تمهيد

نادرًا ما يتاح للمرء فرصة الانضمام إلى مؤسسة — وهي لا تزال في مراحل تطورها الأولى — مقدَّر لها التربع على القمة، ثم الاضطلاع بدور محوري في مساعدتها على تحقيق ذلك المصير. أُتيحت لي تلك الفرصة عندما انضممت إلى شركة فيدكس عام ١٩٧٩. (كانت الشركة تدعى فيدرال إكسبريس وتشتهر باسم فيدكس منذ بدايتها عام ١٩٧٣ وحتى عام ١٩٩٤. في عام ١٩٩٤، أصبح فيدكس هو الاسم الرسمي، وعقب الاستحواذ على شركة كاليبر سيستمز عام ١٩٩٨، أُنشئت الشركة الأم تحت اسم إف دي إكس. وفي عام ٢٠٠٠، تغير اسم إف دي إكس إلى شركة فيدكس، وتحول اسم الشركة الأصلية التي تتولى عمليات الشحن السريع إلى فيدكس إكسبريس. تتركز خبرتي كلها — من عام ١٩٧٩ وصولًا إلى عام ٢٠٠١ — في الشركة الأصلية، والتي ما زالت إلى حدٍّ بعيد أكبر الشركات العاملة في عائلة فيدكس. جميع الأمثلة الوارد ذكرها في هذا الكتاب تعتمد على خبرتي في الشركة الأصلية. ولكي أتجنب الالتباس الناتج عن استخدام أسماء فيدرال إكسبريس، وفيدكس، وفيدكس إكسبريس، أستخدم ببساطة اسم «فيدكس».) وبعدما قضيت الجزء الأكبر من حياتي المهنية في مساعدة الشركة على التحول إلى واحدة من أنجح الشركات في العالم وأكثرها إثارة للإعجاب، تقاعدت منذ ثلاث سنوات وقررت أن أحكي بعضًا من الدروس التي تعلمتها. منذ ذلك الحين، تواصلت مع مجموعات شركات من شتى أنحاء البلاد، وعملت مستشارًا واستشاري أعمال. وقد تحدثت كثيرًا خلال هذه الفترة مع كبار المديرين في عشرات الشركات حول العوامل التي تدفع الشركات إلى النمو. في محادثاتي مع مديري الشركات الكبرى والصغرى، على حدٍّ سواء، كنت أطرح نفس السؤال:

«ما هو الإجراء التحسيني الذي يُمكِّنك من تحقيق العائد المطلوب وزيادة الربح؟»

فيما يلي بعض الإجابات التي تلقيتها:

«في حالتنا، كان علينا اللجوء إلى «الابتكار» لكي نحقق الأرقام المستهدفة من الدخل الصافي ومجمل الأرباح في الاقتصاد العالمي الحالي الشديد التنافسية؛ فليس في وسعنا الاستمرار في العمل على النحو الذي اعتدنا عليه.»

«كي نواصل النمو في ظل الاقتصاد الحالي الشديد التنافسية؛ علينا التفوق في التفكير والأداء على المنافسين. ولكي نتمتع بميزة تنافسية؛ علينا التمتع «بميزة إبداعية».»

«في اقتصاد اليوم، لا يوجد ما يدعى ميزة تنافسية مستدامة، ولا بد لنا من تحفيز الإمكانيات الإبداعية لدى جميع موظفينا واستغلالها من أجل خلق «ثقافة ترعى الابتكار».»

يتراوح عدد الموظفين في الشركات التي زُرتها بين بضع مئات وما يزيد على ٢٠٠ ألف موظف، وتتراوح أرباحها بين ٢٠ مليونًا و٢٠ مليار دولار سنويًّا. تقدم تلك الشركات منتجات وخدمات في مجالات الأغذية، والنقل، والتكنولوجيا الحيوية، والاستشارات المالية، والرعاية الصحية، وطعوم تقويم العظام، لكن بغض النظر عن حجم الشركة أو ما تنتجه، فإن كبار المديرين في تلك الشركات تجمعهم سمة واحدة مشتركة: جميعهم يدركون أنهم لكي يمتلكوا مشروعًا تجاريًّا مربحًا في القرن الحادي والعشرين؛ فإن شركاتهم لن تستطع الاعتماد على ما أجادت فعله في الماضي، أو حتى في الوقت الحالي. فلكي تستمر الشركات في النمو والازدهار لا بد أن تبتكر.

في عالم الأعمال اليوم، أصبح الابتكار مصطلحًا شائعًا غالبًا ما يسبب القلق والحيرة للموظفين، ويتركهم عاجزين عن الوفاء بتوقعات غير واضحة؛ لذا كتبتُ هذا الكتاب كي أعرض ممارسات القيادة وأنظمة الدعم التي ساعدت شركة فيدكس على أن تصبح واحدة من أنجح الشركات وأفضلها أداءً على الإطلاق.

لن يساعدك هذا الكتاب على فهم ضرورة الابتكار فحسب، بل سيوضح لك كذلك كيفية جعله جزءًا من ثقافة شركتك؛ إذ سيُمدُّك بالأدوات اللازمة لوضع ثقافة تتيح لجميع الموظفين المشاركة في مساعدة شركتك على زيادة ربحيتها وحصتها في السوق. سوف تتعلم كيف تطبق نموذج فيدكس على بيئة العمل في شركتك كي يظل الموظفون يتساءلون عما يستطيعون عمله في مسيرتهم المهنية اليومية حتى يقدموا خدمة أفضل لعملائهم؟

يطرح هذا الكتاب برنامج عمل تدريجيًّا لتأسيس ثقافة أداء وابتكار والحفاظ عليها. وفي وسع القادة والمؤسسات تعلم كيفية جعل التفكير الإبداعي جزءًا من تصميم شركتهم وبنيتها التحتية بدلًا من اكتشاف الأفكار مصادفةً.

وبالإضافة إلى المديرين الذين يستطيعون استخدام هذا الكتاب لإرساء ثقافة أداء وابتكار مستدامة، سيكتشف مدربو الشركات أن هذا الكتاب هو مصدر معلومات نموذجي لبرامج تطوير القيادة التي يضعونها. وفي وسع الأكاديميين استخدامه كذلك في محاضراتهم حول القيادة، والابتكار، والإدارة الهندسية، والتجارة الدولية، وتطوير المؤسسات.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤