مقدمة

بقلم  محمد حلمي عيسى باشا

أطلعني صديقي قلِّيني فهمي باشا على بعض ما كَتب في سيرة الأمير الجليل المغفور له عمر طوسون. ومن عرف قلِّيني باشا كما عرفناه استقرَّ في نفسه أنه «معجمٌ» حيٌّ، ملمٌّ بحياةِ وتاريخ كلِّ من عاصرهم وعاصروه، وعاشرهم وعاشروه، حباه الله ذاكرة قوية لا تخونه، وإن طَالَ القدم، ووهبه نشاطًا فتيًّا، لا تُصيبه الشيخوخة، وإن تقدَّمَ به الزمن! شغوفٌ بإظهار مواهب الرجال، ذوي الفضل والأثر في تاريخ الأمَّة المصرية، وتقدمها، وتطور نهضتها؛ والعمل على رُقِيِّها، واستظهارِ مجدها في التَّاريخ القديم والحديث، وله ميزة إبراز الحوادث المؤثِّرة في النُّفوس، الدَّالة على حضورِ الذهن وسُرعة فضِّ المشكلات، والتخلُّص من الوقوع في الأزمات والورطات — سياسية كانت أو اجتماعية — ينطقُ بذلك ما كتبه، وما أَلَّفَهُ، ويشهدُ به من سمع قلِّيني باشا في أحاديثه الطريفة.

فمن سمعه راويةً كمن قرأه كاتبًا، لا تحويرَ ولا تبديلَ، ولا تنميق في اللفظِ أو العبارة! فلا غرو إذا رأيناه شغف بالإسراع في إظهارِ كتابٍ حوى تاريخ أمير جليل، وهو الأمير عمر طوسون: عرف النَّاس قدره حيًّا وميتًا، فأجلُّوه وعظَّموه، وكان لهم من حياته درسٌ نافعٌ ومَثَلٌ يُقتدى. فمع سُمُوِّ حسبه، وشرف مرتبته، لم يخلد للسكون، بل اشتغل عالمًا ومؤرخًا لا ينقب إلا عما فيه مجد مصر، وفخر مصر. واشترك في الجمعيَّات العلمية والزراعية عاملًا فيها على ما يقوِّي ويثبِّت دعائمها، وأسس نهضاتها لتتبوَّأَ مكانها اللائق بها.

figure
معالي حلمي عيسى باشا.

كما كان أسوة حسنةً في القيامِ بمباشرة أعماله بنفسه، والتنقُّلِ في مزارعه بتعهدها والإشراف عليها بشخصه!

وإنَّا لنتمنَّى أن يتَّجِهَ أبناءُ مصر جميعًا، على سائر طبقاتهم، هذا الاتجاه الذي اتَّجه إليه واضعُ الكتاب؛ من إذاعةِ فضلِ النَّاس وصاحب السيرة الحميدة، ليقتفي أثره كل من يحب وطنه وقومه. والسلام على من اتبع الهدى.

٨ مارس سنة ١٩٤٤

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤