استدراك على البحور الستة عشر السابقة

كلُّ ما خرج عن هذه الأوزان الستة عشر فليس بشعر عربي، وما يُصاغ على غير هذه الأوزان فهو عمل المولَّدين الذين رأوا أن حصر الأوزان في هذا العدد يُضيِّق عليهم مجال القول، وهم يريدون أن يجري كلامهم على الأنغام الموسيقية التي نقلتها إليهم الحضارة، وهذه لا حدَّ لها، وإنما جنحوا إلى تلك الأوزان؛ لأن أذواقهم تربَّت على إلفها، واعتادت التأثُّر بها؛ ثم لأنهم يرون أن كلامًا يوقَّع على الأنغام الموسيقية يسهل تلحينُه والغناء به، وأمر الغناء بالشعر العربي مشهور، ورغبةُ العرب فيه خصوصًا في هذه «المدينة العباسية» أكيدة.

لذلك رأينا أن المولَّدين لم يطيقوا أن يلتزموا تلك الأوزانَ الموروثة من العرب؛ فأحدثوا أوزانًا أخرى؛ منه ستة استنبطوها من عكس دوائر البحور، وهي:
  • (١)
    المستطيل: وهو مقلوب الطويل، وأجزاؤه «مفاعيلن فعولن مفاعيلن فعولن» مرتين، كقول القائل:
    لَقَدْ هَاجَ اشْتِيَاقِي غَرِيرُ الطَّرْفِ أَحْوَرْ
    أُدِيرُ الصَّدْغَ مِنْهُ عَلَى مِسْكٍ وَعَنْبَرْ
  • (٢)
    الممتد: وهو مقلوب المديد، وأجزاؤه «فاعلن فاعلاتن فاعلن فاعلاتن» مرتين، كقول القائل:
    صَادَ قَلْبِي غَزَالٌ أَحْوَرُ ذُو دَلَالِ
    كُلَّمَا زِدْتُ حُبًّا زَادَ مِنِّي نُفُورَا
  • (٣)
    المتوافر: وهو مُحرَّف الرمل، وأجزاؤه «فاعلاتنَ فاعلاتنَ فاعلن» مرتين، ومثاله:
    مَا وُقُوفُكَ بِالرَّكَائِبِ فِي الطَّلَلْ؟!
    مَا سُؤَالُكَ عَنْ حَبِيبِكَ قَدْ رَحَلْ؟!
    مَا أَصَابَكَ يَا فُؤَادِي بَعْدَهُمْ؟!
    أَيْنَ صَبْرُكَ يَا فُؤَادِي مَا فَعَلْ؟!
  • (٤)
    المُتَّئِد: وهو مقلوب المجتث، وأجزاؤه «فاعلاتن فاعلاتن مستفع لن» مرتين، وقد نظم منه بعض المولدين:
    كُنْ لِأَخْلَاقِ التَّصَابِي مُسْتَمْرِيًا
    وَلِأَحْوَالِ الشَّبَابِ مُسْتَحْلِيًا
  • (٥)
    المنسرد: مقلوب المضارع، وأجزاؤه «مفاعيلن مفاعيلن فاع لاتن» مرتين، وقد نظم منه بعضهم:
    عَلَى الْعَقْلِ فَعَوِّلْ فِي كُلِّ شَانِ
    وَدَانِ كُلَّ مَنْ شِئْتَ أَنْ تُدَانِي
  • (٦)
    المطرد: صورة أخرى من مقلوب المضارع، وأجزاؤه «فاعلاتن مفاعيلن مفاعيلن» مرتين، كقول بعضهم:
    مَا عَلَى مُسْتَهَامٍ رِيعَ بِالصَّدِّ
    فَاشْتَكَى ثُمَّ بَكَانِي مِنَ الْوَجْدِ

ومن الأوزان التي استحدثوها ما فعله أبو العتاهية، فقد ذُكِر أنه نظم على أوزان لا تُوافق ما استنبطه الخليل؛ إذ جلس يومًا عند قصَّار، فسمع صوت المدق فحكى وزنه وهو:

لِلْمَنُونِ دَائِرَا
تٌ يُدِرْنَ صَرْفَهَا
فَتَرَاهَا تَنْتَقِينَا
وَاحِدًا فَوَاحِدَا

فلما انتُقد في هذا قال: أنا أكبر من العَروض.

ومن أشهر ما استُحدث غير ما تقدم: الفنون السبعة وهي: السلسلة، والدوبيت، والقوما، والموشح، والزجل، والكان وكان، والمواليا (والموشحات والأزجال من اختراع الأندلسيين، وتبعهم فيها المشارقة).
  • (١)
    فالسلسلة أجزاؤه: «فعلن فعلاتن مفتعلن فعلاتان»، ومنه:
    السِّحْرُ بِعَيْنَيْكَ مَا تَحَرَّكَ أَوْ جَالْ
    إِلَّا وَرَمَانِي مِنَ الْغَرَامِ بِأَوْجَالْ
    يَا قَامَةَ غُصْنٍ نَشَا بِرَوْضَةِ إِحْسَانْ
    أَيَا هَفَتْ نِسْمَةُ الدَّلَالِ بِهِ مَالْ
  • (٢)
    والدوبيت: هو وزن فارسي نَسَجَ على منواله العرب. و«دو» بالفارسية معناها اثنان؛ أي إنه مركب من بيتين، ويُسميه الفرس الرباعيَّ، ولعله لاشتماله على أربعة أشطر، وأوزانه كثيرة، وأشهرها: «فعلن متفاعلن فعولن فعلن» مرتين، ومنه قول ابن الفارض:
    رُوحِي لَكَ يَا زَائِرَ اللَّيْلِ فِدَا
    يَا مُؤْنِسَ وَحْدَتِي إِذَا اللَّيْلُ هَدَا
    إِنْ كَانَ فِرَاقُنَا مَعَ الصُّبْحِ بَدَا
    لَا أَسْفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ صُبْحٌ أَبَدَا

    وهو كما ترى مُتَّحِد القوافي في جميع مصاريعه؛ فإن اختلفت الثالثة منها سُمِّي أعرج، مثل قول شرف الدين بن الفارض:

    أَهْوَى رَشَأً لِيَ الْأَسَى قَدْ بَعَثَا
    مُذْ عَايَنَهُ تَصَبُّرِي مَا لَبِثَا
    نَادَيْتُ وَقَدْ فَكَّرْتُ فِي خِلْقَتِهِ:
    سُبْحَانَكَ مَا خَلَقْتَ هَذَا عَبَثَا
  • (٣)
    القوما: اخترع هذا الفن البغداديون القائمون بالسحور في رمضان، واسمه مأخوذ من قول بعضهم لبعض «قوما نسَّحَّر قوما». وقد شاع هذا الفن ونظموا فيه الزهري والخمر والعتاب وسائر الأنواع، ولغته عامية ملحونة، ووزنه «مستفعلن فعلان» مرتين.

    وأول من اخترعه «أبو نقطة» للخليفة الناصر، وكان يطرب له، فجعل له عليه وظيفة كل سنة، ولما تُوفِّي كان ابنه ماهرًا في نظم «القوما»، فأراد أن يعرفه «الخليفة» ليجري على مفروضه؛ فتعذَّر عليه ذلك إلى رمضان، ثم جمع أتباع والده ووقف أول ليلة من تحت شرف القصر وغنَّى «القوما» بصوت رقيق، فأصغى الخليفة له وطرب، فلما أراد الانصراف قال:

    يَا سَيِّدَ السَّادَاتْ
    لَكْ بِالْكَرَمْ عَادَاتْ
    أنا ابْنُ أبُو نُقْطَهْ
    تَعِش أبُويا مَاتْ

    فخلع الخليفة عليه وجعل له ضعف ما كان لوالده.

  • (٤)
    الموشحات: اخترعها الأندلسيون، وأول من نظمها منهم «مقدم بن معافر» من شعراء الأمير «عبد الله بن محمد المرواني» في أواخر القرن الثالث.

    وقد كسدت هذه الصناعة في أول الأمر حتى نشأ «عبادة القزَّاز» المُتوفَّى سنة ٤٣٣ﻫ فأجاد فيها، وانتقل هذا الوزن إلى المشرق، فنسج المشارقة على منواله، وأوزانه كثيرة منها «مستفعلن فاعلن فعيل» مرتين، مثل:

    يَا جِيرَةَ الْأَبْرَقِ الْيَمَان
    هَلْ لِي إِلَى وَصْلِكُمْ سَبِيلْ

    ومنها «فاعلاتن فاعلن مستفعلن فاعلن» مرتين، مثل موشحة «ابن سناء الملك المصري» المتوفى سنة ٦٠٧ﻫ:

    كَلِّلِي
    يَا سُحْبُ تِيجَانَ الرُّبَى بِالْحُلِي
    واجعلي
    سِوَارَكِ مُنْعَطَفَ الْجَدْوَلِ
  • (٥)
    الزجل: وقد اخترع هذا الفن بالأندلس بعد أن نضجت الموشحات وتناولها الناس بكثرة حركت نفوس العامة، فنسجوا على منوال الموشح بلغتهم الحضرية، وقد كثرت أوزانه حتى قيل: «صاحِبُ ألْفِ وزن ليس بزجَّال.»

    وأول من اخترعه رجل يُقال له: «راشد»، ولكنه لم يُظهر فيه رشاقته كما أبدع فيه بعده «ابن قُزمان» المُتوفَّى سنة ٥٥٥ﻫ، وهو إمام الزجَّالين على الإطلاق.

    ومن قوله فيه:

    وعريش قام على دُكَّانْ
    بحال رواق
    وَأَسَدْ ابْتَلَعْ ثُعْبَانْ
    في غُلْظِ سَاق
    وفتح فمُّو بحال إنسان
    فيه الفواق
    وانطلق يجري على الصفاح
    ولقي الصباح
  • (٦)
    الكان وكان: نَظْمٌ اخترعه البغداديون، وسُمِّي بذلك؛ لأنهم لم ينظموا فيه سوى الحكايات والخرافات.

    فكان قائله يحكي ما كان، حتى ظهر «الإمام ابن الجوزي» والواعظ «شمس الدين»؛ فنظما منه الحِكَمَ والمواعظ، ويصاغ معرب بعض الألفاظ على وزن واحد، وقافية واحدة، ولا تكون قافيته إلَّا مردوفة (ساكنة الآخر، وقبله حرف ساكن)، ومثاله:

    قُمْ يَا مُقَصِّرْ تَضَرَّعْ
    قَبْلَ أَنْ يَقُولُوا كَانْ وَكَانْ
    لِلْبِرِّ تَجْرِي الْجَوَارِي
    فِي الْبَحْرِ كَالْأعَلامْ
  • (٧)
    المواليا: هو من الفنون التي لا يلزم فيها مراعاة قوانين العربية، وهو من بحر البسيط، لولا أن له أضربًا تُخْرِجه عنه.

    وقد ذكروا في سبب نشأته أن «الرشيد» لما نَكَبَ «البرامكة» أمر ألَّا يُرثَوا بشعر، فرثتهم جارية بهذا الوزن، وجعلت تنشد وتقول: «يا مواليا»؛ ليكون ذلك منجاة لها من الرشيد؛ لأنها لا ترثيهم بالشعر المنهي عنه.

    والمواليا في الاصطلاح ثلاثة أنواع:
    • رباعي: وهو ما كان أشطر بيته مصرعة، مثل قول جارية البرامكة:
      يَا دَارُ أَيْنَ الْمُلُوكُ أَيْنَ الْفُرْسْ
      أَيْنَ الَّذِينَ رَعَوْهَا بِالْقَنَا وَالتُّرسْ
      قَالَتْ تَرَاهُمْ رِمَمْ تَحْتِ الْأَرَاضِي الدُّرْسْ
      سُكُوتٌ بَعْدَ الْفَصَاحَةْ أَلِسَنَتهُمْ خُرسْ
    • وأعرج: وهو ما اختلف مصراعٌ منه عن الثلاثة الباقية، مثل قول بعضهم في الوعظ:
      يَا عَبْدُ إِبْكِي عَلَى فِعْلِ الْمَعَاصِي وِنُوحْ
      هُمَّ فِينْ جُدُودَكْ أَبُوكْ آدَمْ وَبَعْدُهْ نُوحْ
      دُنْيَا غَرُورَهْ تِجِي لَكْ فِي صِفة مَرْكِبْ
      تَرْمِي حُمُولْهَا عَلَى شَطِّ الْبُحُورْ وِتْرُوحْ
    • ونعماني: مثل قول بعضهم:
      الأهْيفِ اللِّي بِسِيفِ اللَّحْظِ جَارِحْنَا
      بيدُهْ سَقَانَا الطَّلَا لَيْلًا وَجَارِحْنَا
      رَمَشْ رَمَى سَهْمْ قَطَّعْ بِهِ جَوَارِحْنَا
      آهين على لوعتي في الحب يا وَعْدي
      هَجْرُهُ كَوَانِي وَحَيَّرْنِي عَلَى وَعْدِي
      يَا خِلِّ وَاصِلْ وَوَافِي بِالْمُنَى وَعْدِي
      مِنْ حَرِّ هجرك ومن نار الجَوَى رُحْنَا

الإفلات من قيود القافية

إن الذي دعاهم إلى الإفلات من قيود الوزن (وهو — على زعمهم — ضيق الأوزان في الشعر العربي) قد دعاهم مثله إلى الإفلات من قيود القافية؛ ذلك بأن الشعر العربي إذا زاد المقول فيه على بيت واحد وجب أن يتحد مع الأصل في الوزن والقافية، ولم يُعهَد عن العرب القدماء أنهم قالوا بيتين أو أكثر في معرض واحد إلا جاءوا بذلك من بحر واحد، وجعلوا أواخر الأبيات حرفًا واحدًا مع ما اشترطوا في هذه الأواخر من شروط، ومجموعها هو علم القوافي. حقًّا إن هذا إذا نظرنا إليه نظرة عامة نراه التزامًا شديدًا لم تشترطه لغةٌ غير العربية؛ فأكثر اللغات يكفي فيها شرط الوزن، مع خلاف بين اللغات واللغة العربية فيما يُراد بهذا الشرط أيضًا.

ولكننا ننظر إلى العربية في سابق عهودها، فنجدها قد نهضت بجميع أغراض القول مع اشتراط الوزن والقافية، وكان أكثر كلام العرب شعرًا، ولم يُعرَف أن أحدًا منهم شكا من ذلك أو تبرَّم به أو حاول الخروج عليه، لا في جاهلية ولا إسلام حتى كان العصر العباسي.

فإذا كان بعض الشعراء في العصر العباسي قد تبرَّم بهذين القيدين فليس العيبُ عيبَ اللغة، ولكنه عيب من يحاول ما لا يستطيع، وهو عيب من لا يستكمل الوسائل ثم يريد الطفورَ إلى الغايات.

وما كان لنا أن نُتابع هؤلاء الباغين على العربية الذين يريدون أن يتحيَّفوا جمالَها من أطرافه فننادي معهم بطرح هذه القيود؛ فإنها ليست كما ظنوا قيودَ منع وإرهاق، ولكنها حُجَز زينةٍ، ومعاقدُ رشاقةٍ ونظام، كأنه نظام فريد، لا يَحْسُن إلا إذا رُوعِي فيه التناسق والتناظر.

ومن أمثلة هذه المحاولة المُزْرِية بقدر الشعر ما أورده القاضي «أبو بكر الباقلاني» في كتابه «الإعجاز» من قول بعضهم:

رُبَّ أَخٍ كُنْتُ بِهِ مُغْتَبِطًا
أَشُدُّ كَفِّي بِعُرَى صُحْبَتِهِ
تَمَسُّكًا مِنِّيَ بِالْوُدِّ وَلَا
أَحْسَبُهُ يَزْهَدُ فِي ذِي أَمَلِ

ولكن هذا الناعق لم يجد من يُتابعه؛ لأن الأذن لا ترتاح إلى صنيعه.

ولكنهم قبلوا من ذلك نوعًا سموه «المزدوج»؛ وهو أن يُؤتَى ببيتين من مشطور أيِّ بحر مقفَّيَيْن، وبعدهما غيرهما بقافية أخرى؛ وهكذا.

وقد احتاجوا إلى ذلك وأكثروا منه في نظم القصص الطويلة والحِكَم والأمثال ومسائل العلوم، مما لا يُراد به إلا مجرد الضبط؛ لسهولة الحفظ، وحرموا هذا النوع أن يُسمَّى «قصيدة» مهما طال، وأوَّل من نظم فيه بشار وأبو العتاهية، ثم تتابع عليه الشعراء.

ومن مزدوجة لأبي العتاهية في الحِكَم — وقد سمَّاها ذات الأمثال، وله فيها أربعة آلاف مثل — قوله:

حَسْبُكَ مِمَّا تَبْتَغِيهِ الْقُوتُ
مَا أَكْثَرَ الْقُوتَ لِمَنْ يَمُوتُ
الْفَقْرُ فِيمَا جَاوَزَ الْكَفَافَا
مَنِ اتَّقَى اللهَ رَجَا وَخَافَا
هِيَ الْمَقَادِيرُ فَلُمْنِي أَوْ فَذَرْ
إِنْ كُنْتُ أَخْطَأْتُ فَمَا أَخْطَا الْقَدَرْ
لِكُلِّ مَا يُؤْذِي وَإِنْ قَلَّ أَلَمْ
مَا أَطْوَلَ اللَّيْلَ عَلَى مَنْ لَمْ يَنَمْ
مَا انْتَفَعَ الْمَرْءُ بِمِثْلِ عَقْلِهِ
وَخَيْرُ ذُخْرِ الْمَرْءِ حُسْنُ فِعْلِهِ
مَنْ جَعَلَ النَّمَّامَ عَيْنًا هَلَكَا
مُبْلِغُكَ الشَّرَّ كَبَاغِيهِ لَكَا
مَا عَيْشُ مَنْ آفَتُهُ بَقَاؤُهُ
نَغَّصَ عَيْشًا كُلُّهُ فَنَاؤُهُ
مَا زَالَتِ الدُّنْيَا لَنا دَار أَذَى
مَمْزُوجَةَ الصَّفْوِ بِأَنْوَاعِ الْقَذَى
مَنْ لَكَ بِالْمَحْضِ وَلَيْسَ مَحْضُ
يَخْبُثُ بَعْضٌ وَيَطِيبُ بَعْضُ
إِنَّ الشَّبَابَ حُجَّةُ التَّصَابِي
رَوَائِحُ الْجَنَّةِ فِي الشَّبَابِ

ومن هذا النوع «ألفية ابن مالك» وما على شاكلتها من متون العلوم.

ومما استحدثوه في القافية أيضًا نوع يُسمَّى «المُسمَّط»؛ وهو أن يبتدئ الشاعر ببيت مصرَّع، ثم يأتي بأربعة أقسمة من غير قافيته، ثم يعيد قسمًا واحدًا من جنس ما ابتدأ به؛ وهكذا إلى آخر القصيدة.

وقد نسبوا إلى «امرئ القيس» قوله من هذا النوع:

تَوَهَّمْتُ مِنْ هِنْدٍ مَعَالِمَ أَطْلَالِ
عَفَاهُنَّ طُولُ الدَّهْرِ فِي الزَّمَنِ الْخَالِي
مَرَابِعُ مِنْ هِنْدٍ خَلَتْ وَمَصَائِفُ
يَصِيحُ بِمَغْنَاهَا صَدًى وَعَوَازِفُ
وَغَيَّرَها هُوجُ الرِّيَاحِ الْعَوَاصِفُ
وَكُلُّ مُسِفٍّ ثُمَّ آخَرُ رَادِفُ
بِأَسْحَمَ مِنْ نَوْءِ السِّمَاكَيْنِ هَطَّالِ

وقد يكون بأقل من أربعة أقسمة وبلا بيت مصرع، مثل قول بعضهم:

غَزَالٌ هَاجَ لِي شَجَنَا
فَبِتُّ مُكَابِدًا حَزَنَا
عَمِيدَ الْقَلْبِ مُرْتَهَنًا
بِذِكْرِ اللَّهْوِ وَالطَّرَبِ
سَبَتْنِي ظَبْيَةٌ عَطَلُ
كَأَنَّ رُضَابَهَا عَسَلُ
يَنُوءُ بِخِصْرِهَا كَفَلٌ
ثَقِيلُ رَوَادِفِ الْحِقَبِ

كذلك أحدثوا فيها المخمس: وهو أن يُؤتَى بخمسة أقسمة كلها من وزن واحد، وخامسها بقافية مخالفة للأربعة قبله، ثم بخمسة أخرى من الوزن دون القافية للأقسمة الأربعة الأولى، ويتَّحِد القسيم الخامس مع الخامس من الأولى في القافية، كقول الشاعر:

وَرَقِيبٍ يُرَدِّدُ اللَّحْظَ رَدَّا
لَيْسَ يَرْضَى سِوَى ازْدِيَادِيَ بُعْدَا
سَاحِرَ الطَّرْفِ مُذْ جَنَى الْخَدُّ وَرْدَا
إِنَّ يَوْمًا لِنَاظِرِي قَدْ تَبَدَّى
فَتَمَلَّى مِنْ حُسْنِهِ تَكْحِيلَا
وَتَصَدَّى مِنْ فُحْشِهِ فِي اسْتِبَاقِ
يَمْنَعُ اللَّحْظَ مِنْ جَنى وَاعْتِنَاقِ
أَيْأَسَ الْعَيْنَ مِنْ لِحَاظِ اعْتِنَاقِ
قَالَ جَفْنِي لِصِنْوِهِ: لَا تَلَاقِي
إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ لُقْيَاكَ مِيلَا

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤