العلامات الفرعية للإعراب

وقد أطال النحاة بذكر علامات أخرى للإعراب، سمَّوها العلامات الفرعية، وجعلوها نائبة عن العلامات الأصلية. وسترى فيما بعد أَلَّا وجه لهذا التفصيل والإطالة بتقسيم علامات الإعراب إلى علامات أصلية وأخرى فرعية.

وسندرس هذه العلامات الفرعية واحدة واحدة، ونبين وجه ما نقول في كل واحدة منها ونذكر دليله.

الباب الأول: باب الأسماء الخمسة

وهي: الأب، والأخ، والحم، والفم، وكلمة ذو. وقد يزيدون عليها كلمة «هَنُ» بمعنى متاع، ويسمونها الأسماء الستة.

ويجعلون الحروف في الباب نائبة عن الحركات في الدلالة على أوجه الإعراب: فالرفع بالواو، والنصب بالألف، والجر بالياء.

ونقول: إنه لا حاجة إلى هذا التفصيل والتطويل، وإنما هي كلمات معربة كغيرها من سائر الكلمات: الضمة للإسناد، والكسرة للإضافة، والفتحة في غير هذين: وإنما مدت كل حركة فنشأ عنها لينها؛ وسبب ذلك أن كلمتي «ذو» و«فا» وُضِعتا على حرف واحد، وبقية كلمات الباب وُضِعت على حرفين، الأول منهما حرف حلقي، وتعلم أن حروف الحلق ضعيفة في النطق، قليلة الحظ من الظهور، فليس لعَضَل الحلق من المرونة والقدرة على النطق وتحديد المخارج ما للسان والشفتين، ومن عادة العرب أن تستروح في نطق الكلمات، وأن تجعلها على ثلاثة أحرف في أغلب الأمر، فَمَدَّت في هذه الكلمات حركات الإعراب ومطتها لتعطي الكلمة حظًّا من البيان في النطق.

وليس في العربية اسم معرب بني على حرف أو حرفين أحدهما حلقي، إلا وهذا حكمه. ويؤنسك بهذا أن ما ينوَّن من هذه الكلمات، أو يوصل بأل، يُعرَب بالحركات من غير لين بعدها؛ مثل: أبٌ، وأخٌ، والأب والأخ. وذلك لأن الكلمات قد طالت في النطق شيئًا بالتنوين وأل، فأغنى ذلك عن مَدِّ الحركة الأخيرة وإحداث لينها بعدها، وقد حُذِف التنوين من «أب وأخ» ولم يكونا مضافين ولا فيهما «ال» فعادت الألف، وقالوا: «لا أبا لك» و«لا أخا لك» وروَوا:

أهَدَّموا بيتك لا أبا لكا
وزعموا أنك لا أخا لكا

فاضطرب النحاة؛ لأنهم لا يرون إعراب الأسماء الخمسة بالحروف إلا حين تكون مضافة؛ قالوا: «إن اللام زائدة، والكلمة مضافة لما بعدها.» ولكن ذلك يستدعي أن تكون مَعْرِفة و«لا» لا تعمل إلا في نكرة؛ فكانت معضلة نحوية طال فيها الجدل لتخريج المثلين أو عدهما شاذين، ولا شذوذ ولا إعضال، وإنما هي قاعدة مطردة في هذه الكلمات: إذا أُفرِدت غير منونة أُطلِقت الحركات في آخرها إطنابًا فيها وتحقيقًا لنطقها، كما بيَّنا من قبل.

وما قررناه في إعراب هذه الأسماء إنما هو مذهب الإمام أبي عثمان المازني — المتوفى سنة ٢٤٧ — تراه وغيره من مذاهب إعرابها في كتاب الإنصاف لابن الأنباري، وجمع الجوامع للسيوطي.

الباب الثاني: باب جمع المذكر السالم

وأمره أهون، فإن الضمة فيه علم الرفع والواو إشباع، والكسرة علم الجر والياء إشباع؛ وأُغفل الفتح لأنه ليس بإعراب فلم يقصد إلى أن يُجعل له علامة خاصة، واكتفى بصورتين في هذا الجمع.

ومما يدلك على أنهم عُنوا بالدلالة على الجر، وأغفلوا النصب، أن نظيره وهو جمع المؤنث السالم رفع بالضمة، وجر بالكسرة، ثم أغفل الفتح فيه أيضًا، كما أغفل في جمع المذكر السالم، وكانت المماثلة في الجمعية داعية إلى المشابهة في مسلك الإعراب، وقد كان مستطاعًا يسيرًا أن يشكل جمع المؤنث بكل الحركات، ولكن المسايرة ورعاية النظير في العربية أمر مقرر كثير الشواهد.

الباب الثالث: باب ما لا ينصرف

جعلوا فيه الفتحة نائبة عن الكسرة، وقد أشرنا إلى سبب ذلك من قبل، وبينا أن الفتحة لم تنب عن الكسرة، وإنما الذي كان؛ أن هذا الاسم لما حرم التنوين، أشبه — في حال الكسر — المضاف إلى ياء المتكلم إذا حُذِفت ياؤه، وحذفها كثير جدًّا في لغة العرب،١ فأغفلوا الإعراب بالكسرة، والتجأوا إلى الفتح ما دامت هذه الشبهة، حتى إذا أمنوها بأي وسيلة عادوا إلى إظهار الكسرة، وذلك إذا بُدِئت الكلمة بأل، أو أُتْبعت بالإضافة، أو أعيد تنوينها لسبب ما، فليس مع واحد من هذه الأشياء الثلاثة شبهة الإضافة إلى ياء المتكلم كما هو واضح.

وقد عد بعض النحاة الفتحة فيما لا ينصرف حركة بناء لا حركة إعراب، وهو رأي وجيه نقول به، ويؤيد ما ذهبنا إليه.

على أن لِمَا لا ينصرف وللتنوين منه شأنًا، سنفرد لبحثه بابًا خاصًّا، نقرِّر فيه غير ما قرر النحاة، ونُجَلِّي أمره إن شاء الله.

ولم يبقَ من العلامات الفرعية إلا باب المثنى، ونقرر أنه قد شذ عن أصلنا، ولكن باب التثنية في العربية غريب كباب العدد؛ إذ يُذَكَّر فيه المؤنث ويؤنَّث المذكر، ومن توسع في درس المثنى ورأى وضع العرب له مرة موضع المفرد، وأخرى موضع الجمع، تجلَّى له حقيقة ما نقول.

فليس يقدح شذوذ المثنى في أمر تقرَّر في سائر العربية واستقام في كل أبوابها.

١  بل إن حذف الياء من أواخر الكلمات مطلقًا كثير في العربية حتى كُتِب في القرآن الكريم كثير من هذا بلا ياء، ولهذه الياءات المحذوفة خطأ باب خاص في كتب القراءات.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤