مقدمة

بين مجموعة الصور الزيتية النادرة التي تزيِّن أحد القصور الملكية العامرة لوحة بديعة لعاهل مصر الأكبر محمد علي باشا تمثِّله جالسًا في شرفة قصر رأس التين، قابضًا بيده اليمنى على خريطة الإمبراطورية المصرية، ومشيرًا بيده اليسرى إلى قطع الأسطول المصري الرابضة في ميناء الإسكندرية، كأن لسان حال مؤسسها يقول لأبناء الأجيال القادمة: «إنما تملكت ما بيُمناي بفضل ما تُومئ إليه يُسراي.»

دقَّقت النظر في تلك الصورة الرائعة وفيما حملت بين ثناياها من بليغ العظات والعبر، فساءلت نفسي — ونحن على أهبة بعث جديد للشئون البحرية: كيف وُفِّق محمد علي باشا بين عشية وضحاها إلى اختيار قواد للأسطول الضخم الذي ابتاع بعض وحداته من الخارج وبنى البعض الآخر في دور الصناعة ببولاق وبالسويس وبالخرطوم وبالإسكندرية؟ ومَن هم هؤلاء الرُّبَّانون الذين عقدوا ألويتهم خفَّاقة على ساريات السفن المصرية وقادوها من نصر إلى نصر في طول البحر الأبيض المتوسط وعرضه حتى تبوأ أسطول مصر — غداة كارثة نافارين — ثالث المراتب بين أساطيل العالم؟

دفعني هذا السؤال إلى كتابة إلمامة في تاريخ أمراء البحار الستة الذين بنوا مجد مصر البحري في النصف الأول من القرن التاسع عشر:

إسماعيل بك جبل طارق (أو الجبل الأخضر)، ومحرم بك (زوج توحيدة هانم كريمة محمد علي باشا)، وعثمان نور الدين باشا، ومصطفى مطوش باشا، والأمير محمد سعيد باشا (ابن محمد علي باشا)، وحسن الإسكندراني باشا.

figure
محمد علي باشا يشير إلى قطع الأسطول المصري الراسية في ميناء الإسكندرية.

وقد مهَّدت إلى سيرتهم بنبذة وجيزة في تاريخ البحرية المصرية من أقدم العصور حتى اليوم، ثمَّ شفَعتها ببيان القوات البحرية المصرية في عصر محمد علي باشا الكبير وفي عهد الخديو إسماعيل، وأضفت إلى هذا وذاك جدولًا بأسماء أهم الوحدات البحرية وأنواعها وأجزائها قديمًا وحديثًا باللغتين العربية والفرنسية. وأخيرًا عرضت في ذيل الكتاب ثلاثة اقتراحات ترمي إلى إحياء السلاح البحري المصري.

وبعدُ، فاللهمَّ وقد قيَّضتَ لمصر فاروقًا يسير بخطى ثابتة جريئة موفَّقة على هدى آبائه الأماجد، فاجعل من أبناء الكنانة قوَّادًا وربابنة يتولَّون دفَّة البلاد ويسيرون بها بين زعازع الحادثات وتصاريف الزمان إلى بر السلامة وثغر الأمان.

جميل خانكي
أبريل سنة ١٩٤٧

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤