الباب العاشر

بقي علينا أن ندرس ما هو اختلاط الأشياء، وسنتبع ها هنا النمط عينه كما فيما سبق؛ لأن هذا هو ثالث الموضوعات التي تصدينا لفحصها في بداية هذه البحوث. يلزم إذن أن ننظر ما هو الاختلاط وما هو الشيء القابل لأن يختلط، وما هي الأشياء التي يمكن أن يقع الاختلاط بينها، وكيف تتحقق هذه الظاهرة.١
ومن جهة أخرى يمكن أيضًا أن يتساءل عما إذا كان يوجد حقيقة بالفعل اختلاط للأشياء أو أن هذا ليس إلا ضلالًا؛ لأنه يمكن أن يظن أن شيئًا لا ينبغي ألبتة أن يختلط بآخر كما يزعم بعض الفلاسفة؛ يقولون إنه في الواقع حينما الأشياء التي اختلطت تبقى بعد أيضًا ولم تكن لتستحيل لا يمكن أن يقال إنها الآن أكثر اختلاطًا مما كانته من قبل، ولكنها دائمًا في الحال بعينها. فإذا أخذ أحد الشيئين أن يبيد في الاختلاط لا يمكن بعد أن يقال إنهما اختلطا، ولكن فقط إن أحدهما يوجد وإن الآخر لا يوجد بعد، في حين أن الاختلاط لا يمكن في الحق أن يقع إلا بين شيئين يوجدان على السواء. ويزيدون — أخيرًا — على ذلك أنه لا يوجد بعد اختلاط، بهذا السبب عينه، إذا كان الشيئان اللذان يجتمعان يفسدان كلاهما بالاختلاط؛ لأنه من المحال قطعًا أن أشياء لم تكن بعد ألبتة يمكنها أن تختلط.٢
هذه النظرية — كما يرى — الغرض منها أن يتعين في ماذا يختلف اختلاط الأشياء عن كونها وعن فسادها، وأيضًا في أي شيء يختلف الشيء المختلط عن الشيء الكائن وعن الشيء الفاسد؛ لأنه من البيِّن أنه ينبغي أن يكون الاختلاط مغايرًا بافتراض أنه واقع بالفعل. ومتى وضحت هذه المسائل تنحل المسائل التي وضعناها لأنفسنا من قبل.٣
ذلك هو السبب في أنه لا يمكن أن يقال إن المادة اختلطت بالنار التي أحرقتها حتى ولا أنها تختلط بها وقت ما تحرقها، كما أنه قد لا يمكن أن يقال إنها تختلط بنفسها في أجزاء النار كما لا تختلط بالنار نفسها. بل يقال ببساطة إن النار تكوَّنت، وإن المادة القابلة للاحتراق قد فسدت، كما أنه لا يمكن أيضًا أن يقال لا عن الغذاء ولا عن صورة الخاتم إن الأولى باختلاطها بالجسم والثانية باختلاطها بالشمع قد أعطتا شكلًا ما للكتلة بتمامها. ينبغي الاعتراف أيضًا بأنه لا الجسم ولا البياض ولا بالاختصار، كيفيات الأجسام وتغايرها يمكنها أن تختلط بالأشياء ما دام أنه يرى أن الاثنين يبقيان. كذلك أيضًا البياض والعلم في الواقع لا يمكنهما أن يركبا خليطًا ولا أيضًا أي واحد من الكيفيات أو الخواص التي ليست قابلة للانفصال.٤

وأيضًا يخدع نفسه من يقرر أن الأشياء جميعها كانت سابقًا مندمجة، وأن الكل قد وجد مختلطًا؛ لأن كلًّا لا يمكن ألبتة أن يختلط بكل على السواء. يلزم دائمًا أن كلا الشيئين اللذين يختلطان يمكن أن يبقى على حدة. وحينئذ فإن كيفيات الأشياء لا يمكنها أن تكون منفصلة عنها أبدًا. ولكن لما أن من بين الأشياء بعضها تكون بالقوة المحضة والآخر بالفعل المحض فينتج من ذلك الأشياء التي تختلط يمكنها من جهة أن تبقى بعد ومن جهة أخرى ألا تبقى؛ فإذا كان في الواقع الخليط الحاصل من الاختلاط هو شيئًا مخالفًا فإنه يكون كذلك دائمًا بالقوة للشيئين اللذين كانا يوجدان قبل أن يختلطا وقبل أن ينعدما في الخليط. وهذا إنما هو على التحقيق الجواب على المسألة التي أثارتها النظرية التي تكلمنا عليها آنفًا.

ويظهر أن الأخلاط تتألف من أشياء كانت من قبل منفصلة ويمكن أن تكون أيضًا من جديد؛ وعلى ذلك الأشياء المختلطة لا تبقى بالفعل كما يمكث ويبقى الجسم والبياض الذي يشخصه، وليست هي كذلك تكون فاسدة، سيان أحد الاثنين على حياله والاثنان جميعًا معًا ما دامت قوتهما محفوظة دائمًا.٥
ولكن لندع هذا إلى ناحية ولننتقل إلى المسألة الآتية التي تنحصر في معرفة ما إذا كان الاختلاط هو شيئًا يمكن حواسنا أن تدركه، مثال ذلك حينما الأشياء المختلطة تكون مقسومة إلى أجزاء من الصغر بمكان، وتكون موضوعة على قرب بعضها عند بعض حتى لا يعود أحدها متميزًا من الآخر بوجه محسوس، فهل يوجد فيها حينئذ اختلاط أو لا يوجد؟ ولكن أليس ممكنًا أيضًا أن في الخلط الأشياء كيفما اتفقت تكون موضوعة أجزاء أجزاء بعضها بجانب الأخرى؟ لأن هذا يسمى أيضًا اختلاطًا، وعلى هذا النحو يقال إن التبن مختلط بالحب حينما يكون موضوعًا بجانب كل حبة تبنة.٦

إذا كان الجسم هو قابلًا للتجزئة، وإذا كان جسم متى كان مختلطًا بجسم آخر يجب أن يكون مجانسًا له، فقد يلزم أن كل جزء اتفق من الخليط ينضم إلى جزء آخر اتفق. ولكن بما أن الجسم لا يمكن ألبتة أن يكون مقسومًا إلى أجزائه الصغرى، وبما أن الانضمام ليس هو ألبتة الاختلاط، بل هو شيء آخر تمامًا، فبالبين لا يمكن أن يقال بعد إن الأشياء اختلطت متى حفظت ذواتها على ما كانت في جزيئات صغيرة. حينئذ يكون الضم، ولكن لا يكون لا خلط ولا مزج، وحد جزء من الخليط لا يمكن بعد أن يكون هو الحد الذي قد يعطى للخليط بتمامه.

أما نحن فنقول إنه لكي يوجد اختلاط حقيقي يلزم أن الشيء الخليط يكون مركبًا من أجزاء متجانسة، وكما أن جزءًا من الماء هو ماء كذلك أيضًا يجب أن يكون أي جزء اتفق من الخليط. ولكن إذا لم يكن الاختلاط إلا انضمام جزيئات إلى جزيئات فليس يوجد ولا واحد من الأحداث التي أتينا على تحليلها، وإنما يكون فقط في نظر الأعين أن الشيئين يظهر أنهما مختلطان. وكذلك الشيء عينه يظهر مخلوطًا للرائي فلان الذي ليس له نظر نفاذ، في حين أن «لينسيه» يجد أن ليس هناك اختلاط.٧

إن التجربة لا تفسر الاختلاط، كما لا يفسره اجتماع جزء اتفق بجزء آخر ما دامت التجزئة لا يُسْتَطَاع حصولها بهذه الطريقة.

وحينئذ إما ألا يكون اختلاط ممكنًا، وإما أنه يلزم اتخاذ نحو آخر من النظر لكي يبسط كيف يمكن أن تقع هذه الظاهرة. ولنذكر بديًا أن من بين الأشياء — كما قلنا — بعضها فاعلة والأخرى قابلة لفعل تلك، بعضها له تأثير مكافئ وهي تلك التي مادتها واحدة بما هي مستطيعة أن تفعل بعضها في الأخرى أو تنفعل بعضها بالأخرى على السواء، وأخرى تفعل مع بقائها غير قابلة للانفعال، وتلك هي التي مادتها ليست واحدة، وهذه ليس فيها اختلاط ممكن. من هذا يرى كيف أن الطب لا يختلط بالأجسام ليفعل الصحة ولماذا الصحة لا تختلط به أيضًا.٨
بل من بين الأشياء التي يمكنها أن تفعل وتنفعل على طريق التكافؤ كل تلك التي تكون سهلة التجزئة، حينما يختلط منها عدد عظيم بعد قليل من أشياء أخر وكمية عظيمة بكمية أقل عظمًا لا تنتج على التحقيق اختلاطًا بل نموًّا للعنصر الغالب، وحينئذ أحد الشيئين المختلطين يتغير في الذي هو غالب. على ذلك نقطة من النبيذ لا تمتزج بكمية من الماء تكون عشرة آلاف ضعف؛ لأنه في هذه الحالة النوع يتحلل ويتغير بتلاشيه في كتلة الماء كلها. ولكن متى كانت الكميتان متساويتين تقريبًا فحينئذ كل عنصر يفقد من طبعه ليأخذ من طبع العنصر الذي هو أغلب؛ فالمزيج لا يصير واحدًا منهما مطلقًا، بل يصير شيئًا وسطًا ومشتركًا.٩
فبيَّن إذن أنه لا يكون اختلاط إلا حينما تكون الأشياء التي تفعل لها مقابلة ما بينها؛ لأنها إذن يمكن أن تقبل تأثيرًا ما بعضها من بعض. ومن الأشياء الصغيرة ما يزيد اختلاطها بالأشياء الصغيرة باقترابها منها؛ لأنها حينئذ تتدخل بأسرع وبأسهل بعضها في بعض، ولكن كمية كبيرة تحت فعل كمية كبيرة أيضًا لا تنتج هذه النتيجة إلا مع الطولي.١٠
على ذلك بين الأشياء القابلة للتجزئة والمنفعلة، الأشياء التي تتحدد بسهولة يمكنها أن تختلط؛ لأن هذه الأشياء تنقسم بلا عناء إلى أجزاء صغيرة، وهذا إنما هو بالتحقيق ما يعني بقولنا تتحدد بسهولة. مثال ذلك السوائل من بين جميع الأجسام هي الأكثر قابلية للمزج؛ لأن السائل من بين الأشياء القابلة للتجزئة هو الذي يتعين ويتحدد بأسهل ما يكون بشرط ألا يكون دبقًا؛ فإن الأجسام الدبقة لا تزيد على أن تصير جملة الحجم أضخم وأعظم، ولكن حينما يكون أحد الشيئين المختلطين هو وحده المنفعل أو أنه يكونه كثيرًا، وأن الآخر يكونه قليلًا جدًّا، فالخليط الناتج من الاثنين إما ألا يكون أعظم ألبتة أو لا يكاد يكونه. وهذا هو ما يقع بالنسبة للقصدير مختلطًا بالنحاس؛ لأنه يوجد بعض أجسام حائرة بعضها بالنسبة للبعض الآخر وهي تكون من طبع مشكل. فيمكن أن يلاحظ أن تلك الأجسام لا تختلط إلا اختلاطًا ناقصًا وإلى حد معين؛ فقد يقال إن أحدهما هو مجرد مأوى في حين أن الآخر هو الصورة، وهذا على التحقيق هو ما يحصل بالنسبة لهذين الجسمين اللذين سُمِّيَا آنفًا؛ لأن القصدير الذي هو كمجرد تغيير للنحاس بدون مادة يكاد يتلاشى بالتمام وينعدم بالخليط الذي لا يعطيه إلا لونًا ما، وتحصل الظاهرة عينها أيضًا بالنسبة لأجسام أخرى.١١
فيرى إذن بحسب جميع التفاصيل المتقدمة أن الاختلاط ممكن، وأنه هو ما هو، ويرى كيف يكون وما هي الأشياء التي بينها يمكن أن يحصل، وهي تلك التي يمكنها أن تقبل فعلًا بعضها من قبل البعض الآخر، والتي هي قابلة للتحديد بسهولة وقابلة للتجزئة بسهولة. وإن الجواهر من هذا القبيل ليست تفسد ضرورة في الاختلاط، ولكنها لا تبقى فيه بعدُ مطلقًا بأعيانها، فإن اختلاطها ليس مجرد ضم، وأن الجسمين لا يكونان بعد مدركين بالحواس. ولكن يقال على شيء إنه مختلط متى كان وهو مستطيع أن يتحدد بسهولة يمكنه أن يفعل وينفعل معًا، وإنه يختلط بشيء له أيضًا هذه الخواص أعيانها؛ لأن الشيء المختلط لا يكونه ألبتة إلا بالإضافة إلى شيء يكون وإياه من المتفقة أسماؤها (هو مونيم). والحاصل أن الاختلاط هو اجتماع الأشياء المختلطة مع استحالة لها.١٢

هوامش

(١) (ب١٠ ف١) ثالث الموضوعات: أي مع الكون والفساد ومع الفعل والانفعال. في بداية هذه البحوث: فيما سبق ب١ ف١ لم يتكلم أرسطو إلا على الكون والنمو والاستحالة، وكان يظهر أن هذه الثلاثة الموضوعات التي عوَّل على الاشتغال بها. ولست أرى أنه قبة في أي موطن آخر على نظرية الاختلاط. ما هو الاختلاط: الأسئلة الموضوعة هنا على الاختلاط هي مماثلة للأسئلة التي وضعت فيما سبق على الكون ب١ وعلى الفعل ب٧. ومن هذه الجهة فإن المؤلف مُصِيب في قوله إنه يتبع النمط الذي اتبعه من قبل.
(٢) ومن جهة أخرى: من المذاهب ما ينكر أن اختلاط الأشياء ممكن ألبتة. وتلك المذاهب هي على ما يظهر تلك النظريات التي يلزم مناقشتها بادئ بدء؛ لأنها تذهب إلى حد هؤلاء الفلاسفة بالضبط. يقولون: أضفت هذه الكلمة التي تفهم من السياق ما دام إنكار المسألة والقضاء عليها. بعض الفلاسفة: لا شيء يعين في هذا الباب من هم. إن الذي سيعدد فيما يلي إنما هي الأدلة على نفي إمكان الاختلاط. يزيدون … على ذلك: أضفت هذه الكلمات للسبب المتقدم.
(٣) عن كونها وعن فسادها: ر. مما سبق ب١ وما يليه. ومتى وضحت هذه المسائل: تلك هي أدلة الفلاسفة الذين ينكرون الاختلاط. تنحل المسائل التي وضعناها لأنفسنا من قبل: في بداية هذا الباب عينه.
(٤) ذلك هو السبب: هذا فرق بين الاختلاط وبين الكون أو الفساد. المادة: حصلت كلمة النص بعينها، ولكن المادة هنا معناها الجسم القابل للاحتراق: الخشب أو أية مادة أخرى تغذي النار. إنها تختلط بنفسها: يعني أن الخشب يختلط بالخشب. في أجزاء، النار: أضفت الكلمة الأخيرة. كما لا تختلط بالنار نفسها: قد اتقيت بقدر ما استطعت التكرير الموجود في النص، واعتمدت في إيضاح هذه الفقرة كلها على تفسير فيلوبون. تكونت … فسدت: حصل فيه كون لأحدهما وفساد للآخر، ولكنه لم يحصل فيه اختلاط. كما أنه لا يمكن أيضًا أن يقال: هذا فرق بين الاختلاط وبين الزيادة. صورة الخاتم: أضفت الكلمة الأخيرة التي يدل عليها السياق فيما يلي. وربما كان اختيار المثلين غير حسن؛ لأن الغذاء يمكن أن يعتبر كأنه مختلط بالجسم الذي ينميه، ولكن بالبديهة طابع الخاتم لا يختلط به. لا الجسم ولا البياض: حفظت عبارة النص على إيجازها؛ فإن البياض والجسم الذي هو أبيض لا يختلطان، ولكن البياض هو في الجسم. كيفيات الأجسام وتغاييرها: التي هي في الأشياء، ولكن بدون أن تختلط بها. إن الاثنين يبقيان عبارة النص أكثر إبهامًا، ويجب أن يعنى بالاثنين الجسم والكيفيات التي تكيفه. البياض والعلم: يعني كيفين عوضًا عن جسم وكيف. الكيفيات أو الخواص: النص محدد ألبتة. التي ليست قابلة للانفصال: على تقدير «عن الموضوعات التي هي فيها»، وكل هذه الفقرة مغلقة جدًّا، بل وربما كانت دقيقة فيما يظهر.
(٥) وأيضًا يخدع نفسه: هذا نقد موجه إلى أنكساغوراس الذي كان يرى أن جميع الأشياء في الأصل كانت مختلطة في العماء قبل أن يأتي العقل ويرتب العالم، ر. الطبيعة ك١ ب٥ ف٤ حيث تنقض نظرية أنكساغوراس ص٤٥٥ من ترجمتنا. كيفيات الأشياء: ر. الفقرة السابقة. بالقوة المحضة … بالفعل المحض: أضفت الصفتين، شيئًا مخالفًا للشيئين اللذين يكونان الخليط. في الخليط: أضفت هاتين الكلمتين. الجواب على المسألة: ليس النص على هذا القدر من الضبط. التي تكلمنا عنها آنفًا: في أول هذا الباب. أيضًا من جديد: بعد أن حصل الخلط. الذي يشخصه: أضفت هاتين الكلمتين. قوتهما: يعني إمكان رجوعهما إلى ما كان علينا قبل الاختلاط.
(٦) المسألة الآتية: يعني التي ترتبط بالمسائل التي تقدمتها، والتي هي بقية لها يمكن حواسنا أن تدركه، ربما كانت المسألة على هذا الوجه غير موضوعة وضعًا حسنًا؛ فإن الاختلاط هو دائمًا قابل لأن تدركه حواسنا، ولكن حواسنا تارة تميز العناصر التي تركب منها الخليط وتارة لا تميزها. مثال ذلك: ليس النص واضحًا هكذا، بوجه محسوس أو «بحواسنا». هل يوجد فيها حينئذ اختلاط أو لا يوجد: هذا هو أول أنواع الاختلاط؛ فإن الحواس لا يمكنها بعد أن تميز العناصر التي ركبته. ولكن أليس ممكنًا أيضًا: أحببت أن أصوغ هذه الجملة في صيغة الاستفهام؛ حتى تكون مقابلة للجملة التي سبقتها. وهذا هو التعبير الثاني للاختلاط؛ فإن الشيئين يبقيان باعتبار أن أجزاءهما إنما اجتمعت بعضها إلى بعض. التبن مختلط بالحب: المثل في غاية الوضوح، وهذا المثل ليس ألبتة كمزج الماء والنبيذ؛ إذ إن فيه أحد السائلين لا يمكن مطلقًا تمييزه عن الآخر كما كان ذلك مفروضًا في الإيضاح الأول.
(٧) إذا كان جسم هو قابلًا للتجزئة: يظهر أن هذا هو رد من أرسطو على النظريتين السابقتين، وعلى هذا الوجه فَهِمَ فيلوبون وسان توماس هذه الفقرة. ولكن المعارضة ليست بينا في النص الذي بقي غامضًا على رغم جهدي في استجلائه، ولم أستطع أن أجعل الترجمة أجلى منه بكثير. إلى أجزائه الصغرى: يعني أن القسمة لا يمكن أن تصل إلى جواهر فردة، وأنها (أي القسمة) ممكنة دائمًا كما يقرره أرسطو بالأقل في الذهن إن لم تكنها في الخارج. الانضمام: يمكن ترجمتها أيضًا التأليف. في جزيئات صغيرة: كالحب والتبن اللذين من الكلمتين اللتين استعملتهما في الترجمة. اختلاط حقيقي: أضفت كلمة حقيقي زيادة في بيان الفكرة. الشيء الخليط: يعني الناتج المتحصل من الاختلاط. جزيئات إلى جزيئات: ليس النص على هذه الصراحة. ولا واحد من الأحداث التي أتينا على تحليلها: ليس النص على هذه الصراحة. في نظر الأعين: لا في الواقع.
(٨) إن التجزئة لا تفسر الاختلاط: النص غير محدد، وقد اخترت المعنى الذي عيبه فيلوبون. كما لا يفسره اجتماع: الشأن هنا كما في الملاحظة السابقة. ما دامت التجزئة لا يُسْتَطَاع حصولها: يعني أنها تقف عند حد الذرات أو الأجزاء التي لا تتجزَّأ، التي لم يقبلها أرسطو ألبتة. اتخاذ نحو آخر من النظر: ليس في النص إلا كلمة واحدة مبهمة، وقد ظننت أنه يجب عليَّ تحديد المعنى. ولنذكر بديًا: أضفت هذه الكلمات التي تدل القرينة على مفهومها. كما قلنا: ر. ما سبق في الباب السابع. الطب: يظهر لي أن في اختيار المثل شيئًا من الغرابة، وقد نبه فيلوبون مثل هذا التنبيه.
(٩) التي تكون سهلة التجزئة: كنقطة من الماء في كمية من النبيذ. نموًّا: مهما كان ضعيفًا مع ذلك بنسبة الأشياء المختلطة. للعنصر الغالب: في المزيج النهائي. فالمزيج لا يصير: ليس النص على هذا القدر من الضبط. مطلقًا: أضفت هذه الكلمة.
(١٠) مقابلة ما: عبارة النص هي «تضاد». يمكن أن تقبل تأثيرًا ما: في حين أنها تحدث فعلًا ما. يزيد: أعني بأكثر سهولة وبأسرع ما يكون كما يدل عليه الكلام الآتي. لا تنتج هذه النتيجة: أو «الاختلاط».
(١١) القابلة للتجزئة والمنفعلة: يعني التي يمكن بسهولة أن تنقسم وأن تقبل فعلًا ما بعضها من قبل البعض الآخر، وربما كان يلزم أن يقال «فاعلة» بدل «قابلة للقسمة»، ولكن ليس ولا نسخة واحدة تعطي هذا التصحيح. التي تتحدد بسهولة: مثل السائل الذي ضرب فيما يلي يوضح تمامًا ماذا يعني بهذا. يتعين ويتحدد: ليس في النص إلا كلمة واحدة. الأجسام الدبقة: عبارة النص غير محددة، ولكن المعنى الذي اتخذته هو الذي اتخذه فيلوبون، وبدل من الأجسام الدبقة قد يمكن أن يفهم أن المقصود هو السوائل على العموم التي بامتزاجها تصير الكمية الكلية أكثر عظمًا. ولكن حينما يكون أحد الشيئين المختلطين: ليس النص على هذا القدر من البيان. هو وحده المنفعل: على تقدير «في المزيج». ولكن العبارة غير جلية، ويجب أن يفهم أن أحد الجسمين الممزوجين يفعل بشدة في الآخر ويبتلعه بحيث يلاشيه. ألا يكون أعظم ألبتة: لأن أحدهما يتلاشى بالتمام بوجه التقريب في المزج. حائرة: النص هنا يتخذ عبارة مجازية محضة؛ فإنه يقول: «رتي»، ولم أجد ما يقابلها في لغتنا، وذلك مجاز جريء، ويظهر أن فيلوبون دهش له أيضًا. على أن المثل المضروب لذلك يفهم معنى هذه النقطة. إلا اختلاطًا ناقصًا: وحينئذ لا يكون هذا اختلاطًا حقيقيًّا ما دام أن أحد الجسمين يتلاشى بالكلية تقريبًا. هو الصورة: أو النوع. اللذين سميا: زدت هاتين الكلمتين لإتمام المعنى. كمجرد تغير … بدون مادة: يعني الصورة أو النوع التي تكيف الخليط من غير أن تغير مادته مطلقًا. وهذا يظهر أنه غاية في الدقة والخفاء. لونًا ما: الذي ليس هو لون القصدير والذي لا يحيل لون النحاس إلا بعض الشيء.
(١٢) فيرى إذن: محصل مضبوط لكل نظرية الاختلاط. أن الاختلاط ممكن: ر. ما سبق ف٢. هو ما هو بحسب النظريات الخصوصية لأرسطو، هذا هو موضوع كل هذا الباب. قابلة للتحديد بسهولة وقابلة للتجزئة بسهولة: كالسوائل. ليست تفسد ضرورة: لأنها تبقى فيه بالقوة. وأن الجسمين لا يكونان بعدُ مدركين بالحواس: ليس النص على هذا القدر من الضبط. ولكن المعنى الذي اتخذته ينتج مما قيل سابقًا في الفقرة السابعة؛ فإن التبن والحب ليسا مختلطين بالمعنى الخاص ولكنهما منضمان. يقال على شيء إنه مختلط: هاك التعريف الحقيقي للاختلاط على رأي أرسطو. يكون وإياه من المتفقة أسماؤها (سو موبيم)، وبعض ناشري الكتاب يقول «مجانسًا له» (هو مجين)، وهذه ربما كانت أحسن، ويظهر أن سان توماس اختارها. والحاصل: النص ليس على هذا القدر من الصراحة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤