الهواية والبرنامج

تحدثنا في الفصل السابق عن الهواية وقيمتها للمسنين. وقد أشرنا إلى أن كل هواية تتبع المزاج الخاص للمسن كما تتبع البيئة والعصر. فبيئة المدينة تهيئ هوايات لا تهيئها بيئة الريف، والعكس يصح أيضًا. وهناك هوايات قد يشترك فيها المدني والريفي. ومع تهمة التكرار نقول إنه: قد يكون من النافع أن نتوسع ونذكر بعض الهوايات، لا لكي يتبعها القارئ، بل لكي يستنير بها في اختيار هوايته. فهو إذا كان يقيم في مدينة كالقاهرة أو الإسكندرية يستطيع أن يختار إحدى هذه الهوايات التالية:
  • (١)

    الانضواء إلى حزب سياسي والاشتراك في نشاطه ولجانه ودراسة السياسة الداخلية.

  • (٢)

    يستطيع كل من جاوز السبعين أن يجد في تاريخ حياته وما مر به وبالوطن من حوادث، ما يستحق التأليف والنشر. فنحن الآن في سنة ١٩٤٦ وليس منا من لا يجب قراءة الذكريات التي يستطيع مصري بلغ الثمانين أن يكتبها لنا عن الثورة العرابية أو عما تلا ذلك من حوادث.

  • (٣)

    يستطيع المقيم في مدينة كبيرة أن يشترك في إحدى الجمعيات الإصلاحية التي تخدم نهضة المرأة أو تعلم اليتامى أو تساعد العميان أو الأرامل. والمرأة قديرة على هذا النشاط مثل الرجل سواء.

  • (٤)

    عرفت أمريكيًّا في سن السبعين جعل هوايته شراء أمكنة مختلفة في المدن يحيلها إلى ميادين يلعب فيها الأطفال والصبيان. وهي محاطة بما يؤمنها من مرور الأتومبيلات. وهو ينفق من ماله، كما أنه يجمع التبرعات لهذه الغاية.

  • (٥)

    جمع الخزف الشرقي والغربي، القديم والحديث، من الهوايات الجميلة، ولكنها تحتاج إلى مقدار من المال قد لا يتيسر للجميع.

  • (٦)

    وكذلك الشأن في جميع التحفة الزجاجية أو السجاجيد الشرقية والغربية. ولكن هذا الجمع يحتاج، كما قلنا، إلى المال، وأيضا إلى مقدار من الذوق الفني الذي سبقته تربية طويلة.

  • (٧)

    وأيسر من هذا، وربما أنفع لوطننا، أن تقوم الهواية على جمع الرسوم التي يؤديها الرسامون المصريون.

  • (٨)

    وواضح بعد كل ما ذكرنا أن الدراسة لموضع معين هي خير الهوايات.

أما ما يستطيعه المقيم بالريف فكثير. بل إن عمله الزراعي هو نفسه هواية نحمل العاملين فيه على التعلق والانكباب عليه. وذلك لأن الزراعة تتجدد كل عام، بل كل فصل، فهي تنشط الذهن واللقب. وكثيرًا ما رأينا المزارع الذي بلغ الثمانين يبكر في الصباح قبل الشروق ويجول في أرضه، عاملًا مستمتعًا متفائلًا. ولهذا النشاط قيمة كبيرة في استبقاء حيويته:
  • (أ)

    فهناك تربية الحمام. واعتقادنا أنه ليس على هذه الأرض إنسان يعرف أنواع الحمام العديدة الجميلة، ولا يتعلق بها وينفق على تربيتها واستنتاجها.

  • (ب)

    وتربية الدجاج أقل إغراء. ولكن المزارع المتمدن الذي يحسن لغة أجنبية يستطيع أن يشترك في إحدى المجلات الزراعية في بريطانيا أو فرنسا أو الولايات المتحدة ويعقد الصلة لاستيراد الديكة والدجاج. بل هو يجد بعضها في الجمعية الزراعية ووزارة الزراعة عندنا.

  • (جـ)

    كذلك تربية سلالات معينة من الخراف أو الماعز يسترشد فيها بوزارة الزراعة.

  • (د)

    وأيضا غرس فدان أو أقل بأنواع الفواكه والأزهار النادرة.

  • (هـ)

    وفي الريف فرصة تتاح لجميع المقيمين في تحنيط الطيور، وبعض حيوان الحقول كالذئب والثعلب وابن عرس والثقة إلخ.

  • (و)

    وفي كل هذه الهوايات نقصد إلى إيجاد ما يشغل الذهن والنفس حتى لا يحس المسن خواء في حياته. ولكن هناك من المسنين من سيجد بعد تعلقه بإحدى الهوايات أنه يكسب منها مالًا أو يشق بها طريقًا إلى الاكتشاف والاختراع.

•••

وإلى جنب هذه الهوايات وغيرها، مما يعد بالعشرات، يتعين على كل مسن أن يأخذ ببرنامج ينتظم به نشاطه ويقصد منه إلى هدف. وقد يستغرق هذا البرنامج سنة أو خمس سنوات يؤدي فيها المسن عملًا أو يصل في نهايتها إلى حال كان يرتجيها. وهذا البرنامج يزيل ذلك الشعور الذي يتردد على كثير من المسنين بأنهم قد استنفذوا فائدتهم وصار وجودهم عقيمًا. ويجب أن يتحدد هذا البرنامج. فقد يكون في إحدى السنين زيارة لأوروبا، وفي أخرى زيارة للآثار الفرعونية في الصعيد، وفي أخرى دراسة موضوع أو إتمام عمل أو نحو ذلك.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤