الباب الثامن

كل العناصر المختلطة المنتشرة حول المكان المركزي هي مركبة من جميع العناصر البسيطة. وعلى هذا فإن فيها جميعها من الأرض؛ لأن كل واحد من هذه الأجسام هو الأحسن، وعلى الغالب، في المكان الخاص به. ويوجد أيضًا من الماء في كل المختلطة؛ لأنه يلزم أن تكون المركبة محددة، وأن الماء من بين الأجسام البسيطة هو الوحيد الذي يتحدد بسهولة. ومن جهة أخرى فإن الأرض لا يمكنها البقاء بدون الرطب الذي يمسكها مجتمعة، وإذا خلت تمامًا من الرطب سقطت ترابًا.١
تلك هي العلل في وجود الماء والأرض في جميع الأجسام المختلطة. ولكنه يوجد فيها أيضًا هواء ونار؛ لأن هذين العنصرين هما ضدان للأرض وللماء؛ فإن الأرض ضد للهواء، والماء ضد للنار بمقدار ما يكون جوهر ضدًّا لجوهر آخر.٢
على هذا حينئذ ما دامت أكوان الأشياء تأتي من الأضداد، فيلزم ضرورة أنه متى وجد طرفا الضدين في الأشياء فإن الآخر من الضدين يوجد فيها على السواء. وبالنتيجة في كل مركب تلغى جميع الأجسام البسيطة.٣
يظهر أن ظاهرة التغذية معتبرة في كل واحد من الموجودات تشهد بصحة هذه النظرية؛ فإن كل الموجودات تتغذى بعناصر مماثلة للعناصر التي تركبها، فكلها تتغذى من عدة عناصر، بل إن تلك التي يظهر عليها أنها تتغذى من عنصر وحيد كالنباتات التي تغتذي بالماء هي تغتذي في الواقع بعناصر عديدة على السواء؛ ذلك بأن الأرض هي دائمًا ممتزجة بالماء، فترى كيف أن الزراع في رَيِّهِم الزراعي لا يزيدون على أن يمزجوا الماء بالأرض.٤
ولكن من حيث إن التغذية تتعلق بالمادة، ومن حيث إن الموجود المغتذي على هذا النحو مع أنه مشمول ومظروف في المادة هو الصورة والنوع، فطبيعي أن يظن أنه من بين الأجسام البسيطة النار هي وحدها التي تتغذى، أما سائر الأخرى فهي لا تزيد على أن يكون بعضها بعضًا على طريق التكافؤ كما زعم القدماء؛ وذلك بأن النار وحدها هي على الأخص التي تمثل الصورة ما دام أنها دائمًا بطبعها الخاص متجهة نحو الحد. وكل شيء هو بالطبع مَسُوق نحو المكان الخاص به، ولكن صورة كل الأشياء ونوعها توجد دائمًا في الحدود التي تعينها.٥
فيرى إذن بما تقدم أن جميع الأجسام تتركب من جميع العناصر البسيطة.٦

هوامش

(١) (ب٨ ف١) حول المكان المركزي: يعني حول الأرض التي هي في نظريات أرسطو مركز العالم ونحوها تتجه الأجسام ذات الثقل. فإن فيها جميعها من الأرض: لأن كل الأجسام المختلطة التي تذكر هنا هي ذات ثقل. هو الأحسن وعلى الغالب: حفظت عبارة النص على ما هي عليه من عدم التعيين، ومعنى ذلك أن ذوات الثقل تتجه نحو الأرض وتقف بها في سقوطها. الخاص به: هذا يمكن أن يُعْنَى به «الأرض» أو أي واحد من الأجسام المختلطة. كان توماس وأهل جامعة كويمبرا يفهمون أن المقصود هو الأرض. وأما فيلوبون فإنه يفهم على الضد أن المقصود هو المختلطة التي يتَّحد مكانها الخاص بمكان الأرض التي هي المركز على السواء. محددة: أو «أن يكون لها شكل محدود تمامًا.» الرطب الذي يمسكها مجتمعة: وهذا إنما هو ما يسميه العلم الآن بقوة التماسك. سقطت ترابًا: زدت هذه الكلمة الأخيرة لتمام الفكرة.
(٢) الماء والأرض في جميع أجسام المختلطة: ليس النص على هذه الصراحة تمامًا. الأرض ضد للهواء: بوزنها وبكيفياتها الخاصة معًا. بمقدار ما يكون جوهر: ر. المقولات ب٥ ف١٨ ص٦٨ من ترجمتنا.
(٣) أكوان الأشياء تأتي من الأضداد: ر. ما سبق ك١ ب٣ وما يليه. طرفا الضدين أو بعبارة أظهر «الضدان المتطرفان يعني الأرض والماء.» الآخر من الضدين: الهواء بما أنه ضد الأرض والنار بما أنها ضد الماء. ومع ذلك فتلك فروض منطقية محضة. ولكن في الفقرة التالية سيستشهد أرسطو بما هو واقع. وبالنتيجة: لا يبين على النتيجة أنها مضبوطة إلى حد التحرج. جميع الأجسام البسيطة: يعني العناصر الأربعة: الأرض والماء والهواء والنار، مع أربعة الكيفيات البارد والرطب واليابس والحار.
(٤) ظاهرة التغذية: عبارة النص هي بالبساطة: «التغذية». تشهد بصحة هذه النظرية: النص أوجز من ذلك. تغتذي بعناصر مماثلة: القضية عامة ولكنها مع ذلك غير كاذبة. تغتذي … تغتذي: كل هذا التكرار هو في الأصل. في ريهم الزراعي: أضفت هذه الكلمة الأخيرة التي تدل عليها القرينة. أن يمزجوا الماء بالأرض: عبارة النص ليست على هذه الصراحة.
(٥) تتعلق بالمادة: حفظت نظم النص، ولكنه كان أوضح أن يقال إن التغذية هي مادة الموجود المغتذي. الموجود المغتذي … هو الصورة والنوع: أو بعبارة أخرى «الذات» في حين أن الغذاء الذي يقومه «ليس إلا المادة». مشمول ومظروف: ليس في النص إلا كلمة واحدة، فطبيعي أو «مطابق للعقل». من بين الأجسام البسيطة: يعني العناصر الأربعة. وحدها التي تغتذي: نبه فيلوبون على أن هذا على الأخص إنما هو تعبير شعري. لا تزيد على أن: النص ليس على هذا القدر من الصراحة. القدماء: وهذا هو أيضًا رأي أرسطو. التي تمثل الصورة: أو «التي تتعلق بالصورة». نحو الحد: يعني نحو طرف الجهة العليا. من حيث إن الحد يعين نوع الأشياء وصورتها، فعلى ذلك النار — فيما يظهر — تتعلق بالصورة أكثر. ومع ذلك يمكن أن يقال إن كل هذه النظريات على جانب عظيم من الدقة. التي تعينها: زدت هذه العبارة.
(٦) فيرى إذن: ملخص الباب. بما تقدم: زدت هذه العبارة. جميع الأجسام: على تقدير «المختلطة». من جميع العناصر البسيطة: يعني الأرض والماء والهواء والنار. ولا حاجة للإلحاح في بيان الفرق بين هذه النظريات وبين النظريات التي قَبِلَها العلم في الوقت الحاضر وأقرَّها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤