عمرو بن كعب وعقيلة ابنة أبي النجاد

كان عمرو بن كعب يهوى ابنة عم له تُدعى عقيلة، وكانت من أجمل نساء العرب وأوسعهن علمًا وأدبًا، فشغف بها وزاد غرامًا والتياعًا فخطبها إلى عمه، فطلب منه مهرًا يعجز عنه، فأشار عليه بعض أصحابه بالخروج إلى أبرويز بن كسرى لما كان بين جدودهما من الوصلة، فلما ذهب في الطريق مرَّ بعراف فاستعلم منه الأمر، فأخبره أنه ساعٍ فيما لا يُدرك، فعاد فوجد عمه قد زوج العقيلة لرجل من فزارة، فهام على وجهه إلى اليمامة. أما عقيلة فإنها بعد عقد الزواج أخذت تُبدي لزوجها صدًّا وحقدًا فخرج سائرًا إلى حيث لا يدري، وأقامت العقيلة ببيت أبيها لا تتناول إلا الأقل من الطعام بقدر ما يمسك الرمق ودأبها البكاء على عمرو. أما عمرو فإنه ما زال هائمًا تائهًا من وجده شاخصًا طرفه إلى السماء أيامًا، فوقف ذات يوم وقد أظلم الدجى وخلا المكان من الرقيب فتذكر عقيلة وما جرى، فأنشد:

إذا جن ليلي فاضت العين أدمعا
على الخد كالغدران أو كالسحائب
أود طلوع الفجر والليل قائلٌ
لقد شدت الأفلاك بعد الكواكب
فما أسفي إلا على ذوب مهجتي
ولم أدرِ يومًا كيف حال الحبائبِ

فدخل عليه يومًا صديق له فوجده غاصًّا بالضحك مستبشرًا، فسأله، فقال:

لقد حدثتني النفس أن سوف نلتقي
ويبدلُ بعدٌ بيننا بتدانِ
فقد آن للدهر الخؤون بأنه
لتأليف ما قد كان يلتمسانِ

ثم شهق شهقة فاضت نفسه. فبلغ حبيبته ذلك فحزنت عليه غاية الحزن وسئمت العيش بعده، فبينما كان الفرزدق خارجًا ذات يوم في طلب غلام له إذ مرَّ بقرب ماء لبنى، فأمطرت السماء فلجأ إلى بيت هناك، فلاحت له جارية كأنها القمر، فحيَّت ثم قالت: ممن الرجل؟ قال: تميمي. قالت: من أيها قبيلة؟ فقال: من نهشل بن غالب. قالت: أين تَؤُمُّ؟ قال: اليمامة. فتنفست الصعداء ثم قالت:

تذكرت اليمامة إن ذكري
بها أهل المروءة والكرامة

فآنس بها بهاءً ولطفًا فقال: أذات خدرٍ أم بعل؟ فقالت:

إذا رقد النيام فإن عمرًا
تؤرقه الهموم إلى الصباح
فتقطع قلبه الذكرى وقلبي
فلا هو بالخلي ولا بصاح
سقى الله اليمامة دار قومٍ
بها عمرو يحن إلى الرواحِ

فقال لها: من هو؟ فأنشدت تقول:

إذا رقد النيام فإن عمرًا
هو القمر المنير المستنيرُ
وما لي في التبعل من براحٍ
وإن رد التبعل لي أسيرُ

ثم شهقت شهقة فماتت، فسأل عنها فإذا هي العقيلة حبيبة عمرو بن كعب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤