ذرعة بن خالد العذري

كان ذرعة بن خالد العذري غلامًا حسن الوجه، عذب المنطق، سخي الكف، حسن الشمائل، فخرج يومًا للصيد، فلما ورد المشرعة وجد النساء يغترفن الماء ودونهن جارية قد انفردت تمشط شعرها على جانب الغدير وقد أسبلته على وجهها المنير من خلاله كما ينير البدر في غاسق الدجى، فلما أبصرها سقط مغشيًّا عليه، فقامت فرشت عليه الماء، فلما أفاق وأبصرها قال: وهل مقتول يداويه قاتله، قالت: كفيت ما تشكو، وحادثته فثابت نفسه إليه وقد داخلها ما داخله من الحب ثم عاد وهو يقول: خرجنا لنصيد فاصطدنا، ثم أنشد:

خرجت أصيد الوحش صادفت قانصًا
من الريم صادتني سريعًا حبائله
فلما رماني بالنبال مسارعًا
رقاني وهل ميتٌ يداويه قاتله
ألا في سبيل الحب صب قد انقضى
سريعًا ولم يبلغ مرادًا يحاوله

ثم إنه لزم الوساد أيامًا فسألت أمه عن ذلك فأطلعها الخبر فإذا هي ظريفة بنت صفوان بن وائلة فمضت إليها وأعلمتها القصة وتضرعت إليها أن تزور بيتهم علها تشفي ما بابنها، فقالت: إن الوشاة كثيرون، ولكن خذي الشعر إليه فإن أمسكه فإنه يُشفى، فلما ذهبت إليه جعل يتنشفه فعادت إليه نفسه شيئًا فشيئًا فصار يأتي قريبًا من بيتها فيتسارقا النظر إلى أن فطن أهلها فآلوا على قتله فسار إلى اليمن، وكان كلما اشتد شوقه قبَّل الشعر وجعلهُ على وجهه فيستريح لذلك، ففي ذات يوم بعث ولدًا نحو بيتها فسمعها تنشد وتقول:

رعى الله من هام الفؤاد بحبه
ومن كدت من شوقي إليه أطيرُ
لئن كثرت بالقلب أتراح لوعة
فإن الوشاة الحاضرين كثيرُ
فإن لم أزر بالجسم رهبة عاذل
فللقلبُ آتٍ نحوكم فيزورُ

فعاد الصبي وأنشد له الأبيات فأُغمي عليه ساعة ثم أفاق وأنشد:

أظن هوى الخود العزيزة قاتلي
فيا ليت شعري ما بنو العم صُنَّعُ
أراهم وللرحمن در صنيعهم
تراكي دمي هدرًا وخاب المضيعُ

ثم أتاه الخبر بزفاف ظريفة إلى رجل يُقال له: ثعلب، فلما بلغه ذلك اضطرب ساعة ثم أُغمي عليه فحرَّكوه فإذا به ميت.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤