الوصايا العشر

قرأت أن أمريكيًّا من رجال الأعمال وضع لنفسه وصايا عشرًا، وعنونها «عهد وثيق» وكتبها على بطاقة، وآلى أن يقرأها كل يوم صباحًا عند الإفطار، وأن يبذل كل جهده للعمل بها وهي:
  • (١)

    سأكرم نفسي: لأني أستطيع أن أعتزل كل أحد إلا نفسي، أعيش معها كل وقتي، آكل معها، وأنام معها، وأقيم معها وأرحل معها، فعليّ عهد ألا آتي بعمل يخجلها.

  • (٢)

    سأكون طموحًا لا أقنع بما أنا فيه، بل أجعل نصب عينيّ أن أكون خيرًا مما أنا عليه، ومن أجل هذا لا أكره أن تظهر نقائصي، فذلك أقرب إلى معالجتها وإصلاحها، وهذا يجنبني الزهو بنفسي، ويحملني على أن أعمل دائمًا في بنائها.

  • (٣)

    سأراقب ما يدخل في ذهني من أفكار، لأنها ذات أثر فعال، فهي إما أن تبنيني أو تهدمني، ولذلك سأغلق باب ذهني عن كل أفكار الفشل، وأفكار الرعب والخوف وأفكار اليأس، وسأحرم دخولها إلى ذهني كما أحرم الأكل السام إلى معدتي.

  • (٤)

    سأكون أمينًا مع نفسي ومع غيري، سأكون أمينًا في السر والعلانية، أمينًا وحدي وأمينًا مع الناس، أشعر إذا قربت من الخيانة أنها كالنار ترعى جسمي.

  • (٥)

    سأعنى بجسمي، فمنه أستمد القوة والصبر على العمل، وهو فوق ذلك وسيلة من وسائل الأخلاق الطيبة، لا أتلفه بالإفراط، ولا أحمله ما لا يطيق، لا أسرف في العمل، ولا أسرف في الكسل، سآكل وأشرب بحكمة، لا أعلف جسمي كما تُعلف الدواب، ولكن أنهج معه نهجًا يحفظ عليه صلاحيته.

  • (٦)

    سأعمل على ترقية عقلي، فأغذيه كل يوم كما أغذي جسمي، وأدرس دراسة دقيقة منظمة لنوع من المعارف أتخذه هوايتي.

  • (٧)

    سأحتفظ بحماستي وحرارة عواطفي باعتدال وابتهاج، فلا أشكو ولا أتبرم، ولا أتشاءم ولا أصادق المتشائمين اليائسين، وأتحمس للخير والجد والعمل في فرح ونشاط.

  • (٨)

    سأكون أميل إلى مدح الناس وتقريظهم من ذمهم وتعييرهم وتعييبهم، وسأقول الخير وأبذل الثناء للناس في وجوههم ومن ورائهم، وأما ما أكرهه منهم وأعيبه عليهم وأحتقره من فعالهم فسأحتفظ بإفرازه إلى أن أعود إلى بيتي.

  • (٩)

    سأحتفظ بمجهودي وطاقتي، فلا أسرف في إنفاقها في غير فائدة، فلا أجادل من لا فائدة في جدله، ولا أغضب إذ لا فائدة في الغضب، ولا أحقد فالحياة أقصر من أن تضيع في حقد.

  • (١٠)

    سأنجح في الحياة، وسأنجح مهما صادفني من عقبات، وإذا وُضع في طريقي أحجار أزلتها، وسأضع كل قلبي في عملي، وأواجه كل الصعاب من غير خوف، وأعتقد أن الحظ الحسن يتبع الجد والشجاعة.

الإمضاء
«نفسي»

•••

هذا عهد أمريكي، وقد أذكرني بعهد عربي قديم وضعه لنفسه (ابن) مسكويه من نحو ألف عام، نقتطف منه ما يأتي «هذا ما عاهد عليه أحمد بن محمد، وهو يومئذ آمن في سربه، معافى في جسمه، عنده قوت يومه، لا تدعوه إلى هذه المعاهدة ضرورة نفس ولا بدن، ولا يريد بها مراءاة مخلوق، ولا استجلاب منفعة، ولا دفع مضرة».

عاهده على أن يجاهد نفسه، ويتفقد أمره فيعف ويشجع ويحكم وعلامة عفته أن يقتصد في مآرب بدنه حتى لا يحمله الشره على ما يضره جسمه، أو يهنك مروءته.

وعلامة شجاعته أن يحارب دواعي نفسه الذميمة حتى لا تقهره شهوة قبيحة، ولا غضب في غير موضعه.

وعلامة حكمته أن يستبصر في اعتقاداته حتى لا يفوته بقدر طاقته — شيء من العلوم والمعارف ليصلح نفسه ويهذبها.

وعاهده على إيثار الحق على الباطل في الاعتقادات، والصدق على الكذب في الأقوال، والخير على الشر في الأفعال، والتمسك بالشريعة ولزوم وظائفها، وحفظ المواعيد حتى ينجزها.

ومحبة الجميل لأنه جميل لا لغير ذلك.

والصمت في أوقات حركات النفس للكلام حتى يستشار فيه العقل.

والإقدام على كل ما كان صوابًا، والإشفاق على الزمان الذي هو العسر، فيُستعمل في المهم دون غيره.

وترك الاكتراث لأقوال أهل الشر والحسد حتى لا يُشغل بهم.

وذكر المرض وقت الصحة، والهم وقت السرور، والرضى عند الغضب، ليقل الطغي والبغي.

وقوة الأمل وحسن الرجاء والثقة بالله عز وجل.

•••

ومجال القول ذو سعة في الموازنة بين العهدين، ومقارنة أثر العصرين، ونتاج الحضارتين، وفي كل خير.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤