الثورات الإنكليزية

كثيرًا ما يزعم الإنكليز أن تاريخهم هو تاريخ التطور الهادئ وليس تاريخ الثورة الباطشة.

وهذا زعم أو وهم كاذب، فإنهم قتلوا ملكًا، وطردوا ملكًا آخر، وأجبروا ملكًا ثالثًا على أن يحني رأسه، وهذا ما لم يحدث مثله حتى في فرنسا زعيمة «الثورة الكبرى».

حقًّا لقد قامت إنكلترا بثورة سلمية، هي أعظم الثورات التي نجني ثمارها الشهية ونعاني كوارثها المدمرة، وهي ثورة الانقلاب الصناعي؛ لأن الإنكليز هم الذين سبقوا سائر الشعوب إلى استخدام الحديد والنار مكان الأيدي البشرية، فأوجدوا المصانع.

ليست الحضارة العصرية سوى المصانع!

ليست شيئًا آخر، فلا هي أخلاق وفضائل، ولا هي تعليم ومدارس، ولا هي فلسفة وديانة، وإنما هي مصانع تنتج كثيرًا من السلع المدنية كما تنتج المدافع والدبابات، ثم تحتاج إلى أسواق لبيع هذه السلع، وأيضًا إلى مواد أولية لصنعها، فيكون من ذلك الاستعمار والحروب!

إنكلترا هي التي خلقت هذا الانقلاب الصناعي في العالم كله، وهو أعظم شأنًا من أعظم الثورات الدموية؛ لأنه غيَّر الحضارة، وتغير العقل البشري به، وانتقل من الإيمان إلى التعقل؛ لأنه احتاج إلى العلم الذي يسأل ولا يسلِّم.

ولكن هذه «الثورة» الصناعية ليست موضوع هذا الكتاب؛ لأننا إنما نبحث وثبات الشعوب على الملوك، أو على الطبقات المتسلطة التي فقدت حقها في التسلط بظهور طبقات جديدة أحق منها، أو باستهتارها في الطغيان الذي جلب عليها السخط والاحتقار.

وهذه الوثبات مسرحية، من حيث إنها تجذب الأنظار، وتثير العواطف، وتخلق الزعماء، وتكون المفكرين، وتلهم الشعراء، ولا ينقص من قيمتها أن تكون مسرحية؛ لأن الأمم تحتاج في تاريخها إلى أبطال يضربون رأس الظلم، ويتغنون بالانتصار على الطغيان، ويوجدون للأمم ذكريات.

وصحيح أن الانقلاب الصناعي قد غيَّر الدنيا، ولكن الطاغية المستبد يستطيع أن يعيش وأن يقيد الحريات في ظل هذا النظام، وإنما يمنعه من ذلك ذكرى الثورات التي قطعت رءوس الملوك، والتي نقلت لقب «صاحب الجلالة» من الملك إلى الشعب، بالفعل إن لم يكن بالاسم.

وأولى الثورات الإنكليزية هي ثورة النبلاء، لا الشعب، على الملك «جون» شقيق «ريتشارد قلب الأسد» في ١٢١٥.

ذلك أن الشعب الإنكليزي كان يتألف في ذلك الوقت من ثلاث هيئات هي: الملك المستبد، والنبلاء، وعامة الشعب.

ولم تكن عامة الشعب في ذلك الوقت على شيء من الوجدان القومي أو الوطني أو الطبقي؛ لأن «القومية» لم تكن قد ظهرت بعد في أوروبا، إذ كانت هذه القارة «مسيحية» لا أكثر، وتلك الفروق التي كانت تفصل بين الإنكليزي والفرنسي والألماني، لم تكن سوى فروق اسمية؛ لأن الرابطة الأولى كانت لا تزال — كما كانت أيام «شارلمان» — رابطة الدين … ثم لم تكن المدن قد ظهرت؛ لأن الأوروبيين كانوا لا يزالون يعيشون في القرى على الاقتصاديات القروية الاستكفائية، وما كان هناك من مدن كان شيئًا صغيرًا تافهًا بازغًا.

وكان النبلاء يستغلون عبيدهم — أي مواليهم — في الريف، ولم يكن هؤلاء عبيدًا يشترون ويباعون كما هو الشأن في الرق، وإنما كانوا مسحوقين لا يستطيعون ترك القرية أو الضيعة التي يعملون فيها، وكانت حقوقهم البشرية معدومة أو كالمعدومة.

كانت إنكلترا أيام «جون» تشبه مصر أيام «محمد علي» قبل أن يقتل المماليك: حاكم مستبد، وطبقة حاكمة من النبلاء، وشعب يكاد يكون في غيبوبة لا شأن له بالحاكمين والحكومات!

وقد تخلص محمد علي بوحشية نادرة من المماليك، وحرم مصر تلك الطبقة المتمدينة الوحيدة التي كان يمكن أن تعارض استبداده، ثم استبد وطغى!

ولكن «جون» لم يستطع ذلك، فلما طغى وجعل يفرض الضرائب على النبلاء كي ينفق على حروبه الصليبية والفرنسية، تمرد هؤلاء عليه واجتمعوا به وأجبروه على أن يوقع «الميثاق الأكبر»!

وهنا نرى انتصار الإقطاعيين على الملك، وليس انتصار الشعب، ولكن هذا الانتصار حقق للشعب — ضمنًا وليس قصدًا — حقوقًا، فقد جاء في الميثاق:
  • (١)

    إنه لا يجوز للملك وللأمراء والنبلاء أن يخالفوا القوانين القديمة إلا بالتراضي.

  • (٢)

    إذا حدثت مخالفة فإنه تجوز المقاومة، وهنا معنى الحق في الثورة على الملك.

  • (٣)

    لا تجوز معاقبة أحد بدون محاكمة نزيهة.

  • (٤)

    يجب أن تتلاءم العقوبة مع الجريمة.

  • (٥)

    إن العدالة لا تباع ولا تنكر ولا تؤجل.

  • (٦)

    النص على حقوق النبلاء — دون الشعب — مع الشرط بأن هذه الحقوق لا تزاد إلا بعد موافقة المجلس العالي للدولة.

هذه هي الحقوق، وأعظم ما يستوقف النظر أنها تذكر النبلاء أصلًا، أما الشعب فمكانه على الهامش!

ولكن الميثاق نص على «المجلس العالي للدولة»، وهنا بذرة البرلمان، ثم نص على أن النبلاء لن تزيد حقوقهم إلا بعد الموافقة من هذا المجلس، وأعظم الحقوق التي كان يتمتع بها النبلاء أن يفرضوا ضريبة أو يزيدوها على الشعب، فهذا النص يحول دون ذلك؛ أي يحول دون اجتراء الملك على فرض ضريبة جديدة على الشعب إلا بعد موافقة النبلاء.

•••

ومضى أكثر من ٤٠٠ سنة قبل أن يهب الشعب الإنكليزي إلى ثورة جديدة، وكانت هذه الثورة شعبية؛ لأن الشعب كان قد تكوَّن عند سنة ١٦٤٠.

في ١٢١٥ لم يكن في إنكلترا شعب، إذ كانت الاقتصاديات ريفية زراعية، والعمال الزراعيون عبيدًا أو شبه عبيد، ولم تكن هناك طبقة مستمتعة بالاستقلال ولها حق النشاط البشري الحر سوى طبقة النبلاء! ولذلك عندما وجدت هذه الطبقة طغيانًا من الملك «جون» ثارت عليه وأخضعته.

أما في ١٦٤٠ فقد كانت المدن قد نشأت، وبها المتاجر والمصانع الصغيرة، كما أنه ظهرت أيضًا طبقة أخرى من المالكين الصغار الذين لم يكونوا نبلاء؛ أي إنه كانت هناك طبقة متوسطة، وكانت هناك أيضًا موانئ تكبر وتتضخم بالاتجار العالمي، عقب اكتشاف أمريكا في ١٤٩٢، واتصال أوروبا بالقارتين آسيا وأمريكا، وكانت ثورة «لوثر» على سلطة البابا قد بعثت خمائر في الأذهان، فلغط الناس بحرية الضمير وشرف الإنسان، وأحست الشعوب كرامة لا يجوز للملوك أن يدرسوها.

كان «تشارلس الأول» ملكًا، ولم يكن يختلف عن سائر الملوك في عصره، ولكن الشعب الإنكليزي هو الذي كان مختلفًا، وأعظم ما كان يختلف فيه عن سائر الشعوب الأوروبية أنه اعتنق «مذهب الاحتجاج».

و«مذهب الاحتجاج» هو المذهب البروتستنتي، الذي احتج به «لوثر» على «البابا»، وأنكر سلطته، وأعلن حق الإنسان في أن يتصل بالله دون وساطة الكهنة، وجرت كلمات الحرية والحق على أفواه الإنكليز ضد السلطة البابوية، ثم جرت بعد هذا التدريب ضد الملك «تشارلس الأول».

وإليك قاعدة يجب ألا تنساها:

في كل ثورة على المستبدين نجد رجال الدين ورجال القانون ينصرون النظام القائم ويكرهون التغيير؛ لأنهم جميعهم يعيشون بالنظام القائم، كما أن المستبدين من الملوك يؤيدون رجال الدين القائم ويكرهون تغيير القوانين.

كان «تشارلس الأول» يحاول التخلص من البرلمان، وفرض الضرائب على الشعب دون رقابة البرلمان، فكان يجد الأصوات الحرة تصيح وتصرخ بأن لا حق له في ذلك، وهؤلاء الذين تعلموا كلمة «حق» إنما عرفوها من الصراع السابق بين الشعوب والكرسي البابوي، كلمة من كلمات اللغة أخصبت وانتقلت من الكنيسة إلى العرش!

أراد البرلمان أن يمنع الملك «تشارلس» من فرض الضرائب إلا بعد أن يقررها البرلمان، وأراد أن يكون له الإشراف على الجيش الذي كان الملك يسلطه على المدن العاصية التي ترفض تأدية الضرائب!

وأصر البرلمان على حقه الشريف، وأصر الملك على استبداده المخزي، فكان الصدام!

وذهب «الطاغية» إلى البرلمان، ووقف بين الأعضاء يقول:

تذكروا أن البرلمانات في يدي أدعوها وأعقدها وأحلها، وعلى قدر ما أجد فيها من ثمرات حسنة أو سيئة أبقيها أو ألغيها.

ثم يزيد في الوقاحة فيقول:

لا تعدوا هذا تهديدًا لأني أربأ بنفسي أن أهدد أحدًا ما لم يكن مساويًا لي!

ثم يسرف في الوقاحة فيقول: «الملك والرعية شيئان مختلفان منفصلان»!

وكما كان رجال الدين يحمون الملك ضد الشعب كان هذا الوغد يحمي رجال الدين أيضًا ضد الزنادقة!

فقد ظهر في أيامه «زنديق» يدعى «ليتون»، من أولئك الأحرار الذين كانوا يفكرون في مروءة القلب وشرف العقل. ألَّف كتابًا يقول فيه: إنه ليست هناك حاجة إلى الكهانة أو القسوسية، وإن الناس يستطيعون أن يكونوا مسيحيين دون الاستعانة بالقسيسين!

فأمر الطاغية «تشارلس» بمعاقبة المؤلف بهذه العقوبات التالية:
  • (١)

    فرض عليه غرامة قدرها عشرة آلاف جنيه؛ أي ما يعادل مائة ألف جنيه في أيامنا!

  • (٢)

    صلم أذنه!

  • (٣)

    الجلد!

ثم بعد ذلك؛ أي بعد أن يبرأ «ليتون» من صلم أذنه، ومن الجراح المختلفة من الجلد، يعاد صلم أذنه الأخرى ثم جلده!

ثم بعد ذلك يحبس مدى الحياة إذا بقيت له حياة!

ويفرح القسيسون بهذا الحكم، ويرقصون، ويقولون لتشارلس الأول: أطال الله عمرك!

ثم يأتي رجال القانون، فيقول «فنش» رئيس مجلس العموم: «لا يمكن قانونًا يسنه المجلس أن ينتقص من امتيازات الملك.»

ويجرؤ «الملك الفاجر» بعد ذلك على أن يعطل البرلمان إحدى عشرة سنة، بتأييد النبلاء ورجال الكنيسة ورجال القانون، ويؤلف محكمة تدعى «محكمة النجمة» تجول في أنحاء البلاد وتلقي القبض على دعاة الثورة وتلقيهم في السجون!

ثم يظهر «كرومويل»؛ الشخصية الحاسمة في تاريخ إنكلترا.

ويظهر أيضًا «ملتون» الشاعر الكاتب الذي يسك أو يخترع كلمات الثورة.

كان «كرومويل» من المزارعين، من تلك الطبقة المتوسطة التي أخذت مكان النبلاء الإقطاعيين، وكان قد تعلم القليل من القانون، وصار عضوًا في البرلمان، ورأى «تشارلس» يدخل قاعة هذا البرلمان، ويسب الأعضاء في هذيان ملوكي، وينكر على الشعب حقوقه الابتدائية، بألا تفرض عليه ضريبة إلا بإذن نوابه ورضاهم، وبأن يعيش الناس أحرارًا آمنين من إلقاء القبض عليهم.

ثم رأى «تشارلس» يقفل البرلمان، ويضع على أبوابه لافتة كتب عليها: «منزل للإيجار»! ورأى «محكمة النجمة» تجوب أنحاء البلاد، وبها قضاة، ووكلاء للاتهام يقولون للناس: «أنت قلت! وأنت كتبت! وأنت مع الشعب ضد الملك!» ثم يحكمون عليهم بالسجن أو الإعدام!

ورأى جباة الضرائب، يحرسهم الجنود، يكبسون الناس في بيوتهم ومتاجرهم ومزارعهم، ويفرضون عليهم الضرائب التي لم يفرضها البرلمان، فيؤديها البعض ويرفض آخرون فيلقون في السجن.

وكان الجيش يمتثل للملك، وكان قواده من النبلاء الذين ينضوون إلى العرش! وقد أراد البرلمان أن يشرف على الجيش، فكان رد تشارلس: «لا والله، ولا ساعة واحدة!»

من الذي جعل هذا الملك الحقير يعد نفسه أعلى من الشعب بملايينه وألوفه؟

لم تكن له أية ميزة على الشعب، إذ لم يكن أعقل ولا أحكم ولا أكثر معرفة من أي فرد فيه!

وإنما كانت له ميزات أخرى، منها هذه التقاليد القديمة التي تقول بأن الذات الملكية فوق القانون، ومنها هؤلاء الطغاة صغار القلوب والعقول من النبلاء والقضاة ورجال الدين!

وعتا «تشارلس»! وانتفض الشعب الإنكليزي يذود عن كرامته وحريته وشرفه وإنسانيته أمام هذا النذل!

وكان جيش «الملك» مدربًا مجهزًا بالسلاح والعتاد!

وكان جيش «كرومويل» مؤلفًا من الفلاحين الذين لم يتدربوا والذين كان يعوزهم السلاح والعتاد، ولكنهم كانوا مسلحين بالضمير الحي، بالشرف الأبي.

وكان «ملتون» الكاتب الشاعر يفسر لهم المعاني العميقة للضمير والشرف.

فكان يؤلف كتابًا عن «الدين الحق» فيقول: إنه الكرامة، إنه الحرية، إنه الضمير النقي، إنه العدل … وكلها خصال لا يعبأ بها «الملك النذل»، ولو أنه كان يحمي رجال الكنيسة الذين يؤيدونه!

وكان يؤلف عن حرية الفكر والصحافة، أجل حرية الفكر والصحافة في ١٦٥٠؛ أي قبل فاروق بثلاثمائة سنة! فاروق الذي حمل وزراءه الضعاف على تعطيل الصحف وحبس الصحفيين ومنع المطابع من طبع الكتب!

والذي أرخص لفاروق هذا الاجتراء على الروح المصري أنه لم يجد شاعرًا أو كاتبًا يؤلف عن حرية الفكر والصحافة!

واصطدم الشعب الإنكليزي بالملك النذل وجيوشه، وسفكت الدماء! ورأى «تشارلس» أنه مهزوم، فقبل شروط الشعب، ولكنه في الوقت نفسه كان يفاوض الأنذال من ملوك أوروبا كي يعينوه على قمع الثورة …!

وألقي القبض على «تشارلس» وحوكم، وحكم عليه بقطع رأسه!

ومات «كرومويل» في ١٦٥٨، وجاء «تشارلس الثاني» — ابن الملك المعدم — فتوج ملكًا بعد أن أعلن أنه لن يرتكب ما ارتكب أبوه.

ولكنه كان دنيئًا، فإنه أخرج جثمان «كرومويل» بعد أن نصب له المشنقة، وشنقه! أي شنقه وهو ميت، شأن الجبناء الأنذال الذين كان ينتمي إلى طبقتهم! ثم فصل الرأس من الجثمان الطاهر الذي دفنه تحت المشنقة، أما الرأس فقد نصبه على سارية كي يراه الناس وكي يشهدوا على نذالة الملوك!

وكان الكاتب الشاعر «ملتون»، لا يزال حيًّا، ولكنه كان يعاني الفاقة والعمى فزاره النذل!

وقال النذل للشاعر العظيم: «ألست ترى أن ما تعانيه من فاقة وعمى هو الجزاء الذي قضى به الله عليك لما قلت وكتبت عن أبي؟»

فقال الشاعر العظيم: «إذا كان هذا جزائي عما قلت عن أبيك فكم كانت جرائم أبيك التي استحق عليها الإعدام؟»

وانتصر صولجان الشاعر على صولجان الملك!

وكان «ملتون» قد وقف ما بقي من عمره عقب إعدام «تشارلس» على الدفاع عن الحرية والثورة، وكان أعوان الملك من النبلاء والقسيسين قد شوهوا الثورة في أوروبا، واستأجروا المرتزقة من الكتَّاب للدفاع عن «تشارلس»، فألف «ملتون» كتابه: «دفاع عن الشعب الإنكليزي»، ثم أردفه بكتاب آخر في الدفاع أيضًا عن الثائرين، وهم الشعب كله، وإليك بعض كلماته التي أوحتها إليه الثورة:

إن الشفقة التي يزعمها البعض ويلومون الثائرين لأنهم لم يتصفوا بها في إعدام تشارلس ليست هي الرحمة المسيحية، وإنما هي طيش في الأخلاق، وسطحية في العقل، أو هي إعجاب الشهوات بالأبهة الدنيوية!

ويقول: «إنهم يزعمون أني أسب العرش بعد سقوطه! لا … إنما أنا آثرت صاحبة الجلالة الحقيقية على صاحب الجلالة تشارلس»!

ولما عمي كتب إلى صديق له: «أنه يتحمل هذه العاهة راضيًا؛ لأنه يحسُّ الوجدان بأنه أرهق عينيه للذود عن الحرية، هذا الواجب العظيم.»

ثم تمضي السنون ويموت تشارلس الثاني ويخلفه على العرش أخوه «جيمس»، ولكنه لا يطيق الحكم الدستوري! ثم يجد نذرًا مشئومة من نذر الشعب تجعله يذكر مصير أبيه، فيفر إلى فرنسا!

ثم ينعقد مؤتمر يدعو «وليم أوف أورانج» كي يتبوأ العرش بعد أن يقرأ ويدرس ويتعهد بالخضوع لما يسمى «قانون الحقوق».

تربية حسنة للملوك أن يقرءوا ويدرسوا ويتعهدوا …

أما قانون الحقوق هذا الذي صدر في ١٦٨٩ فينص على جميع الحقوق التي خالفها الملوك، وهي تعد الآن أمتن الأسس الحاضرة لحرية الشعب الإنكليزي، وقد جاء فيها بعد أن ذكرت فيها مخالفات «جيمس» الذي فر إلى فرنسا:
  • (١)

    أنه لا يجوز تعطيل قانون إلا بالبرلمان.

  • (٢)

    ولا يجوز تأليف محكمة كنسية أو غير كنسية إلا بالبرلمان.

  • (٣)

    ولا تجوز جباية الضرائب إلا بإذن البرلمان.

  • (٤)

    ولكل فرد من الشعب أن يقاضي الملك دون أن يخشى الحبس.

  • (٥)

    ولا يجوز للملك تأليف جيش مدة السلم دون أن يحصل على إذن من البرلمان.

  • (٦)

    يجب أن تكون الانتخابات حرة.

  • (٧)

    يجب أن تكفل حرية الحديث والخطابة.

ومن هذا الذي ذكرنا يجد القارئ أن الإنكليز قد قتلوا ملكًا، وحنوا رأس آخر، وأجبروا ثالثًا على الفرار.

وانتهى كل ذلك إلى أن صار الشعب الإنكليزي هو في الواقع «صاحب الجلالة»، وأن الملوك يخضعون للشعب، وليس العكس!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤