أفكارٌ مدهشة

أدرك «تختخ» أنه في موقفٍ فظيع، كيف يُبرِّر تنكُّره؟ ماذا يقول للشاويش «فرقع» …؟ لا بد أن يتصرف بسرعةٍ، وبسرعة أخرج بطاريته وسلط نورها على عيني الشاويش فجأة، فلم يعد الشاويش يرى شيئًا، وانتهز «تختخ» هذه الفرصة، وقام واقفًا ثم أسرع يختفي في الظلام.

سمع «تختخ» صوت الشاويش وهو يسبُّ ويلعن، وعرف أنه سيطارده، فقفز السور الذي يفصل بين الفيلا «رقم ٩٨»، والفيلا الثانية التي يسكن فيها «نور»، ثم أطلق صيحة البومة «هووو … هووو.»

فرد عليه «نور»: «هووو … هووو.» وبعد لحظات كان «تختخ» يتسلق شجرة الكافور العالية، ويصل إلى «عش النسر» حيث وجَدَ «نور» جالسًا فجلس معه، وبرغم الظلام فإن «نور» استطاع أن يرى الأشباح التي تتحرك في الظلام، فسأل «تختخ» بصوتٍ منخفض: ماذا حدث يا «تختخ»؟ وما سرُّ هذه المطاردة الغريبة؟

رد «تختخ»: لقد بدأت أعرف كل شيء يا «نور»، ولكن أخشى أن تفر العصابة من أيدينا.

نور: أي عصابة؟

تختخ: عصابة «السبع»، وهل هناك غيرها؟

نور: ولكن «السبع» ليس هنا، إن «شحتة» فقط هو الموجود.

تختخ: هناك أدلةٌ قوية على عودة «السبع»، ولكنِّي حتى الآن غير متأكِّد … المهم الآن أننا نريد سرقة القارب الصغير الموجود على المرسى الخاص بالفيلا.

نور: نسرق! نحن لا نسرق طبعًا.

تختخ: لا أقصد أن نسرقه ونأخذه، فقط أريد إبعاده عن المرسى هذه الليلة، فسوف تحدث أشياءَ كثيرة، إذا كانت استنتاجاتي صحيحة.

نور: وماذا سنفعل بالضبط؟

تختخ: إننا لا نستطيع الوصول إلى بقية الأصدقاء هذه الليلة، فعلينا أنت وأنا أن نمنع العصابة من الهرب، حتى نستطيع الاتصال بالمفتِّش «سامي».

نور: إني على استعداد لأي عمل.

تختخ: بعد أن ينصرف الشاويش «فرقع» من هنا، عليك أن تنزل وتقف قرب الفيلا، فإذا وجدت أي سيارة قادمة، فعليك إطلاق صيحة البومة لأحضر إليك … أما أنا فسوف أنزل إلى الحديقة وأعبر الكورنيش، وأركب القارب، وأبعده عن مرساه.

ونزل الصديقان من الشجرة، فذهب «نور» إلى الشارع، أما «تختخ» فقد قفز السور، وظل واقفًا في الظلام فترة في انتظار أن يظهر الشاويش، ولكن الشاويش لم يظهر، فقال «تختخ» في نفسه: لقد تعب الشاويش من المطاردة، ومن ظهور شبح «شحتة»، ولا بدَّ أنه عاد إلى منزله الآن.

سار «تختخ» بهدوءٍ فعبر الكورنيش ووصل إلى مرسى القارب، ثم فك الحبال التي تربطه بالشاطئ، وأخذ يجدف بهدوءٍ مُبتعدًا عن الشاطئ، وبعد أن قطع مسافةً طويلة في الماء، عاد في اتجاه الشاطئ مرة أخرى، وربط القارب إلى الشاطئ، بعيدًا عن الفيلا بين الأعشاب النامية حيث لا يراه أحد، ثم عاد إلى الفيلا متسترًا بالظلام.

أطلق «تختخ» صيحة البومة، فرد عليه «نور» بصيحةٍ أخرى، فعرف «تختخ» من مصدر الصوت مكان صديقه، فاتجه إليه.

قال «تختخ» في الظلام: هل حدث شيء؟ هل رأيت الشاويش؟

نور: لم أرَ أحدًا، ولم أسمع أي صوت.

تختخ: في إمكاننا الآن أن نعود إلى البيت، ويمكنك أن تنام الليلة في فراشك يا «نور»، فقد سهرت طويلًا.

عاد «نور» إلى منزله، وسار «تختخ» عائدًا إلى منزله أيضًا، وقد أخذت أفكار كثيرة تدور في رأسه.

وصل «تختخ» إلى البيت، فخلع ثياب التنكُّر، ثم دخل إلى الحمام، فملأ «البانيو» بماءٍ ساخن، ثم ألقى نفسه في الماء بعد أن شعر بالتعب.

وبعد أن قضى في الماء الساخن بضع دقائق، بدأ يحسُّ بالراحة تعود إلى قدميه المتعبتَين، وأحس أن أفكاره أصبحت أكثر وضوحًا.

أخذ «تختخ» يحدث نفسه قائلًا: هناك أشياءُ كثيرة حدثت تؤكد أن «السبع» في المعادي ولكني لم أره قط، هل هو متخفٍّ، وإذا كان متخفيًا، ففي أي ثياب؟

أسئلةٌ كثيرة طافت برأس «تختخ»، لكنه قرر في النهاية أن يذهب إلى الفراش، وينام نومًا هادئًا إلى الصباح.

نام «تختخ» نومًا هادئًا، ولكن شخصًا آخر لم ينم … هو الشاويش «فرقع»، ومثلما كان رأس «تختخ» فيه أفكارٌ كثيرة، كان رأس «فرقع» مُمتلئًا بالأفكار أيضًا، لقد شاهد اثنين «شحتة» … من المؤكد أنهما كانا اثنين «شحتة» و«شحتة» … فما هي الحكاية؟ وماذا يعني هذا؟ وهل يبلغ المفتِّش «سامي» … وماذا سيقول له «سامي» … بالطبع سيقول له: «لقد جُننت أيها الشاويش … لم يعد في رأسك إلا الأفكار المضحكة … وبدلًا من أن تساعدنا في القبض على العصابة … فإنك تتوهَّم أشياءَ لم تحدث.»

وفجأة قفز الشاويش واقفًا، لقد تذكَّر المغامرات السابقة كلها، الألغاز التي حلها الأصدقاء الخمسة قبله … «لغز الكوخ المحترق» … «لغز البيت الخفي» … «لغز العقد المفقود» … «لغز الشبح الأسود» … كلها ألغازٌ حلها المغامرون الخمسة … خاصةً هذا الولد السمين «تختخ» … «تختخ» … وأخذ الشاويش يُكرِّر اسم «تختخ» مرات كثيرة، وقال وهو يدق رأسه بيده: لا بد أن «تختخ» هذا مشتركٌ في هذه المشاكل التي تقع لي … ويمكن أن يكون الآن خارجًا من منزله لحلِّ اللغز … فلا بد من مراقبته.

أسرع الشاويش بالخروج من منزله، وسار حتى وصل إلى قرب منزل «تختخ»، ثم جلس على الرصيف المقابل يَرقُب المنزل، فلاحظ أن النور ما زال مضاءً في غرفة «تختخ»، فعرف أنه مستيقظ، ولكن النور انطفأ بعد قليل فقال الشاويش: لا بد أنه سيخرج الآن، وأخذ ينظر في الظلام لعله يرى شبحًا … ولكن الشبح الذي انتظره لم يظهر … فقد ذهب «تختخ» إلى فراشه وهو يحسُّ بالرضا عن نفسه، لقد استطاع أخيرًا أن يحل اللغز الصعب … وفي الصباح سوف تحدث أشياءُ كثيرة.

عندما استيقظ «تختخ» من نومه، كان الأصدقاء الأربعة «مُحب» و«نوسة» و«عاطف» و«لوزة» يُحيطون به، قالت نوسة: صباح الخير يا تختخ، ماذا حدث أمس؟ لقد رأينا الشاويش «فرقع» نائمًا في الشارع فماذا حدَث؟

ضحك «تختخ» وهو يقول: لا بد أن الأشباح طاردت الشاويش ليلًا، على كل حال … لقد وقعت أحداث كثيرة ليلة أمس … وأعتقد أني توصَّلتُ إلى حل اللغز.

صاح الأصدقاء في نفسٍ واحد: حللت اللغز؟!

تختخ: نعم … وعليكم الآن ألا تتركوا العصفور يَهرُب من عشه.

لوزة: هل هناك عصافير في اللغز يا «تختخ»؟ إنني أحب العصافير؟

تختخ: إنها ليست عصافيرَ جميلة كما تتصوَّرين، إنها عصافيرُ مخيفة.

وبعد أن غسل «تختخ» وجهه وأفطر، جلس مع الأصدقاء يروي لهم ما حدث أمس، وقد ضحكوا كثيرًا عندما سمعوا عن شكلِ الشاويش «فرقع»، وما قاله لحظة أن رأى أمامه «شحتة» الأول والثاني، ثم قال «تختخ»: إني أسألكم كمغامرين عن حلٍّ لما قاله لي شحتة.

عاطف: ماذا قال «شحتة»؟

تختخ: قال لي: لماذا عدت؟ وماذا حدث؟

نوسة: شيءٌ غريب فعلًا، فإن أيَّ شخص إذا رأى شخصًا مثله تمامًا، لا يُمكن أن يقول هذا الكلام!

لوزة: إلا إذا كان هذا الشخص … شخصًا آخر.

مُحب: ماذا تقصدين يا «لوزة»؟

لوزة: أقصد أن «شحتة» ليس هو «شحتة» … إنما هو شخصٌ آخر تخفَّى في ثياب شحتة، فلما شاهد «تختخ» ظنَّه «شحتة» الأصلي.

تختخ: برافوا يا «لوزة» أنتِ أحسن من يفكر في المغامرين الخمسة … لقد وصلت إلى حل اللغز.

لوزة فَرِحة: أشكرك يا «تختخ»، ولكن لم أحلَّ اللغز، لقد قلت لك عن شيءٍ واحد صغير.

تختخ: ولكن هذا الشيء الصغير هو أهم ما في اللغز … وما دام استنتاجك هذا يُطابق استنتاجي، فنحن نسير في الطريق الصحيح.

نوسة: وما هو المطلوب منا الآن؟

تختخ: عليكم أن تركبوا دراجاتكم، وتُسرعوا إلى الفيلا، وعليكم أن تشغلوا «شحتة» و«نظيمة» بأي شيء، لا تتركوهما يُغادِران الفيلا إلا اذا حضرتُ إليكم؛ لأنني سأبقى هنا حتى أتصل بالمفتش «سامي».

خرج الأصدقاء مسرعين، فوجدوا الشاويش قد استيقظ من نومه ووقف، فلما رآهم يسرعون إلى دراجاتهم، فكر أن يتبعهم، ولكنه خشيَ أن تكون هذه خدعة لإبعاده عن «تختخ» فلم يتحرك من مكانه.

اتصل «تختخ» بالمفتش «سامي» تليفونيًّا فلما رد عليه، قال «تختخ»: صباح الخير يا سيادة المفتِّش … هل عثرتم على حل اللغز؟

المفتش: أبدًا … لم نعثر على أي شيء … ولكن هناك معلومات أن «السبع» وزوجته قد عادا إلى الإسكندرية.

تختخ: آسفٌ يا سيادة المفتش … هذه معلومات غير صحيحة؛ «فالسبع» لم يذهب إلى الإسكندرية أو إلى أي مكانٍ آخر إنه الآن في المعادي.

لم يردَّ المفتش لحظات، فقال «تختخ»: آلو … آلو … المفتش «سامي» هل تسمعني؟

عاد المفتش إلى الحديث قائلًا: لا داعي لهذا الهزار يا «تختخ»، فأنت تعرف أنني أحبك أنت وبقية المغامرين الخمسة، ولكن لا داعي للهزار في هذه الأمور الخطيرة.

رد «تختخ» ضاحكًا: إذا كنت تُريد القبض على العصابة، فأرجو أن تركب سيارتك وتحضر فورًا إلى الفيلا، وسوف أُسلِّمك العصابة، وقد أسلمك اللوحة المسروقة أيضًا.

المفتش: «تختخ» … أرجوك!

تختخ: أنا الذي أرجوك يا سيدي … إلى اللقاء بأسرع ما يُمكنك عند الفيلا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤