أكلنا هو نفطنا

من الورقة إلى الدوسرة إلى الطاجن

استيقظت البنت في الصباح مجبورة ومسرورة، وقد أكلتْ حتى شبعت، وقالت وهي تتقصع وتتمطع: حدِّثني يا حماري الوحشي عن القضايا الفكرية والفقهية الأخرى، التي تشغل بال علمائكم وتضيق بها صدور فقهائكم، قلت: الواقع، أيتها البنت المتكركرة، أن لدينا مسائل خطيرة ومشاكل كبيرة، ولكن علماءنا الأفاضل لا تفوتهم واردة ولا شاردة، وأخطر مشاكلنا الآن هي الذبابة، ولكن الحل جاء على لسان شيخ العلماء وفي التلفزيون، وقد أفتى، أكرمه الله، أن الذبابة إذا غمست جناحها في طعام وجب على الذي يأكل أن يغمس جناحها الآخر؛ لأن في أحد جناحيها داءً وفي الآخر دواء!

قالت: غريبة … وهل لا يزال عندكم ذباب؟ قلت: الذباب عندنا ثروة قومية، ونحن نحافظ على الذباب باعتباره أرواحًا خلقها الله، ونحن لا نقتل نفسًا بغير ذنب!

قالت: ولكن الذباب انقرض من معظم أنحاء العالم، عندنا في أوروبا لا يوجد ذباب إلا في الأماكن القذرة، وفي الصين لا توجد ذبابة، وفي اليابان من يقتل ذبابة دخل الجنة وعلى رأسه قنديل، وقيل: قنديلان!

قلت: لأنكم لم تدركوا الحكمة من وجود الذباب؛ إن في بلادنا مثلًا ذبابة مستوظفة في التليفزيون، وهي تظهر دائمًا مع كل متحدث ومع كل ضيف ومع كل مطرب، ولقد اعتاد عليها المتفرجون وألِفوها؛ لدرجة أن المشاهدين إذا افتقدوها لحظةً، أدركوا أن الجهاز أصابه عطل فني أو خلل هندسي، ولو لم يكن الذباب في بلادنا، لَما بدت لنا عظمة الخالق في وفرة وروعة الألوان التي اختص الله بها الذباب دون خلق الله. ولو أننا، يا ست يا حلوة، نهجنا على دربكم ونسجنا على منوالكم وقضينا على الذباب في بلادنا، فكيف كنا نستطيع أن نغمس جناحها الآخر في الطعام لو أنها غمست جناحها الأول؟

قالت: وهل لا تزالون تناقشون أمور الذبابة حتى الآن؟

قلت: لا بالطبع … هذه كلها أمور ثانوية، أما الأمر الرئيسي الذي يشغلنا الآن، فهو أمر على جانبٍ عظيم من الخطورة لم نصل فيه إلى حل بعد، ولا أعتقد أننا سنفعل ذلك في المستقبل القريب.

قالت: فهمت، لا بد أنه موضوع الطاقة الذي يشغلكم، إنه شغل العالم الشاغل الآن.

قلت: بالعكس، هذا موضوع ثانوي في بلادنا وهايف وعلى الهامش، إن الطاقة متوافرة والحمد لله، ونحن نستخدمها في تشغيل السيارات الكاديلاك والسيارات الرولزرويس، وأنتم تزودون سياراتكم باللتر، ونحن نصب فيها البنزين حتى يسيل، ونقول في بعض الأماكن: إترس، وفي بعض الأماكن: زوِّد (بتشديد الواو) وفي بعض الأماكن: فوِّل (أيضًا بتشديد الواو)، وفي بعض الأماكن: إملا، وفي كل الأماكن نحن نصب البنزين في السيارة حتى يفيض على الأرض، تمامًا كما كنا نصب الخل في الزيت منذ ألف عام، والنتيجة أن ما تشربه الأرض من البنزين أضعاف ما تشربه السيارات.

قالت: ولكن لماذا؟

قلت: مجرد وجاهة ومظاهر ونفخة كدابة واستعراض لقدرة الجيب والرصيد!

قالت: غريبة … ولماذا لا تقتصدون في الطاقة وتحرصون عليها.

قلت: لأن الطاقة الوحيدة التي نحرص عليها هي طاقة فحولتنا، ونحن نستورد من المقويات أضعاف ما نستورد من اليورانيوم، وأغلب إعلاناتنا عن كيف تستعيد رجولتك وكيف يستعيد الشيخ صباه!

قالت: واضح يا مضروب أن الطاقة عندكم متوافرة؛ فأنت رغم أن شكلك عدمان وصدمان، إلا أنك ولا المرحوم ليستون على حلقات النزال.

قلت: أنا أيضًا حمار وأعيش في العصر الحميري، وأنا على رأي الشاعر:

بذلت لهم نصحي بمنعرج اللوى
فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد
وما أنا إلا من غزية إن غوت
غويت وإن ترشد غزية أرشد

وهكذا ترينَ مني حمارًا أعيش، حمارًا أتصرف، عن غذاء ملكة النحل أبحث في الصباح، وهمومنا كلها تدور حول بطوننا، وكل ما يعنينا هو الطاقة التي تساعدنا على المناكشة والمناغشة والهزار! والأمر هنا يختلف بيننا وبينكم؛ لأنكم ربما اهتممتم بأمور الطاقة لتشغيل موتوراتكم، ومواصلة العمل في مصانعكم، وزيادة الإنتاج في معاملكم، أما نحن فأغلب المصانع عندنا هي محلات ويمبي، وكل الموتورات هي ثلاجات وبوتاجازات وكاديلاكات، وكل معاملنا هي للطرشي والجبنة والعرقي الممتاز.

قالت: الآن فهمت لماذا أنتم هكذا فحول، هكذا عجول، هكذا تيران، أكلكم هو نفطكم؛ لزوم تشغيل الموتورات داخل أجسامكم، يا بختكم!

قلت: أما أكلنا الذي وصفتِه بأنه نفطنا، فهو كذلك طواجن، من غير مؤاخذة، كسفينة نوح فيها من كل صنف زوجين، بصل بالشِّوال، وتوم بالأقة، ولحم ملبِّس وطماطم معصورة، وطماطم ترانشات وفلفل أخضر بارد وفلفل أخضر حراق، وفي الطاجن قنطار توابل؛ حَب الهال، جوزة الطيب، كاري، بهارات، فلفل أسود بالحفان، زعتر وقرنفل، لا بأس من وجود عود نعناع في الطاجن حتى تستقيم الأحوال، إذا أكل منه واحد أوروبي ذهب إلى المستشفى في الحال، وإذا وصلت روائحه إلى خياشيم واحد خواجة احتاج إلى غرفة الإنعاش، وربما بقي فيها لمدة عام، ولكن الراجل عندنا يسفح الطاجن ويتحسس كرشه ويتجشأ ويطلق ما شاء من الغازات من ذوات المشموم وذوات المسموع، ويقول: هل من مزيد! وعندنا ورقة لحمة يختلط فيها الورق باللحم بالعظم بقطع الخضار المشكل، وهي أكلة من اختراع بلاد نيام نيام؛ لأن من يأكل ورقة لحم في عز شهر طوبة، يسقط نائمًا على الفور، وقد تمتد نومته، كأهل الكهف، إلى مائة عام، عندنا الدوسرة؛ وهي علبة أول شروطها أن تكون بلا لحام، وهو نوع من العلب منتشر في بلادكم ومستخدم في تعبئة البسكويت والحلويات، ولكننا نستخدم الدوسرة في صنع أكلات لو عرفها العرب أيام زمان، لما كان هناك حرب البسوس ولا حرب داحس والغبراء؛ نضع دكر البط المزغَّط في الدوسرة، ونصب في العلبة رطلين سمن بلدي من أفخر الأصناف وعشر دست من فصوص التوم وحفنة فلفل أسود وعشر حبات من جوز الطيب، ثم نضع العلبة على باب الفرن لكي تنضج على نار خفيفة، وقد يستغرق نضجها عدة أيام، وآه لو التهمها سبع ضارٍ من سباع الغاب، إذن لأصابه الوخم، ونسي طبيعته المتوحشة، ونام في الغابة، وربما أكله ذئب صايع أو كلب جائع أو ضبع جربان.

تأوهت البنت وتنهدت وقالت: يا حظ نسوانكم كما قلت من قبل.

قلت: أما عن نسواننا فهم آخر غُلب وآخر كَرب، والسبب أن نسواننا سمراوات ونحن نعشق اللحم الأبيض، ومن أجل امرأة أوروبية أو أمريكية أو حتى أسترالية، فنحن نلطم الخدود ونشق الجيوب ونبكي على الأطلال، ويتنازل الواحد منا عن كل شيء في نظير وصال مع امرأةٍ لحمها أبيض كالقشطة، عيونها زرق كالبحر، شعرها أصفر كالرمال الصحراء … فاللحم الأبيض هو غايتنا.

قالت وهي تغمز بعينيها: سرحت بنا يا ملعون في متاهات وبحور، وفتحت نفسي يا مضروب للمناغشة، فهل ذكرت لي بسرعة عن أخطر الأمور التي تشغل بال بعض علمائكم ويضيق بها صدور بعض فقهائكم؟ لقد حوَّمت حول الموضوع، ولكنك لم تتعرض إلا لموضوع الذبابة.

قلت: غير موضوع الذبابة هناك موضوع الدخان؛ فلقد وقف أحد علمائنا ذات عمرة وقال للحاضرين: مِن الآن وحتى تنتهي العمرة، سيكون على جانبَي كل منكم ملكان من السماء، وحيث إن ملائكة السماء لا يدخنون ويكرهون الدخان، فسيُحرم المدخن من رفقة الملائكة، ولن تستجيب السماء لدعواته إلى خالق الأكوان.

قالت البنت وقد اندهشت: لماذا اثنان من الملائكة وليس ملاكًا واحدًا؟

قلت: يبدو أن العالم تبعنا لديه تصور بأن هناك عمالة زائدة بين الملائكة المكلفين برفع الدعوات إلى السماء.

قالت البنت: وما الذي حدث بعد ذلك؟

قلت: قطع أغلب الفوج رحلة العمرة وعاد من حيث أتى، ما دامت دعواته لن تستجاب فما جدوى العمرة!

قالت: ولكن لماذا قال العالم هذا الكلام؟ هل يشتغل لحساب شركة تأمين، وتريد، من وراء فتاوى العالم، أن تجبر الناس على ترك التدخين؛ حتى لا تدفع دم قلبها للضحايا الذين يسقطون كل عام تحت تأثير النيكوتين؟

قلت: في الحقيقة … بعض علمائنا يشتغلون في شركات توظيف الأموال.

قالت البنت: غريبة! وهل الأموال تتوظف؟

قلت: ولم لا؟ الأموال تتوظف وتترقى وتتدرج في الوظائف حتى تصل إلى أعلى مربوط، ولكن الذي حدث في بلادنا؛ أنها بعد أن ترقَّت درجةً ودرجتين فُصلت من الوظيفة، وخسر الناس أموالهم على يد عكاريت أطلقوا الذقون حتى الركبتين، وارتدوا الثوب حاسرًا سُنةً عن السلف الصالح، ووضعوا الزبيب على الجباه علامةَ الركوع والسجود، مع أن بعضهم لا يحفظ من القرآن سورة واحدة، ولا يعرف من الأحاديث إلا ما هو منحول وتفصيل؛ للضحك على ذقون الفقراء، أشهرهم في بلادنا كان اسمه الريان، وهو عالم في اللغات، ويتكلم الإنجليزية على طريقة عمال الأورنس الذين كانوا يعملون في الكامبات، وبمساعدة اثنين أو ثلاثة من العلماء، أكلوا أموال الناس بالباطل، وتسبَّبوا في خراب البيوت، وكانوا السبب المباشر في انتحار العشرات، الذين آثروا الموت فرارًا من الفضيحة والجوع ووقف الحال.

قالت البنت وقد شهقت من الذعر: ولكن ما دخل العلماء في هذا الأمر؟

قلت: لقد أفتوا بأن وضع الأموال في البنوك حرام، وقالوا: إن فوائد البنوك ربا، من يقبله يذهب إلى نار جهنم وبئس القرار.

قالت: وأين يضع الناس الفلوس إذا امتنعوا عن وضعها في البنوك؟

قلت: في جيوب الريان متسَع لفلوس الناس.

قالت: وهل يضعونها بدون فوائد أو أرباح؟

قلت: لا … أحيانًا يأخذون عليها مرابحة، وأحيانًا يأخذون عنها بركة.

قالت: ولكنها أرباح على كل حال.

قلت: الأرباح حرام، ولكن هذه مرابحة.

قالت: أرباح أو مرابحة، لا فرق … فالفلوس تربح أو تتكاثر، سيَّان، وهي لا تربح ولا تتكاثر إلا بتشغيلها في عملٍ ما … فما هي الأشغال التي كان يقوم بها السيد الريان؟

قلت: كان لديه مطعم سمك ومحل جزَّار ومحطة بنزين ودكان كباب ومسمط تحول بقدرة قادر إلى محل لبيع المجوهرات.

قالت: إذن كان يشتغل في عدة مئات من الجنيهات.

قلت: بل عدة مئات من الملايين.

قالت: ملايين في مطعم سمك ومحل كباب؟

قلت: هذا هو الذي حصل يا ست يا خواجاية وكان السبب في خراب بيوت الناس.

قالت: ولكن هذا في بلادنا اسمه نصب، ومرتكب هذا الفعل اسمه نصاب.

قلت: حاشا لله! النصاب في الحقيقة هو الذي أفتى بأن البنوك حرام والفائدة حرام؛ لأنه هو الذي جعل الناس تمسك فلوسها عن البنوك وتجري بها نحو الريان، والريان رجل ذكي وانتهز الفرصة، فوظَّف عدة مئات من الجنيهات لإدارة المحلات، وتفرغ بعد ذلك لمزاجه؛ يتزوج كل فترة شابة مليحة، ويكركر أحيانًا أصنافًا باهرة من أصناف المزاج، ويوزع بعض الفتات على أصحاب المال، ويوزع البركة على أصحاب الفتاوى، وما تبقى لإعلانات التليفزيون والجرائد والمجلات.

قالت: والنتيجة؟

قلت: ضرب الرجل بمبة في النهاية وانكشف ستره، فإذا به مفلس وعدمان، وتبدَّدت الفلوس يا وِلداه، وضاع شقا العمر كله بين مزاج الريان وبركة أصحاب الفتاوى وقعدات الخلَّان.

صمتت البنت فترةً ثم صرخت وكأنها اكتشفت سرًّا، وقالت: هذا الريان رجل أعمال له باع طويل في عالم الاقتصاد، لقد امتص الفلوس الزائدة في السوق وقضى على التضخم بطريقةٍ مبتكرة للغاية، ولا بد من توجيه الشكر إليه على كل حال.

قلت: التضخم الذي حدث كان من نصيب المودِعين، تضخُّم في القلب أحيانًا وفي الطحال أغلب الأحيان.

قالت البنت الخواجاية: ولكن هؤلاء المودعين يستحقون ما جرى لهم، فهم الذين أعطوه النقود بدون ضمانات.

قلت: وهل نلوم الريفي الساذج إذا وقع في يد عصابة نصابين من محترفي الإجرام؟

قالت: وهل كل هؤلاء الضحايا أصحاب كل هذه المئات من الملايين؛ هل كلهم سُذج ومن أهالي الريف؟

قلت: بل بينهم أطباء وصحفيون ومحامون ومديرو إدارات ومديرو عموم.

قالت: إذن ذنبهم على جنبهم.

قلت: أيتها البنت الخواجاية، لا تفتين بما لا تدرين، فنحن أبناء العصر الحميري نتبع أوامر السماء.

قالت: وهل أمرتكم السماء بأن تعطوا أموالكم للريان؟

قلت: هي في الحقيقة لم تأمرنا، ولكن الذين أمرونا هم بعض السادة العلماء الأجلاء من أصحاب البركة.

قالت: وهؤلاء العلماء عِلمهم في أي فرعٍ من فروع الاقتصاد؟

قلت: لا علاقة لهم بالاقتصاد، ولا حتى بالتدبير المنزلي، ولكنهم علماء في طريقة الاستنجاء، ومختصون في معرفة نوع الملائكة وهل هم ذكور أم إناث.

قالت: وما علاقة هذا العلم بأعمال البنوك وخفايا الاقتصاد؟

قلت: عندنا في العصر الحميري البساط أحمدي، وكل شيء ممكن عندنا ومسموح ومباح؛ كابتن كورة يتحول إلى ممثل، ممثل يصبح مخرجًا، نصاب يتحول إلى صاحب شركات، مخرج يقوم بمهمة الإفتاء، كمساري يتحول إلى مؤرخ، مناضل يتفرغ لأعمال الكهرباء، شاب صغير لم تنبت لحيته بعد … ينصِّب نفسه أميرًا للإسلام، الحياة عندنا سهلة، والسكك كلها مفتوحة وسالكة، ومجتمعنا يشبه مولد سيدي حمزة، وكل واحد على كيفه؛ يصرخ، يشتم، يقرأ، يلحن، يغني، يتاجر، يرقص، ينشل، المهم أن المولد شغَّال، والنور مُضاء، والأمور عال العال.

قالت: إذن أنتم تعيشون في فرح دائم، وفي حالة من الانبساط على الدوام.

قلت: المظهر العام كما تقولين، ولكنك لو دققت النظر في وجه كل واحدٍ موجود في المولد، فسوف تكتشفين مدى التعاسة التي ترتسم على الوجوه؛ أضواء المولد المبهرة تخفي الهالات السوداء حول العيون، ودقات الطبول تطغى على زقزقة عصافير البطون، هو مولد فعلًا، وفي المولد ذبائح ذُبحت وأناجر فتَّة وبراميل طرشي وموائد مُدت، ولكن الذي حدث أن الذين أكلوا هم الفهلوية والنصابون، وتمكَّن أيضًا من الوصول إلى الموائد الممدودة بعض أصحاب العضلات المفتولة وبعض أصحاب الحيل، أما بقية أهل المولد فلم تصل أيديهم إلى الأناجر، ولم تتذوق أفواههم طعم الفتة، صحيح أنهم شموا رائحة الطعام ولكنهم لم يأكلوه.

قالت البنت وقد سرحت بعيدًا: هؤلاء ذنبهم على جنبهم؛ لأنك تعلم أن الحياة للأقوى، وفي الغابة لا يشبع إلا المفترس، ولا يأكل إلا القادر على القنص، أما الوحش المريض والتعبان والعجوز وفاقد المخالب والأنياب، فلا مكان له على المائدة، وليس له من الوجبة نصيب.

قلت: هذا في الغابة يا خواجاية، أما في المجتمع.

قاطعتني البنت وزغدتني في صدري وقالت: لم يعد هناك فرق.

قلت: هل عندكم نفس الشيء؟

قالت: عندنا أبشع؛ لأنك لكي تحصل على الفتات، فلا بد أن تظل مربوطًا في العجلة، لا يفكون وثاقك إلا عند النوم، عندكم أرحم أيها الحمار الصغير؛ لأنكم قد لا تأكلون، ولكنكم لا تعملون أيضًا … والأكل عندنا ليس لحشو المعدة، ولكن لإمداد الجسم بالطاقة ليكون قادرًا على الإنتاج، وما دمتم لا تعملون، فما حاجتكم إلى الطعام؟ خبرني!

وبعد أن قالت الخواجاية هذا الكلام، أمسكت عن التعليق وسرحت وراء الغمام، فنظرت إليَّ البنت نظرةً نارية، وقالت: شكلك وأنت ساكت يثبت فعلًا أنك من فصيلة الحمار.

وعندما حاولت أن أنكشها، صدتني وردتني قائلة: ولكنك لم تقُل لي يا حماري الصغير، هل كل أبناء العصر الحميري حمير مثلك؟ أليس عندكم ألقاب ورتب ودرجات؟

قلت: هذا حديث يطول شرحه يا ست يا خواجاية، فدعي هذا الحديث إلى الغد.

١ / ٢ / ١٩٩٠م

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤