الثأر!

في الطريق إلى المقر الكبير … لم يستحوذ حيوانُ «نجمة البحر» على أحاديث الشياطين ومناقشاتهم … قدرَ ما نالَت الهندسة الوراثية من اهتمامهم.

إن التقدم العلمي هو مفخرة الإنسان في هذا الكون … فهو لم يحيا كما خلقه الله أول مرة؛ أي منذ خلق «آدم» يكاد يستر عورته بأوراق من الأشجار فقط … ويسير على قدمَيه أميالًا … ليَصِل إلى منطقة بها ماء عذب يصلح لشربه … وبالتالي فإنه سيجد بجوار مجرى هذا الماء بعض النباتات المزروعة، والتي اضطرَّه جوعُه أن يجرِّب أكْلَها، وحين استحسن طعمها مكث بجوارها. إلا أنه ملَّها، وبحث عن سواها … أو أن فصل نموها قد انتهى … فرحل يبحث عن غيرها.

ثم قلَّد الوحوش في صيد الحيوانات والأسماك، ثم اكتشف النار، وتعلَّم إنضاج الطعام، ثم تعلَّم الزراعة وتخزين الماء وتربية الحيوانات. واستغرق هذا قرونًا كثيرة إلى أن اكتشف الكهرباء، وعرف المغناطيس، وروَّض بخار الماء، واختراع السيارة … ثم الطائرة والراديو والتليفزيون، وغيره الكثير مما يُعدُّ ثورة علمية غير مسبوقة. غير أن اختراع الكمبيوتر … وظهور علم الهندسة الوراثية … غيَّر من شكل العالم الحديث تمامًا … ولا أحدَ يستطيع استنتاج ما سيكون عليه شكل العالم غدًا.

وكانت هذه الجملة هي آخر ما قاله «أحمد»، غير أن «ريما» لم يكن يهمُّها شكل العالم غدًا، بقدر ما كانت مهمومة بمستقبل الأحياء المائية في البحر الأحمر … وبالذات، غابة الشعاب المرجانية، ومحمية «رأس محمد» بما تحويه من أجمل الكائنات البحرية.

وقد ذهب «عثمان» ذو الخيال الخصب لأبعد من ذلك، وهو يقول: إذا كانت العملية ستقتصر على البحر الأحمر … فقد يمكننا السيطرة عليها … رغم صعوبة ذلك … إلا أن هناك احتمالًا أن ينتقل هذا الحيوان إلى مجارينا المائية، ومزارعنا السمكية.

إلهام: لا يمكن أن يحدث هذا … لأن ذلك الحيوان لا يعيش إلا في المياه المالحة.

عثمان: ألن تتمكن الهندسة الوراثية من إخضاعه للعيش في بيئة مختلفة عن بيئته، بعد أن تمكَّنت من تغيير الكثير من صفاته وطباعه؟!

أحمد: أنا أرى أن ذلك مستبعد تمامًا.

ريما: لماذا؟

أحمد: إن عملية «وحش الأعماق»، لم تتمَّ إلا بغرق شحنة السماد، التي تحوي البيئة الصناعية لهذا الكائن … وقد تم ذلك في مجرى ملاحي دولي، وهو قناة السويس. وأما عن مجارينا المائية، فلا يسير بها غير القليل من الصنادل البحرية لغرض النقل … وكلُّها مصرية الجنسية … ومعروفٌ لنا مَن أصحابها.

وبالقرب من الساحل الشمالي، تلقَّى «أحمد» اتصالًا لم يتمَّ، وكان ذلك قد تكرر أكثر من مرة أثناء سيرهم … فقام بالاتصال بالمقر الصغير، يسألهم إن كان هناك مَن اتصل به، فنفى المقر ذلك … فقام بالاتصال برقم «صفر» في «هايدلبرج»؛ فقد يكون هناك عطلٌ في قناة القمر الصناعي التي يتصلون عبرها، تسبَّب في عدم إتمام اتصاله بهم.

إلا أن رقم «صفر» جاوبه بمجرد سماعه موسيقى التنبيه الصادرة من تليفونه المحمول، وأخبره أنه الآن بالمختبر الأوروبي للبيولوجيا الجزئية … وأنه بحث مع علمائه عن سبيل للتخلص من هذا الحيوان في صورته الجديدة … بل والقديمة أيضًا … ونفى أن يكون قد اتصل به … فاندهش لذلك، فهناك مَن يحاول الاتصال بهم، ولكن شيئًا ما يمنع إتمام المكالمة.

وعن بُعد، ظهر سورُ السلك الشائك المحيط بمزارع المقر السري الكبير … وعلى الطريق، وقبل أن يُبلغوه بمسافة خمسمائة متر … أضاءَت صخرة صغيرة، ما كادت السيارة تعبرها حتى وقفَت محركاتُها تمامًا عن الحركة … ثم هبطَت بهم الأرض إلى أسفل … وغمرهم ظلامٌ كثيف … انتهت بهم إلى قاعة فسيحة تغمرها الأضواء. وحين استوَت السيارة على أرضها، غادرها الشياطين، وانتقلوا منها إلى قاعة الوصول؛ حيث استقبلهم قائدُ المقر بحفاوة بالغة … وأبلغهم أن هناك عدةَ رسائل تنتظرهم في غرفهم.

فسأله «أحمد»، قائلًا: ممن هذه الرسائل؟!

القائد: من «بيتر»، صديقك على الإنترنت.

أحمد: إذن فهو الذي كان يحاول الاتصال بنا في السيارة، ولم يتمكن؟!

القائد: لقد ذكر ذلك!

فحدَّث «أحمد» نفسَه، قائلًا: لماذا الآن يا «بيتر»؟!

وسمعه «عثمان»، فقال له: أتكون لديه أخبار عن «سايبرسبيس»؟!

ريما: ألَا زال هناك مَن يسمَّى «سايبرسبيس»؟

أحمد: إنه أخطبوط نادر … ينقطع لهم ذراع … فينمو ألف!

إلهام: إنها عصابة شرسة وذكية، ويتعاملون مع أحدث المخترعات.

عثمان: قد يكون لديه أخبار عن تحركات لهم ضدنا.

أحمد: ولماذا لا تكون لهم يدٌ فيما يحدث في البحر الأحمر؟

إلهام: لماذا كل هذا التخمين، وهناك رسائل منه تنتظرنا؟!

ريما: معك حق.

وهرول الجميع إلى غرفهم … حيث كانت تنتظرهم رسائل «بيتر» على ذاكرة أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم.

وقبل أن يستريحوا أو يغتسلوا أو يتناولوا غداءهم، أداروا أجهزة الكمبيوتر لمعرفة سبب اتصال «بيتر».

كانت الرسالة واحدة للجميع، وكانت تقول: «من صديقكم «بيتر» من المملكة المتحدة، افتقدتكم كثيرًا … عندي لكم أخبار تهمُّكم جدًّا، برجاء تحديد موقع آمن لكم على الشبكة يمكننا مراسلتكم عليه.»

الصديق العزيز «أحمد» … الموضوع له علاقة بأحداث سابقة.

صديقي «عثمان»: … أرجو أن أجدَك مرة أخرى على الشبكة.

مرة أخرى … افتقدتكم كثيرًا … المخلص «بيتر».

ما إن انتهت رسالة «بيتر»، حتى فوجئ «أحمد» بباب غرفته ينفتح على مصراعيه، والشياطين يتوافدون عليه.

وكان أولهم «عثمان»، الذي قال له: واضح أن الرسالة واحدة لنا جميعًا؟

أحمد: نعم.

إلهام: ألم أَقُل لكم إن جماعة «سايبرسبيس» لها علاقة بالموضوع.

قيس: أو عصابات المافيا … فقد كبدناهم خسائر فادحة في «شبكة الموت» و«ثورة الأخطبوط»!

أحمد: ولكني أشك أكثر في «سايبرسبيس»؛ لأنهم يستخدمون العلم والعلماء … في عملياتهم.

فهد: وما الذي أغراهم بالعودة مرة أخرى بعد كلِّ هذا الوقت؟

أحمد: هم لم ينسونا … وسيظل ثأرُهم عندنا باقيًا … بعد الضربات المدمرة التي ضربناها لهم.

رشيد: المقلق في الأمر أنهم عادوا أكثرَ قوة وشراسة … ووجَّهوا ضرباتهم إلى عمق المنطقة العربية.

إلهام: لا تقلق يا «رشيد»؛ فنحن أيضًا نزداد قوة وقدرة على المواجهة، وسنكيل لهم ضرباتٍ أكثرَ تدميرًا من الضربات السابقة.

عثمان: المهم الآن هو مراسلة «بيتر» … وإعطاؤه مفتاح موقعنا الخاص جدًّا على الشبكة.

أحمد: معك حقٌّ.

وبمهارة فائقة، قام بالاتصال ﺑ «بيتر» على شبكة الإنترنت، وسجل له مفتاحَ موقعهم على الشبكة … فتلقَّى رسالة مسجلة على الجهاز الخاص به، عرف منه أنه ليس موجودًا، وعند حضوره سوف يقوم بالاتصال وإجراء اللازم.

وشعر «أحمد» أن «بيتر» يعرِّض نفسَه للخطر باشتراكه معهم في عملياتهم هذه … وقد يكون موقعه على الشبكة مراقبًا … وهو ما سيعرِّضهم للموت.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤