حل اللغز

خرج «تختخ» مسرعًا إلى دراجته، فشاهد الشاويش واقفًا أمام البيت، فقال له: صباح الخير أيها الشاويش، يبدو أنك لم تقضِ ليلةً مريحة فعيناك حمراوان … وملابسك مكسرة.

رد الشاويش: لا تتدخل فيما لا يَعنيك، فأنا أؤدي واجبي.

تحرك «تختخ» بدراجته، فتحرك خلفه الشاويش بدراجته أيضًا مسرعًا.

وفي تلك الأثناء كان الأصدقاء الأربعة «مُحب» و«نوسة» و«عاطف» و«لوزة»، يقومون بمناورةٍ كبيرة مع «شحتة» وزوجته، اللذَين كانا يستعدان لمغادرة المكان.

كان الأطفال الأربعة يحاولون منع الاثنين من مغادرة المكان قبل حضور «تختخ»، وقد اعتمدوا على الكلب «زنجر» في هذه المحاولة، فقام زنجر بواجبه خير قيام، واستطاع أن يجتذب الكلبة الصغيرة «بوبيتا» بعيدًا عن الفيلا، فاضطرَّ «شحتة» وزوجته أن ينتظرا الكلبة وهما في غاية القلق.

وفي هذه اللحظة حضر «تختخ» فوقف بجوار الفيلا، يتحدث مع الأصدقاء، وسمعوا صوت محرك سيارة، فقال «تختخ»: من غير المعقول أن يكون هذا هو المفتش «سامي»، فالمسافة بين القاهرة والمعادي لا يمكن قطعها إلا في نصف ساعة، وفعلًا لم تكن العربة هي عربة المفتش «سامي»، بل كانت سيارة أخرى حضرت لأخذ «شحتة» وزوجته.

ولاحظ «تختخ» أن سائق السيارة هو نفس الرجل الذي قابَلَه أمس ليلًا، وظن أنه «شحتة»، وتأكد أنه عضو في العصابة، ولكن لم يكن في إمكان «تختخ» أن يفعل أي شيء، ما دام المفتش «سامي» لم يصل.

وقفت «نظيمة» في الشارع، وأطلقت صفيرًا طويلًا، فظهرت «بوبيتا» في طرف الشارع، فنادت عليها «نظيمة»: «بوبيتا … بوبيتا … تعالَي حالًا … سوف نغادر المكان الآن.» وكأن «بوبيتا» فهمت ما قالته «نظيمة»، فقد تركت اللعب مع «زنجر» وحضرت مسرعة، وأدرك «تختخ» أن «شحتة» وزوجته سيغادران المكان قبل حضور المفتش «سامي»، ولكن في هذه اللحظة ظهر الشاويش «فرقع» الذي كان يقود دراجته متعبًا، فأسرع إليه «تختخ» وقال: أيها الشاويش … أرجو ألا تجعل «شحتة» و«نظيمة» يُغادِران المكان، هناك أمورٌ هامة يجب أن يبقيا من أجلها، حتى حضور المفتش «سامي».

رد «فرقع» في كبرياء بعد أن سمع «تختخ» يرجوه: لا تتدخَّل فيما لا يعنيك، لقد طلبت منك عشرات المرات أن «تفرقع» من أمامي، أنت وهؤلاء الأطفال الأغبياء.

تختخ: أرجوك أيها الشاويش هذه مسألةٌ خطيرة جدًّا، والمفتش «سامي» …

وقبل أن يكمل «تختخ» جملته صاح الشاويش: المفتش «سامي» … المفتش «سامي» … إنك تُهدِّدُني … وأنا لا أسمح لأحدٍ أن يهددني، «فرقع» من هنا.

لم يجد «تختخ» فائدةً من التفاهم مع الشاويش، فأسرع إلى «مُحب» وهمس في أذنه ببضع كلمات.

سمع «مُحب» كلام «تختخ» فاتجه بدراجته مسرعًا ناحية السيارة، التي كان «شحتة» يضع فيها حاجاته، ثم تظاهر «مُحب» أنه وقع بقرب السيارة، وبسرعة مد يده وأخذ يفرغ الهواء من عجلة السيارة، سمع السائق صوت الهواء وهو يخرج في صفير، فأسرع إلى «مُحب» ليَمنعه.

ومرة أخرى تظاهر «مُحب» أن توازنه قد اختل، واصطدم بالسائق ووقعا معًا على الأرض.

رأى الشاويش كل ما حدث فأدرك أنه وجد فرصةً ذهبية لمعاقبة هؤلاء الأولاد المشاغبين، وأسرع إلى «مُحب» يُمسكه وهو يصيح: لقد وقعتم في يدي هذه المرة، سوف أنتقم منكم انتقامًا رهيبًا، حتى لا تتدخَّلُوا فيما لا يعنيكم.

أسرع «تختخ» والأولاد إلى الشاويش، يتظاهرون بمحاولة الاعتذار إليه، في حين كان السائق قد انحنى على العجلة وهو يصيح: «لقد أفسدوا العجلة، ولا بدَّ من استبدالها.»

ابتسم «تختخ» عندما أدرك أن خطته قد نجحت، وقال للشاويش «فرقع»: يا حضرة الشاويش، لا تضع يدك على «مُحب»، فإنك تُعطلُه عن أداء واجبه.

ذهل الشاويش عندما سمع هذا الكلام، وترك «مُحب» والتفت إلى «تختخ»، ولكن قبل أن يقول كلمةً واحدة، ارتفع صوت عدد من السيارات مقبلة مع بعضها، ثم وقفت السيارة الأولى وفتح بابها، ونزل منها المفتش «سامي».

اتجه «سامي» إلى حيث كان الأولاد و«فرقع» يقفون، وقال: صباح الخير … ماذا يحدث هنا؟

تختخ: صباح الخير أيها المفتش … لقد وصلت في الوقت المناسب للقبض على السبع وزوجته.

المفتش: هل أنت مصرٌّ على أقوالك؟

تختخ: بالطبع يا سيادة المفتش، لقد وعدتك في التليفون أن أُسلِّمَك العصابة، وربما اللوحة أيضًا … ولكن أرجو أن تُقنعَ الشاويش أن يتركنا نقوم بواجبنا؛ فهو يريد القبض علينا.

نظر المفتش إلى الشاويش الذي وقف مذهولًا لا يُصدِّق ما يسمع.

وفي هذه اللحظة، ظهر «شحتة» وزوجته على باب الحديقة متجهين إلى السيارة، فأشار إليهما «تختخ» قائلًا: أرجو يا سيدي المفتش أن تقبض على هذَين الشخصين.

المفتش: ولكن … ليس هناك شيء ضد «شحتة» وزوجته.

تختخ: طبعًا، ولكن هذا ليس «شحتة» ولكنه «السبع» … وهذه ليست نظيمة، ولكنها «ثُريا».

وتقدم «تختخ»، ثم جذب شعر «شحتة» فخرج في يده، ثم جذب شاربه، ثمَّ الكوفية التي يلبسها … فظهر «السبع» كما يعرفُه المفتش.

أشار المفتش إلى رجاله، فألقوا القبض على «السبع» وعلى «نظيمة»، التي ما كادَ «تختخ» يطلب منها خلع أدوات التنكر، حتى اتضح أنها «ثريا» كما قال، كما قبض رجال الشرطة على السائق أيضًا.

قال المفتش بإعجابٍ شديد: إنني لا أكاد أصدق ما أرى أيها الصديق الصغير، فهل يُمكن أن تشرح لي كيف استطعت التوصل إلى كل هذا.

ضحك «تختخ» وتجمَّع رجال الشرطة والأصدقاء حول «تختخ» والمفتش.

ونظر «تختخ» إلى فوق، وأطلق صيحة البومة، فرد عليه «نور» الذي ترك عش النسر ونزل مسرعًا.

وعندما وصل «نور» إلى حيث يقف الجميع قال «تختخ»: سيدي المفتش، يسرني أن أقدم لك صديقنا «نور»، الذي شارك بدورٍ كبير في القبض على عصابة «السبع».

مدَّ المفتش يده فصافح «نور»، ثم قال: والآن، هل تتفضل فتروي لنا القصة كلها.

تختخ: لقد بدأت الحكاية بالحلم الذي حلمه «نور» ذات ليلة، فقد حلم أنه سمع صوت موتور سيارة … وصوتًا آخر يقول: «طاش، طاش.» … وصوت شوك وسكاكين … وفي الحقيقة أنه لم يكن يحلم، ولكن الصوت لم يكن صوت موتور سيارة، لقد كان صوت موتور «لنش»، وكان في هذا اللنش «السبع» وزوجته «ثريا» اللذان حضرا عن طريق النيل، ثم أوقفا اللنش بعيدًا عن الشاطئ، حتى لا يَلفِت شكله نظر رجال الشرطة، وعندما روى لي «نور» هذا الحلم، قمت بزيارة الفيلا ليلًا، فلاحظت اختفاء قطعة البلاستيك التي تشبه العظمة، فأدركت أن «ثريا» هي التي أخذتها لتُعطيَها ﻟ «بوبيتا».

وعندما زرت الكوخ في صباح اليوم التالي، وأنا في ثياب كشاف الكهرباء لاحظت أن «نظيمة» تُعامل «بوبيتا» معاملةً طيبة، تمامًا كما قال لي «نور» الذي كان يراقب كل شيء من فوق هذه الشجرة.

المفتش: مُدهش جدًّا … ثم ماذا أيضًا؟

تختخ: ثم رأيت على الأرض بعض دبابيس الرسم، ففكرت في اللوحة، فهذه الدبابيس استعملت في تثبيت الورق حول برواز اللوحة حتى لا يراها أحد …

المفتش: ولماذا لم تتَّصل بي عندما وصلت إلى هذا الحد؟

تختخ: في الحقيقة كنت ما زلت أشك في هذه الاستنتاجات كلها، حتى كانت ليلة أمس عندما تنكَّرت في شكل «شحتة» …

وهنا صاح الشاويش فرقع: … أنت، أنت، أنت «شحتة» الثاني؟!

المفتش: لا داعي لمقاطعة «تختخ» أيها الشاويش.

تختخ: نعم، لقد كنت أنا «شحتة» الثاني أيها الشاويش، ولم أكن شبحًا كما تصوَّرت … المهم … عندما حضرت ليلًا، وجدت نارًا مشتعلة في الحديقة، وعندما فتشت في هذه النار، وجدت قطعة طويلة من الخشب المدهون باللون الذهبي، وهو الخشب الذي تُصنع منه البراويز، فأدركت أن اللوحة قد عادت إلى المعادي، وأن «السبع» يتخلص من البرواز لأنه كبير، ومن الأفضل له أن يأخذ اللوحة معه كقطعة قماش عادية لا تلفت الأنظار.

وسكت «تختخ» قليلًا، وقد وقف الجميع ينظرون إليه في إعجابٍ شديد!

فقال المفتش: استمر يا «تختخ»، أيها الشرطي البارع.

تختخ: ثم وقع «السبع» في خطأ كبير جعَلني أتأكَّد أن «شحتة» الأصلي قد غادر المكان، وأن «شحتة» الموجود ليس إلا «السبع» مُتنكرًا.

السبع: أي خطأ … إنني لم أرتكب أيَّ خطأ.

تختخ: بل أخطأت، فعندما رأيتني وأنا مُتنكِّرٌ في ثياب «شحتة» ظننتني هو، وقلت لي: «لماذا عدت؟» هل حدث شيء، ولو كان «شحتة» الأصلي هو الذي يُحدثني لما قال هذا الكلام.

صاحت «ثريا» غاضبة: أيها الغبي … لقد أوقعتَنا بغبائك.

المفتش: لا تغضبي يا سيدتي، فقد كنتم ستقعُون بأي شكل؛ فالمُجرِم لا بد أن يقع في يد العدالة.

تختخ: وعندما ربطت كل هذه الحقائق بعضها ببعض، أدركت أن «السبع» سيُغادر المعادي، كما حضر عن طريق النيل، فقمت بإبعاد القارب عن الفيلا حتى لا يستخدمه.

ثار «السبع» عندما سمع هذا الكلام وصاح: إذن فأنت الذي أخذت القارب؟

تختخ: نعم … ومعذرة عن هذه السرقة المؤقتة … ولكن القارب ليس بعيدًا، وسأعيده إلى الفيلا حالًا.

المفتش «سامي»: لقد حققت معجزةً أيها المغامر الممتاز، ولكن بقي شيء هامٌّ!

تختخ: ما هو؟ …

المفتش: اللوحة … أين اللوحة؟

تختخ: قلت لك إنك ستقبض على «السبع» وزوجته، وقلتُ إنني سأُحاول أن أجد اللوحة أيضًا … والآن فلنحاول …

السبع: إنك لن تجدها أبدًا … فهي ليست هنا!

تختخ: لا بأس … دعنا نُحاول على كل حال.

كانت السيدة «ثريا» تحمل السلة التي تنام فيها «بوبيتا»، وقد جلست فيها تتفرَّج على ما حدث، فاتجه إليها «تختخ» وقال: أنت أيضًا أخطأت يا سيدتي … فعندما دخلتُ الكوخ لأكشف على عداد النور، لاحظت أنك تنامين على مفارشَ نظيفة أخذتِها من الفيلا … فعرفتُ أنك السيدة «ثريا»، التي اعتادت النوم على المفارش الغالية النظيفة، وليست «نظيمة» زوجة البواب.

ثم مدَّ «تختخ» يده قائلًا: وهذا خطأٌ آخر … فليس من المعقول أن تقضي كل هذه المدة التي تحدثنا فيها، وأنت تحملين سلة «بوبيتا»، إلا إذا كان في السلة شيءٌ مُهمٌّ جدًّا تخافين عليه … اللوحة مثلًا!

وأخذ «تختخ» السلة منها، وأنزل «بوبيتا» بهدوءٍ إلى الأرض، ثم مدَّ يده في السلة وأخرج قطعةً صغيرة من القماش ناولها ﻟ «مُحب»، ثمَّ مد يده مرةً أخرى وأخرج قطعةً أكبر ناولها للمفتش قائلًا: هذه هي اللوحة المسروقة التي قيمتُها عشرة آلاف جنيه، لقد أخفتْها السيدة في آخر مكانٍ يمكن أن يتصوره أحد.

وعندما فرد المفتش قطعة القماش، رأى الجميع في ضوء الشمس اللوحة الثمينة.

•••

بعد هذه الأحداث بساعة، كان المفتش «سامي» يتناول الشاي مع الأصدقاء، ومعهم «نور» في منزل «عاطف»، وقال المفتش: إنني أنتظر اليوم الذي تكبر فيه يا «تختخ» وتُصبح مساعدًا لي … فسوف تكون أعظم مفتش مباحث في الدنيا … وفي ذلك اليوم السعيد أرجو أن تحل لنا ألغازًا أخرى …

رد «تختخ» وقد احمرَّ وجهه: شكرًا لك يا سيدي … وحتى ذلك اليوم السعيد، أعدك بأن أحل ألغازًا أخرى.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤