عامر بن غالب وجميلة بنت إميل

قال الأصمعي: رأيت بالبادية رجلًا قد دق عظمه، وضؤل جسمه، ورق جلده، فتعجبت فدنوت منه أسأله عن حاله، فلم يرد جوابًا، فسألت جماعة حوله عن حاله فقالوا: اذكر له شيئًا من الشعر يُكلِّمك. فقلت:

سبق القضاء بأنني لك عاشق
حتى الممات فأين منك مذاهبي

فشهق شهقة ظننت أن روحه قد فارقته، ثم أنشأ يقول:

أخلو بذكرك لا أريد محدثًا
وكفى بذلك نعمة وسرورا
أبكي فيطربني البكاء وتارة
يأبى فيأتي من أحب أسيرا
فإذا أنا سمحٌ بفرقة بيننا
أعقبت منه حسرة وزفيرا

قلت: أخبرني عن حالك. قال: إن كنت تريد علم ذلك فاحملني وألقني على باب تلك الخيمة. ففعلت، فأنشأ يقول بصوت ضعيف يرفعه جهده:

ألا ما للمليحة لا تجود
أبخل ذاك منها أم صدودُ
فلو كنت المريضة جئت اسعى
إليك ولا ينهنهني الوعيد

فإذا جارية مثل القمر خرجت فألقت نفسها عليه فاعتنقا مدة طويلة، فجئت أفرق بينهما خشية أن يراهما الناس، فإذا هما ميتان، فما برحت حتى صليت عليهما ودفنا، فسألت عنهما فقيل لي: هما عامر بن غالب وجميلة بنت إميل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤