بشار بن برد ومحبوبته عبدة

بينما كان بشار بن برد في مجلسه ذات يوم وكان النساء يحضرنه إذ سمع كلام امرأة أشجاه نغمها وحسن ألفاظها، فدعا بغلامه فقال: إني قد علقت امرأة فإذا تكلمت فانظر مَن هي واعرفها، فإذا انقضى المجلس وانصرف أهله فاتبعها وأعلمها أني لها محب، وأنشدها هذه الأبيات وعرفها أني قلتها فيها:

قالوا بمن لا ترى تهذي فقلت لهم
الأذن كالعين توفي القلب ما كانا
ما كنت أول مشغوف بجارية
يلقى بلقيانها روحًا وريحانا
يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة
والأذن تعشق قبل العين أحيانا

فأبلغها الغلام الأبيات فهشت لها وكانت تزوره مع نسوة يصحبنها فيأكلن عنده ويشربن وينصرفن بعد أن يحدثها وينشدها ولا تطمعه في نفسها، فقال فيها:

قالت عقيل بن كعب إذ تعلقها
قلبي فأضحى به من حبها أثرُ
أنَّى ولم ترها تهذي فقلت لهم
إن الفؤاد يرى ما لم يرَ البصر
أصبحت كالحائم الحرّان مجتنبًا
لم يقض وِردًا ولا يُرجى له صدر

فصار بعض الأصدقاء يلومونه في حبها، فأنشد يقول:

يزهدني في حب عبدة معشر
قلوبهم فيها مخالفة قلبي
فقلت دعوا قلبي وما اختار وارتضى
فبالقلب لا بالعين يبصر ذو الحب
فما تبصر العينان في موضع الهوى
ولا تسمع الأذنان إلا من القلب
وما الحسن إلا كل حسن دعا الصبا
وألّف بين العشق والعاشق الصب

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤