شكوى إلى الدستور١

شكاية قلب بالأسى نابض العرق
إلى قائم الدستور والعدل والحقِ
ملوك على كل الملوك ثلاثة
لها الحكم دون الناس في الفتْق والرتق٢
وأقسم أني لا أكون لغيرها
مطيعًا ولو من أجلها ضربت عنقي
فهل أيها الدستورُ تسمع شاكيًا
بك اليوم يرجو أن يرى نهضة الشرق؟
لقد جئتَ من أفق الصوارم طالعًا
علينا طلوعَ الشمس من منتهى الأفق
فصادفتَ منا أمة قد تعشقت
لقاءك حتى جاوزت مبلغ العشق
ولم نبدِ عنفًا حين جئت وإنما
هتفنا جميعًا بالوفاق وبالرفق
وظلْنا نرجِّي منك للخرق راقعًا
ولكن تراخي الأمر متسع الخرق
بك اليوم أشقانا الأُلي أنت مُسعد
لديهم فيا لله للمسعد المشقي
نراك بأيديهم على الخلق حُجةً
وأنت عليهم حُجة لا على الخلق
قد استأثروا بالحكم وارتزقوا به
وسدُّوا على من حولهم منبع الرزق
كأنَّا لهم شاءٌ فهم يحلبوننا
وكم مخضوا أوطاننا مخضة الزق٣
وهم يأخذون الزبد من بعد مخضها
ولم يتركوا لِلسَّاكِنِيهَا سوى المذق٤
أترضى بأن تختص بالحكم مَعشرًا
وتصبح للباقين حبرًا على ورَق؟!
وهم يَرِدون الصفو منك ولم نرد
سوى نغبة من بعض سؤرهم الرنق٥
فما نحن إلا كالظماء وإنهم
كساقٍ يُرينا الماء عذبًا ولا يسقي
ألم ترَ أنَّا طولَ عهدكَ لم نقم
نسابق أهل المجد في حلْبة السبق؟!
ولم نكُ ندري لاهتضام حقوقنا
أنحن من الأحرار أم نحن في رق؟!
ولم نستفدْ إلا سقوط وزارة
وتأليف أخرى مثل تلك بلا فرق
وما ضرَّهم لو أَسقطوا نهج سَيرهم
وساروا بمنهاج التبصر والحذق؟
ألم يُبصروا للعدل غيرَ طريقهم
فإن طريق العدل من أوضح الطرق؟
وماذا عسى يُجدي سقوط وزارة
إذا لم تقم أخرى على العدل والصدق
مضى كاملٌ من قبل حلمي وإن جرى
كما جَريَا حَقي فمثلهما حقي٦
وما الهمُّ عندي بالذي قد ذكرته
وإن كان يشجيني ويدعو إلى الزعق
ولكنْ وراء الستر كفٌّ خفية
تزحزح من شاءت عن الأمر أو تبقي
ولولا يدٌ شدت لساني بنسعة
لبحْتُ بسر كالشجا هو في حَلقي٧
فيا أيها الدستور فاقْضِ بما ترى
وأبرق ولكن لا تكن خُلَّب البرق
ولسنا نريد اليوم حُكمًا عليهمُ
ولكن نناديهمْ وندعو إلى الحق
تعالَوا إلى أمر نساويه بيننا
وبينكمُ في الجِلِّ منه وفي الدِّق٨
فإن يفعلوا هذا فيا مرحبًا بهم
وإلا فيا سُحق المعاند من سحق
سنطلب هذا الحقَّ بالسيف والقنا
وشِيبٍ وشبان على ضمَّر بُلق
بكل ابن حرب كلما شدَّ هزها
بعزم من السيف المهند مشتق
تراه إذا ما عبَّس الموت وجهه
بوجهٍ يُلاقي الموت مبتسم طَلق
من العُرب مطبوع الطباع على العلا
بدمع معاني الحسن في الخلق والخُلق
١  نشرت هذه القصيدة في المؤيد بمصر سنة ١٣٢٧ هجرية، قالها لما سقطت وزارة حلمي باشا، وقامت بعدها وزارة حقي باشا، ينتقد خطة الاتحاديين عقب الدستور.
٢  أي لا طاعة إلا لهذه الأمور الثلاثة: الدستور، والعدل، والحق؛ فهي الملوك ولها الحكم في كل أمر.
٣  قوله: «مخضوا أوطاننا»: أي استغلوا خيرها بمخضها.
٤  المذق: هو اللبن الممزوج بالماء، المستخرج منه زبده.
٥  النغبة: بفتح النون وبضمها: الجرعة. والسؤر بالضم: بقية الماء التي يبقيها الشارب في الإناء.
٦  كامل وحلمي وحقي: أسماء وزراء في الدولة العثمانية.
٧  النسعة، بالكسر: حبل من أدم. والشجا: عظم يعترض في الحلق، وهو عندهم مثل للأمر المزعج.
٨  الجل والدق، وكلاهما بالكسر: الجليل والدقيق؛ أي العظيم والحقير.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤