في المعهد العلمي

لعمرك إن الحرَّ لا يتقيَّدُ
ألا فليقل ما شاءَ فيَّ المفنِّدُ١
إذا أنا قصَّدتُ القصيدَ فليس لي
به غير تبيان الحقيقة مَقْصد
نشدت بشعري مَطْلبًا عزَّ نيله
وإن هان عند الشعر ما كنت أنشدُ
فللنجم بُعْدٌ دون ما أنا ناشدٌ
وللدُّر قدْرٌ دون ما أنا منشدُ
وكم جنَّبتني عزَّةُ النفس مَنهلًا
يطيب به لكنْ من الذل موردُ
وما أنا إلا شاعرٌ ذو لبانةٍ
أنوح بها حينًا وحينًا أغرِّدُ
ولي بين شَدْقيَّ الهَريتين صارمٌ
يُسلُّ على الأيام طورًا ويُغمدُ٢
ولا عجبٌ إن عابني الشاعر الذي
يقول سخيفَ الشعر وهو مقلِّدُ
فإن ابنَ بُرْدٍ وهو أكبرُ شاعرٍ
تنقَّصه في الشعر حمَّاد عجرد٣
تعودت تصريحي بكلِّ حقيقةٍ
وللمرء من دنياه ما يتعود
إذا رمت نصحًا جئت بالنُّصح واضحًا
وما كان من شأني الكلام المعقد
وقد أبصر الدَّاءَ الدفين الذي بنا
كما أَبصر الأمواه في الترب هُدهد٤
يقولون لي: استنهضْ إلى العلم قومَنا
بشعرٍ معانيه تُقيمُ وتُقعِد
أما علموا أن الحياة بعصرنا
مدارس في كل البلاد تشيَّد
وما ينفع القول الذي أنتَ قائلٌ
إذا لم يكن بالفعل منك يُؤيَّد
فيا قومَنا إن العلوم تجدَّدت
فإن كنتم تهوَوْنها فتجدَّدوا
وخلُّوا جمود العقل في أَمْرِ دينكم
فإن جمودَ العقل للدين مفسد
وإن شئتمُ في العيش عزًّا فأقدموا
فكم نيلَ بالإقدام عزٌّ وسُؤْدد
وأمضوا سديد الرأي دون تردُّدٍ
فما يبلغ الغاياتِ مَنْ يتردَّد
ولا تقبلوا قيدًا بقولٍ مُجرَّدٍ
فما قيَّد الأحرارَ قول مجرَّد

•••

وأطلالِ علم لا تزال شواخصًا
تذكر بالعهد القديم وتشهد
أراها فأبكي وهي رهنُ يد البِلى
بدمع كما ارفضَّ الجمان المنضَّد
وما أنا سالٍ عهدَها حين لم تسلْ
دموعي ولكني امرؤٌ متجلد
فإن تكبروا تسديد دمعي لأجلها
فإن دمي من أجلها سيبدَّد
ومعهدِ علم أسَّسته عصابةٌ
من القوم تسعى للنجاح وتجهد
شباب مشوا للمكرُمات بعزمةٍ
تقاعس عنها الكوكبُ المتوقد
سأستودع الأيَّام كلَّ قصيدةٍ
يطيب لهم فيها الثناء المخلد
أقول لهم قولًا به أَستزيدهم
وأشكركم شكرًا جزيلًا وأحمد
أما وخلالٍ فيكُمُ عربيَّةٍ
وذا قسَمٌ لو تعلمون مؤكد
يسرُّ العلا أن ينهض القوم للعلا
وأن يجمع الشبانَ للعلم معهد
١  المفند: اللائم العائب.
٢  الشدق الهريت: الواسع، وأصله من صفات الأسد. وصارم: لسان حاد مثل السيف يغمد؛ أي: يوضع في غمده وهو قرابه.
٣  ابن برد: هو الشاعر بشار بن برد، شاعر فارسي، وحماد عجرد: شاعر أيضًا في عصر بشار كان مولعًا بهجائه، وكلاهما عاش في صدر الدولة العباسية.
٤  يعني الشاعر أنه لطول تجربته وممارسته لشئون الحياة يستطيع أن يميز الصحيح من الفاسد ما لا يستطيعه غيره، وشبه نفسه بالهدهد الذي يرى الماء الغائر في الأرض لبعد نظره.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤