الفصل الثاني

أوَّل الطريق

لست في حاجة إلى أن أرجع بالذاكرة إلى التاريخ الذي تلقفتني فيه كف العالم، فأقول مثلا إنني ولدت لخمس خلون من شهر كذا عام كذا … أو أن ولادتي اقترنت بظهور كوكب دري في الأفق اعتبره أهلي طالع يمن وإقبال … أو … أو مما لا أرى فيه للقراء من فائدة، ويكفي أن أقفز بهم إلى سن السادسة عشرة، حين غادرت مدرسة الفرير بالخرنفش، بعد أن تزودت بالمئونة الكافية من تعليم وخبرة.

كنت في عهدي هذا أميل إلى دراسة آداب اللغة العربية، وأتوسع في الحصول على أكبر قسط من فنونها ولاسيما الشعر وتاريخ الشعراء.

لم أكتف إذ ذاك بما كنت أتلقى في المدرسة فجيء لي بمدرس خاص اسمه الشيخ بحر، كان يسر كثيرا حين كنت ألقي بعض المحفوظات بصوت جهوري، ونبرات تمثيلية، وإشارات تفسيرية، وما إلى ذلك مما كان يعتبره الشيخ بحر نبوغا وعبقرية.

أما كيف تولدت عندي هواية التمثيل فقد نشأ ذلك من إعجاب أستاذي الشيخ بحر بي وبإلقائي، كذلك كانت المدرسة تكلف طلبتها بين وقت وآخر بتمثيل بعض الروايات على مسرحها، وكثيرا ما كنت أندب لتمثيل الأدوار الهامة في هذه الروايات. وحين هجرت المدرسة اندمجت في سلك موظفي البنك الزراعي بالقاهرة. وتشاء المصادفات الغريبة أن يكون بين موظفي البنك في ذلك العهد الأستاذ عزيز عيد الذي لم يكن عمله هذا يمنعه عن موالاة التمثيل.

أول غرام

وهنا أرى أن أشير إلى أول رواية اشتركت في تمثيلها وهي رواية (الملك يلهو) وكان قد ترجمها أديب اسمه أحمد كمال رياض (بك).

وإذا كنت قد أشرت إلى أول رواية فليسمح لي القارئ العزيز أن أعرج على أول غرام علق به قلبي.

كنا نجلس في قهوة إسكندر فرح المجاورة لمسرحه بشارع عبد العزيز (موضع سينما أولمبيا الآن) وكان بين الممثلين من زبائن هذه القهوة الممثل القديم علي أفندي يوسف الذي أصبح بعد ذلك من عتاة متعهدي الحفلات. وكان لعلي «قطقوطة» من بين الممثلات ما تزال إلى اليوم في عنفوان … «الشيخوخة» تحتل أحد أركان قهوة الفن، كما كانت في الماضي تأوي إلى مثل هذا الموضع من قهوة إسكندر فرح، وتلك «القطقوطة» هي السيدة (ص. ق). كان علي يوسف يعتز بصداقة هذه الفتاة «باعتبار ما كان»، فلما كنت أذهب لأشاركهما في الحديث، كانت نظرة فابتسامة فمش عارف إيه … فشبكان!!

وظلت أواصر الصداقة تنمو بيني وبين فتاة علي يوسف هذه، بينما كانت تتراخى بينها وبين صديقها، دون أن يعلم الرجل من أمرنا شيئا!!

وأخيرا «لعب الفار في عبه» … وقاتل الله الفيران كلها من أجل خاطر هذا الذي لعب في عب أبي يوسف. أقول إن الشك بدأ يساوره، لكنه كان علي جانب كبير من اللؤم، فلم يبد لنا شيئا مما في نفسه، وعمل على مراقبتنا من حيث لا نشعر!!

يا مولاي

كنت في ذلك الوقت «ظبيا» في السادسة عشرة أو السابعة عشرة من عمري، ومع عدم المساس بفضيلة التواضع أرى ألا مانع من الاعتراف أن «خلقتي» لم تكن لتقارن ﺑ … أستغفر الله العظيم، خلقة الصديق اللطيف علي يوسف، زد علي ذلك أنني كنت موظفا مضمون الإيراد، في حين كان منافسي (يا مولاي كما خلقتني).

كل هذه العوامل شدت أزري وقوت سببي فاتفقت مع الغزال النافر، على تمضية نهاية الأسبوع في الإسكندرية بعيدا عن علي يوسف ورقابته القاسية.

ومعروف أن يوم الأحد هو موعد العطلة الأسبوعية في البنوك، فحصل الرضا والاتفاق بيني وبين … محبوبي!! على أن نغادر القاهرة ظهر السبت إلى الثغر، ثم نعود منه صباح الاثنين ولكن اسمع ماذا حدث ….

قبل موعد الخروج من البنك زارني في مكتبي الصديق علي يوسف وألح علي في أن أقرضه شيئا من المال لأنه دعا بعض زملائه إلى نزهة خلوية، ولذلك يحتاج إلى كذا من»الفلوس»!! فأعطيته ما طلب … وأنا أحمد الله على «زحلقته» وأدعو بطول العمر لأصدقائه أولئك الذين شغلوه عني في هذا الظرف السعيد. وودعت أبا يوسف إلى الباب وعدت إلى مكتبي مطمئنا. وفي الموعد المحدد قصدت إلى محطة سكة الحديد فوجدت «الكتكوتة» على أحر من الجمر في انتظاري على رصيف القطار الذي امتطيناه وقلوبنا ترقص فرحا.

وسار القطار بنا ينهب الأرض نهبا ونحن نحلم بالسعادة التي سترفرف علينا بأجنحتها في الثغر الباسم!

ووصل بنا القطار إلى الإسكندرية فنزلنا نسير وخلفنا «الشيال» يحمل حقيبتنا «المشتركة» وما كدت أسير خطوات متأبطا ذراع المحبوبة، حتى برز أمامي عزرائيل! في ثياب الصديق الملعون … علي يوسف!! لقد اقترض اللعين مالي … واشترى منه تذكرة السفر وجاء معنا في عربة أخرى بالقطار نفسه، وراح يستقبلنا هاشا باشا مرحبا، وهو يمد يده لي بالتحية شاكرا إياي على قيامي بدفع نفقات السفر، لحضرته ولحضرة بسلامتها «الست المصونة والجوهرة المكنونة» … التي استلبها مني وتركاني أعض بنان الندم … ولات ساعة مندم!!

أصارحك أيها القارئ الحبيب بأن الدنيا أظلمت في عيني في تلك اللحظة. وأحمد الله إذ كنت خلوا من السلاح. ولم أكن أحمل حتى ولا سكينة البصل، فأغسل بها الشرف الرفيع من الأذى!! وذهب العاشقان بينما ظللت واقفا في مكاني، حتى دنت ساعة القطار العائد إلى مصر فامتطيته وجئت أضرب أخماسا في أسداس!!

أحببت الدرام

ولنعد إلى غرامي بالتمثيل.

لم أكن في هذا الوقت أميل للكوميدي، بل كانت كل هوايتي منصبة على الدرام وحده. وكم كنت أستظهر قصائد هيجو وأشعار المتنبي ولزوميات أبي العلاء المعري، ثم أخلو بنفسي في المنزل، وهات يا إلقاء، وخذ يا تمثيل، حتى ضجت والدتي وكاد «يهج» من البيت إخوتي. ومع ذلك فإنني لم أكن أعبأ بمثل هذه العراقيل، وما دمت أرضي هوايتي، فبعدها الطوفان. وفي سنة ١٩٠٨ استقال الأستاذ عزيز عيد من عمله في البنك وألف فرقته التمثيلية الأولى، مشتركا مع الممثل القديم سليمان الحداد. وقد احتلت هذه الفرقة مسرح إسكندر فرح بشارع عبد العزيز. وكانت رواياتها تترجم عن الفرنسية وكلها من نوع الفودفيل، ولعل القراء الأفاضل لم ينسوا بعد روايات «ضربة مقرعة» و«الابن الخارق للطبيعة» و«عندك حاجة تبلغ عنها» و«ليلة زفاف». وهذه الأخيرة ترجمها الأديب الكبير إلياس فياض.

وقد كنت بحكم ارتباطي برابطة الزمالة مع الأستاذ عزيز في البنك عضوا في الفرقة، وكانت تسند لي في هذه الروايات أدوار ثانوية صغيرة. ولم يكن هذا ليضيرني لأني — كما قلت — لم أكن أميل لهذا النوع إطلاقا.

وهنا كان إهمالي لعملي في البنك قد بلغ حدا لا يحتمله أحد والشهادة لله. فكم من ساعات بل أيام كنت أتغيبها وكم من ممثلة كانت تقتحم علي مكتبي في البنك — وخصوصا منية القلب الست «ص!».

ولم تجد إدارة البنك إزاء هذه الحالات الصارخة إلا أن تستغني عن عملي. وأي عمل يا حسرة؟ هو أنا كنت باشتغل؟!

السنافور مفتوح!

لم يكن لي مثوى بعد هذا «الرفت» القاطع إلا «قهوة الفن» — أمام تياترو إسكندر فرح — أو منزل (حبيبة الفؤاد) في غيبة «صديق الطرفين» الأخ علي يوسف!

وما دام الحديث قد جرنا إلى هذين الصديقين فلنعرج عليهما بحادثة أخرى كاد يغمى علي بعدها. ذلك أن الفتاة — باعتبار ما كان — اتفقت وإياي على إشارة معينة هي أنها إذا وضعت نورا في النافذة، كان معنى ذلك أن عليَّ بن يوسف غائب عن البيت، وأن في وسعي أن أزورها، والعكس بالعكس.

وفي إحدى الليالي تراءى لي أن نورا يشع من النافذة، فعرفت أن الطريق خال وأن السنافور مفتوح، فخلعت حذائي وتأبطته ثم صعدت درجات السلم بلا حركة، وطرقت الباب طرقا خفيفا جدا. وإذا الفاتح!! الفاتح هو غريمي العزيز علي يوسف!!! الذي تناول الحذاء من يدي، وتركني أعدو، إلى الشارع ببذلتي حافي القدمين!!!

٤ جنيهات شهريا

أعود إلى قهوة الفن إياها. فأقول إنني اتخذت منها — بعد فصلي من البنك — محلا مختارا. وبعد أيام صادفني فيها الأستاذ أمين عطا الله فعرض علي أن أسافر معه إلى الإسكندرية بدال اللطعة اللي أنا ملطوعها، لأن أخاه الأكبر المرحوم سليم عطا الله ألف فرقة هناك هي محل عطف البلدية التي تساعدها بإعانة مالية. وقبلت بالطبع هذا العرض ولاسيما أن المرتب كان مغريا جدا … أربعة جنيهات مصرية في الشهر! وهو أول مرتب ذي قيمة تناولته من التمثيل.

كانت فرقة المرحوم سليم عطا الله معتزمة تمثيل رواية (شارلمان الأكبر)، ولما كان العرف يقضي إذ ذاك بأن يسند دور البطولة إلى مدير الفرقة — وهو سليم عطا الله — فقد كان نصيبي هو الدور الثاني وهو دور شارلمان نفسه!

وتهيأت لي الفرصة التي كنت أرقبها من زمن، وهي أن يسند إلي دور في إحدى الدرامات. وفي نهاية الفصل الثالث من الرواية مشهد رائع وحوار بديع، بين (شارلمان) وبين بطل الرواية (سليم عطا الله) وقد أجهدت نفسي في أداء هذا المشهد وبذلت قصارى جهدي. فكان لي ما ابتغيت. إذ حالفني النجاح بشكل لم أكن أنتظره، حتى لقد أفهمني الكثيرون أنني طغيت على البطل نفسه وأغرقته في لجة الإعجاب التي سبحت فيها ظافرا.

وحين أسدل ستار هذا الفصل، هالني أن جمهرة من الفضلاء والأدباء — وأغلبهم من أصدقاء مدير الفرقة — صعدوا إلى المسرح وقابلوا المدير في غرفته، وطلبوا استدعائي حيث أجزلوا تهنئتي، ونصحوا للمدير بالاحتفاظ بي، لأنني سأكون — على حد قولهم — ممثلا لا يشق لي غبار.

وفرحت، لا بل «ظقططت» بعد هذا المديح الذي انهال علي من حيث لا أحتسب. وفي صباح اليوم التالي استدعاني الأستاذ سليم مديرنا (رحمه الله) فقلت يا واد جاك الفرج! وظللت أخمن وأحذر مقدار العلاوة التي سيتحفني بها وإن كنت أنا شخصيا قانعا بالجنيهات الأربعة التي ربطت لي.

وحبكت أزرار جاكتتي، ودخلت على مديري باسما متهللا معللا نفسي بالآمال قائلا في سري … إنه يكفيني أن تكون العلاوة جنيها واحدا و«خليني» لطيف، لأن (الطمع يقل ما جمع). وبعد هذا الحوار الظريف بيني أنا نجيب الريحاني وبين نفسي التي هي أمارة بالسوء، ابتدرني المدير قائلا بتلك الجملة المأثورة التي لا يزال صداها يرن في أذني:

– أنا متأسف جدا يا نجيب أفندي لأن الفرقة استغنت عنك …!

يا نهار زي الحبر يا أولاد!! استغنت عني!! وهل يعتبر النجاح جرما يعاقب عليه الممثل؟ وإذا كان الأمر كذلك فلم لم تصدر لي الأوامر قبل التمثيل حتى كنت ألجأ إلى السقوط التام والفشل الزؤام؟!

نهايته. لم أجد فائدة من الأخذ والرد فأخذتها من قصيرها وعدت أدراجي إلى القاهرة، وفي قهوة الفن متسع للجميع!! ومن فات قديمه تاه!!!

عود إلى الوظيفة

طال بي عهد الخلو من العمل، فحفيت قدماي سعيا، حتى كانت سنة ١٩١٠، حيث عثرت على وظيفة في شركة السكر بنجع حمادي فسارعت إلى تسلم عملي هناك، مبتعدا عن العاصمة وما فيها من شقاء، تاركا خلفي ذلك الوسط الخبيث، وسط التمثيل الذي أعشقه وأتمناه!!

وأظهرت نشاطا في العمل بشركة السكر كان موضع ثناء رؤسائي وإعجابهم. وبسم لي الدهر بعد عبوس وحالفني بعد خصام، وظللت أشق طريق المستقبل راضيا مطمئنا.

ودام الحال على ذلك سبعة أشهر فإذا المثل الخالد: «عند صفو الليالي يحدث الكدر». أقول إن هذا المثل تراءى لي شبحه بعد هذه الأشهر السبعة فقوض ما بنيت للمستقبل من قصور الآمال، وحملني توا من حال إلى حال. هذا «الكدر» سببته واقعة … قاتل الله الشيطان … واقعة أذكرها هنا من باب التسجيل فقط، وإن كان الخجل يكسوني كلما طوح بي الفكر إلى تلك الذكرى البعيدة، ولكن ما باليد حيلة!!

كان باشكاتب الشركة رجلا مسنا اسمه (عم. ت) وكان رحمه الله على نياته وإذا ضربه أحد على خده الأيمن أدار له الأيسر، وكان كل همه أن يتلو الإنجيل ويستوعب معانيه. وكان مسكني مواجها لمسكنه وقد ولدت هذه الجيرة بيننا اتصالا وثيقا.

كانت السيدة حرم (العم ت) على جانب كبير من الجمال. وكانت في سن تسمح لها بأن تكون ابنة (للعم ت) لا زوجة له. كذلك كان الحال معي. وإلى هنا تسير المسألة في مجراها الذي ترسمه طبيعة كل شيء.

وفي أحد أيام الشهر السابع، اضطرت الأعمال حضرة الباشكاتب إلى السفر لمصر في مهمة مصلحية، وإذ ذاك خلا الجو للشباب. وحلا له أن يمرح، فحدث أن اتفقنا على ألا تغلق السيدة بابها الخارجي، حتى أستطيع المرور في منتصف الليل! وتم الترتيب كما اتفقنا، وذهبت السيدة إلى مخدعها بعد أن تظاهرت أمام خادمتها أنها أقفلت الأبواب. ولكنني لا أدري أي شيطان دفع بهذه الخادمة اللعينة إلى القيام بعد ذلك وإحكام القفل من الداخل. وحان موعد اللقيا فتسللت، وما أشد دهشتي حين وجدت الباب موصدا دون غرامي وأحلامي. واستشرت الشيطان فيما أفعل فدلني — قاتله الله — إلى منفذ في السقف (منور) تدليت منه ولكن الخادمة استيقظت في نفس اللحظة، وظنتني لصا يسطو على المتاع، فصرخت بصوتها المنكر، وصحا الجيران، ووفد الخفراء وألقي القبض علي. وكانت فضيحة اكتفوا عقبها بفصلي من عملي فعدت إلى محلي المختار في قهوة الفن بشارع عبد العزيز.

٤٨ ساعة جوع!

لم يعد لي مجال في البيت بعد فصلي من شركة السكر، لأن والدتي كانت قد ضاقت بي، فأقفلت بابها دوني. وأنا رجل لم أعتد أن أطأطئ هامتي أمام أي خطب. فما العمل؟ وماذا أفعل لأحصل على القوت الضروري؟

أقسم أيها القراء الأعزاء أنني قضيت ثماني وأربعين ساعة لم أذق خلالها للأكل طعما. لا زهدا مني، ولا أسفا على شيء، ولكن لأنني لم أجد وسيلة أكتسب بها ثمن «لقمة العيش بلا أدام». ومع ذلك لم أحن رأسي ولم تذل نفسي، وبقيت أنا كما أنا ويفعل الله ما يشاء.

ولو كان أمري قاصرا على الجوع وحده لهان، ولكنني لم أجد كذلك مكانا آوي إليه كلما أدركني الليل، وذهب كل حي في المدينة يلتمس الراحة في فراشه. لذلك كنت أقضي الليالي وحيدا، أمكث في (قهوة الفن) إلى موعد التشطيب في الساعة الثانية من كل صباح، ثم أغادرها إلى كوبري قصر النيل، فأجوب تجاه الجزيرة سائرا على قدمي، حتى إذا أعياني الكد والنصب، استلقيت على الإفريز جانبا وتوسدت حجرا من أحجار الطريق مستريحا، إلى أن ترسل الغازلة أشعتها، فأستيقظ من نومي «الهنيء» وأعود أدراجي إلى المقر الرسمي (قهوة الفن).

كنز ثمين!

وإن نسيت فلن أنسى يوما قمت فيه من النوم، وتلفت فإذا تحت وسادتي «كنز»!! كنز ثمين يا سادتي لا يعرف قيمته إلا المفلسون!! هذا الكنز هو … أتعرفون ما هو؟ «قرش تعريفة»!! وافرحتاه! خمسة مليمات … حتة واحدة!! ما هذا الفتوح؟ وما هذه البشرى؟ حقا يا سادتي إذا كان المثل يقول «الصحة تاج على رءوس الأصحاء لا يشعر به إلا المرضى» … إذا كان المثل يقول ذلك فإنني أخالفه، وأقول: القرش التعريفة كنز في جيوب الأغنياء لا يحس به إلا المفلسون.

وعنها وسعت على نفسي في الإفطار، وإن شا الله ما حد حوش …! فقد أكلت طعاما دسما عماده الفول المدمس والسلطة والطعمية، والعيش كمان، لأن أيامها كانت الدنيا مبحبحة و«القرش التعريفة» ثروة!!

نقولا كارتر!

وفي إحدى الليالي، وبينما كنت أقطع الجزيرة كعادتي كل مساء بعد تشطيب قهوة الفن، كان الظلام حالكا وكنت أتلمس مكانا أستريح فيه، فتعثرت قدمي بشيء تحسسته فإذا هو إنسان!! وحين استيقظ، وجدت فيه صديقي العزيز الكاتب المعروف الأستاذ محمود صادق سيف!! يا للداهية ما الذي جاء بك إلى هنا يا محمود؟ فأجابني بصوته الأجش إياه: «هو الذي جاء بك أنت يا نجيب!!».

قلت: إذن كلانا يسكن «فندقا واحدا»، وانطلقت منا ضحكة عالية هتكت أسرار الليل! وقمنا نسير سويا، وكل منا يشكو حاله لزميله. فاتفقنا على أن نتلاقى معا بعد منتصف كل ليلة لنتسامر، ونقتل الوقت في الحديث قبل أن يقتلنا جوعا. وسارت الأيام معنا سيرها العادي، إلى أن جاءني الزميل صادق سيف يوما وهو مبتهج متهلل، وقال: «اسمع يا نجيب … فيه فكره عال! يمكن ينصلح معها الحال». إيه هيه؟ أجاب صادق: «إن صاحب مكتبة المعارف كلفني أن أعرب عن الفرنسية أجزاء بوليسية من رواية اسمها «نقولا كارتر»، واتفق معي على أن أتناول منه نظير ذلك مائة وعشرين قرشا عن كل جزء، وبما أن هذه الأجزاء ستصدر أسبوعية، فسيكون هذا القسط من حقنا كل أسبوع … وبما أنك تجيد الفرنسية كما أجيد أنا العربية فهيا بنا نشترك في العمل ونقتسم الثمن مناصفة!».

وفي الحال نفذنا الفكرة وظللنا نتقاضى الأجر فرحين مغتبطين. ولعل مما يجدر ذكره في هذه المناسبة، أن أقول إن صاحب مكتبة المعارف كان يدير فندقا في أعلى المكتبة، فاتفق وإيانا على أن نستأجر إحدى غرف الفندق نظير مبلغ خمسة قروش عن الليلة، وكان يخصمها من الأجر الذي نتقاضاه منه عن تعريب أجزاء روايات نقولا كارتر!! والطريف أن الحجرة كانت تحتوي على سرير، وكنبة مفروشة، فكان السرير بالطبع موضع نزاع دائم بيني وبينه على أن نتناوب احتلاله ليلة بعد أخرى، بحيث ينام أحدنا فيه ليلة، بينما يكون زميله نائما فوق الكنبة!!!

مُعرِّب وممثل

وبعد فترة من الوقت قابلني الأستاذ مصطفى سامي، وأبلغني أن فرقة شقيقه الشيخ أحمد الشامي تحتاج إلى مترجم ينقل إلى العربية روايات الفودفيل الفرنسية من نفس النوع الذي كان يعربه الأستاذ عزيز عيد وتمثله فرقته، واتفقت أنا على الانضمام إلى فرقة الشيخ أحمد الشامي، كمعرب وممثل بماهية قدرها أربعة جنيهات في الشهر.

والفرقة كانت جوالة تجوب مدن القطر من أقصاه إلى أقصاه، وكانت بطبيعة الحال إذا نزلت في بلدة اضطرت إلى البقاء فيها أسابيع، وربما أشهرا. فنزول أفرادها في فنادق كان من المتعذر جدا لأن هذا يكلف الفرقة مصاريف باهظة. ومن ثم كانت الإدارة تعمد إلى استئجار بيت من (بابه) ينزل فيه الجميع ويطلق عليه اسم «بيت الإدارة».

ولما كانت هذه البيوت غير مفروشة، فقد كانت تصدر إلينا التعليمات من إدارة الفرقة، قبل مغادرتنا القاهرة، كي يستعد كل منا بما يحتاجه من «مراتب» ومخدات و«ألحفة»، وكم كان منظرنا باعثا على الضحك حين كنا نلف المرتبة والمخدة واللحاف في «بقجة» ونقصد إلى محطة السكة الحديد.

نزلنا أولا في بني سويف، وصحبت «بقجتي» إلى البيت الذي قادونا إليه «بيت الإدارة». وبعد بني يوسف انتقلنا إلى غيرها، وظللنا كالمستكشفين بلد «تشيلنا» وبلد «تحطنا» حتى أتينا على آخر حدود مصر في أقصى الصعيد. وقد كان الناظر إلى بيت الإدارة في أي بلد من البلاد، يتراءى له فريق من المهاجرين لفظتهم أوطانهم وراحوا يبتغون العيش في بلاد الله … لخلق الله!

مكوجي أرضي

ولما كنت من صغري أحب (أتعايق وأتهندز)، فقد كان يضايقني أن تقصر يدي دون الحصول على أجر مكوى ملابسي. ولكن كانت الحاجة تفتق الحيلة. وما دامت هناك «مراتب» أرضية فقد أغناني الله عن المكوى، وتعسف المكوجية، ذلك أنني كنت أرتب «البنطلون» ترتيبا منظما كما يفعل «المكوجي»، وأضعه بهذه الكيفية تحت «المرتبة»، فإذا نمت فوقها فعلت بالبنطلون نفس ما تفعله المكواة. وفوق كل ذي علم عليم! أما المشاجب، أو بالعربي الذي نفهمه نحن وأنتم «الشماعات»، فلم تكن لنا بها حاجة. ففي الحبال التي كنا نمدها في الغرف متسع للجميع، إذ كنا نعلق ملابسنا، أو بمعنى أصح ننشرها فوق هذه الحبال كما يفعل العرب الرحل إلى وقتنا هذا. وأعود إلى العمل فأقول إنني ترجمت للفرقة رواية «الابن الخارق للطبيعة» ورواية «عشرين يوما في السجن».

وبعد أن «شطبنا» على الوجه القبلي عدنا أدراجنا إلى القاهرة، لا لنحط بها الرحال ولكن لنستعد إلى غزو «الوجه البحري» وقد كان، إذ قمنا من فورنا «وفتحنا» طنطا!!

في (بيت الإدارة) بطنطا، وفي الساعة العاشرة من صباح أحد الأيام، بينما كنت أقوم بعملية «التمرغ» فوق المرتبة إتماما لكي بنطلوني، إذ طرق الباب طارق، وفتح أحد زملائي، فإذا الطارق والدتي بعينها!!

وا كسوفاه! وا خجلاه! لقد كنت والله أتمنى أن تشق الأرض في تلك اللحظة وتبتلعني حتى لا تراني «أمي» على الحال التي كنت بها، خصوصا وأنني كنت (عامل أبو علي) طالع فيها، ومتظاهر بأنني في غير حاجة إلى أهلي ما داموا ينكرونني، ويرون في التمثيل رأيا لا أقرهم عليه. وقد سبق أن قلت بأنني كنت مطرودا من بيتي، لأن والدتي ساءها أن أكون ممثلا ….

تصور يا سيدي القارئ حالي في اللحظة التي اقتحمت فيها والدتي (بيت الإدارة)، وشاهدت ما يحوي من (موبيليا فخمة) وأثاث فاخر، وأنا الذي لم أحن رأسي في الماضي لإرادتها، ولم أطأطئ قامتي، لأدخل في روعها أنني على أحسن حال في عملي، ولست محتاجا لخير يأتيني على يد أهلي! أقول تصور هذا، ثم احكم بعد ذلك على الظرف القاسي الذي كنت فيه حين وصولها، لاسيما وأنها لم تدبر جهدا في إظهار نوع من العتاب هو أقرب إلى الشماتة منه إلى أي شيء آخر!

والآن دعني أشرح لك سبب مفاجأة والدتي في هذا الحضور الذي لم أكن أتوقعه.

وصل خطاب لي بعنوان المنزل (في القاهرة) من شركة السكر (بنجع حمادي) تدعوني فيه للعودة إلى استئناف عملي بها، ورأت والدتي أن تحمل الخطاب بنفسها إلي، إذ دار بخلدها أنني ربما رفضت أن أجيب الشركة إلى طلبها، وإذ ذاك تعمل هي (الوالدة) على ضرورة إقناعي بهجر التمثيل … اللي صفته كيت وكيت … من مأثور الكلمات التي كانت تخلعها الوالدة على هذا الفن … الغلبان!

حيلة …!

أما كيف طلبتني الشركة بعد استغنائها عني على أثر الحادث إياه، فقد كان هذا موضع دهشتي إلى أن وقفت على سر الأمر أخيرا. وإليك البيان:

حدث بين بعض موظفي الشركة وبين العم (ت) خلاف استحكمت حلقاته، ولكنهم لم يتمكنوا منه، ولم يجدوا سببا مبررا لفصله من عمله، فهداهم تفكيرهم إلى استعمال الحيلة كي يحملوه على الاستقالة.

والحيلة هي أن يعيدوني إلى عملي بالشركة، وإذ ذاك لا يجد غريمي العم (ت) مناصا من هجر الشركة، لا بل من هجر البلدة بما فيها. إن لم يكن اتقاء للفضيحة، فخشية تجدد الماضي بين روميو (الذي هو أنا)، وبين جولييت (وهي الحرم المصون).

قلت إن والدتي حملت إلي خطاب الشركة، وذلك بعد أن أضناها البحث عن مقر الفرقة التي أعمل بها. فكم وجهت السؤال إلى هنا وهناك، وكم نقبت عن أسر الممثلين تسائلهم عن أخبار أبنائهم، وأين يحطون الرحال. وأخيرا اهتدت إلى أننا نقيم إذ ذاك في طنطا، فجاءت على عجل.

عودة إلى الوظيفة

لم أتوان بعد الاطلاع على خطاب الشركة في جمع عزالي، وهي عبارة عن المرتبة واللحاف والمخدة والكام هدمة، والعودة سريعا إلى القاهرة، تاركا الجمل بما حمل ومنها إلى نجع حمادي حيث استلمت عملي، وأنا أقسم جهد أيماني أنني لن أعود إلى التمثيل مهما حدث، ومهما كانت الأسباب!! فهل بررت بقسمي هذا أم حنثت!!

قدمت أن السبب في استدعاء الشركة لي هو تطهيق العم (ت) ليأخذها من «قصيرها» ويولي الأدبار!! ولذلك رأى الرؤساء من باب النكاية فيه، أن يجعلوه تحت رياستي، وأن يكون من اختصاصي أن أراقب أعماله!!

ومع ذلك لم ييأس العم (ت)، ولم يتبرم بهذه التصرفات، بل لم يحرك ساكنا … وأخوك تقيل! وقد رأيت أن «أتلم» شوية وألايمها، فعاملته أحسن معاملة، وصرنا من هذا الحين أصدقاء أعزاء.

واتجهت بكليتي إلى إتقان عملي ومراعاة الواجب فارتفعت بأخلاقي إلى مستوى لا بأس به. وفضلت فيما يختص بعلاقاتي بالجنس اللطيف أن أترك ما لقيصر لقيصر، وأن أخليني لطيف، وبلاش «المسخرة» بتاعة زمان. وقد كان! ولم يمض وقت طويل حتى حزت ثقة مدير الشركة وغيره من الرؤساء، فارتفع بذلك مرتبي إلى أربعة عشر جنيها في الشهر.

إغـراء

وظللت قرابة العامين هانئا بعيشي راضيا بما كتب لي في سجل الحياة. ونظرت فإذا بي أقتصد من هذا المرتب في تلك المدة مبلغا يزيد على مائتي جنيه. ولما كان عام ١٩١٢ تسلمت — وأنا في نجع حمادي — خطابا من الأستاذ عزيز عيد (وكان في القاهرة طبعا) يخبرني فيه أن التمثيل قد ارتفع شأنه، وأن الأستاذ جورج أبيض عاد من أوربا، وهو ينوي تأليف فرقة بعد أن تلقى الفن في الخارج على نفقة صاحب السمو الخديو وأن … وأن ….

وبعد تلاوة الخطاب أقول لك الحق، (زقزق) عقلي. وازنت بين ما يحويه هذا الخطاب من مزخرفات ومشوقات، وبين ما أنا فيه من نعمة شاملة وراحة كاملة. وأخيرا فضلت البقاء في نجع حمادي، ولتفعل فرقة جورج أبيض بالممثلين ما تشاء.

ومر بعد ذلك وقت بدأت أرى فيه الصحافة تهتم بالتمثيل، والجرائد اليومية تكتب عن فلان وفلان من زملائي، وتأتي على ملخصات للروايات التي تعرض، وكيف أن فلانا أجاد دوره، وأن السيدة (فلانة) بلغت في دورها حدا بعيدا من الإتقان.

أقول كنت أقرأ هذه الأشياء وأنا قابع في نجع حمادي، فخارت قوة المقاومة في نفسي، ولم أعد أحتمل البقاء في أقاصي الصعيد، تاركا هذا العالم الجديد يفتح ذراعيه لزملائي الأقدمين فعولت على الحصول على إجازة أقضيها في القاهرة لأرى عن كثب هذا الفن الذي أزهرت أيامه، وارتفعت أعلامه.

وجئت إلى القاهرة بإجازة شهرين، وكنت أحمل في جيوبي إذ ذاك مائتين من الجنيهات الذهبية الصفراء، كانت كل ما ادخرته من مرتبي في السنوات الماضية. ورحت أشاهد تمثيل جورج أبيض، وأتوسع في الإنفاق هنا وهناك، كمن ينتقم من أيام «الجفاف» التي أمضيتها في الصعيد.

ولم تأت نهاية الإجازة إلا بعد أن أتت على آخر قرش أبيض من قروشي المدخرة للأيام السوداء. وأخيرا اقترضت أجرة القطار إلى نجع حمادي في الدرجة الثالثة يعني «ترسو». وكان الله بالسر عليما.

حنين إلى الفن

وهناك ساءت أحوالي، وعادت (غية) التمثيل تتراءى لي في الغدو والرواح، فلم يهنأ لي بال ولم يرتح لي فؤاد. وأذكر أن صديقا لي هو الدكتور جودة (طبيب الأسنان المعروف الآن) كان معي في نجمع حمادي، فكنت أجبره على الإنصات لي، حين كنت أقف أمامه لألقي قطعة تمثيلية مما رأيته أثناء زيارتي الأخيرة للعاصمة، فأقلد تارة جورج أبيض وتارة أخرى عزيز عيد أو أحمد فهيم، أو غيرهم من كبار الممثلين!!

وكم ضاق بي الدكتور جودة ذرعا، وعمل على التهرب مني حين كنت أجبره على سهر الليالي، لا في طلب المعالي، بل في وجع دماغه بأقوال لويس الحادي عشر، وصرخات القائد المغربي عطيل، وتأوهات الملك أوديب وغيرهم من بقية الشلة المحترمة التي يتزعمها أستاذنا الكبير جورج أبيض.

جمهوري الأول

وهكذا كان صديقي الدكتور جودة بمثابة (الجمهور)، الذي ألقي عليه ما اقتبسته من قطع تمثيلية، علقت بذهني حين كنت أشاهد روايات فرقة الأستاذ جورج أبيض الأولى.

لم يكن حظ «جمهوري» المسكين، (وهو الدكتور جودة) مقصورا على سماع مقتطفاتي «الأبيضية»، بل كنت أعمد أيضا إلى تأليف منولوجات وأزجال مثل معي فيها، وأغان ومنثورات فنية كنت أحمله «بالعافية» على سماعها، فإذا «زعل» فإن نهر النيل يمر بنجع حمادي، وماؤه ولله الحمد غزير فليشرب منه من يشاء …!

وشاء الله بعد فترة من الزمن أن يزداد «جمهوري»، وأن يجد الدكتور من يحمل العبء عنه والصعب دونه، إذ وفد على نجع حمادي المهندس الظريف الأستاذ محمد عبد القدوس منقولا إلى مدرسة الصنايع هناك.

ائتلفنا إذ ذاك ائتلافا تاما، وتسلينا بكل ما في هذه الكلمة من معنى، وتباحثنا كثيرا في فنون «الدردحة». ولست أدري أكنت أتلقى هذه الفنون على يد كندس، أم كنت ألقنه إياها. ولكنني أعترف على كل حال أنه كان «مدردرح جاهز» قبل أن ينزل ركابه في بلدة نجع حمادي.

كان عبد القدوس من هواة التمثيل، وكان حاله كحالي في جنون الفن. ولذلك كانت كل اجتماعاتنا جنانا في جنان!

فهو يلقي علي منولوجا مثلا، بينما كنت أنا أجلس منه في مكان «الشعب» من الممثل، ثم يأتي دوري فألقي قطعة تمثيلية يحتل هو في أثناء إلقائي مكاني … بصفة «متفرج» وهكذا، إلى أن يأذن الليل بالرحيل. وكم من سهرات لطيفة ونزه ظريفة ليس من حقي (وحدي) أن أغامر بوصفها، وإن كنت من ناحيتي أسمح للصديق عبد القدوس أن يتولى عني هذا الوصف!؟

ولم يطل مقام كندس في نجع حمادي، بل غادرها منقولا أو مرفوتا لست أدري، وإنما الذي أدريه أنه ترك وحشة وفراغا لم أكن أتوقعهما.

منوم مغناطيسي

وتدافعت الأيام متشابهة، إلى أن وصل لنجع حمادي رجل أجنبي ومعه زوجه (وهي فرنسية) وكان الرجل منوما مغناطيسيا، أتى يحيي بعض حفلات في «البندر». كنا نشاهده فيها يقوم ويؤدي بعض تجارب مستغربة من النوم الذي نراه من «الحواة» وأمثالهم.

على أن موضع الدهشة من الأمر هو تمكن زوجه من علم الكف، إذ كانت حين تتفرس في كف إنسان، تقرأ ما فيها وكأنها تتلو من كتاب بين يديها. وكم تمنيت أن أريها كفي، ولكن المبلغ المحدد لذلك كان مبالغا فيه. ولذلك فضلت التريث عسى أن يبعث الله بالفرج!؟

وفي إحدى الليالي ذهبت في «شلة» كبيرة من الأصدقاء إلى حضور حفلة لذلك «المنوم»، وبعد انتهائها تقدم الزوج يعلن أنه سيوزع تذاكر «لوتريه» ثمن الواحدة عشرون مليما بينها تذكرة واحدة تكسب؟

وما هو المكسب …!

هو أن يزور صاحبها بمصر اليوم التالي مقر هذا الزائر كي تقرأ المدام كفه، وتطلعه على ما خفي من أمره.

واشتريت كغيري تذكرة، وأنا أدعو الله أن أكون الفائز، لأنني كنت — كما قدمت — في شوق زائد إلى هذه «العملية»؟

ولما انتهى توزيع التذاكر، وتدافع الأصدقاء وغيرهم لحضور عملية السحب، بقيت في مكاني مشفقا.

وظهرت النتيجة فإذا الفائز زميل لي في الشركة اسمه عبد الكريم أفندي صدقي.

وبعد أن قمت بعملية «لعن سنسفيل» أبو الدهر القاسي والحظ العاثر، لم أجد بدا من الذهاب إلى عملي في الشركة كالمعتاد. فلقيني زميلي عبد الكريم صدقي ينعى حظه الذي (مش ولابد).

وأخيرا فرجت …!

الله إزاي يا سي عبد الكريم؟ أنت إمبارح كسبان «لوتريه» تسوى الشيء الفلاني، والنهارده العصر عندك «رنديفو». الله أكبر ناقصك إيه يا خوي؟

وأجابني الصديق قائلا: «ما هو ده اللي مجنني. لأنه صدر لي أمر بالسفر دلوقت حالا لمأمورية لا تنتهي إلا بعد أسبوع، والرجل وامرأته يغادران نجع حمادي غدا. ولم يبق على القطار الذي أستقله غير دقائق معدودات!!؟

وما إن سمعت هذه «البشرى»، حتى قلت في نفسي جاك الفرج يا أبو النجب!!

وقبل أن أنبس ببنت شفة. واصل الصديق حديثه قائلا: «وبما أنني مش رايح أستفيد من التذكرة دي فخذها أنت وروح شوف بختك عند الوليه وجوزها»!!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤