الفصل الرابع

أخذ طاغية صنهاجة وجبار غرناطة يُقوي نفوذه شيئًا فشيئًا إلى أن أصبح زعيم حزبه السياسي على رأس البربر١ ولم يكن يعترف للخلافة الحمودية بمالقة إلا بمجرد السيادة الاسمية، وقد بلغ الحموديون الغاية في الضعف حتى جعلوا لوزرائهم السلطان عليهم، وكان بعضهم يعمد إلى إهلاك بعض، إما بتجريد السلاح أو دس السم. وهم عوضًا عن أن يوجهوا نظرهم إلى أتباعهم من أمراء البربر الأقوياء فيشدوا بهم أزرهم كانوا يركنون إلى الدعة، ويرون السعادة كل السعادة في أن يظفروا بالحكم في مالقة، وطنجة، وسبتة، وإن فقدوا النفوذ في البلاد التي تخطب باسمهم على المنابر.

•••

وكان ثمة خلاف كبير بين بلاطي غرناطة ومالقة، ففي غرناطة كان البربر وعلى رأسهم باديس ووزيره إسماعيل يعملون لصالحهم وهم على وفاق تام في الخطط ووجهات النظر، وفي مالقة كان الأمر على النقيض من ذلك، لوجود الصقالبة الذين تتنافر مصالحهم مع مصالح البربر، هذا إلى ما وقع للصقالبة أنفسهم من التحاسد والتطاحن، واستعانة بعضهم على بعض بأعدائهم من النصارى، وهذه العوامل بعينها هي التي كانت سببًا في سقوط الدولة الأموية.

وقد حدث أن الخليفة الحمودي إدريس الأول كان مريضًا في الوقت الذي جرد فيه جيوشه على جند إشبيلية، وقد أسلم الروح بعد أن وصل إليه الخبر بمقتل إسماعيل في معركة «أستيجة» بيومين، فاختلف الوزير البربري مع الوزير الصقلبي على تعيين الخليفة، فالأول يريد أن يتبوأ عرش الخلافة يحيى بن إدريس البكر، لتكون السلطة في يده وليقوم هو بالأمر، والوزير الصقلبي يعارضه في ذلك ولا يقره عليه. ولما كان هذا وزير الممتلكات الإفريقية قام بالبيعة لحسن بن يحيى ابن عم يحيى وأعد العدة ليجوز البحر به إلى مالقة. وقد أذعن لخطة الوزير الصقلبي وزير البربر لتردده وقلة ثباته، وكان من جراء التردد والتواني في أخذ الحيطة أن أهمل التدبير اللازم للدفاع في الوقت المناسب، فرأى بغتة الأسطول الإفريقي وقد ألقى مراسيه في مياه مالقة، فعجل بالفرار مع الخليفة الذي كان يريد أخذ البيعة له.

•••

ولما استقر حسن بعاصمة ملكه أرسل وزيره إلى وزير البربر يمنحه العفو، ويرغبه في العودة، فوثق بكلامه، وعاد ليلقى حتفه، وقد تحققت النبوءة التي كان إسماعيل اليهودي رآها في منامه، وبعد ذلك قتل المدبر لدولة حسن أيضًا وهو «نجاء» الذي ارتكب الجريمة كما ذهب إلى ذلك بعض المؤرخين، كما أن حسنًا كان جديرًا بأن يقتص منه، فقد قتل مسمومًا بيد زوجه شقيقة يحيى المسكين، ومن ذلك الحين أراد «نجاء» أن يزيد في نفوذه، فرأى أنه ليكون كملك مستأثر بالحكم يجب أن تكون السلطة في يده وحده، وأن تكون سيادة الخليفة اسمية، فعمد إلى قتل ابن حسن، وهو في ريعان الشباب، وزج بشقيق إدريس في غياهب السجن، وبعد أن تم له ما أراد من ذلك عرض نفسه على البربر كخليفة، وأغراهم بالوعود البراقة ليجتذبهم إلى جانبه، ولكن البربر كانوا ينطوون على ألم ممض، وغيظ كامن في الصدور، من جراء جرأته البالغة، وطمعه في منصب الخلافة طمعًا يمس بالدين، فإنه كان يظهر للسلالة الهاشمية احترامًا مزيفًا يوقع في الريبة والشك. وعلى أثر ذلك فكر البربر في الانتقاض عليه والاقتصاص منه، وأخذوا يتربصون به الدوائر ويتحينون له الفرص، ولكي يخفوا ما انطووا عليه من البغضة وإضمار الشر، تظاهروا بإجابته إلى غرضه، وصارحوه بأنهم طوع أمره، وأقسموا له اليمين، وبايعوه على الطاعة والنصرة. ورغب «نجاء» حينئذ في انتزاع الجزيرة من محمد الخليفة الحمودي الذي كان يحكمها، وجرد عليها جيشه والتحم الفريقان، ولكن حدث في المعارك الأولى التي دارت رحاها مع العدو أن لاحظ الوزير الصقلبي أن البربر يقاتلون بتراخ، وأنه ليس في الإمكان التعويل عليهم، فرأى من الحكمة أن يصدر أمره للجنود بالارتداد، واعتزم أن ينفي عند عودته إلى العاصمة البربر الذين تحوم حولهم الشكوك والريب، وأن يجذب إليه العنصر الصقلبي بقوة المال، وأن يلف حوله من الصقالبة أكبر عدد ممكن، ولكن أعداءه الألداء من البربر عرفوا خطته، وتبينوا ما يرمي إليه، وانتهزوا فرصة مروره بالجيش وسط مضيق محصور، فانقضوا عليه وقتلوه في غرة (٥ فبراير سنة ١٠٤٣).٢

•••

وعلى أثر مقتل ذلك الغاصب لم يستطع البربر أن يخفوا صيحات الفرح والسرور التي كانت تتصعد من أعماق صدورهم. ووقع الاضطراب الشديد بين الجنود، فأركن الصقالبة إلى الفرار مخافة أن يصيبهم مثل ما أصاب زعيمهم المقتول، وأسرع فارسان من القتلة إلى مالقة ينهبان الأرض على جواديهما، ولما بلغا المدينة أخذا يصيحان بأعلى صوتهما: «بشراكم، بشراكم: لقد قتل المتوثب الغاصب.»

ثم أدركا صاحب شرطة «نجاء» فأردياه قتيلًا، وعمدا إلى إدريس شقيق حسن فأخرجاه من السجن، وأقاماه خليفة، ومن ذلك الحين طويت صحيفة من تاريخ الصقالبة في مالقة، على أن السكينة التي استتبت فيها، والطمأنينة التي لابستها زمنًا لم تدم طويلًا.

لم يكن إدريس الثاني في الحقيقة قوي الدهاء كبير العقل، ولكنه كان وديع النفس، كريم الخلق، طيب القلب، خيرًا تقيًّا، يصرف جميع أوقاته في عمل البر وفعل الخير، ولو أن الأمر كان بيده وحده لما بقي في بلاده رجل واحد يئن من الفقر ويشكو الحاجة، وقد مكن المنفيين والمبعدين — مهما كانت جنسياتهم وأحزابهم — من العودة إلى أوطانهم، ورد إليهم ما أخذ من أملاكهم، وما كان يصيخ بسمعه إلى الوشايات والسعايات. وكان جوادًا سمحًا ينفق على الفقراء والمعوزين كل يوم خمس مئة دوكا، وكان — لرقة طبعه وسذاجة قلبه — يعطف على عامة الشعب، ويميل إلى التحدث إليهم، ولا يحجب جواريه عنهم، مما تنبو عنه تقاليد الملك ورسوم الخلافة.

•••

ولما كان «الحموديون» من سلالة الرسول فقد كان عامة الشعب يرفعونهم إلى درجة التقديس، ويرونهم في أعينهم كأنصاف آلهة. ولكي يزيدوا من عقيدة الشعب رسوخًا، ويكسبوا محبتهم، ويشعروا قلوبهم المهابة والاحترام لهم، كانوا يظهرون أمامهم في الأوقات القليلة النادرة، وقد حاطوا أنفسهم بالأسرار.

وكان إدريس — على ميله إلى البساطة والتحرر من التقاليد المرعية — يضطر إلى أن يأخذ بالقواعد التي سنها سلفه من الخلفاء، ومن ذلك أنه كان يختفي عن عيون محدثيه فلا يكلمه إنسان إلا من وراء حجاب. ولكونه مثال البساطة المجسمة كان ينسى هذا التقليد، ويغفل هذه السنة التي درج عليه سلفه، فقد حدث يومًا أن شاعرًا من «إشبونة» كان ينشده قصيده يمتدح فيه كرمه، ويشيد بطيب عنصره، وشرف أرومته، وكرم محتده، وقد جاء فيه بلهجة أهل الجهات الغربية من جزيرة الأندلس قوله:

وكأن الشمس لما أشرقت
فانثنت عنها عيون الناظرين
وجه إدريس بن يحيى بن علي
بن حمودٍ أمير المؤمنين٣
يا بني أحمد يا خير الورى
لأبيكم كان وفد المسلمين
نزل الوحي عليه فاحتبى
في الدجى فوقهم الروح الأمين
خلقوا من ماء عدل وتقى
وجميع الناس من ماء مهين
انظرونا نقتبس من نوركم
إنه من نور رب العالمين

وكان الخليفة يستمع إلى مادحه من وراء ستار، وكانت رسوم الخلافة لا تسمح بقبول رجاء هذا الشاعر، إلا أن الخليفة فعل ما لم تجر به العادة، وقال لحاجبه: «ارفع الستار.»

فكان هذا الشاعر أسعد حظًّا من عشيقة «جيوبيتر» التي ذهبت ضحية ميلها إلى رؤيته، حيث رأى ما ينبعث عن ذلك المحيا من النور الذي — وإن لم يكن سناه يذهب بالأبصار ويبهر الأنظار — فهو على الأقل يطبع في ذهن من يجتليه وينظر إليه أجمل صورة من صور السماحة والإحسان وطيب القلب، وربما كان هذا أحمد أثرًا في نفسه مما لو عاين من صورته الحسية مشرقًا من مشارق الأنوار، وشاهد تلك الصفات التي ذكرها في شعره. ومن المحقق أن الخليفة أجازه بجائزة سنية وانصرف شاكرًا مسرورًا.

•••

ومما يؤسف له نظرًا لمركز الخلافة وأمن الدولة أن إدريس كان يضم إلى سماحة النفس وطيب القلب، وصفًا آخر هو التناهي في الضعف والمواتاة والاستسلام، ففي استطاعته أن يوافق ويسلم بكل ما يراد ويطلب منه كائنًا ما كان، فلو أن أميرًا من الأمراء الذين يستظلون بحكمه — كباديس أو غيره — طلب إليه أن ينزل له عن قصر الخلافة أو يهبه أي أمر آخر لفعل، وقد حدث أن باديس بعثه إليه ملحًّا أن يرسل وزيره ويمكنه من التنكيل به لضغينة في نفسه، فصرح إدريس لوزيره الذي يحقد عليه باديس أنه كاتبه في شأنه وطلب أن يسلمه إليه وأنه لا بد فاعل حيث لا يستطيع أن يرفض طلبه، فأذعن الوزير لحكمه ولم يشفع له عند إدريس أنه الخادم الأمين القديم لأسرته، وقال: «لك يا مولاي أن تفعل ما يريده هذا الطاغية، وعليَّ أن أستسلم لما يأتي به القضاء، وما يخبؤه لي القدر، وسترى أني ملاق حتفي غدًا وسأقابله باستسلام ورباطة جأش وقدم ثابتة.»

وقضي الأمر، ووصل وزير إدريس إلى غرناطة حضرة مملكة باديس فأمر به في الحال فضربت عنقه، وكان هذا الضعف الظاهر من إدريس مما أحفظ عليه البربر وأوغر صدورهم، كما أغضبهم من قبل لينه المفرط، وعطفه الذي كان يبديه للشعب بنزعاته الاشتراكية. بهذا تحرجت الحالة وانطوت قلوب البربر على بغض هذا الخليفة الضعيف المستسلم وكراهته، ولما كان أولئك الزنوج يطغيهم الضعف ويغريهم اللين، ولا يردعهم إلا إعمال السيف في رقابهم، وإنضاج جلودهم بالسياط، وتعليق المشانق لإزهاق أرواح مجرميهم، لم يزدهم ذلك إلا استخفافًا بالخليفة وازدراء به وجرأة عليه، ذلك الخليفة الذي لم يَصدر قط حكمٌ على أحد بالقتل في زمنه، فلا جرم إذا كان الاستياء عامًّا شاملًا، ولا غرابة في أن يحدث رئيس حصن «إيرش» ثورة في داخله، ويطلق صاحب شرطته سراح ابني عم إدريس وينادي بمحمد البكر منهما خليفة، ولا في أن يثور الزنوج الذين يؤلفون حرس قصر الخلافة بمالقة، ويهيبوا بمحمد أن يكون بينهم، على أن السواد الأعظم من أهل مالقة لم يتخلوا عن خليفتهم في ساعة الخطر المحدق والبلاء الداهم، إذ كانت قلوبهم تفيض حبًّا وعطفًا على خليفتهم الخيِّر المحسن، فسارعوا إلى نجدته، وطلبوا أن تخرج لهم الأسلحة من دار السلاح، فلم يجدوا إلى ذلك سبيلًا ولو أنهم كانوا متقلدي السلاح في ذلك الوقت لم يبق من الزنوج الثائرين أحد في القصر، وقد أبى إدريس أن يمكنهم من السلاح حقنًا للدماء وإطفاء للنائرة وشكر لهم هذه العاطفة، وخاطبهم بقوله: «عودوا إلى دوركم فإني لا أرغب في أن يسفك دم من أجلي.»

وبهذا لم تقم أية عقبة في سبيل إقامة محمد خليفة مكان إدريس الذي حل محله في حصن «إيرش»، وبهذا تبادل كل منهما مكان الآخر (١٠٤٦–١٠٤٧).

ولم يكن الخليفة الجديد على شاكلة سلفه، بل نزع لأمه، وهي حسناء باسلة، يطيب لها العيش في الخلاء حيث تشاهد عن كثب الاستعداد للقتال، وإدارة المعارك الدموية، وضرب الحصار على الحصون المنيعة، وحيث تنثر على الجند من درر كلامها، وصرر نقودها ما يلهبهم حماسة وشجاعة ونجدة، وقد بلغ محمد في البسالة والإقدام شأوًا بعيدًا، وكان مع هذا قاسيًا غليظ القلب سفاكًا للدماء، وإذا كانت القوة قد أعوزت إدريس فإن محمدًا (على رأي محدثي الثورة) كان له من البأس والقوة أوفر نصيب، وقد كان مثله في ذلك مثل الضفدعة التي طلبت من «جيوبيتر» أن يقيمها ملكة على مملكة الضفادع، وعالم الضفادع هذا كما أسماه «لافونتين» هو جماعة البربر والعبيد، أولئك الذين لم يلبثوا إلا قليلًا حتى حنقوا على الخليفة الرهيب، وحملوا له الإحن في صدروهم، وندموا على سلفه الوادع المسالم الذي كان وجوده كلا وجود.

وسرعان ما دبرت مؤامرة، وشرع مدبروها يتفاوضون مع رئيس حصن «إيرش» الذي سارع إلى الانضمام إليهم بسهولة فأخرجوا إدريس الثاني من السجن، ونادوا به خليفة.

•••

وفي هذه الآونة لم يحجم إدريس عن إثارة حرب أهلية؛ لأن ما عاناه في سجنه ذهب بما كان في نفسه من نزعات شريفة، واتفق أن محمدًا — وقد ألهبته أمه حمية وحماسة — قاتل خصومه ببسالة وشدة حتى ظفر بهم وألجأهم إلى وضع السلاح، ومع هذا لم يسلموا إدريس لخصمه، بل أرسلوه لإفريقية، وتولى الأمر هناك اثنان من البربر، وهما: صاحب شرطة سبتة،٤ وصاحب شرطة طنجة فقابلاه بحفاوة وإكرام بالغين، وأخذا له في البيعة وخطبا باسمه على المنابر، على أن ذينك الرجلين استأثرا دونه بالسلطة الحقيقية، وكانا لحرصهما على الاستئثار بالسلطة والنفوذ يراقبانه عن كثب، ويحولان دون ظهوره للجمهور، واقترابه من الشعب، وقد تمكن بعض مضمري العداوة لهما من أمراء البربر أن يقولوا للخليفة: إن هذين المملوكين اعتقلاك في القصر وحالا دون أن تتولى الحكم بنفسك، فخولنا السلطة ونحن نخلصك منهما، ولكن إدريس — لوداعته — رفض اقتراحهم، وأفضى بما دار بينه وبينهم من الحديث إلى وزيريه، فصدر أمرهما في الحال بإبعاد أولئك الأمراء.
وخشي الرجلان القائمان بإفريقية أن يصغي إدريس لما يدس إليه مرة ثانية من الوشايات والدسائس فأوعزا إليه أن يرحل إلى الأندلس فجاز البحر إليها، واستقر عند صاحب رندة٥ على أنهما لم يزالا يعترفان به كخليفة ويقران الخطبة باسمه على المنابر.

وفي هذه الأثناء طلب المتذمرون في مالقة من باديس أن ينضم لمساعدتهم، فقام وأعلن الحرب بادئ ذي بدء على محمد ثم أبرم معه صلحًا، ثم بايعوا أمير الجزيرة الخضراء، واسمه محمد أيضًا، ونادوا به خليفة، وكان الخلفاء بالأندلس إلى هذا العهد أربعة، وهم: الخليفة المزعوم المشبه بهشام في إشبيلية، ومحمد في مالقة، ومحمد صاحب الجزيرة، ثم إدريس الثاني المستقر في رندة.

ولم يكن لاثنين منهما في الحقيقة شيء من النفوذ والسلطان، أما الآخران فكانا أميرين صغيرين لا خطر لهما، ولا يستحقان أن يحملا لقب الخلافة ولا أن يتسمى كل واحد منهما بأمير المؤمنين.

أما أمير الجزيرة فقد فشل في هذه المحاولة، وانفض من حوله الداعون له باسم الخلافة، فعجل بالعودة إلى بلاده، ومات بعد أيام قلائل أسى وخجلًا (١٠٤٨–١٠٤٩).

وبعد أربع أو خمس سنوات توفي محمد الخليفة القائم بمالقة، وتطلع إدريس الثالث أحد أبناء أخيه إلى منصب الخلافة، ولكنه لم ينجح هذه المرة، وأقيم إدريس الثاني خليفة، وشاءت الأقدار أن تسالمه فبقي في هدوء وطمأنينة إلى أن قضى نحبه سنة (١٠٥٥).

وأراد حمودي آخر أن يخلفه في الحكم فناوأه باديس وقضى على آماله.

ولما كان باديس صاحب غرناطة هو الرئيس الحقيقي للبربر، فقد كره أن يرى أمامه خليفة تستظل بلاده بحكمه، ومن ذلك الحين عقد النية على أن يقضي على الحموديين، وأن يدمج مالقة٦ وأعمالها ضمن ولاياته، وقد أمضى عزيمته هذه، وأنفذ مشروعه دون أن يصادف عوائق كبيرة.
إلا أن العرب لم يكونوا ليذعنوا لسلطانه إلا على كره منهم لذلك، ولما كان قد كسب إلى جانبه أمثال الوزير أبي عبد الله الجذامي لم يحفل بالباقين، أما البربر فكانوا مقتنعين بضعف أمرائهم، وبأن الضرورة تقضي عليهم بأن ينضموا إلى إخوانهم من بربر غرناطة، ليتقووا بهم، ويستطيعوا أن يواجهوا الحزب العربي الذي يزداد كل يوم قوة وتوسعًا في الجانب الغربي الجنوبي، لهذا كله ناصروا باديس وأيدوا خططه ومشروعاته ولم يعارضوها، وأصبح باديس بفضل عون البربر والتفافهم حوله ملكًا على غرناطة ومالقة وما يتبعهما من أعمال،٧ وتمكن من نفي الحموديين والقضاء عليهم، وهم وإن كانوا قد لعبوا دورًا آخر في إفريقية إلا أن دورهم الذي مثلوه في الأندلس كان قد انتهى.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤