النفس جوهر ليس له مقدار ولا كمية

بيان أن النفس ليس لها مقدار ومساحة لا تدرك حسًّا ولا يدركها جسم، وأن إدراكها لا يكون بآلات جسمانية في حال.

وهذا أدق وأعصى على الأذهان الزائغة عن الجادة، الآلفة بالخيالات والموجودات الحسية، ولنا أن نتوسل إلى هذا المقصود ببراهين قاطعة ودلائل واضحة.

البرهان الأول

أن نقول معلوم إنا نتلقى المعقولات وندرك الأشياء التي لا تدخل في الحس والخيال، والمعقول متحد، فلو حلَّ في منقسم لانقسم المتحد، وهذا محال، وتحقيقه هو أنه لو كان النفس ذا مقدار وحل فيه معقول، فإما أن يحل في شيء منقسم أو في شيء غير منقسم، ومعلوم أن غير المنقسم إنما هو طرف الخط، وهو نهاية ما لا تميز لها في الوضع عن الخط والمقدار الذي هي متصلة به، حتى يستقر فيها شيء من غير أن يكون في شيء من ذلك الخط، بل كما أن النقطة لا تنفرد بذاتها، وإنما هي طرف ذاتي لما هو بالذات مقدار كذلك، إنما يجوز أن يقال بوجه ما أنه يحل فيها طرف شيء حال في المقدار الذي هي طرفه متقدر بالعرض، فكما أنه يتقدر به بالعرض، كذلك يتناهى بالعرض مع النقطة، ولو كانت النقطة منفردة تقبل شيئًا من الأشياء لكان يتميز لها ذات، وكانت النقطة حينئذ ذات جهتين؛ جهة منها تلي الخط، وجهة منها مخالفة له مقابلة، فتكون تلك النقطة نهاية الخط لا هذه.

والكلام فيها وفي هذه النقطة واحد، ويؤدي هذا إلى أن تكون النقطة متشافعة في الخط إما متناهية، وإما غير متناهية، وهذا أمر قد بان في موضعه استحالته، ونشير إلى رمز منه، فنقول: إن النقطتين حينئذٍ اللتين تطبقان بنقطة واحدة من جنبتيها، إما أن تكون هذه النقطة المتوسطة تحجز بينهما فلا تتماسان، فيلزم حينئذ في البديهة العقلية الأولية أن يكون كل واحدة منهما يختص بشيء من الوسْطى يماسه، فتنقسم حينئذ الوسطى وهذا محال، وإما أن تكون الوسطى لا تحجز المكتنفتين عن التماس، فحينئذ تكون الصورة المعقولة حالة في جميع النقط، وجميع النقط كنقطة واحدة، وقد وضعنا هذه النقطة الواحدة المنفصلة عن الخط، فللخط من جهة ما ينفصل عنها طرف ونهاية بها ينفصل عنها، فتلك النقطة تكون مباينة لهذه في الوضع.

وقد وضعت النقط كلُّها مشتركة في الوضع هذا خلف، فقد بطل إذًا أن يكون محل المعقولات من الجسم شيئًا غير منقسم، فبقي أن يكون من الجسم شيئًا منقسمًا، فلنفرض صورة معقولة في شيء منقسم، فإذا فرضنا في الشيء المنقسم انقسامًا عرض للصورة أن تنقسم، فحينئذ لا يخلو إما أن يكون الجزءان متشابهين أو غير متشابهين، فإذا كانا متشابهين، فكيف يجتمع منهما ما ليس بهما إلَّا أن يكون ذلك الشيء شيئًا يحصل فيهما من جهة المقدار والزيادة في العدد لا من جهة الصورة، فتكون حينئذ الصورة المعقولة شكلًا ما أو عددًا ما، وليس كل صورة معقولة شكلًا، وتصير حينئذ الصورة خيالية لا عقلية.

وأظهر من ذلك أنه ليس يمكن أن يقال إن كل واحد من الجزأين هو بعينه الكل في المعنى؛ لأن الثاني إذا كان غير داخل في معنى الكل، فيجب أن نضع في الابتداء لمعنى الكل هذا الواحد لا كليهما، وإن كان داخلًا في معناه فمن البيِّن الواضح أن الواحد منهما وحده ليس يدل على نفس معنى التمام، وإن كانا غير متشابهين. فلينظر كيف يمكن أن تكون الصورة المعقولة أجزاء غير متشابهة، فإنه ليس يمكن أن تكون الأجزاء الغير متشابهة إلَّا أجزاء الحدِّ التي هي الأجناس والفصول، ويلزم من هذا محالات، منها؛ أن كل جزء من الجسم يقبل القسمة أيضًا، فيجب أن تكون الأجناس والفصول بالقوة غير متناهية، وقد صح أن الأجناس والفصول الذاتية للشيء الواحد ليست في القوة غير متناهية، ولأنه ليس يمكن أن يكون توهم القسمة يفرز الجنس والفصل، بل مما لا نشك فيه أنه إذا كان هناك جنس وفصل يستحقان تميزًا في المحل أن ذلك التميز لا يتوقف على توهم القسمة، فيجب أن تكون الأجناس والفصول بالفعل أيضًا غير متناهية، وقد صح أن الأجناس والفصول أو أجزاء الحد للشيء الواحد متناهية من كل وجه، ولو كانت غير متناهية بالفعل ها هنا لكانت توجب أن يكون الجسم الواحد انفصل بأجزاء غير متناهية بالفعل، وأيضًا لتكن القسمة وقعت من جهة، فأفرزت من جانب جنسًا ومن جانب فصلًا، فلو غيرنا القسمة كان يقع منها في جانب نصفُ جنس ونصفُ فصل، أو كان ينقلب وكان فرضنا الوهمي يدور مقام الجنس والفصل فيه، على أن ذلك أيضًا لا يغني، فإنه يمكننا أن نوقع قسمًا في قسم، وأيضًا كل معقول يمكن أن يقسم إلى معقولات أبسط، فإن ها هنا معقولات هي أبسط المعقولات، ومبادئ التركيب في سائر المعقولات، فليس لها لا أجناس ولا فصول، ولا هي منقسمة في الكم ولا هي منقسمة في المعنى، كالوحدة والعلة وغير ذلك. فإذًا ليس يمكن أن تكون الأجزاء المفروضة فيه أجزاء متشابهة، كل واحد منها هو في معنى الكل، وإنما يحصل الكل بالاجتماع فقط، ولا أيضًا يمكن أن تكون غير متشابهة، فليس يمكن أن تنقسم الصورة المعقولة، ولا أن تحل طرفًا من المقادير غير منقسم، تبين أن محل المعقولات جوهر ليس بجسم، ولا أيضًا قوة في جسم، فيلحقه ما يلحق الجسم من الانقسام ثم يتبعه سائر المحالات.

البرهان الثاني

أن نقول القوة العقلية هو ذات تجرد المعقولات عن الكم المحدود، والأين والوضع وسائر عوارض الجسم، فيجب أن ننظر في ذات هذه الصورة المجردة عن الوضع كيف هي مجردة عنه، أبالقياس إلى الشيء المأخوذ منه، أو بالقياس إلى الشيء الآخذ؛ أعني هذه الذات المعقولة تتجرَّد عن الوضع في الوجود الخارجي، أو في الوجود المتصور في الجوهر العاقل، ومحال أن يكون كذلك في الوجود الخارجي، فبقي إن يكون إنما هو مفارق للوضع والأين عند وجوده في العقل، فإذًا إذا وجدت في العقل لم تكن ذات وضع، وبحيث يقع إليها إشارة تجزؤ وانقسام أو شيء مما أشبه هذا المعنى، فلا يمكن أن يكون في جسم.

البرهان الثالث

إذا انطبعت الصورة الأحدية الغير المنقسمة، التي لأشياء غير منقسمة في المعنى، في مادة منقسمة ذات جهات، فلا يخلو إما أن لا تكون لها ولا لشيء من أجزائها التي تفرض فيها بحسب جهاتها، نسبة إلى الشيء المعقول الواحد الذات الغير المنقسم المتجرد عن المادة، أو تكون تلك النسبة لكل واحد من أجزائها التي تفرض، أو تكون لبعضها دون بعض، فإن لم يكن لشيء منها نسبة فليست لبعضها ولا لكلها — لا محالة — نسبة. فينبغي أن لا تدرك وأن لا يكون بين هذا المعقول ومعقول آخر فرق، وليس كذلك، فإنا نجد تفرقة ضرورية وإن كان لبعضها دون بعض نسبة، فالبعض الذي لا نسبة له ليس هو من معناه في شيء، ويلزم أن يكون الشيء الواحد مجهولًا ومعقولًا بالقياس إلى البعضين، وهذا محال، وإن كان لكل جزء يفرض نسبة، فإما أن تكون لكل جزء يفرض نسبة إلى الذات المعقول بأسرها، أو إلى جزء من الذات المعقول، فإن كان لكل جزء يفرض إلى الذات بأسرها نسبة، فليست الأجزاء إذًا أجزاء معنى المعقول، بل كل واحد منها معقول في نفسه منفرد. وإن كان كل جزء له نسبة غير نسبة الآخر إلى الذات، فمعلوم أن الذات منقسمة في المعقول، وقد وضعناها غير منقسمة، هذا خلف. ومن هذا تبين أن الصورة المنطبعة في المادة لا تكون إلَّا أشباحًا لأمور جزئية، منقسمة لكل جزء منها نسبة بالفعل أو بالقوة، أو بالقوة إلى جزء منها.

فإن قيل منشأ التلبيس في هذا البرهان قولكم إن المعنى المعقول إن كان له نسبة إلى بعض الذات، فيكون البعض الآخر ليس من معنى المعقول في شيء، ونحن هكذا نقول، فإن المدرك منا هو جزء وذلك الجزء لا ينقسم، وهو المسمى بالجوهر الفرد.

قلنا أنتم بين أمرين: إما أن تقولوا نسبة المعقول إلى بعض منقسم، أو إلى بعض غير منقسم، فإن كان نسبته إلى بعض منقسم، فإذا قسمنا يلزم انقسام المعقول ويعود البرهان الأول بعينه، وإن قلتم ينتسب إلى جزء لا ينقسم فكل جزء من الجسم منقسم، وقد برهنا على ذلك، وله براهين هندسية ليس ها هنا موضع ذكرها.

البرهان الرابع

أن نقول إن القوة العقلية لو كانت تعقل بالآلة الجسدانية، حتى يكون فعلها إنما يستتم باستعمال تلك الآلة الجسدانية، لكان يجب أن لا تعقل ذاتها، وأن لا تعقل الآلة، وأن لا تعقل أنها عقلت، فإنه ليس بينها وبين ذاتها آلة وليس بينها وبين آلتها آلة، ولا بينها وبين أنها عقلت آلة، لكنها تعقل ذاتها وآلتها والتي تدعى آلتها، وأنها عقلت فإذًا تعقل بذاتها لا بالآلة، وأيضًا لا يخلو إما أن يكون تعقلها آلتها إما لوجود ذات صورة آلتها، وإما أخرى مخالفة لها، وهي صورة أيضًا فيها وفي آلتها، أو لوجود صورة آلتها، فصورة آلتها في آلتها بالشركة دائمًا، فيجب أن تعقل آلتها دائمًا التي كانت تعقل لوجود صورة آلتها، وإن كان لوجود صورة غير تلك الصورة، فإن المغايرة بين أشياء تدخل في حد واحد، إما لاختلاف المواد والأعراض، وإما لاختلاف ما بين الكلي والجزئي والمجرد عن المادة والوجود في المادة، وليس ها هنا اختلاف مواد وأعراض، فإن المادة واحدة والأعراض واحدة، وليس ها هنا اختلاف بالتجريد والوجود في المادة، فإن كليهما في المادة، وليس ها هنا اختلاف الخصوص والعموم؛ لأن أحدهما إنما يستفيد الجزئية بسبب المادة الجزئية واللواحق التي تلحقها من جهة المادة التي فيها، وهذا المعنى لا يختص بأحدهما دون الآخر، وأما ذات النفس فإنها تدرك دائمًا وجودها لا شيئًا من الأجسام التي معها، وفيها لا يجوز أن يكون لوجود صورة أخرى معقولة غير صورة آلتها، فإن هذا أشد استحالة؛ لأن الصورة المعقولة إذا حلَّت الجوهر العاقل، جعلته عاقلًا لما تلك الصورة صورته، أو لما تلك الصورة مضافة إليه، فتكون صورة المضاف داخلة في هذه الصورة، وهذه الصورة المعقولة ليست صورة هذه الآلة، ولا أيضًا صورة شيء مضاف إليها بالذات؛ لأن ذات هذه الآلة جوهر، ونحن إنما نأخذ ونعتبر صورة ذاته والجوهر في ذاته غير مضاف البتة، فهذا برهان عظيم على أنه لا يجوز أن يدرك المدرك للآلة التي هي آلته في الإدراك؛ ولهذا فإن الحس إنما يحس شيئًا خارجيًّا، ولا يحس ذاته ولا فعله ولا آلته، بل إن تخيل آلته تخيلها لا على نحو يخصه بأنه لا محالة له دون غيره، إلَّا أن يكون الحس يورد عليه صورة آلته لو أمكن، فيكون حينئذٍ إنما يحكي خيالًا مأخوذًا عن الحس غير مضاف عنده إلى شيء، حتى لو لم تكن آلته كذلك لم يتخيله.

البرهان الخامس

مركب من مجموع دلائل واضحة وشواهد لائحة، من أحاط علمًا يقينيًّا تيقن قطعًا أن النفس ليست بجسم، ولا تحل الأجسام.

وطريقة أن نقول إن النفس لو كانت جسمًا، فلا يخلو إما أن تكون حالَّة في البدن أو خارجة البدن، فإن كانت خارجة البدن فكيف تؤثر وتصرف في هذا الجسم، وكيف يكون قوام البدن بها، وكيف تتصرف في المعارف العقلية في الملك والملكوت، فتعرف الأول الحق، وتسافر في العرفان العقلي، وتستوفي المعقولات في ذاتها. وإن كانت حالة في البدن فلا يخلو إما أن تكون حالة بجميع البدن أو ببعضه، فإن كانت حالة بجميع البدن فكان ينبغي إذا قطع منه طرف أن تنتقص أو تنزوي، وتنتقل من عضو إلى عضو، فتارة تمتد بامتداد الأعضاء، وتارة تتقلص بذبول الأعضاء، وهذا كله محال عند من له غريزة صحيحة، وفطنة مستقيمة طاهرة عن شوائب الخيال، وإن كانت حالة في بعض البدن، فذلك البعض منقسم إما بالفعل أو بالفرض، فينبغي أن تنقسم النفس إلى أن تنتهي بالأقسام إلى أقل شيء وأحقره، وهذا معلوم إحالته على البديهة، فكيف يكون كذلك حال النفس التي هي محل المعارف، وبه شرف الإنسان على جميع الحيوانات، وهو المستعد للقاء الله تعالى، وهو المخاطب وهو المثاب وهو المعاقب، وهو الذي إذا زكاه الإنسان أفلح، وإذا دساه خاب وخسر، وهو خلاصة الموجودات وزُبْدة الكائنات في عالم العَود، وهو الذي يبقى بعد موت البدن، وهو الذي كان متحليًا بالمعارف وصل إلى السعادة الأبدية فرحًا مستبشرًا بلقاء الله تعالى أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ،١ فمن كان له أدنى مسكة من العقل يعلم أن الجوهر الذي هذا محله ومنزلته لا يكون حالًا في البدن، ولا يكون جزءًا من البدن لا دمٌ ولا بخار ولا مزاج ولا غيره. وأيضًا فإنك تعلم أن نفسك مذ كنت لم تتبدَّل، ومعلوم أن البدن وصفات البدن كلها تتبدَّل؛ إذ لو لم تتبدل لكان لا يغتذي؛ لأن التغذي أن يحل بالبدن بدل ما تحلَّل، فإذًا نفسك ليس من البدن وصفاته في شيء.

وأيضًا لو كانت النفس الإنسانية منطبعة في البدن، لكان ضعف فعلها مع ضعف البدن، لكنها لا تضعف مع ضعف البدن، فثبت أنها غير منطبعة فيه، ودليل عدم الضعف المشاهدة؛ فإن بعد الأربعين تكون القوة البدنية في انحطاط والقوة العقلية في الزيادة والارتفاع.

وأما الذي يتوهم من أن النفس تنسى ولا تفعل فعلها مع مرض البدن وعند الشيخوخة، وأن ذلك بسبب أن فعلها لا يتم إلَّا بالبدن، فظنٌ غير ضروري ولا حق، وذلك أنه بعد ما صح لنا أن النفس تفعل بذاتها، يجب أن يطلب السبب في هذا، فإن كان قد يمكن أن يجتمع أن للنفس فعلًا بذاتها، وأنها أيضًا تترك فعلها مع مرض البدن، ولا تفعل من غير تناقض، فليس لهذا الاعتراض اعتبار.

فنقول إن النفس له فعلان: فعل له بالقياس إلى البدن وهو السياسة، وفعل بالقياس إلى ذاته وإلى مبادئه وهو التعقل، وهما متعاندان متمانعان؛ فإنه إذا اشتغل بأحدهما انصرف عن الآخر ويصعب عليه الجمع بين الأمرين، وشواغله من جهة البدن: الإحساس والتخيل والشهوات والغضب والخوف والغم والوجع، وأنت تعلم هذا بأنك إذا أخذت تفكر في معقول تعطل عليك كل شيء من هذه، إلَّا أن تغلب وتقسر النفس بالرجوع إلى جهاتها.

وأنت تعلم أن الحس يمانع النفس عن التعقل، إذا أكبت على المحسوس، من غير أن يكون أصاب آلة التعقل أو ذاتها آفة بوجه. وتعلم أن السبب في ذلك هو اشتغال النفس بفعل دون فعل، فلهذا السبب ما يتعطل أفعال العقل عند المرض، ولو كانت الصورة المعقولة قد بطلت وفسدت لأجل الآلة، لكان رجوع الآلة إلى حالها يحوج إلى اكتساب من الرأس، وليس الأمر كذلك، فإنه قد تعود النفس إلى ملكتها وهيأتها عاقلة بجميع ما عقلته بحاله، فقد كانت إذًا كلها معها إلَّا أنها كانت مشغولة عنه، وليس اختلاف جهتي فعل النفس فقط يوجب في أفعاله التمانع، بل تكثر أفعال جهة واحدة قد يوجب هذا بعينه، فإن الخوف يُغفل عن الوجع، والشهوة تصد عن الغضب، والغضب يصرف عن الخوف، والسبب في جميع ذلك واحد؛ وهو انصراف النفس بالكلية إلى أمر واحد، وكلها قوى النفس الواحدة، وهي ملكها والقوى رعيتها وجنودها. فإذًا ليس يجب إذا لم يفعل شيء فعله عند اشتغاله بحالة لشيء، أن لا يكون فاعلًا فعله إلَّا عند وجود ذلك الشيء.

ولنا أن نتوسع في بيان هذا الباب؛ لأن هذا الباب من أصعب أبواب النفس، إلَّا أنه بعد بلوغ الكفاية ننسب الازدياد إلى تكلف ما لا نحتاج إليه، فقد ظهر من أصولنا التي قررنا، أن النفس ليست منطبعة في البدن ولا قائمة به، فيجب أن تكون علاقتها مع البدن علاقة التدبير والتصرف، والله تعالى ولي الهداية والتوفيق.

١  سورة آل عمران ٣: ١٦٩-١٧٠.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤