معاني الإعراب

في مناقشتنا لرأي المستشرقين بيَّنا أنَّ من أصول العربية الدلالة بالحركات على المعاني، فإذا استهدينا بهذا الأصل — ومن الحق أن نستهدي به — وجب أن نرى في هذه العلامات الإعرابية إشارة إلى معانٍ يقصد إليها، فتجعل تلك الحركات دوالًّا عليها.

وما كان للعرب أن يلتزموا هذه الحركات ويحرصوا عليها ذلك الحرص كله، وهي لا تعمل في تصوير المعنى شيئًا. وأنت تعلم أن العربية لغة الإيجاز، وأن العرب كانوا يتخففون في القول ما وجدوا السبيل؛ يحذفون الكلمة إذا فُهِمت، والجملة إذا ظهر الدليل عليها، والأداة إِذا لم تكن الحاجة ملجئة إليها، كالتاء — عَلَم التأنيث — يلحقونها بالوصف لتدل على التأنيث الموصوف، مثل مؤمنة وصابرة، فإذا كان الوصف خاصًّا بالمؤنث تركوها استغناءً عنها كما في أيم، وظئر، ومرضع.

وحركة الإعراب قد يعاملونها هذه المعاملة فلا يلتزمونها إذا أمن اللبس، قال ابن مالك:١
ورفع مفعول به لا يلتبس
ونصب فاعل، أجز، ولا تَقِس

قال ابن الطراوة، من علماء الأندلس: بل هو مقيس، ومنه في القرآن الكريم: فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ، (٣٧ من البقرة). فابن كثير وهو القارئ المكي من القراء السبعة، ينصب آدم ويرفع كلمات.

وإذن وجب أن ندرس علامات الإعراب على أنها دوالٌّ على معانٍ، وأن نبحث في ثنايا الكلام عمَّا تشير إليه كل علامة منها، ونعلم أن هذه الحركات تختلف باختلاف موضع الكلمة من الجملة وصلتها بما معها من الكلمات، فأحرى أن تكون مشيرة إلى معنى في تأليف الجملة وربط الكلم؛ وهو ما نراه.

ولا بأس أن أبادر إليك بتقرير ما رأيته في ذلك جملة لنحسن تصوره معًا، ثم نأخذ في تفصيله ومناقشته في أبواب النحو بابًا بابًا.

فأما الضمة فإنها عَلَم الإسناد، ودليل أن الكلمة المرفوعة يراد أن يسند إليها ويتحدث عنها.

وأما الكسرة فإنها عَلَم الإِضافة، وإشارة إلى ارتباط الكلمة بما قبلها، سواء كان هذا الارتباط بأداة أو بغير أداة، كما في كتاب محمد، وكتابٌ لمحمد.

ولا تخرج الضمة ولا الكسرة عن الدلالة على ما أشرنا إليه، إلا أن يكون ذلك في بناء أو في نوع من الإتباع.

أما الفتحة فليست علامة إعراب ولا دالة على شيء؛ بل هي الحركة الخفيفة المستحبة عند العرب، التي يراد أن تنتهي بها الكلمة كلما أمكن ذلك؛ فهي بمثابة السكون في لغة العامة.

فللإعراب الضمة والكسرة فقط، وليستا بقية من مقطع، ولا أثرًا لعامل من اللفظ؛ بل هما من عمل المتكلم ليدل بهما على معنى في تأليف الجملة ونظم الكلام.

فهذا جوهر الرأي عندنا، وخلاصة ما نسعى بعد في تفصيله وتأييده، ونستعين الله.

ومن قبل أن نفصله ونسوق أدلته، نقدم إليك عبارات لأئمة النحاة المتقدمين، تشير إلى هذا المعنى، وتؤنسك به، وتبين أنا نهتدي في أكثر ما قررناه بأئمة النحاة، وخاصة المتقدمين منهم.

كان٢ الإمام محمد بن المستنير المعروف بقطرب، تلميذ سيبويه، المتوفى سنة ٢٠٦، يقول: إنما أعربت العرب كلامها لأن الاسم في حال الوقف يلزمه السكون، فجعلوه في الوصل محركًا حتى لا يبطئوا في الإدراج، وعاقبوا بين الحركة والسكون، وجعلوا لكل واحد أليق الأحوال به؛ ولم يلتزموا حركة واحدة لأنهم أرادوا الاتِّساع، فلم يضيِّقوا على أنفسهم وعلى المتكلم بحَظْر الحركات إلا حركة واحدة. ا.ﻫ.

وهو رأي يشرح ما بين الحركة والسكون، ولكنه يُفضي إلى إبطال الإعراب، وإلى التوسيع على كل قائل أن يحرك آخر الكلمة كما شاء في كل موضع، وذلك ما لم يقبله أحد من النحاة، وما أظن قطربًا كان وفيًّا لرأيه هذا إلى آخر ما يقتضيه.

وكان أبو إسحاق إبراهيم بن السَّري الزجَّاج — توفي سنة ٣١١ﻫ — يجعل العامل في المبتدأ ما في نفس المتكلم من إرادة الإخبار عنه.

وكان تلميذه أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجَّاجي — توفي سنة ٣٣٩ﻫ — يقول: إن الأسماء لما كانت تعتريها المعاني، وتكون فاعلة ومفعولة ومضافة، ولم يكن في صورها وأبنيتها أدلة على هذه المعاني، جعلت حركات الإعراب تنبئ عن هذه المعاني وتدل عليها، ليتسع لهم في اللغة ما يريدون من تقديم وتأخير عند الحاجة. ا.ﻫ.

وهذا الرأي كالأصل لما ذهبنا إليه، وقد بيَّنه الزجَّاجي في كتاب له يُسمَّى «إيضاح علل الإعراب» لم يقع لنا منه إلا ما نقلناه هنا، وأخذناه من كتاب الأشباه والنظائر للإمام السيوطي.

وإذا رأيت أن أصل رأينا من كلام المتقدمين، فإنا نرجو أن تسايرنا في درسه، غير مستنكر له، ولا ضائق به.

(١) الضمة علم الإسناد

الأصل الأول أن الضمة علم الإسناد، وأن موضعها هو المسند إليه المتحدث عنه، ونريد هنا أن نتحرى المرفوعات عند النحاة ونستقرئ أبوابها، ونعتبرها بهذا الأصل لنرى كيف يتم اطِّراده فيها، وانسجامه معها.

المبتدأ والفاعل ونائب الفاعل

كل واحد من هذه المرفوعات «مُسند إليه» كما تعلم — وهو اصطلاح آثره من قبل علماء البيان واستعملوه في كتبهم، وجعلوا الأنواع الثلاثة نوعًا واحدًا في العنوان، وفيما أجروا من الأحكام — بل إن سيبويه قد سبقهم إلى هذا الاصطلاح، واستعمل «المسند إليه»٣ فيما يشمل هذه الأقسام، وكرره في مواضع من كتابه.

وإذا تتبعنا أحكام هذه الأبواب لم نرَ ما يدعو إلى تفريقها، ورأينا في أحكامها من الاتفاق والتماثل ما يوجب أن تكون بابًا واحدًا يعفينا من تشقيق الكلام وتكثير الأقسام.

فأما نائب الفاعل فإن النحاة أنفسهم لا يفرقون بينه وبين الفاعل في الأحكام؛ ومنهم من يرسم لهما بابًا واحدًا. وما الفرق بين كُسِرَ الإناء وانكسر الإناء إلا ما ترى بين صيغتي كسر وانكسر، وما لكل صيغة من خاصة في تصوير المعنى، أما لفظ الإناء فإنه في المثالين «مسند إليه» وإن اختلف المسند.

وأما الفاعل والمبتدأ، فإن النحاة يجعلون بينهما فوارق ماثلة ظاهرة، ويجعلون لكل باب أحكامًا خاصة؛ ولكن شيئًا من الإمعان في درسها ينتهي إلى توحيد البابين واتفاقهما في الأحكام، وإلى أنَّ هذا التفريق قد يكون منسجمًا مع صناعة النحاة في الإعراب، ولكنه مبعد عن فهم الأساليب العربية.
  • فأول ذلك: أنهم يقولون: إن الفاعل يجب أن يتأخر عن الفعل، لا يتقدمه بحال. أما المبتدأ فإن أصله التقديم، وربما جاء متأخرًا، فللمبتدأ من الحرية في الجملة ما ليس للفاعل.

    هذا حكم النحاة أو جمهورهم؛ أما الأسلوب العربي فإنك تقول: «ظهر الحق» «والحق ظهر» تقدم المسند إليه أو تؤخره، وكِلا الكلامين عربي سائغ مقبول عند النحاة جميعًا، ولكن النحاة والبصريين خاصة يحرمون أن يتقدم لفظ «الحق» في «ظهر الحق» وهو فاعل، كما يحرمون أن يتأخر المبتدأ من «الحق ظهر» وهو مبتدأ. فالحكم إذن نحوي صناعي لا أثر له في الكلام، وليس مما يُصَحَّح به أسلوب أو يُزيَّف، وإنما هو وجه من أوجه الصناعات النحوية المتكلفة لا يعنينا أن نلتزمه، بل نحب أن نتحرر منه.

    والعربية في هذا الاسم المتحدث عنه أو «المسند إليه» يتقدم على المسند ويتأخر عنه، سواء كان المسند اسمًا أو فعلًا. وهذا أصل من أصول العربية في حرية الجملة والسعة في تأليفها.

  • الحكم الثاني: مما يفرقون به بين المبتدأ والفاعل، أن المبتدأ قد يُحذَف ولا يجوز حذف الفاعل؛ وذلك فرق صنعه الاصطلاح النحوي أيضًا، فإن المبتدأ لا يذكر في الجملة فيقولون: هو محذوف، والفاعل لا يُذكَر فيقولون هو مستتر. ومثال ابن مالك لحذف المبتدأ أن يقال في جواب كيف زيد؟ «دَنِفٌ» أي عليل. فإذا قيل في الجواب: دَنِفَ. أي: اعتل، جعلوا الفاعل مستترًا، ولم يقولوا محذوف وهو اصطلاح نحوي لا أثر له في القول، فلا وجه لالتزامه والتفرقة به.
  • الحكم الثالث: أن الفعل يُوَحَّد والفاعل جمع أو مثنى، فلا مطابقة في العدد بين الفعل والفاعل، تقول: فاز الشهيد، وفاز الشهداء، أما المبتدأ فالمطابقة بينه وبين الخبر واجبة، تقول: الشهيد فائز، والشهداء فائزون، وهذه التفرقة لو صحت لكانت كافية للتفريق بين الاثنين في الدرس، ومبررة لتمييز كل نوع بباب، ولكن شيئًا من التأمل في حكم الاسمين والمقارنة بينهما يبين أن حكم المطابقة واحد في البابين؛ وذلك أن المطابقة بين المسند إليه والمسند لا تجيء تبعًا لأن المسند فعل أو اسم، ولا لأن المسند إليه مبتدأ أو فاعل؛ بل تجيء تبعًا لتقديم المسند إليه أو تأخره كما ترى:
المسند إليه متقدم المسند إليه متأخر
المسند فعل الشهداء فازوا فاز الشهداء
الشهداء يفوزون يفوز الشهداء
المسند اسم الشهداء فائزون فائز الشهداء*
هذا الأسلوب يجيء وقد صدِّرت الجملة باستفهام أو نفي غالبًا، والبصريون يشترطون هذا، والكوفيون ومعهم الأخفش من الأئمة المتقدمين للبصريين لا يشترطونه، وقد رووا له شواهد كثيرة حتى جنح إليه متأخرو البصريين كما صنع ابن مالك.

فالمسند إليه إذا تقدم وجب أن يكون في المسند إشارة إليه تطابقه في العدد، وإذا تأخر كان المسند مفردًا في كل حال.

هذا هو الأسلوب العربي في وضوح وقرب فهم، ولكن النحاة خالفوه، فجعلوا للفاعل حكمًا، وللمبتدأ آخر؛ ثم جعلوا المبتدأ أيضًا قسمين: مبتدأ له خبر، ومبتدأ له فاعل أغنى عن الخبر، وأعطوا القسم الأخير وحده حكم الفعل مع فاعله، وهو تكثير للأقسام، يُعَوِّص الأمر، ويبعد عن فهم العربية، ثم يكون سببًا لجدال بين النحاة لا ينتهي، وخلاف لا يُحصَر.
  • الحكم الرابع: المطابقة في النوع: أي التذكير والتأنيث، والمطابقة بين المسند والمسند إليه في النوع هي الأصل، إلا أن المسند إليه إذا تقدم كانت المطابقة أدق وألزم، وإذا تأخر كانت أقل التزامًا.

    والنحاة يقولون: إن الفعل إذا أُسنِد إلى مؤنث مجازي التأنيث جاز تأنيثه وتركه، تقول: «أمطر السماء» و«أمطرت السماء»؛ فإذا قدمت المسند إليه لم تقل إلا «السماء أمطرت»؛ ولما كان النحاة يوجبون للفاعل التأخير، ويجعلون الأصل في المبتدأ أن يكون مقدَّمًا، قرروا أن المطابقة في النوع بين المبتدأ والخبر ألزم وآكد من الفعل والفاعل؛ والحكم إذا تأملت فيهما واحد.

    وخلاصة ما نرى من المطابقة بين المسند والمسند إليه في العدد وفي النوع، أن العرب أشد رعاية للمطابقة في النوع، وأن هذه المطابقة تكون آكد وأوجب إذا تقدم المسند إليه وتأخر المسند.

    أما العدد فإن العرب يلتزمون المطابقة فيه إذا تقدم المسند إليه، فإذا تأخر تركوا رعايتها وجعلوا المسند موحَّدًا.

    هذا أسلوب العرب في كلامهم، سواء فيه الفعل والاسم، والمبتدأ والفاعل، وهو كما ترى أقرب وأوضح، وأكشف عن سر العربية وروحها.

    واعلم أن من العرب من يجعل المطابقة في العدد مثل المطابقة في النوع؛ يلتزمها — تقدم المسند إليه أو تأخر — وأولئك هم الطائيون وبلحارث بن كعب٤ ويسميها النحاة لغة «أكلوني البراغيث»، وابن مالك يسميها «لغة يتعاقبون فيكم ملائكة». ٥

    وأنا أرجح أن تلك المطابقة العددية، وشمولها كل مسند، كانت الأصل في العربية، ثم خُصِّصت بالمسند إذا تأخر فإنه يحتاج إذن أن تكون فيه إشارة إلى المسند إليه المتقدم، وبقي من مطابقة المسند إذا تقدم أثر كبير في لغات اليمن، وأثر نادر في لغات سائر العرب. ومنه أمثلة في القرآن الكريم وفي الحديث الشريف، وفي شيء من أشعار المضريين.

    هذه أبواب الرفع الثلاثة: المبتدأ، والفاعل، ونائب الفاعل، اضطرد فيها الأصل الذي قررنا، وأغنانا عن تكثير الأقسام، وتعديد الأبواب، وعن فلسفة العامل، وشغب الخلاف، وجعل الحكم النحوي أقرب إلى الفهم، وأدنى إلى روح العربية ولا يخرج عن هذا الأصل من المرفوعات إلَّا بابان أحدهما المنادى في بعض حالاته؛ مثل: يا أحمد ويا رجل، والثاني: منصوب إنَّ وأخواتها.

المنادى

فأما المنادى فليس بمسند إليه ولا بمضاف، فحقه النصب على الأصل الذي قررناه، وهو منصوب في كل أحواله إلا حالة واحدة يُضَمُّ فيها، وهي أن يكون — كما يقول النحاة — «علمًا مفردًا أو نكرة مقصودة»، ولهم في تعريف كلمة «مفرد» اصطلاح خاص بهذا الباب لا يخلو من الاضطراب.٦ فتتجاوز بك اصطلاحهم، ونقول: إن المنادى إذا لم يكن مضافًا كان المنتظر أن يدخله التنوين؛ إذ لا مانع منه، ولكن التنوين يدل على التنكير، وقد يراد أن ينادى معيَّن يقصد إليه فيُدعى باسمه أو بإحدى صفاته، كيا محمد ويا رجل، فيحذف التنوين، والعلة في حذفه إرادة التعريف والقصد إلى معيَّن.

ولا يقبل النحاة أن يكون التنوين في باب النداء للتنكير وحذفه للتعيين، ولكن لفظهم يشهد به فيقولون: تُنوَّن النكرة غير المقصودة، ولا تُنوَّن النكرة المقصودة، وهل معنى القصد في النداء إلَّا أن تكون مريدًا إلى معين؟ وكل ما عمله النحاة أنهم فرُّوا من وصف النكرة بالتعيين أو التعريف، وقالوا: نكرة مقصودة؛ ولا نريد أن يخدعنا هذا الاصطلاح عن الحقيقة، فالمنادى المعين أو المُعرَّف يُمنَع التنوين لتعيينه، فإذا بقي للاسم بعد حذف التنوين حكمه وهو النصب، اشتبه بالمضاف إلى ياء المتكلم، لأنها تُقلَب في باب النداء ألفًا؛ تقول: يا غُلامِي، ويا غُلَامَا؛ وقد تُحذَف وتبقى الحركة القصيرة مشيرة إليها، فيقال: يا غلامِ ويا غُلَامَ. وفي الخلاصة:

واجعل منادًى صَحَّ إِنْ يُضَفْ لِيَا
كعبْدِ عبدِي عَبْدَ عَبْدَا عَبْدِيَا

فَفَرُّوا في هذا الباب من النصب والجرِّ إلى الضم، حيث لا شبهة بياء المتكلم.

وقد نقل سيبويه أن العرب قد يستروحون إلى مَدِّ آخر الكلمة ومط حركاتها، فذلك أصل آخر للاشتباه.

ويمكن صوغ هذه القاعدة في وضع أصحَّ وأوضحَ من كلام النحاة، وأغنى عن تجديد اصطلاح خاص بهذا الباب، وهو: «متى أُرِيدَ بالمنادى المنوَّن معين، حُرم التنوين الذي هو علامة التنكير؛ ومتى حُرم التنوين ضُمَّ آخره فرارًا من شبهة الإضافة إلى ضمير المتكلم»، وكانت قاعدة صحيحة دالة على روح العربية، ووجه إبانتها عن المعاني، واحتياطها لبعض اللبس.

وقد وُفِّق النحاة حين جعلوا هذه الحركة ضمَّة بناء لا حركة الإعراب.

ونرى من كلام العرب نظيرًا لهذا في الاسم الذي لا ينصرف، فإنهم حين حرموه التنوين لأسباب مبيَّنة في مواضعها — وسيجيء لنا بحث في مناقشتها — خافوا أن يلتبس بالمضاف إلى ياء المتكلم حين يُكسر غير منوَّن، فعدلوا عن الكسرة إلى الفتحة، فاتقاؤهم الشبهة بياء المتكلم في الممنوع من الصرف منعهم الكسر وحده؛ لأن ضمير المتكلم لا يكون هنا إلَّا ياءً واتقاؤهم الشبهة نفسها في المنادى ألزمه الضمَّ؛ لأن ضمير المتكلم فيه يكون ألفًا كما يكون ياءً.

فقد رأيت أن هذا الموضع الذي بدا في الأول مخالفًا لأصلنا، ناقضًا له، قد انتهى بنا درسه إلى أنه مؤيد لرأينا، لا معارض له، وكَشَف عن سرٍّ من أسرار العربية في وضع الحركات بحساب، وبإيحاء إلى معنًى يُراد.

اسم «إن»

أما النوع الثاني، وهو اسم إن، فإنه متحدث عنه، وحقه الرفع على أصلنا الذي قررناه ولكنَّه منصوب، ولا نتحرج أن نقول: إن النحاة قد أخطأوا فهم هذا الباب وتدوينه، ثم تجرأوا على تغليط العرب في بعض أحكامه كما سترى.

ورد اسم إن مرفوعًا في الشعر وفي القرآن الكريم، وفي الحديث؛ ففي القرآن الكريم: قَالُوا إِنْ هَٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا (طه: ٦٣)،٧ فذهب النحاة يتأولون أعسف تأويل ليمضي حكمهم في أن اسم «إنَّ» لا يكون إلَّا منصوبًا.
وورد في الحديث: «إن من أشدِّ الناس عذابًا يوم القيامة المصوِّرون.» فلحَّنوا راويه، وعطف عليه بالرفع إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (المائدة: ٦٩). وفي بعض القراءات: «إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ» (الأحزاب: ٥٦)٨ برفع الملائكة، وفي الشعر ما روى سيبويه لبشر بن أبي خازم:
وإلَّا فاعلموا أنَّا وأنتم
بُغاة ما بقينا في شقاق٩

ثم أكَّد أيضًا بالرفع، فقيل: إنهم أجمعون بدل أجمعين.

قال سيبويه: وأَعلَمُ أنَّ ناسًا من العرب يغلطون، فيقولون إنهم أجمعون ذاهبون، وإني وزيدٌ ذاهبان (ص٢٩٠ من الجزء الأول، ونقله الأشموني في باب إنَّ).

ومع ما نعرفه لسيبويه رحمه الله من إجلال يملأ القلب، فإنا هنا نراه قد أخطأ وخطَّأ صوابًا. قد يستطيع أن يردَّ بعض ما سمع من العرب، ويسهل عليه أن يُخطِّئ مُحَدِّثًا فيما روى، فماذا يصنع بالآية الكريمة؟ لا سبيل إلى الرفض ولا إلى التخطئة، ولكنك تعلم أنَّ البصريين قد مضوا في التأويل إلى أبعد مدى. يقولون في آية: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ إِن «الصابئون» مبتدأ قُدِّر له خبره، وقد يُصحح هذا التأويلُ وجه الإعراب على رأي البصريين، ولكنه يُقَطِّع الجملة تقطيعًا غير مقبول.١٠

على أن ما رفضه سيبويه قَبِلَه غيره من أئمة النحاة كالكسائي والفرَّاء.

وإذا تركنا حكم النحاة لحظة، ونظرنا أسلوب العرب فيما بعد «إِنَّ»، وجدنا أنهم لمحوا حقه في الرفع؛ فورد عنهم مرفوعًا، وعطفوا عليه بالرفع، وأَكدوه بالرفع أيضًا. وذلك شاهد لما رأينا من أن الموضع للرفع، وأنَّه وجه الكلام في اسم «إِنَّ»، ولكنا لا ننكر أنه ورد منصوبًا، وكان النصب هو الغالب عليه، فمن أين جاءه النصب وغلب عليه؟ سنحاول بيان هذا، ونسألك شيئًا من الأناة والروية لنستبين الحق معًا.

لقد راقبنا استعمال «إِنَّ» وخاصة في القرآن الكريم، ووجدناها أكثر ما تُستعمَل متصلة بالضمير؛ مثل: إنَّا، إنِّي، إنك، إنَّه. وهذا بيان بجملة إحصائها في القرآن الكريم.

مكسورة الهمزة مفتوحة الهمزة جملة
جملة ١٣٥٠ ٣٣١ ١٦٨١
متصلة بالضمير ٧٤٠ ١٨٠ ٩٢٠
متصلة بالظاهر ٣٢٣ ١٢١ ٤٤٤
متصلة بالموصول ١٠٥ ١١ ١١٦
متصلة بالإشارة ٤٣ ٢ ٤٥
مكفوفة ١٣٩ ١٧ ١٥٦

ونعلم من أسلوب العرب أن الأداة إذا دخلت على الضمير مال حسهم اللغوي إلى أن يصلوا بينهما، فيستبدلون بضمير الرفع ضمير النصب؛ لأن ضمير الرفع لا يوصل إلَّا بالفعل، ولأن الضمير المتصل أكثر في لسانهم، وهم أحب استعمالًا له من المنفصل. قال ابن مالك:

وفي اختيار لا يجيء المنفصِلْ
إذا تأتَّى أن يجيء المتصِلْ

ومن ذلك كلمة «لولا» لا يكون الاسم الظاهر بعدها إلَّا مرفوعًا، فكان من حقِّ الضمير إذا جاء بعدها أن يكون مرفوعًا أيضًا، ولكن العرب يقولون: «لولاه»، و«لولا هُوَ»، و«لولاكم»، و«لولا أنتم»: يستعملون ضمير النصب وضمير الرفع.

أما ضمير الرفع فوجه استعماله واضح والموضع موضعه، وأما ضمير النصب فاستجابة لداعية الحسِّ اللغوي من وصل الأداة بالضمير إذا وَلِيهَا.

وتجد لذلك نظيرًا في عسى، وهو فعل يتصل به ضمير الرفع، فتقول: عسيتم. وفي القرآن الكريم: قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا (آية ٢٤٦ من البقرة)، فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (آية ٢٢، محمد).

إلا أنَّ هذا الفعل قد جمد فأشبه الأداة، وحرم خصائص الفعل من التصرف والدلالة على الزمن، فحوَّل الضمير بعده إلى ضمير نصب، قيل: عساه وعساك؛ فإذا وليه الاسم الظاهر لم يكن إلَّا مرفوعًا، تقول: عَسَى اللهُ أَنْ يغْفِرَ لِي.

فهذا المسلك من العربية يفسِّر لنا ما نراه في استعمال العرب اسم إن منصوبًا، وما نجده من أثر الرفع فيه؛ إذ يجيء أحيانًا مرفوعًا ثم يعطف عليه وَيؤكد بالرفع أيضًا؛ وذلك أنهم لما أكثروا من إتباع إنَّ بالضمير جعلوه ضمير نصب ووصلوه بها، وكثر هذا حتى غلب على وهمهم أن الموضع للنصب، فلما جاء الاسم الظاهر نُصِب أيضًا. وهذا موضع دقيق في العربية ولكنه صحيح مطَّرد عند الاختبار، أثبته النحاة وسموه الإعراب على التوهم، وتوسع في بحثه صاحب «الخصائص». ومن أمثلته عندهم: ما زيدٌ قائمًا ولا قاعدٍ. يقول النحاة: إن «قاعد» معطوف على «قائمًا» على توهم أنَّه جُرَّ بالباء؛ لأن الموضع يغلب أن تجيء فيه الباء.

وقال الفرَّاء: «لما كثر توقيت العرب بالليلة، قالوا: صمت عشرًا من الشهر، ولا يصومون إلا اليوم.»

ومن الممكن أن يقال: قياس هذا الكلام أن يجوز «لولا محمدًا» إتباعًا لِلَوْلَاهُ. وجوابه أن الضمير في «لولا» لم يكثر كثرته بعد «إنَّ»؛ ولذلك كان ضمير رفع مرَّة ونصب أخرى، ولو أنَّه كثر وغلبت كثرته كما في «إنَّ» لكان ضمير نصب لا غير، ولكان من الممكن بعدُ أن ينساق حكمه إلى الاسم الظاهر، فيقال: «لولا محمدًا».

فقد رأيت أن اسم «إن» أصله الرفع، وأنَّ رفعه صحيح جائز، وأن التزام الأصل الذي بيَّناه — وهو أن المسند إليه مرفوع — قد اطَّرد في الكلام، وكشف لنا في باب النداء، وفي باب «إنَّ» عن سر خَفِيَ على النحاة، وصحح لنا من كلام العرب ما خطأه النحويون.

فهذه أبواب الرفع قد اطَّرد فيها هذا الحكم، وهو: أن كل مرفوع فهو مُسند إليه متحدَّث عنه.

(٢) الكسرة عَلَمُ الإضافة

والكسرة — كما قدمنا — علامة على أن الاسم أضيف إليه غيره، سواء كانت هذه الإضافة بلا أداة: كمطَرُ السماء، وخصب الأرض، أو بأداة: كمطر من السماء، وخصب في الأرض.

ولا تجد الكسرة في غير هذا الموضع إلا أن تكون في إتباع كالنعت، أو في المجاورة، وهي نوع من الإتباع، وسيأتي بحثه.

وما نقرره الآن بشأن الجر لا نخالف النحاة في شيء منه — حتى العبارة — فإنَّا حين ندل «بالمضاف إليه» على المجرور بالحرف، ونتوسع في معنى الإضافة، نأخذ ذلك من لسان النحاة المتقدمين ونجري على اصطلاحهم، قال سيبويه:١١

والجر إنما يكون في كل اسم مضاف إليه، واعلم أن المضاف إليه ينجر بثلاثة أشياء: بشيء ليس باسم ولا ظرف [يعني الحرف] وبشيء يكون ظرفًا، وباسم لا يكون ظرفًا. ا.ﻫ.

ثم أخذ بعد ذلك في ذكر الأمثلة.

وأبو العباس المبرد يقول في كتابه «المقتضب» في النحو:
هذا باب الإضافة، وهي في الكلام على ضربين: فمن المضاف إليه ما تضيف إليه بحرف جر، ومنه ما تضيف إليه اسمًا مثله، فأما حروف الجر التي تضاف بها الأسماء والأفعال إلى ما بعدها فمن وإلى … إلخ.١٢
هذه عبارات المتقدمين من أئمة النحاة، ومن محققي المتأخرين من اتبعهم، كالإمام ابن الحاجب، ونص عبارته:١٣ «والمجرورات هو ما اشتمل على علَم المضاف إليه، والمضاف إليه كل اسم نُسِب إليه شيء بواسطة حرف جر لفظًا، أو تقديرًا مرادًا.» ا.ﻫ. قال شارحه المحقق الرضي: «بني الأمر أولًا على أن المجرور بحرف جَرٍّ ظاهرٍ مضافٌ إليه، وقد سماه سيبويه أيضًا مضافًا إليه، ولكنه خلاف ما هو المشهور الآن من اصطلاح القوم، فإنه إذا أُطلق لفظ المضاف إليه أريد به ما انجر بإضافة اسم إليه بحذف التنوين من الأول للإضافة، وأما من حيث اللغة فلا شك أن زيدًا في مررت بزَيد مضاف إليه، إذا أضيف إليه المرور بواسطة حرف الجر.» ا.ﻫ.

وقد أطلنا بما نقلنا من النصوص لنقرر بلسان المتقدمين أن الكسرة علم الإضافة، وأن موضعها هو المضاف إليه مهما اختلفت وسيلة الإضافة.

ولعلك ترى في ثبوت هذا الأصل وتقرير الأئمة له ما يعود بحظٍّ من التأييد على الأصل الذي قرَّرناه في الفصل السابق، فإِن الكسرة إذا كانت عَلَمًا على معْنى في تأليف الكلام وهو «الإضافة» كان من المساير لهذا والمنسجم معه أن تكون الضمة علمًا أيضًا على معنى في الكلام كما بينا من قبل، فهو سبيل من التفكير يشد لاحقه سابقه، وينسجم أوله وآخره.

وبعدُ، فاعلم أن باب الإضافة في العربية من أكثر الأبواب شيوعًا في الكلام، وأسْيَرها على الألسن، حتى في عصرنا هذا، وتستطيع أن تختبره فيما تقرأ وفيما تكتب، ولقد تحريت هذا كثير من الصحف، وأقلام الكتاب المعاصرين، فإذا الإضافة من أشيع أساليبهم في البيان، ومن أكثر الأصول النحوية جريًا على الأقلام.

والعرب يضيفون لبيان الفاعل «خَلْقُ الله»، ولبيان المفعول «خَلْقُ السماوات»، وللمكان «ظِباءُ وجرة» و«أسد بيشة»، وللزمان «برد الشتاء» و«مكر الليل»، ولبيان الموصوف «حسن الوجه» و«طلق اللسان»، ولبيان الصفة «يمين صدق» و«كلمة الحق»، وغير هذا من الأساليب المتسعة الكثيرة. ويستعملونها في التفضيل «أعلم القوم» و«أخصب الأرض» و«فتى الفتيان»، ويضيفون لأدنى ملابسة — كما يقول النحاة — «لثلاث ليالٍ وأيامها» و«وعاد وثمودها».

وقد تكون الإضافة أسلوبًا للبيان؛ كبنات الشوق، وبنات الدهر، وأخو الصدق، وأخو الأنصار؛ أي أحدهم.

ويضيفون إلى الكلمتين: «غلام عبد الله»، ويضيفون الكلمتين؛ كعبد شمسكم. ومن قول سيبويه: «ألا ترى أنك تقول: «هذا حب رمان»؛ فإذا كان لك قلت: «هذا حب رماني»، فأضفت الرمان إليك وليس لك الرمان، وإنما لك الحب.» ا.ﻫ.١٤ ويضيفون إلى الجمل كثيرًا.

ومن الأسماء ما لا يكون إلا مضافًا، ومنها ما يحذف المضاف إليه بعده فيكون مقدرًا مفهومًا كأنك قد ذكرته.

وحروف الجر أو «حروف الإضافة»، كما ينبغي أن نسميها من بعد، كثيرة في العربية متعددة واسعة التصرف؛ توسَّعَ العرب في استعمالها وإنابة بعضها عن بعض توسعًا أكسب اللغة مرونة وقدرة على التصوير، حتى كأن الفعل فعلان بأثر حرف الإضافة.١٥

وليس يعنينا بيان هذه الأساليب وتحديد خصائصها الآن، وإنما أردنا أن نشير لك إلى أن باب الإضافة على قصره في البحث، وقلة ما فيه من الأحكام، باب كثير الدوران في اللغة العربية، وأسلوب واسع الاستعمال، بل هي أداة عظيمة شائعة تُستعمَل في كثير من المواضع بيانًا للمعاني المختلفة، وأداءً للأغراض المتنوعة.

وإن على النحاة أن يدرسوها درسًا واسعًا مفصلًا، دقيقًا عميقًا، لا ليُبَيِّنوا أثرها في اللفظ، وحكمها في الإعراب، بل ليعرفوا سبيلها في البيان، وأثرها في تصوير المعاني، ومدى تصرف العرب فيها وتوسع العربية بها.

(٣) الفتحة ليست علامة إعراب

الأصل الثالث: أن الفتحة لا تدل على معنًى كالضمة والكسرة، فليست بعَلَم إعراب؛ وإنما هي الحركة الخفيفة المستحبة عند العرب، التي يحبون أن يشكل بها آخر كل كلمة في الوصل ودرج الكلام؛ فهي في العربية نظير السكون في لغتنا العامية.

وفي تقرير هذا الأصل نجري في مخالفة النحاة إلى مدًى أوسع، ولكنا لا نزال نجد دليلنا في كلامهم، ونستمد الحجة من أصولهم، غير أنا ننشر مهجورًا أو نبسط مطويًّا، ونرجو أن نسوق من الأدلة ما يقنع المنصف، وتطمئن له نفس الباحث المخلص للحق، إن شاء الله.

أما أن الفتحة أخف الحركات، فذلك أصل مقرر عند النحاة، يتردد في كلامهم، ويجري كثيرًا في جدلهم، ويستمدون منه السبب والعلة لكثير من أحكام التصريف والإعراب. ومراقبة العربية تشهد بكثرة دوران الفتحة وغلبتها على غيرها من الحركات، وتستطيع أن تختبر ذلك في أي جزء من الكلام.

خذ مثلًا فاتحة الكتاب الكريم، وأَحْصِ ما فيها من الحركات، فسترى أن الفتحة وحدها أكثر من الضمة والكسرة معًا.

وإذا رجعت إلى علم «مخارج الحروف» واستشهدت طبيعة الفتحة في نطقها، وقستها إلى غيرها من الحركات، وجدت البرهان الجلي على خفة الفتحة، والشهادة لذوق العرب في استحبابها؛ وذلك أن الفتحة القصيرة، أو الفتحة الطويلة — وهي الألف — لا تكلف الناطق إلا إرسال النفس حرًّا، وترك مسرى الهواء أثناء النطق بلا عناء في تكييفه.

أما الضمة وامتدادها وهو الواو، فإن النطق بها يكلفك ضم الشفتين ومطَّهما وتدويرهما حتى تحقق نطق الضمة أو الواو، واختبر ذلك في: قلْ وصُمْ، وقولوا وصوموا مثلًا، وراعِ هيئة الفم والشفتين حين النطق.

وكذلك الكسرة وامتدادها، وهو الياء، تكلفك أن تكسر مجرى الهواء وتحني طرف اللسان عند اللثة ليمثل الصوت ما تريد من الكسرة أو الياء، كما ترى في: صِيد وبِيع، وصِدْ وبِعْ.

وقد جمعنا في هذا البيان بين كل حركة واللين الناشئ منها؛ لنجلي لك الحقيقة أتم تجلية؛ فإن نطق الحركات ربما خفي في درج القول وفي وسط الكلمات؛ إذ اللسان لا يتلبث في النطق، فلا يستقر بعد الحرف، بل يتهيأ لتشكيل حرف آخر، فيمر نطق الحركة سريعًا غير واضح التمثيل، فإن شئت تمثيله تأنيت في أعقاب الحروف فتصور الحركة وتشبعها، فإذا أَشبعتها تمثلت واضحة وتمثَّلَ حرف اللين الناشئ منها.

والنحاة أنفسهم يقررون أن الألف فتحة مشبعة، والياء كسرة مشبعة، والواو ضمة مشبعة (انظر سر صناعة الإعراب لابن جني في باب الحركة).

وكانوا يسمون الفتحة الألف الصغيرة، والكسرة الياء الصغيرة، والضمة الواو الصغيرة، وكان هذا من أصل عملهم في الشكل الذي رسموا ليضبطوا به الحركات.١٦

فخفة الفتحة في النطق، وامتيازها في ذلك على أختيها: الضمة والكسرة، أمر جلي، يؤيده البرهان من كل وجه.

والذي نحاول أن نقرره بعد، هو أن الفتحة أخف من السكون أيضًا، وأيسر نطقًا، خصوصًا إذا كان ذلك في وسط اللفظ ودرج الكلام.

ولا أعلم للنحاة مثل هذا الرأي، بل قد أجد في أقوالهم ما يشير إلى أن السكون أخف من الحركات جميعًا؛ فقد يسمونه التخفيف، ويقولون: إن السكون عدم، والحركة وجود، و«لا شيء» أضعف وأخف من «شيء»، مهما يكن يسيرًا ضعيفًا. وذلك من سنتهم في الأخذ بالفلسفة النظرية، وغلوهم فيها بما قد يلفتهم عن الواقع، كما بينا من قبل.

وإذا نحن عدنا إلى طبيعة السكون، وفحصناه حين النطق بالساكن، رأينا أن السكون يستلزم أن تضغط النَّفس عند مخرج الحرف معتمدًا على الحرف، محتفظًا به، وفي هذا العمل كلفة تراها إذا نطقت بمثل: أبْ، أتْ، أثْ، وقسته إلى نطق «بَا» «تَا» «ثَا».

ثم من الحروف ما إذا أسكنته أرسلت النفس به آنًا ومطلت النطق، متكلفًا الاحتفاظ بمخرج الحرف الساكن، كما ترى في: غواشْ، وإشْراك، ونواصْ، واصْنع، وناسْ، ومسْئول، ومتراخْ، وأخْبار.

ومنها ما يكلفك أن تردد اللسان، كأنك تكرر الحرف كما ترى في راء إرْعاد وقَدَرْ، فإذا حركته حركة ما، مررت به الهوينى من غير ضغط ولا ترديد.

ومنها ما يلزمك قطع النفس وبت النطق، مع الضغط على الحرف والتمسك بمخرجه؛ مثل: أبْ وإبْراهيم، وطَبقْ، وإقْبال، وقدْ، وقدْر، ففيها كما ترى شدة في النطق، ونصيب من الكلفة، لا تراه إذا أرسلت الحروف مفتوحة.

وانظر ما صارت إليه القلقلة١٧ المعروفة عند القراء من التكلف والتمسك، حتى كأن الحرف حرفان: أحدهما ساكن والآخر محرك بالفتح، ولقد تشعرك قلقلة هذه الحروف حين الإسكان — واختلاسنا لها ومرورنا بها هونًا — أن الإسكان كان عند العرب أقوى وأملأ مما ننطق الآن، بل إن من العرب من كان أشد إظهارًا للقلقلة وأجهر بها صوتًا، قال سيبويه في القلقلة بعد شرحها: «وبعض العرب أشد صوتًا.» ا.ﻫ. (ص٢٨٤ من الجزء الثاني).
وقد جرى المتقدمون على تسمية السكون وقفًا.١٨ واتفق القراء والنحاة على أن مخرج الحرف إنما يتبين ويتمثل إذا كان ساكنًا، فكلفوا من يريد درس الحروف ووصفها، وتحقيق مخارجها، أن يسكن الحرف، ويصله بمتحرك قبله، فيقول: أبْ، وأتْ، وأثْ، ثم يرقب المنطق، ويصف المخرج، ويبين الصفات. وما رسموا ذلك إلا لما رأوا في الإسكان من التمهل بالحرف، والتمسك بمخرجه، وتحقيق نطقه.

فهذا من طبيعة السكون ونطق العرب به، يبين لك أن الفتحة أخف منه، وأيسر مئونة في النطق، وليس ينكر ذلك إلا من غالط نفسه وأنكر حسه.

ومن العرب من يميلون إلى التخفيف، فيسكنون عين الثلاثي إذا كانت مضمومة أو مكسورة. يقولون في رُسُل: «رُسْل»، وفي فَخِد: «فَخْد»، فإذا كانت العين مفتوحة؛ مثل: جَمَل، وعمر، وعنَب. استبقوا الفتحة، وامتنعوا من تسكين العين.١٩ ولو أن السكون كان أخف من الفتحة عندهم لمضوا في التخفيف، فساووا مفتوح العين بالمضموم والمكسور.
فهذا واضح لمن شاء أن يرى، وأوضح منه وأدل، أن العرب قد فروا في بعض المواضع من الإسكان إلى الفتح. ومن ذلك صنيعهم في جمع المؤنث السالم لمثل: فترة، وحَسرة، ودعد. فإن العين٢٠ في المفرد ساكنة، ومن حقها في جمع المؤنث السالم أن تبقى ساكنة أيضًا؛ لأن الجمع السالم لا يبدل فيه بناء مفرده، ولكن العرب أوجبت في مثل هذا فتح العين، فيقولون: فَتَرات، وحَسَرات، ودَعَدات. ولا يجوِّزون الإسكان إلا في ضرورة من الشعر.

فهذا حسب المنصف بيانًا ودليلًا أن الفتحة أخف من السكون وأيسر نطقًا؛ فإذا كان ذلك في وسط اللفظ، ودرج الكلام كان أوضح وأبين؛ لأن الإسكان أشبه بالوقف وأقرب إلى قطع اللفظ.

وبعد، فهذه شواهد أخرى تؤنسك بهذا الرأي، وإن لم تبلغ من الاستدلال ما تقدم من البيان؛ فأنت تعلم أن العرب تأبى أن تبدأ بساكن، وترفض أن يجتمع في نطقها ساكنان، حتى تفر من أحدهما بكسر أو فتح.

وقد جعلوا الإسكان علامة التشديد، والبتِّ في الطلب، كما ترى التزامه في الأمر، وفي لِتَفْعَلْ ولا تَفْعَلْ، وأنت تعلم ما يستدعيه الأمر في أغلب حاله من البتِّ، والتشدُّد، والجزم. وربما أتَوْا بالسكون في غير الأمر دلالة على التأكيد وتقوية الكلام، كما ترى في قول امرئ القيس:

فاليومَ أشربْ غير مستحقب
إثمًا من الله ولا واغل

وقول جرير:

ما للفرزدق من عز يلوذ به
إلا بنو العم في أيديهم الخشب
سيروا بنو العم فالأهواز منزلكم
ونهر تيرَى فما تعرفْكُم العرب٢١

بل إن أبا عمرو بن العلاء — من القراء السَّبعة، ومن أئمة النحاة — قرأ: «إِنَّ اللهَ يَأْمُرْكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً.» بإسكان الراء تشديدًا للأمر، لمَّا كان استنكار المأمورين له ظاهرًا، ونفورهم منه قريبًا؛ وبعده: قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٦٧ من البقرة).

فهذه دقائق لمن أراد أن يستشف الحق من سر العربية.

وقد انتهينا من استخفاف الفتحة واستحباب العرب إياها، وتفضيلها في اللفظ على أختيها، وعلى السكون أيضًا، واعتمدنا في ذلك على طبيعة النطق، وعلى روح العربية في الاستعمال.

ومما يشهد بأن الفتحة ليست بعَلَم إعراب، وأنها تخالف في ذلك أختيها الضمة والكسرة، ما قرره النحاة في أوجه الوقف على المتحرك الذي قبله ساكن؛ قالوا: «إذا وقفت على كلمة قبل آخرها ساكن؛ مثل: عمرو، وبدر. جاز لك نقل حركة الإعراب إلى هذا الساكن؛ إذ كانت ضمة أو كسرة، أما إذا كانت فتحة فليس لك ذلك؛ تقول: هذا البدْر والبدُر، ونور البدْر والبدِر، فإذا قلت: انظر البدر. امتنع أن تنقل الفتحة إلى الدال.» قال أبو القاسم الزمخشري في المفصل:٢٢ «وبعض العرب يحول ضمة الحرف الموقوف عليه وكسرته على الساكن قبله دون الفتحة في غير الهمزة، تقول: هذا بكُر ومررت ببكِر.» ا.ﻫ.

فواضح أن العرب فرَّقت ما بين الفتحة وبين أختيها، ثم احتالت لتحتفظ بهاتين الحركتين على ما في النطق بهما من شدة، ولم ترَ أن تحتفظ بالفتحة، على سهولتها ويسر نطقها في مذهب الجميع، ولا يمكن أن أرى هذا التفريق عبثًا، ولكن كانت الضمة والكسرة علامة على معانٍ، فاحتفظ بهما، ولم يكن في الفتحة ما يدعو إلى هذا الاحتفاظ.

وحكم آخر من أحكام الوقف، فيه تأييد لما ذهبنا إليه، وهو الوقف بالروم، وتفسيره على ما في كتب القراءات: أن تنطق الحركة بصوتٍ خفيٍّ يسمعه القريب، بينما يحسب من كان بعيدًا منك أنك قد وقفت مسكنًا، والوقف بالروم سائغ لجميع القراء في موضعه، وليس خاصًّا بإمام منهم دون إمام.

ولا يكون الروم عند الوقوف على ساكن، ولا على متحرك بالفتح، وإنما يكون في الضمة والكسرة.٢٣

وترى هنا ما رأيت في المثل الأول من الاحتفاظ بالحركتين — الضمة والكسرة — والإشارة إليهما بوجه ما وإغفال الفتحة؛ وذلك عندنا لما في الحركتين من معنى يُراد دون الفتحة.

ومن القراء من يؤثر الوقف بالروم، ويستحبه للقارئ، إذا كان الإسكان يمسُّ وجه الإعراب بشيء من الشبهة، كما في الآيتين الكريمتين: فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (القصص: ٢٤)، نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (يوسف: ٧٦)، فليس يخلو هذا من الشهادة بصلة بين حركة الإعراب وبين الوقف بالروم.

وشاهد ثالث من علم القافية؛ فقد تعلم أن حرف الروي يجب أن يكون واحدًا في القصيدة كلها، وأن حركة هذا الحرف يجب أن تكون واحدة أيضًا، فإذا اختلفت الحركة عدوه عيبًا في القافية، ثم قسموه إلى قسمين:
  • الأول: الإقواء: وهو اختلاف المجرى بكسر وضم.
  • والثاني: الإصراف: وهو الاختلاف بفتح وغيره.٢٤
أما الأول، فقد ورد في شعر كثير من فحول الشعراء المتقدمين، حتى أباحه لهم العلماء ولم يعدوه في شعرهم عيبًا، وكان الخليل يقول: «تجوز الضمة مع الكسرة.»٢٥ وأبو الحسن بن مسعدة٢٦ يقول: «كثر هذا عن فصحاء العرب.» ويُروى منه للنابغة:
زعم البوارح أن رحلتنا غدًا
وبذاك خبَّرَنا الغراب الأسودُ
لا مرحبًا بغد ولا أهلًا به
إن كان تفريق الأحبة في غدِ

ولدُريد بن الصمة:

نظرت إليه والرماح تنوشه
كوقع الصياصي في النسيج الممدَّد
فأرهبت عنه القوم حتى تبددوا
وحتى علاني حالك اللون أسودُ

وكقول حسان بن ثابت:

لا بأس بالقوم من طول ومن قصر
جسم البغال وأحلام العصافيرِ
كأنهم قصب جُوفٌ أسافله
مثقب نفخت فيه الأعاصير
أما الإصراف، فقد أنكره قوم أن يكون جاء في شعر العرب، وأثبته آخرون، على اعتقاد قلَّته، والتصريح بندرته، قال أبو العلاء المعري: «وإنما أجازوا ذلك في المرفوع والمخفوض، وكرهوا الفتحة أن تجيء مع الكسرة أو الضمة، فأما الخليل وابن مسعدة فلم يذكراه.» ا.ﻫ.٢٧

والذين أثبتوه لم يذكروا من أمثلته إلا ما كان النصب فيه سابقًا، وكان الصرف عنه إلى الرفع أو الخفض دون العكس؛ مثل:

أرأيتك إن منعت كلام يحيى
أتمنعني على يحيى البكاء
ففي طرفي على يحيى سهاد
وفي قلبي على يحيى البكاءُ

ومثل:

ألم ترني رددت على ابن ليلى
منيحته فعجلت الأداءَ
وقلت لشاته لما أتتنا
رماك الله من شاة بداء

هذه أمثلتهم هنا، فقد رأيت أن العرب تحرص على الضمة والكسرة؛ تلتزمهما، وتهجر من أجلهما تماثل القافية، وما فيه من انسجام. وإذا بدأ الشاعر قصيدته بالفتحة وبني عليها قافيته، ثم جاء داعي الضمة أو الكسرة استجاب له ولم يبالِ القافية، والأعشى بنى على الفتح قصيدته التي مطلعها:

رحلت سُمَيَّةُ غدوة أَجمالهَا
غضبى عليك فما تقول بدا لها٢٨

ثم قال:

هذا النهار بدا لها من همها
ما بالها بالليل زال زوالُها؟!

أما أن تكون القافية رفعًا أو جرًّا، ثم يدعو إلى النصب داعٍ، فإن الشاعر لا يستجيب له، بل يمضي في قافيته، ملتزمًا ما ينبغي لها من تماثل وانسجام.

بنى الفرزدق على الضمة قصيدته التي أولها:

عزفت بأعشاش وما كدت تعزف
وأنكرت من حدراء ما كنت تعرف

ثم قال:

وعض زمانٌ يا ابنَ مروانَ لم يدع
من المال إلا مُسْحَتا أو مُجَلَّفُ

فرفع «مجلف»، واستبقى حركة القافية، ولم يبالِ داعية النصب.

والنحاة يضطربون عند هذا البيت اضطرابًا شديدًا، فمذ قاله الفرزدق وهو مثار خلاف بين النحاة وبينه، وبين النحاة بعضهم بعضًا.٢٩

فعبد الله بن أبي إسحاق إمام النحاة المتوفى سنة ١١٧، عاب على الفرزدق وخطأه وسأله يومًا: علام رفعتَ «مجلف» في بيتك؟ فقال: «على ما يسوءك وينوءك، علينا أن نقول وعليكم أن تتأوَّلوا.» ثم أخذ يهجوه في شعره.

وأبو عمرو بن العلاء [س١٥٤]، ويونس بن حبيب [س١٨٣]، وكانا لا يعرفان للرفع وجهًا، ومحمد بن سلام [س٢٣٢] سأل يونس بن حبيب، لعل الفرزدق قالها على النصب ولم يأبه بالقافية؟ فقال: لا، كان ينشدها على الرفع وأنشدنيها رؤبة على الرفع. ومن النحاة مع هذا من ينشده بالنصب تخلصًا من الورطة في إعرابه، وقال أبو القاسم الزمخشري [س٥٣٨]: «هذا البيت لا تزال الركب تَصْطَكُّ في إعرابه.»

وقال الإمام أبو عبد الله بن قتيبة [س٢٧٦] في كتاب الشعراء: «رفع الفرزدقُ آخر البيت ضرورةً، وأتعب أهل الإعراب في طلب الحيلة، فقالوا وأكثروا، ولم يأتوا فيه بشيء يُرْتَضى، ومن ذا يَخْفَى عليه من أهل النظر، أَنَّ كل ما أتَوْا به احتيالٌ وتمويهٌ؟!» ا.ﻫ.

وذلك أنهم قدَّروا النصب إعرابًا ورأوا الشاعر قد انصرف عنه إلى الرفع، فرفضه مَنْ رفضه، واحتال لتوجيهه قوم، وعدَّه من الضرورة آخرون.

وأنت تعلم حرص العرب على الإعراب، ودقة حسهم به، وتأديبهم عليه، وتعلم طبيعة الشعر العربي، وما فيه من قافية، وما للقافية من أحكام وأن التماثل والانسجام من أجلى صفاته، وأدق خصائصه. فلما تعارضت حركة الإعراب وحركة القافية، استجاب العربي لما هو أولى أن يمثِّل معناه، ويصوِّر مراده، ولما هو ألصق بطبعه وأدخل في عربيته؛ وهو الإعراب.

كذلك فرَّق العربي بين الضمة والكسرة، وبين الفتحة. فليس لمنصف يعرف الحق أن يغفل هذه التفرقة من العربي، وأن يهمل وجه دلالتها، وما تشير إليه من معنى.

فهذه من الدلائل على ما رأينا من أن الضمة والكسرة هما علَما الإعراب، وأن الفتحة ليست من علاماته، وإنما هي الحركة الخفيفة المستحبة عند العرب التي يحبون أن تنتهي بها الكلمات في درج القول، ما لم يدعهم الإعراب إلى حركة يدلون بها على معنى، أو يدعهم الوقف إلى إسكان يُبَتُّ عنده النطق، ومن الله التوفيق والهداية إِلى الصواب.

وقد نجد في كلام النحاة ما يؤيده أيضًا؛ قالوا: بالنصب على نزع الخافض. ومعناه كما تعلم أن يكون من حق الكلام ذكر الجار، ثم يُحذف لسبب ما، فتنقلب الكلمة مفتوحة؛ مثل: تمرون الديار. روي لجرير:

تمرون الديار ولم تعوجوا
كلامكم عليَّ إذن حرام
وهم يعدون ذلك نادرًا شاذًّا، على أنه في كلام العرب أوسع مما قرروا؛ هم قد اقتصروا على حذف الحرف الجار، وروي عن العرب النصب في غيره. قال الكسائي: «والعرب إذا ألقت «بين» من كلام تصلح «إلى» في آخره نصبوا الحرفين المخفوضين، تقول: مُطِرْنا ما زبالةَ فالثعلبيةَ، وله عشرون ما ناقةً فجملًا، وهي أحسن الناس ما قرنًا فقدمًا.» قال: «وسمعت أعرابيًّا وقد رأى الهلال، فقال: الحمد لله ما إِهلالَك إلى أسرارك.» والعرب تقول: «الشنق ما خمسًا إلى خمس وعشرين.»٣٠ ا.ﻫ. فقد رأيت العرب تصبو إلى الفتح حين يحذف داعي الجر حرفًا أو اسمًا.

وكذلك يصيرون إليه حين يتحول عن الكلمة داعي الرفع أيضًا؛ تقول: خرج زيد وعمرو. تريد أن تتحدث عن كل منهما فترفع، فإذا كان الحديث عن واحد، وكان الثاني من تكملة الحديث، تحوَّل داعي الرفع عنه فنصب؛ وقلت خرج زيد وعمرًا.

وللنحاة في نصب هذا الاسم وناصبه خلاف عنيف، أَناصبه الواو؟ أم الفعل قبله؟ أم هما معًا؟ أم عامل معنوي سماه بعضهم الخلاف؟

على أن المنهج العربي واضح، في بُعْدٍ عن هذا الخلاف والشقاق، فإنه لم يكن من داعٍ إلى الرفع فدخلت الكلمة في الباب الأوسع الأشمل وهو النصب.

ومثل هذا كثير لا يخفيه عن الناظر إلا تلك الرسوم التي رسموا، ثم تَعَبَّدَ الناس بها حتى صرفتهم عن المعنى وما تدل عليه الألفاظ.

وتستطيع أن ترى مثل ذلك في: «كلَّمتُه فاهُ إلى فيَّ» و«بعتُه يدًا بيد» لمَّا لم يكن من همك التحدث عن الفم واليد، وإنما سقتَهما بيانًا وتتمة للحديث، لم تَرْفَعْ، ولو قصدتَ إلى التحدث عنهما لرفعتَ، ولقلتَ: يدٌ بيد، وفوه إلى فيَّ.

والنحاة ينصبون مثل هذا على الحال، ثم يجدونه مخالفًا للرسوم التي وضعوها للحال، فيتأوَّلون لذلك كعادتهم في التأويل.

وكذلك يقولون: «مُطِرنا سهلُنا وجبلُنا، والسهل والجبل. وجاء القوم أَوَّلهُم وآخرُهم، والأوَّلُ والآخرُ.» يرفعون ذلك كله فيُعْرِبُه النحاة بدلًا، ويُروى منصوبًا فتكون مُعضلة لدى النحاة يُستعان فيها بأنواع من التأويل.

وتَعرِف تعسفهم في إعراب «عَمْرَك اللهَ» و«نحن العرب» و«إياك والأسد»، و«إياك الأسد»، وكذلك تعرف عناءَهم في تلمس السبل لإعراب «عذيرك»٣١ في مثل قول عمرو بن معد يكرب:
أريد حياته ويريد قتلي
عَذيرَكَ من خليلك من مُراد

وقول ذي الأصبع العدواني:

عذيرَ الحي من عُدْوا
ن كانوا حِبَّة الأرض٣٢

وإعراب ذلك كله، وسواهُ مما يحتد فيه الخلاف ويكثر فيه التقدير والإضمار، أمر قريب واضح؛ فإنها كلمات لا يُتحدَث عنها فتُرفَع، ولا هي مضاف إليها فتُجَر، فليس لها إلا أن تلزم الأصل وهو النصب.

(٤) الأصل في المبني أن يسكنا

أصل أقره النحاة، وجعلوه أساسًا لكثير من بحثهم في باب البناء، فإذا صح واستقام حكمه، وكان أكثر الكلمات المبنية في العربية ساكنًا، كان ذلك شاهدًا بميل العرب إلى التسكين، وبمصيرهم بالكلمات إليه، إذا لم يكن لهم من التحريك غرض.

وإذا علمنا أن حروف المعاني هي أكثر الكلمات دورانًا على اللسان، وأولجها في تأليف الجمل، وأنها كلها مبنية، كان في تسكينها ما يشهد أن السكون أخف وأيسر، بما أنه قد اختير لأسْيَر الألفاظ وأشيعها في الاستعمال، ولم يكن لنا أن نرُد هذه الشهادة، وبمثلها نتنوَّر أصول العربية، ونَسْتَشِفُّ أسرارها.

إشكالٌ أثارَه أحد الطلبة ونحن ندرس هذا الموضوع جميعًا، وهو جدير أن نناقشه في بحثنا هذا: قال ابن مالك في الخلاصة:

والأصل في المبني أن يُسكَّنا

وقال أبو القاسم الزمخشري في المفصل: «البناء على السكون هو القياس.» قال شارحه ابن يعيش: «القياس في كل مبني أن يكون ساكنًا، وما حرك من ذلك فلعلَّة؛ فإذا وجدت مبنيًّا ساكنًا، فليس لك أن تسأل عن سبب سكونه؛ لأن ذلك مقتضى القياس فيه، فإن كان متحركًا فلك أن تسأل عن سبب الحركة وسبب اختصاصه بتلك الحركة دون غيرها.»

فهذه أقوال النحاة، وقد يتبادر إلى فَهم القارئ أن الكثير الغالب على المبنيات هو السكون، وأن النحاة إنما أخذوا هذا الأصل الذي قرَّروا من تتبع المبنيات في كلام العرب واستقرائها، وليس هذا بصحيح؛ فإنهم قد استمدوا هذا الأصل من فلسفتهم النظرية التي أشرنا إليها من قبل، وفصلنا كثيرًا من قواعدها.

قال ابن يعيش في التدليل على هذا القياس: «وإنما كان القياس في كل مبني السكون لوجهين، أحدهما: أن البناء ضد الإعراب. وأصل الإعراب أن يكون بالحركات المختلفة للدلالة على المعاني المختلفة، فوجب أن يكون البناء الذي هو ضده بالسكون. والوجه الثاني أن الحركَة زيادة مستثقلة بالنسبة إلى السكون، فلا يُؤتى بها إلا لضرورة تدعو لذلك.» ا.ﻫ.

فقد رأيت كيف استمدوا دليلهم من غير أن يرجعوا إلى الإحصاء والاستقراء، بل لقد صرحوا «بأنه ليس أغلب المبنيات كلها ساكنًا.» قال الصبان في شرح الخلاصة عند قوله:

والأصل في المبني أن يُسكَّنا

«الأصل؛ أي: الراجح والمصطحب لا الغالب؛ إذ ليس أغلب المبنيات ساكنًا.»

ولقد كان ذلك يكفينا في رفض أصلهم، ودفع الاعتراض به، ولكننا رأينا أن ننظر في استقصاء المبنيات وتقسيمها لنَعْلم نسبةَ الساكن منها إلى المتحرك، وأي الحركات أغلب؟ ولم ننسَ أنَّا ندرس حركات الإعراب، لا حركات البناء، ولكنا تقدمنا إلى درس طبائع الحركات وموازينها في النطق، فكان درس الحركَة في المبني مما عساه أن يكشف عن الحق أو يؤيده.

وقد وجدنا عدد حروف المعاني سبعين حرفًا؛ الساكن منها اثنان وعشرون، والمتحرك ثمانية وأربعون، أما المتحرك: فالمفتوح منه اثنان وأربعون، والمكسور خمسة، والمضموم واحد.

فالساكن في البناء أقل من المتحرك، بل هو أقل من المتحرك بالفتح وحده.٣٣

هذا في حروف المعاني.

أما الاسم المبني فليس قريبًا إحصاؤه، بل لسنا في حاجة إلى الإحصاءِ؛ وجليٌّ أنه قَلَّ أن يُبنى على السكون.

وقد يدل بالحركة في الاسم المبني على معانٍ غير الإعراب؛ مثل: أنتَ، وأنتِ، وذا، وذي. وقد نرى الاسم يبنى على فتحتين مثل: خمسة عشر، وبينَ بين، وصباحَ مساءَ، ولا نراه يبنى على سكونين، ولا على حركتين غير الفتحة.

أما الفعل فالماضي بناؤه على الفتح ما أمكن الفتح، والمضارع أكثر بنائه على الفتح، وذلك حين يؤَكَّد بإحدى النونين، والأمر وحده يبنى على السكون، وقد تقدم الإشارة إلى أن هذا لِمَا في الأمر من معنى القوة والبت، والتشدد في الطلب، وذلك أليق بالسكون وما فيه من شدة في النطق.

فهذا الاستشكال على نظريتنا قد انتهى بحثه إلى تأييدها أيضًا، وأكد ما نقول من أن العرب تشير بالحركات إلى معانٍ في الكلام، وأنها تستخف الفتحة عن غيرها من الحركات، بل تستخفها عن السكون أيضًا، وأنها تضع السكون حيث تريد أن تشير إلى شيء من التأكيد والبت ومما فيه من معنى القوة حظ.

١  هو من الكافية الشافية لا من الخلاصة.
٢  انظر في هذا وما بعده كتاب الأشباه والنظائر للسيوطي عند الكلام على العامل ص٢٦١ ج أول وما بعدها.
٣  من كتاب سيبويه في ص٧ من الجزء الأول من طبع مصر ما نصه: «هذا باب المسند والمسند إليه» وهما ما لا يستغني واحد منهما عن الآخر، ولا يجد المتكلم منه بدًّا، فمن ذلك الاسم المبتدأ والمبني عليه، وهو قولك: عبد الله أخوك وهذا أخوك، ومثل ذلك قولك: يذهب زيد فلا بد للفعل من الاسم كما لم يكن للاسم الأول بد من الآخر في الابتداء. ا.ﻫ.
٤  كلتاهما من أشهر القبائل اليمنية وأعظمها شأنًا إبان ظهور الإسلام، وبلحارث كانت تسكن نجران، شهرت بالغنى والجمال والقوة وطيء شهرتها لا تخفى. ومساكنها الجبلان في وسط نجد ومن أطيب بلاده وكان لبلادهم شأن في حكم التجارة في شمال بلاد العرب.
٥  يشير إلى الحديث الشريف: «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار.»
٦  المفرد عند النحاة ما ليس بمثنى ولا مجموع؛ أما في باب النداء وباب «لا» وحدهما، فالمفرد ما ليس بمضاف ولا شبيه به ويختلفون في تحديد الشبيه بالمضاف، فيقول بعضهم: هو ما تعلق به شيء من تمام معناه. ويقول آخرون: ما اتصل به ما يكمله مما يكون معمولًا له، وتحت هذين الرأيين شُعَب من الخلاف واسعة.
٧  وينبغي أن نبين ما في هذه الآية من القراءات؛ ليعلم الذين لم يقرءوا إلا لحفص أن جمهور القراء يقرءون بتشديد «إنَّ» وألف «هذان».
فرواية حفص إِنْ هَٰذَانِ بتخفيف إن وألف هذان.
وقراءة ابن كثير: «إنْ هذانِّ» مثل حفص إلا أنه يشدد نون هذان.
وقراءة أبي عمرو «إنَّ هذين» يشدد إنَّ ويقرأ هذين، فتكتب الياء. في مصحفه بالحمرة على أصول الرسم.
وسائر القراء السبعة بل العشرة يقرءون: «إنَّ هذان» يشددون إنَّ ويقرءون هذان بالألف. وهو الوجه الذي نحتج به.
وانظر التيسير والشاطبية والغيث في السبعة، وجامع البيان والنشر في العشرة.
٨  نسبها في البحر إلى ابن عباس، وإلى عبد الوارث عن أبي عمرو.
٩  ص٢٩٠ ج١ من سيبويه.
١٠  قال الإمام الزمخشري في كشافه عند تفسير هذه الآية: الصابئون رُفِع على الابتداء، وخبره محذوف والنية به التأخير عما في حيِّز إن من اسمها وخبرها كأنه قيل: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى حكمهم كذا، والصابئون كذلك. وأبو حيان في تفسيره يقص في إعراب كلمة «الصابئون» أربعة أوجه. وأبو البقاء العكبري في إعراب القرآن يذكر لإعرابها ستة أوجه.
١١  الجزء الأول من الكتاب ص٢٠٩.
١٢  الجزء الرابع ص٤٥١ من المخطوط رقم ٢٣٤٨ بمكتبة الجامعة المصرية.
١٣  انظر الكافية وشرحها للرضي أول باب المجرورات.
١٤  ص٢١٧ من الجزء الأول من الكتاب، طبع بولاق.
١٥  وانظر بحث التضمين في باب حروف الجر، وقد خصه جماعة من النحاة بالتأليف، ومن أمثلته عندهم: «قتل الله زيادًا عني»؛ أي: قتله ودفعه عني.
١٦  الضمة في الشكل واو صغيرة (و)، والكسرة في الأصل ياء صغيرة راجعة (ۓ)، ثم اقتُصِر في كتابتها على جزئها الراجع والفتحة ألف صغيرة هكذا (ا)، ثم عُدِّلت حتى قاربت الكسرة شكلًا وخالفتها موضعًا.
١٧  القلقلة أن تسكِّن الحرف ثم تختمه بفتحة خفيفة، ويخطئ بعض القارئين فيميل إلى الكسر، وهذا ناشئ من عادتنا العامية في الميل إلى الكسر بأكثر مما نميل إلى الفتح كما نرى في: شِرب وفِهم وعِرف … إلخ. وحروف القلقلة مجموعة في (قطب جد).
١٨  انظر النشر في القراءات العشر ص٢٠٣، ج أول طبع دمشق.
١٩  سيبويه في مواضع منها ص٢٨١ من الجزء الثاني، والصرفيون يذكرون القاعدة عند الكلام على أوزان الثلاثي، ومن النحاة من يذكرها في باب نِعْم. وانظر شرح السيرافي للكتاب في الكلام على ضرورات الشعر.
٢٠  القاعدة في هذا: أن الاسم إذا كان ثلاثيًّا صحيح العين ساكنها، وجمع جمع مؤنث سالمًا، نظر إلى فائه: فإن كانت مكسورة: مثل حنطة وهند، أو مضمومة مثل: خُطوة وجُمل جاز في عينه الإسكان، والإتباع، والفتح. أما الإسكان فهو الأصل، وأما الإتباع ففيه نوع من التخفيف والتسهيل يجيء من تماثل الحرفين في الحركة، وأما الفتح فإنه لمحض التخفيف. وإذا كانت الفاء مفتوحة لم يكن في العين إلا الفتح.
٢١  الأبيات الثلاثة من شرح السيرافي على كتاب سيبويه مع النص على تسكين اشربْ في بيت امرئ القيس، وتعرفكم في قول جرير، وبنو العم بالواو (انظر الضرورات في الجزء الأول). ويستشهد بالموضعين في غير السيرافي من كتب النحو على جزم المضارع بلا جازم، وفي ديوان امرئ القيس: فاليوم أسقى. وفي ديوان جرير: فلم تعرفكم، والذي رواه النحاة أصح. ورواة الدواوين والذين يختارون من الشعر، كثيرًا ما يسوون القول على ما يرونه أوجه، وأمثلة هذا الإفساد كثيرة جدًّا في الدواوين.
٢٢  انظر باب الوقف.
٢٣  انظر الجزء الثاني من النشر للإمام الجزري ص١١٩ وما بعدها. وقد آثرنا الأخذ بأقوال القراء في الروم؛ لأن النحاة يضطربون في تعريفه ويختلفون فيه؛ لأن القراء في هذا أدقُّ ضبطًا.
٢٤  انظر «الكافي في العروض والقوافي» وهذا تقسيمه وتعريفه.
٢٥  الموشح للمرزباني ص١٧ طبع المطبعة السلفية.
٢٦  أبو الحسن الأخفش سعيد بن مسعدة حافظ العروض عن الخليل ومبلغه، كما كان سيبويه حافظ النحو عنه ومدونه. والنقل من المرزباني أيضًا.
٢٧  مقدمة اللزوميات ص٢٥ طبعة المحروسة.
٢٨  ديوان الأعشى ص٢٢ طبع جبار.
٢٩  انظر خزانة الأدب للبغدادي ص٣٤٧ ج٢.
٣٠  الشنق ما لم تجب فيه الفريضة. وهذا كله نقله عن الكسائي الفراء في تفسيره معاني القرآن عند الآية الكريمة: إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا.
٣١  انظر هذه الأوجه في شرح السيرافي في باب ما يُنصَب على إضمار الفعل.
٣٢  يروى حية الوادي، وحية تصحيف، والحبة بكسر الحاء المهملة بقلة تنبت في الأرض وتتكاثر، يعني بذلك كثرة عددهم.
٣٣  ترى في الحروف بحثًا واسمًا في المفصل، والكافية، وأكبر الكتب عناية بجمع حروف المعاني:
  • (أ)

    كتاب المخصص في السفر الرابع عشر.

  • (ب)

    كتاب السيرافي عند شرح «باب عدة ما يكون عليه الكلم» من الجزء الثاني من الكتاب.

  • (جـ)

    كتاب جواهر الأدب لعلاء الدين بن علي الأربلي، مطبوع بمصر، وقد خصص بدراسة الحروف.

ولكلٍّ طريقة خاصة في عد الحروف وترتيبها وتقسيمها. واتبعنا في التقسيم أصلًا قررناه من قبل، واطرد بحثنا عليه، وهو أن حروف اللين امتداد لما قبلها من الحركات: فحرف «إلى» ثنائي مفتوح، وحرف «في» أحادي مكسور. وهذه هي الحروف:
الأحادية: وعدتها ثمانية عشر حرفًا، وهي: الهمزة «أ»، والهمزة مكسورة ممدودة «إي» الباء – التاء – السين – الفاء – الفاء ممدودة مكسورة «في» – الكاف – اللام مكسورة – اللام مفتوحة – اللام ممدودة مفتوحة «لا» – الميم ممدودة مفتوحة «ما» – النون – الهاء ممدودة مفتوحة «ها» – الواو – الواو مفتوحة ممدودة «وا» – الياء ممدودة مفتوحة «يا». وبيانها بحسب الحركات.
١٨
١٢ مفتوحة أ، ت، س، ف، ك، ل، لا، ما، ها، و، وا، يا
٤ مكسورة إي، بِ، في، ل
٢ ساكنة ت للتأنيث، ن للتوكيد
الحروف الثنائية (٢٦): ١٠ متحركة بالفتح: إلى – على – خلا – عدا – ألا – أما – أيا – هيا – بَلَى – ن: نون التوكيد المشددة.
١٦ ساكنًا: إنْ، أنْ، لَنْ، عنْ، منْ، أمْ، لم، بل، كي، أو، مذ، قد، أل، هل، لو، أي.
ويلاحظ أن من الساكن ما هو مختوم بنون أو ميم، وهما أشبه الحروف نطقًا بحروف العلة، ومنها ما يسكن لغرض مثل: قد للتحقيق، وبل للإضراب.
الحروف الثلاثية ٢٢: ٣ ساكنة: نَعَمْ، أجلْ، إذن.
١ حرف متحرك بالكسر: جيرِ. ١ حرف متحرك بالضم: منذُ ١٧ حرفًا متحركًا بالفتح: إنَّ، أنَّ، ليت، سوف، ثم، حاش، ربَّ، ألَّا، هلا، لولا، لوما، كلا، حتى، أمَّا، إما، إلَّا، لمَّا.
ويلاحظ أن الحروف الساكنة حروف جواب، فهي أقرب للوقف الحروف الرباعية ٥: ١ حرف ساكن: لكنْ.
٢ حرفان متحركان: لعل، كأن.
الحروف الخماسية: ١ حرف واحد متحرك فقط: لكنَّ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤