الخاتمة

إلى هنا قد انتهيت مما قصد إليه من هذا الكتاب، وهو إرشاد المسنين إلى الانتفاع بحياتهم واستبقاء صحتهم وكرامتهم واستمتاعهم. وواضح أني لم أدخل في التفاصيل، فلم أشرح مثلًا الحركات الرياضية التي يحتاج إليها المسن، ولم أفصل ألوان الطعام التي تؤثر في حالة معينة من الشيخوخة دون غيرها. لأني أعتقد أن مثل هذه التفاصيل لا ينطبق على جميع المسنين. إذ إن لكل منهم حالته الصحية الخاصة التي يتعين بها العلاج. فقد يحتاج أحد المسنين مثلًا إلى تجنب الألعاب الرياضية جميعها، وقد يحتاج غيره إلى القليل منها في غرفة نومه، في حين يستطيع ثالث أن يمارسها في الخلاء في نشاط وحركة كما لو كان شابًّا. وهكذا الشأن في الطعام. فإن أحد المسنين قد يحتاج إلى تجنب اللحوم والتدخين، في حين يحتاج غيره إلى ملين أو مسهل كل صباح. وقد يحتاج آخر إلى صوم كامل كل أسبوع.

ففي جميع هذه الحالات يتعين العلاج وفقًا للحالات الخاصة التي لا تنطبق عليها قواعد عامة. ولا بد لهذا السبب من الاعتماد على مشورة فنية من طبيب مختص.

وهناك أيضًا ذلك الركود الذهني، أو القلق النفسي، أو ما ينشأ عنهما من ارتباك اجتماعي في محيط العائلة وغيره في المجتمع. فإن كل هذه الحالات تحتاج إلى مشورة فنية يجد فيها المسن الحل لمشكلته.

ولسنا نعني بهذا القول أنه يجب على كل مسن قرأ هذا الكتاب أن يعمد إلى الاستشارة في كل صغيرة وكبيرة، وإنما نقول إنه حين يهضم فصول هذا الكتاب ويعمل بها، ثم يجد بعد ذلك أنه لا يزال متعب النفس والجسم غير مرتاح إلى بيئته، فإنه يحسن إذا لجأ إلى الاستشارة.

ونحتاج هنا أيضًا إلى أن نطالب القارئ المسن بألا يجعل هذا الكتاب موضوعًا للمطالعة لكي يقف على ما فيه من معارف. إذ كثيرًا ما نعرف الأشياء دون العمل بها. فإذا لم تتحول هذه المعارف إلى عقائد وعادات نمارسها بلا تكلف فإننا لن ننتفع بها. وكلنا يعرف مثلًا أن الشره إلى الطعام، أو بعض أنواعه، يضر بالمسنين.

ولكن المسن الذي يعرف هذا الضرر لا يكف أحيانًا عن تناول الأطعمة المضرة. لأن المعرفة لم تتحول في نفسه إلى عقيدة، فالمعرفة يجب أن تكون طريقًا إلى العقيدة، ثم إلى العادة والعمل. ومعظم الناس لا تنقصهم المعارف، بل ينقصهم التطبيق. وهنا يتضح الفرق بين المسن الذي استقطر الحكمة من معارفه وجعلها أسلوبًا لعيشه، وبين ذلك الآخر الذي يعرف ولا يبالي.

ثم هناك شيء آخر يستحق أن ننبه عنه، هو أن قارئ هذا الكتاب قد ينزع عند قراءته واستيعابه إلى الحماسة في ممارسة نشاطه واختباراته. وقد يسرف في هذا وينشط، فيجلب الضرر على نفسه. وحاله هنا كحال أولئك السيدات الأمريكيات اللائي يصلح الجراح غضون وجوههن ويسوي تجعداتها بعد الخمسين، فإنهن عقب هذه العلمية يجدن وجوههن قد اكتسبت صباحة وجمالًا كأن الشباب قد عاد كاملًا، فيعمدن بإيحاء هذا المظهر إلى نشاط جديد، ويسرفن في المرح والنشاط، حتى لترقص السيدة المسنة وتلعب وتسهر وتأكل ما تشتهي، أو بالأحرى تشرب ما تشتهي وهي فرحة بأمارات الشباب الذي يبدو على وجهها بالتفات الشبان إليها مع أنها قد فاتت الخمسين، ثم تكوين النتيجة وخيمة بانهيار مفاجئ في صحتها.

وقارئ هذا الكتاب بإيحاء فصوله قد يقع في مثل هذا الوهم، لأنه يحس نشاطًا ومرحًا قد يدفعانه إلى الشطط. وقد خصصنا فصلًا عن الاعتدال في هذا الكتاب لهذا السبب. لأننا إذا كنا سنتجنب الزهد فإننا أيضًا يجب أن نتجنب الإسراف والغلو. أو بكلمة أخرى، يجب أن نتعمد على الحكمة في سلوكنا والتصرف بشهواتنا. إذ ليس أضر على المسن من الإسراف الذي يحمله على أن يعربد بجسمه وشهواته فيختصر حياته. والإسراف كالزهد الذي يميت عواطفنا، فيموت الجسم والذهن أيضًا. والمسن الحكيم هو الذي يزن ويقارن ويعتدل في ألوان نشاطه جميعًا.

ومشكلة الشيخوخة مثلثة، أي في النفس والذهن والجسم، ولكن هذه الثلاثة ليست متكافئة، لأن صحة النفس هي تسعة أعشار المشكلة، بل هي كل المشكلة. وهذا هو ما حملنا على الالتفات السيكلوجي الخاص في هذا الكتاب. ومتى صحت النفس، صح الذهن والجسم. ذلك لأننا نستطيع أن نستغل أذهاننا وأجسامنا، بل نتحمل أي مرض في الجسم، إذا كانت نفوسنا سليمة. ولكن هذه النظرية لا تعكس.

وإني أرجو أن أكون قد خدمت المسنين بهذا الكتيب حتى يزدادوا استمتاعًا وانتفاعًا بحياتهم. ولما كانت الغاية من تأليف هذا الكتيب هي النفع العام للمسنين، فإني أرجو القارئ الذي يجد غموضًا أو صعوبة أو إيجازًا مخلًّا في بعض فصوله أن ينبهني حتى أصلح هذا النقص في طبعة تالية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤