ترجمة حضرة صاحب العزة توفيق بك خليل

كلمة للمؤرخ

للوالدين الأتقياء فضل عظيم في ملاحظة شؤون تربية أولادهم منذ الصغر، وتعهدهم بتثقيف عقولهم وتغذية مداركهم حتى إذا ما قطعوا هذه المرحلة الوعرة وشبوا عن الطوق، ودخلوا ميدان الحياة كانوا حقًّا من رجال الأمة العاملين على رفع لواء مجدها وسعادتها وتركوا الذكر الحسن، وهاكم هذا الشهم الفاضل الذي اقتبس من تقوى والده واستقامته وصلاحه، ما جعله من رجال الأمة العاملين الفالحين، وأصبح يشار إليه بالتجلة والاحترام، وإنا نفخر كما يفخر كل محب يريد السعادة والرفاهية لأبناء جلدته، كما نسطر ترجمته الشريفة بالإعجاب سائلين الحق أن يهدي شباب الكنانة إلى ما فيه إسعادها وخيرها.
figure
حضرة صاحب العزة توفيق بك خليل سكرتير «كنشلير» قنصلية مصر بمدينة جنيف بسويسرا.

مولده ونشأته

ولد صاحب الترجمة بالقاهرة سنة ١٨٨٠م وتغذى بلبان الفضل في بيئة صالحة تقية، وأدخله والده كلية الآباء اليسوعيين بالقاهرة، فشب على الكمال وكان مثال الجد والذكاء والنشاط، واستمر بها حتى أتم علومه وحاز أعلى شهاداتها والتحق بإحدى كليات فرنسا، واغترف الكثير من علومها حتى نال جزاء تعبه ومجهوده، وكان موضع إعجاب أساتذته الأجانب لما توسموا فيه من الذكاء الخارق، ومواصلة ليله بنهاره على تلقي العلوم كما اشتهر بين أقرانه الطلبة بالاستقامة، حتى حفظوا له مكانة خاصة تتناسب مع بعد نظره ومقداره إخلاصه الوطني، الذي كان موضع إعجاب كل عارفيه منذ نعومة أظفاره، ذلك الإخلاص الذي دفعه إلى خدمة بلاده بكل ما أوتي من قوة، إذ قد يختار كل مخلص الطريق الذي يسلكه لخدمة وطنه المحبوب بحسب ميوله الفطرية ومميزاته الخصوصية، فالتاجر يخدم أمته في دائرة أعماله وهي التجارة، التي يميل إليها بفطرته، والزارع مثلًا يجد باهتمامه بالشؤون الزراعية التي يميل إليها، كذلك العالم يخدمها باشتغاله بالعلم، وقد رأى صاحب الترجمة أن خير وسيلة يتمكن بها من أداء واجبه نحو بلاده، هو أن يكون أحد العوامل الحية في جسم الحكومة، فتقلب في جملة مناصب رئيسية بالسكة الحديد المصرية، فأظهر من الحكمة وسداد الرأي والمهارة ما جعل المناصب التي تقلدها تفاخر به، حتى إنه نقل إلى وزارة المواصلات فتضاعفت جهوده وخدماته لأمته؛ لأن الإنسان بطبيعته إذا رأى نجاحه فيما سعى إليه تضاعفت جهوده، وتلذذ بالمتاعب في سبيل المصلحة، فكان موضع محبة رؤسائه ومرؤسيه، وهو جدير بأن يملك قلوب عارفيه بما هو عليه من دماثة خلق وكرم طبع، ولما رغب أخيرًا في تعيينه سكرتيرًا خاصًّا لحضرة صاحب المعالي وزير المواصلات، طلبته وزارة الخارجية فعين سكرتيرًا «كنشلير» لقنصلية مصر بمدينة جنيف بسويسرا، فكان ولم يزل مثال الجد والاستقامة، ومما يذكر عنه أنه اكتسب الشيء الكثير من تجوله في أنحاء أوربا وبعض جهات الشرق، فعرف كثيرًا من مميزات الأمم.

صفاته

عالي النفس، كريم الأخلاق، ميال بطبيعته إلى الخير، كثير المحبة للفقراء والبؤساء، يحترم كل من يبدي له رأيًا صائبًا، وبالإجمال فهو على جانب عظيم من كمال الخلق.

أطال الله حياته وأكثر من أمثاله.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤