تصف «لي هونغ تشانغ» وتعدد مناقبه وأخلاقه، فنشروا في ذلك المقالات الضافية وكلهم مجمعون على منزلة الرجل من التعقل والحكمة والدراية، على أن بعضهم بالغ في غرابة ما ظهر من عاداته مما يخالف عوائد الإفرنج هناك، فذكر أحدهم في بعض الجرائد أن أحد رجال السياسة أهدى «لي هونغ تشانغ» كلبًا من جنس «البولدوك» المشهور بسمنه، واكتناز لحمه، فلما قابله في اليوم التالي سأله إذا كان مسرورًا من ذلك الكلب، فأجابه: «إنه سمين لكن لحمه مالح وقاس»، فعلم صاحبنا أن رجل الصين ذبح الكلب وأكله.

وكتب بعضهم إلى جريدة الستاندرد يصف فيها أخلاق هذا السياسي من حيث المقابلات الرسمية، قال: إذا جاءه رجل في أمر استعجله في بيان غرضه وهو يصغي لسماع ما يقوله مخاطبه، فإذا أطال الكلام أظهر رغبته في قطع الحديث بإشارة يعرفها الذين عاشروه — وهي أنه يرفع فنجان الشاي إلى شفتيه — ومعنى ذلك «أني مسرور بمقابلتكم، لكنني لا أحب تعويقكم أكثر من ذلك.» وفي حديثه مع الأجانب من الإفرنج كثيرًا ما كان يظهر الفظاظة والاستبداد في الرأي، وكلما لان له جليسه زاد هو قسوة، فإذا رأى القسوة من جليسه لان هو، فكأنه من هذا القبيل يتشبه بما نقلوه عن معاوية بن أبي سفيان داهية الإسلام؛ إذ قال: «إني لا أضع سيفي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت.» فقيل له: «وكيف ذلك يا أمير المؤمنين؟» قال: «كنت إذا شدُّوها أرخيتها، وإذا أرخوها شددتها.»

ويُكرِم لي هونغ تشانغ زائريه بالسيكارة والخمر، وأما هو فلا يدخن غير الشبق (الغليون) وله خادم خاص لإصلاحه، وقد يتناول كأسًا من المرق أو الأرروط بين يدي زائريه، ولا يعد ذلك مخالفًا لآداب المجالسة، وربما انصبَّ بعض المرق على لحيته أو صدرته فلا يلتفت هو إلى ذلك؛ لأن بجانبه خادمًا بيده منشفة يمسح بها ما انصبَّ، على أنه لم يكن أكولًا، ولم يشرب الخمر إلا نادرًا، ولم يتعاطَ الأفيون مطلقًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤