ابن رشد بين الأشعرية والظاهرية١

(١) ابن رشد بين الغرب والشرق

تروج بعض القطاعات الفكرية في مصر والوطن العربي وفي الغرب أن ابن رشد مثل العقلانية الأوحد الذي قارب المادية. فشعارا ابن رشد: العقل والمادة. وهما دعامة الحضارة الغربية الحديثة. وقد سار في نفس الاتجاه ابن خلدون، ومِن ثَم كان يمكن للعالم الإسلامي أن ينهض بهاتين الدعامتين ابن رشد وابن خلدون كما تقدم الغرب، وأن يعيد اختياره من الغزالي إلى ابن رشد، ومن قصص الأنبياء إلى التحليل التاريخي وعلم العمران.

وهي صورة مبسطة، فمسار التاريخ أكثر تعقيدًا من التخطيط له بعامل واحد. كما أن القراءة الأحادية للفكر نوع من القطعية المضادة. فلا توجد قراءة واحدة لابن رشد ولا لابن خلدون. قد يكون ابن رشد ظاهريًّا وليس من أنصار التأويل أسوةً بالتيار السائد في الأندلس الذي أسسه داود الظاهري وتلميذه ابن حزم. وقد يكون أشعريًّا وليس عقلانيًّا اعتزاليًّا، يريد صياغة أشعرية أكثر دقة وإحكامًا في استعمال العقل، وأكثر ذكاءً في نصرة الحكام.

وقد جاء هذا التصور الشائع لابن رشد العقلاني المادي المناهض للدين والداعي للعلم والمدنية من دراسة رينان الشهيرة «ابن رشد والرشدية» التي درس فيها الرشدية اللاتينية، وترويج فرح أنطون لها في «ابن رشد وفلسفته»، وهي قراءة غربية لابن رشد في نهاية العصر الوسيط وبداية العصور الحديثة ضد سلطة رجال الدين ورجال السياسة ومن أجل اكتشاف الطبيعة وتأسيس العلم واكتشاف المجتمع تأسيسًا للعقد الاجتماعي ووضع نهاية لأرسطو والكنيسة كمصدرين للعلم والسلطة.

وروَّج لهذا التصور قطاعات في الوطن العربي. الأول القطاع الاستشراقي الذي يستمد علمه من دراسات المستشرقين. وتلك صورته في الاستشراق الغربي الذي امتد إلى تاريخ الفلسفة الغربية والفلاسفة الغربيين المحدثين منذ كانط في «نقد العقل الخالص» حتى بلوخ في «اليسار الأرسطي». وهي الصورة العامة للفكر الإسلامي الذي انتشر في الغرب بعد عصر الترجمة من العربية إلى اللاتينية مباشرة أو عبر العبرية في أوائل العصر الوسيط المتقدم وظهور «المفكرين الأحرار» أو اللاهوتيين الجدليين في القرن الحادي عشر الذين يُعملون العقل في الدين، ويجعلون العقل أساس النقل مما دفع أبيلار لبيان أوجه التناقض في قرارات المجامع الكنسية وهجوم توما الإكويني على ابن رشد واتهامه بالقول بقدم العالم وبوحدة العقل الكلي وإقامة مجمع مسكوني لتكفير ابن رشد في القرن الثالث عشر. والثاني المثقفون العلمانيون دعاة «التنوير» الحكومي الذي يوظف ابن رشد ويستغل هذه الصورة الأولى ضد خصوم النظم السياسية أي الجماعات الإسلامية واتهامها بالظلامية والتخلف. وهم أنصار الثقافة الغربية الوافدة ودعامة نظم القهر الموروثة.

والطريق لا هذا ولا ذاك. لا الاستشراق الغربي ولا التنوير الحكومي بل إعادة بناء ابن رشد من الداخل، ورفع الحصار عنه من الدوائر المحافظة، ونزع سلاحه من أيدي النظم السياسية ضد خصومها السياسيين، وإعادة عرض إشكال ابن رشد، وسر الصمت عنه بعد وفاته، وعدم الإحالة إليه أو تدوينه في القرون المتأخرة. هل كان ابن رشد يحتوي على أسباب نهايته في داخل موقفه الفكري أسوة بكل تيار أو مذهب فكري، المعتزلة قديمًا وابن رشد حديثًا؟ وما هي أهم هذه الأسباب التي جعلت ابن رشد مجرد انتفاضة فكرية وقتية في عصرها دون أن تولد تيارًا تاريخيًّا كان قادرًا على تحرير الفكر الإسلامي من ازدواجية الأشعرية والتصوف كما أسسها الغزالي، أيديولوجية القوة للسلطان وأيديولوجية الطاعة للناس؟

(٢) هل كان ابن رشد ظاهريًّا؟

من الشائع أن ابن رشد من أنصار التأويل، يؤوِّل آيتين شهيرتين لتأييد احتمال قدم العالم دفاعًا عن الفلاسفة ضد الغزالي مثل وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ أي إن الماء أقدم من العرش، وثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ أي إن السماء قديمة على شكل دخان قبل الخلق. ويقبل تأويل الفلاسفة لآيات المعاد لإثبات المعاد الروحاني وعدم الوقوع في التجسيم المادي والتشبيه الحسي. صحيح أنه يؤوِّل النظر في القرآن على أنه الحكمة، ثم الحكم بأن النظر واجب بالشرع. وصحيح أنه يقبل تأويل ظاهر الشرع إذا ما تعارض مع البرهان. فالبرهان يقين، وظاهر الشرع ظن. وصحيح أنه أقرب إلى المعتزلة منه إلى الأشاعرة ولكن في «هذا الصقع البعيد»، لم تصل الأندلس كتبهم. وأغلب الظن أنهم من جنس تأويلات الأشاعرة الفاسدة.

وصحيح أيضًا أنه يبين التأويلات الفاسدة للأشاعرة وسوء فهمهم للآيات، وتجاوزهم حدود اللغة العربية وتوفيقها مع عقائدهم المزيفة مثل إبطال السببية، وخلق الأفعال، ووقوعهم في التشبيه، ودفاعهم عن السلطان. فهم ليسوا متكلمين يجعلون النقل أساس العقل، ولا فلاسفة يجعلون العقل أساس النقل. وقفوا بين الاثنين فلم يحسنوا فهم النقل، وأساءوا استخدام العقل. لقد أثار المتكلمون هذه الشُّبه كلها لتصريحهم بما لم يصرح به الشرع أو يأذن به. فلا هم اتبعوا ظواهر الشرع فنجوا باتباع الظاهر، ولا هم لحقوا بمرتبة اليقين فأصبحوا من العلماء، ولا كانوا من المؤمنين المصدقين.٢

والحقيقة أن ابن رشد ظاهري الاتجاه. يلجأ إلى ظاهر النص كمعيار لصدق المعنى. ويقيس تأويلات المتكلمين، أشاعرة ومعتزلة، على ظاهر النص، بالرغم من نقده للحشوية واعتبارها من الفرق الضالة لأنها تنكر التأويل فتقع في التجسيم.

في «مناهج الأدلة» يرفض ابن رشد تأويلات الأشاعرة للإرادة، حادثة أم قديمة في أفعال الله لأنها أمور لم يأتِ بها ظاهر الشرع، ولا هي أمور شرعية، يقينية حث عليها الشرع في الكتاب العزيز. كما أن صفات الله السبع عند الأشاعرة العلم والقدرة والحياة والسمع والبصر والكلام والإرادة مستمدة من الكتاب العزيز وليست من إعمال العقل، توقيفية وليست استنباطية. والتنزيه من الكتاب وآياته وليس من مقتضيات العقل أو حتى من ضرورات الإيمان. ونفي صفات المخلوق عن الخالق تصريح من الشرع أكثر منه وجوبًا من العقل.

وتقتضي ظواهر الشرع إثبات الرؤية والجهة بشرط التفرقة بين الجهة والمكان. إثبات الجهة إذن واجب بالشرع والعقل. إن لم يصرح الشرع بنفي الجسم نظرًا لقياس الغائب على الشاهد عند الجمهور. سكت الشرع عن صفات الجسمية لا نفيًّا ولا إثباتًا بالرغم من تصريحه باليد والعين والوجه مما دفع بعض الحنابلة إلى القول بأن الله جسم. والواجب فيها لا نفي ولا إثبات مثل النزول من والصعود إلى السماء. لا تؤوَّل الآيات إلا على ظاهر الشرع وهو تناقض. فالتأويل لا يكون إلا للخروج على ظاهر الشرع، حمل اللفظ من المعنى الحقيقي إلى المعنى المجازي لدلالة أو قرينة، خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الخلف. التأويل طبقًا لظاهر الشرع، وظاهر الشرع لا يجوز تأويله. وهو دور منطقي جديد، جعل الشرط مشروطًا والمشروط شرطًا.

التأويل انحراف عن ظاهر النص. وتاريخ التأويل هو تاريخ هذا الانحراف من النواة الأولى نحو التشعب والتشتت والتضارب، من اليقين إلى الظن، ومن الوحدة إلى التفرق. وأول من سار في وادي التأويل الخوارج برفعهم شعار «لا حكم إلا الله»، ثم المعتزلة بنفيهم الصفات، ثم الأشعرية بنفيهم السببية وخلق الأفعال وصياغتهم عقائد السلطان، والصوفية بإغراقهم في الخيال. ثم جاء أبو حامد فطم الوادي على القرى، ذلك بأنه صرح بالحكمة كلها إلى الجمهور. التأويل إذن انحراف تاريخي عن السنة، وترك الفرقة الناجية إلى الفرق الضالة، وخروج على القاعدة. التأويل بدعة وليس سنة. ابتدعها المتكلمون الأشعرية والباطنية والمعتزلة باستثناء الحشوية. وكلها طرق لم يدعُ إليها الشرع، ولا كلف بها الناس، ولا جعلها مناطًا للثواب.

لا فرق هنا فيما يبدو بين ابن رشد من ناحية وداود الظاهري وابن حزم من ناحية أخرى. الثلاثة من أهل الظاهر في الأندلس، تقية من سطوة الفقهاء أو استنادًا إلى سلطة الشرع. وهو مصدر السلطة عند الموحدين.

وإن كانت الرشدية اللاتينية في الغرب قد أخذت جانب التأويل عند ابن رشد ضد ظاهر الشرع المسيحي الذي يقوم على التجسيم والتشبيه بل على التأليه والتجسد دفاعًا عن العقل والتنزيه فإن الحركة السلفية في التراث الإسلامي بعد ابن رشد في القرون المتأخرة أخذت بالظاهرية مما صب في ابن تميمة وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب ورشيد رضا والاتجاه السلفي المعاصر، عودة إلى أحمد بن حنبل. شعارها «العودة إلى الأصول» إلى الكتاب والسنة ضد تأويلات المتكلمين، والعودة إلى أرسطو ضد تأويلات الشرَّاح، يونان ومسلمين. الأصل حقيقة والفرع ظن، والقدماء أفضل من المحدثين، والأولون لهم السبق على الآخرين، والسلف خير من الخلف الذين أضاعوا الصلوات واتبعوا الشهوات، وخير القرون قرن الرسول، والخلافة أربعون سنة تتحول بعدها إلى ملك عضوض. وهو بعينه موقف الأصولية الإسلامية المعاصرة.

صحيح أنه أضاف في آخر «مناهج الأدلة» قانون التأويل، ولكن المدقق في جوهره يرى أن قصده هو استبعاد التأويل. فشرط التأويل هو عدم الإخلال باللسان العربي من ناحية وظاهر الشرع من ناحية أخرى، خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الخلف. فالتأويل هو إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقية إلى الدلالة المجازية دون أن يخل ذلك باللسان العربي أي إنه مشروط باللغة. وشرطه الاتفاق مع ظاهر الشرع، وضرورة تأويل ظاهر الشرع إذا ما خالف البرهان وهو دور منطقي، توقف النتيجة على المقدمة وتوقف المقدمة على النتيجة، اعتبار العلة والمعلول على التبادل في حلقة دائرية وليس على التواصل في خط طولي.٣
والحقيقة أن المحلل لقانون التأويل يجعل ابن رشد ظاهري الاتجاه أكثر منه مؤوِّلًا، فالمعاني الموجودة تنقسم قسمين:
  • (١)

    المعنى المصرح به في الشرع في ظاهر النص وهو لا تأويل فيه، وتأويله خطأ. فالظاهر لا تأويل له. وهو ما سمَّاه الأصوليون في مباحث الألفاظ «الظاهر». في مقابل «المؤوَّل». ومثل هذا المعنى الموضوعي الخارجي الشيئي في النص وهو ولا وجود له إلا عند الظاهرية. فالتأويل قراءة ذاتية تكشف أن موضوعية النص ليست داخله بل داخل النفس البشرية وفي الواقع الاجتماعي، وهذه خطوة إلى الخلف.

  • (٢)
    المعنى المصرح به في الشرع غير موجود في ظاهر النص نفسه بل في بدله على جهة التمثيل وهو المجاز الذي يحتمل التأويل. وهو ما سماه الأصوليون أيضًا «المجاز» في مقابل الحقيقة، وهذه خطوة إلى الأمام مقيدة بالخطوة الأولى إلى الخلف. وهذا بدوره ينقسم إلى أربعة أصناف:
    • (أ)

      ما لا يعلم الممثول إلا بمقاييس بعيدة مركبة تحتاج إلى زمن طويل وصناعة دقيقة، ولا تستطيعها إلا الفِطر الفائقة. فشتان بين المثل والممثول. ومع ذلك كلاهما بعيد عن الأفهام وتأويله خاص للراسخين في العلم وحدهم مع أنه لا يعلم تأويله إلا الله. فمن جديد، خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الخلف.

    • (ب)

      ما يكون فيه المثل والممثول قريبًا للأفهام وهو المصرح به في التأويل. وهو في الحقيقة الظاهر الذي لا تمايز فيه بين مثل وممثول. وإن بدا التمايز بينهما يصرح بالمثل إلا من الشرع فهو الحارس للتأويل، خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الخلف.

    • (جـ)

      ما يكون فيه المثال بعيدًا والممثول قريبًا. والغاية منه تحريك النفوس وبعثها على التفكير مثل حديث «الحجر الأسود عين الله في الأرض». ويجوز تأويله. ولا يجوز كما فعل الغزالي والمتكلمون، خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الخلف. كما أنه حالة افتراضية صرفة. فإذا كان الممثول قريبًا فلِم ضرب المثل له بمثال بعيد وهو تصعيب على الأفهام لأن الغاية من المثال تقريب الممثول البعيد وليس إبعاد الممثول القريب.

    • (د)

      ما يكون فيه المثال قريبًا والممثول بعيدًا مثل تأويل الصوفية. والأحفظ للشرع عدم تأويله وإلَّا تولدت اعتقادات غريبة بعيدة عن ظاهر الشريعة ينكرها الجمهور.

ضمن خمسة أصناف، واحد فقط هو الأول لا يجوز تأويله، وثلاثة يجوز ولا يجوز، وهي إلى عدم الجواز أقرب، خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الخلف، وهي الثالث والرابع والخامس. وواحد فقط يجوز تأويله من الراسخين في العلم، ولا يعلم تأويله إلا الله، أيضًا خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الخلف. ومِن ثَم يكون ابن رشد طبقًا لقانون التأويل أقرب إلى أهل الظاهر منه إلى أهل التأويل.

ولا يعلم التأويل إلا الله. والوقف في الآية الشهيرة بعد «إلا الله» وقبل «والراسخون في العلم» الذين يؤمنون به لأنه من عند الله. خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الخلف مع أن العلماء ورثة الأنبياء. وما قيمة تأويل لا يعلمه إلا الله دون الراسخين في العلم؟

وإن جاز التأويل وصح فإنه من فعل الخاصة وحدهم، خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الخلف. يجوز للخاصة التأويل دون العامة. وما الفائدة من تأويل لا يعلمه إلا القلة دون أن تستفيد به الكثرة؟

وإن قام به الخاصة فلا يجوز التصريح به إلى الجمهور. للجمهور «إلجام العوام عن علم الكلام في العقائد» و«المضنون به على غير أهله» في التصوف. لا ينبغي تأويلها حتى لا يكذب الله ورسوله. ومِن ثَم يحاصر الجمهور بين المطرقة والسندان. ويعرف الخاصة الحقيقة وتكتمها عن الجمهور وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ و«الساكت عن الحق شيطان أخرس». وكما يعلم الله التأويل دون الخاصة، يعلم الخاصة التأويل دون العامة. فالله والخاصة في جانب المعرفة والعامة في جانب الجهل. ثم يدعي فقهاء السلطان أنهم يعرفون القصد الإلهي فيتسلطون على رقاب العامة.

التأويل كالدواء في غير محله، يضر أكثر مما ينفع. فهو خروج على ظاهر الشرع وتصريح بما لم يصرح به الشرع. وتتراكم التأويلات تأويلًا فوق تأويل وتتضارب فيما بينها تأويلاته التي يعبر عن صراع القوى السياسية التي تفرز كل منها تأويلها الخاص سعيًا وراء السلطة وإزاحة للخصوم السياسيين بالتشكك في تأويلاتها، إثباتًا لتأويل أهل السنة والجماعة، أهل السلف، أهل الحديث ضد تأويل الشيعة والخوارج والمعتزلة. وهي القوى السياسية المناوئة في الداخل والخارج، السرية والعلنية، المسلحة والسلمية لقوى السلطان وحزب الفرقة الناجية.

وقد ظهر نفس الاتجاه الظاهري عند ابن رشد فقيهًا وليس فقط عند ابن رشد متكلمًا أو شارحًا لأرسطو. فصورة القياس في «بداية المجتهد ونهاية المقتصد» أقرب إلى صورته عند أهل الظاهر، مجرد آلة لغوية بلاغية، تلحق المسكوت عنه بالمنطوق به. هو قياس خاص يراد به الخاص عكس الخاص الذي يراد به العام، قياس المناطقة. وهو معنًى ضيق للقياس، أقرب إلى رفض الظاهرية منه إلى قبول الحنفية والشافعية لأنه لا يقوم على التعليل، تعدية الحكم من الأصل إلى الفرع لتشابه بينهما في العلة، وهو التعريف العام للقياس. والتعليل أحد أسباب الخلاف بين أهل الظاهر. وسائر المذاهب الفقهية.٤ فقد أدى التعليل إلى اعتبار كل مجتهد مصيب، وترك السائل على التخيير، وهو ما يعارض ابن رشد وأهل الظاهر وهو ما يناقض روح الرشدية المعروفة من التاريخ، إعمال العقل والنظر. ومع ذلك يبحث ابن رشد عن التعليل الذي وراء اختلاف مذاهب الفقهاء.
ولا يكون مجافيًا للصواب إن قيل إن ابن رشد حنبلي الاتجاه بمعنى أنه من أهل الظاهر. فكتابه العمدة «بداية المجتهد» نموذج للفقه التقليدي القديم لدرجة الشك في صحة نسبته له لأنه خالٍ من «الرشدية». هو أقرب إلى «النبذ» في أصول الفقه الظاهري.٥ إذا ما تعارضت الأدلة فليست المصلحة أساس الترجيح بل الأدلة النصية ذاتها عن طريق النسخ، أن يكون أحدها ناسخًا والآخر منسوخًا أو عن طريق العموم والخصوص، أن يكون أحدها عامًّا والآخر خاصًّا كما هو الحالي في مبحث الألفاظ التقليدي في علم الأصول. ولا يأتي التخيير طبقًا للمصلحة العامة إلا بعد النسخ والتخصيص. فإن استحال الجمع بين الدليلين على وجه من الوجوه يعاد إلى البراءة الأصلية والفطرة من أجل بناء الحكم على الطبيعة البشرية ومجرى العادات كما هو الحال في أصول الفقه الظاهري. ويظل الغالب هو حل التعارض عن طريق منطق اللغة ومباحث الألفاظ: الحقيقة والمجاز، والظاهر والمؤوَّل، والمحكم والمتشابه، والمجمل والمبين، والمطلق والمقيد، والمستثنى والمستثنى منه. كما يرجع الاختلاف بين المذاهب إلى اللغة أي إلى ظاهر النص خاصةً اشتراك الاسم. ومن أصناف الألفاظ الأربعة تستنبط الأحكام وهي: العموم يراد به الخصوص، والخصوص يراد به العموم. وتتحدد أنواع الأحكام بصيغ الكلام، خبر أم استخبار، أمر أو نهي، تساؤل أو تمني أو تعجب. ولا تفهم الألفاظ إلا بالعودة إلى كلام العرب وعادات لسانهم.٦
كما يلخص ابن رشد «المستصفى» للغزالي في أصول الفقه في «الضروري في أصول الفقه» رادًّا الأركان الأربعة: المستثمِر، والمستثمَر، والثمرة، وطرق الاستثمار، إلى طرق الاستثمار وحدها أي إلى مباحث الألفاظ أي إلى لغة النص.٧

ابن رشد نصي الاتجاه. يكثر من الأدلة النقلية خاصة في «فصل المقال» و«مناهج الأدلة». إذا ما تعارض النص مع التجربة فالأولية للنص «صدق الله وكذب بطن أخيك». إعمال العقل واجب بالنص. والقياس العقلي هو القياس. الشرعي، والفكر الفلسفي هو الفكر الشرعي. وكما يعتمد القياس المنطقي على مقدمة كبرى يعتمد القياس الشرعي على نص. والعلة منصوص عليها وليست مستنبطة، والحكم منصوص عليه وليس مستقرى. القياس هو الفقهي. بل إن الحشوية التي تنكر القياس محجوجة بالنصوص. والأدلة العقلية منصوص عليها. والدليلان الجديدان على وجود الله، العناية والاختراع، دليلان نصيان. ودليل الوحدانية أيضًا مستمد من الكتاب العزيز.

ويرجع خطأ شرح أرسطو، يونان أولًا ومسلمين ثانيًا، إلى خروجهم على ظاهر نص أرسطو القادر على تخليص أرسطو من سوء تأويل الشراح. لا يفسر أرسطو إلا بأرسطو، بالعودة إلى أقواله من أجل تخليصه من براثن الشراح مثل تفسير الكتاب بالكتاب وليس بالعقل. وإذا اختلف الشراح حول المعنى يؤخذ أقرب المعاني إلى اللفظ وأكثرها تطابقًا مع النص.

وكلما تقدم الشرح في الزمان نقص اليقين وزاد الظن. نص أرسطو هو اليقين المطلق يتحول بعده إلى ظن يتزايد تدريجيًّا بتوالي الشراح. فالإسكندر الأفروديسي في القرن الثاني أفضل من ثامسطيوس في القرن الرابع. الأول أقرب إلى البراءة الأصلية والثاني أبعد عنها. الأول أقرب إلى الصحابة والثاني إلى التابعين. التاريخ في انهيار مستمر وليس في تقدم وارتقاء نحو الأكمل والأفضل. الحقيقة في البداية وليست في النهاية. والنهاية ضياع للحقيقة وليست اكتمالًا لها.

أما قبل أرسطو فالحقيقة تقدم وارتقاء من فيثاغورس إلى سقراط إلى أفلاطون أو من الطبيعيين الأوائل إلى أرسطو. فالحقيقة تنشأ وتتطور وتكتمل في أرسطو ثم تنهار بعده وتتلاشى تدريجيًّا. ولا سبيل إلى الارتقاء من جديد إلا بالعودة إلى أرسطو، إلى الحقيقة المكتملة سلفًا، إلى العصر الذهبي الأول، عصر الخلافة الراشدة. لذلك اتفق أرسطو والشرع. كلاهما اكتمال للحقيقة بالنسبة للسابقين، المدرستان الفيثاغورية والطبيعية قبل أرسطو، واليهودية والمسيحية قبل الإسلام.

وشرح ابن رشد أرسطو لأن الحقيقة في النص وليست خارج النص، بل إن معظم مؤلفاته شروح وتلخيصات وجوامع، الأكبر والأوسط والأصغر، عشرة أضعاف مؤلفاته. الشروح بالعشرات. والمؤلفات تتجاوز أصابع اليد الواحدة بقليل. وإذا تم الشرح على مستوى الألفاظ فهو التفسير مثل «تفسير ما بعد الطبيعة»، الشرح الكبير. وإن كان على مستوى المعاني فهو التلخيص، الشرح الأوسط. وإن كان على مستوى الأشياء فهي الجوامع، الشرح الأصغر. والمستويات الثلاثة، اللفظ والمعنى والشيء أبعاد للغة ومكونات للنص.

(٣) هل كان ابن رشد أشعريًّا؟

وكما أن الشائع أن ابن رشد عقلاني وليس ظاهريًّا، تأويلي وليس نصيًّا، يشيع أيضًا أن ابن رشد عدو الأشعرية اللدود. وهو الذي أراد في «مناهج الأدلة» أن يكشف عورة الأشاعرة. بل إنه استعمل شروحه وتلخيصاته وجوامعه كستار يخفي وراءه علم الأشعرية بعد أن تحولت عقيدة السلطان بفضل الغزالي.

ويشيع أيضًا أن ابن رشد أقرب إلى الاعتزال منه إلى الأشعرية في اعتماده على الدليل العقلي، وقوله بالتأويل، وجعله النظر واجبًا بالشرع كما أنه عند المعتزلة أول الواجبات العقلية. المعتزلة أدق قولًا من الأشاعرة، والأشاعرة أقل تأويلًا من المعتزلة. كما أن ابن رشد أميل إلى قول المعتزلة إن الصفات عين الذات بالرغم من غياب البرهان، وأبعد عن قول الأشاعرة إن الصفات زائدة على الذات خشية من الوقوع في قول النصارى بالأقانيم الثلاثة.

صحيح أن نقد ابن رشد الصريح للأشعرية مبطن داخل الشروح والملخصات والجوامع أو صريح داخل المؤلفات الثلاثة «التهافت» و«المناهج» و«الفصل». وصحيح أنه يرفض رأي الأشاعرة في الحسن والقبح أي العدل والجور لأنه رأي غريب على الشرع، العدل ما يرضاه الله، والجور ما لا يرضاه، خلافًا للمسموع والمعقول دون التصريح بإثبات الحسن والقبح العقليين عند المعتزلة ودون ذكرهم. ويلجأ إلى الفطرة التي تؤيد وجود الحسن والقبح، والعدل والجور. ولما كانت الفطرة من الله أمكن المصالحة بين الرأيين الخارجي والداخلي. وصحيح أن ابن رشد يتهم الأشعرية بسوء استخدام العقل وضعف أدلتهم على وجود الله مثل دليل الممكن والواجب، ودليل القدم والحدث، ودليل الجوهر الفرد أو الجزء الذي لا يتجزأ. فمقدماتها خطابية وليست برهانية كمن يقول إن الفيل أعظم من النملة. وطرقها ليست نظرية يقينية بل على العكس طرقًا شرعية يقينية بسيطة.

والحقيقة أن ابن رشد أشعري لما كانت الأشعرية قابعة في لا وعي كل متكلم وفيلسوف وصوفي مع اختلاف في الدرجة كما هو واضح عند الغزالي. فقد تحولت الأشعرية إلى ثقافة شعبية وأصبحت هي والدين شيئًا واحدًا. كل متدين هو بالطبيعة أشعري. وكل ناقد للأشعرية هو بالضرورة ناقد للدين. بل إن الأشعرية زحزحت الدين، وحلت محله ووضعت نفسها مكانه. ولم ينجُ من ذلك حتى كبار المعتزلة والفلاسفة بمن فيهم ابن رشد وابن خلدون وتحليلاته التاريخية للدول، نشأة وتطورًا، قيامًا وسقوطًا. ولم يفلت من ذلك ربما إلا أصحاب الطبائع من المعتزلة الذين قالوا بالطفرة والكمون والتوليد.

دليل الوحدانية عند ابن رشد مستمد من نفس آية لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتَا التي استمد منها الأشعري دليل التمانع أو الممانعة. الخلاف فقط أنه عند الأشعري دليل أو برهان وعند ابن رشد مغروز في الطبع. عند الأشعري يقوم على افتراض الخلاف بين الآلهة، والأليق عند ابن رشد أن يقوم على افتراض الاتفاق. الخلاف في وجهة الدلالة وليست في بنية الدليل.٨

ولا يختلف دليلا العناية والاختراع عن أدلة الأشاعرة وبنيتها؛ إذ يقوم الدليلان على فكرة السببية أو العلية، كل شيء في هذا العالم معتنًى به أو مخترع. والعناية والاختراع يحتاجان إلى معتنٍ ومخترع أي تشخيص نظام الطبيعة في شخص. ثم ينتقل الدليلان من إثبات العناية والاختراع إلى إثبات وجود الله مع أنهما في حاجة إلى خطوة أخرى لإثبات أن هذا المعتني وهذا المخترع هو الله، ثم الانتقال من عالم الأذهان إلى عالم الإيمان.

ولا فرق في صفات الله بين الأشاعرة وابن رشد. فالصفات قديمة عند كليهما، العلم والحياة. بل إنه يصوب الأشاعرة في اعتبار الحياة شرط القدرة، مجرد خلاف في الدرجة وليس في النوع، داخل الأسرة الأشعرية الواحدة كالجويني والباقلاني والأشعري، وليس خارجها بين الأشعرية من جانب والمعتزلة والخوارج والشيعة من جانب آخر. ويعتبر كلام الله قديمًا مثل الأشاعرة وليس حادثًا مثل المعتزلة. والقرآن هو المعنى كما هو الحال عند الأشاعرة وليس اللفظ عند المعتزلة. ظن المعتزلة أن الكلام هو فعل للمتكلم أي اللفظ فقالوا بخلق القرآن. وليس من شروط الفعل أن يقوم بفاعل وهو صحيح في رأي ابن رشد، لذلك القرآن قديم. أنكر المعتزلة المعنى القائم بالنفس، وأنكر الأشاعرة اللفظ القائم بالفعل.

ولا ينفي ابن رشد صفات الجسمية كالمعتزلة، ولا يثبتها كالأشاعرة ولكنه يقدم تمثيلًا أي صورة فنية يضرب الله بها الأمثال مثل اللهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ. والنور صورة وليست تصورًا أو حكمًا. الصورة تثير النفس وتبعث الخيال. هي أقرب إلى القول الخطابي منها إلى القول البرهاني، وابن رشد في الرؤية والجهة أقرب إلى إثبات الأشاعرة لها من نفي المعتزلة. أثبتها بشرط نفي المكان والتحيز والرؤية الحسية.

وفي القضاء والقدر يرفض ابن رشد كالأشعري الموقفين النقيضين الجبر كالجهمية وخلق الأفعال كالمعتزلة ويأخذ موقف الشارع وكان الموقفين النقيضين لا يعتمدان على نصوص الشرع. لا يفرق بين المعتقدين بل يجمع بينهما على التوسط، الذي هو الحق في هذه المسألة. فأصبح كالأشعري موفقًا، باحثًا عن الحلول الوسط بين التجسيم والتنزيه في الذات، وبين الإثبات والتعطيل في الصفات، وبين الجبرية وحرية الاختيار في الأفعال.

الله هو العلة في وجود الأسباب، هو مسبب الأسباب، هو جزء من العلم بالغيب. الله يفعل من خلال النفوس والطباع والقوانين كما هو الحال عند جالينوس. الأسباب مؤثرة بإذن الله وإلا بطل العلم، وانتفت الحكمة. العلم معرفة الأشياء بأسبابها المباشرة، والحكمة معرفة الأشياء بالأسباب الغائية أي بالعلل الأولى. لا تعارض إذن بين العلم والدين، بين البحث عن العلل المباشرة في العلم والبحث عن العمل الأولى في الدين. القول بالطباع وحدها إنكار للفعل الإلهي، والقول بالفعل الإلهي وحده إنكار للطباع. ومِن ثَم يخطئ المعتزلة والجبرية كطرفي نقيض. والحقيقة على التوسط وكما هو الحال في الكسب الأشعري.

وابن رشد أيضًا على التوسط في الجور والعدل بين الأشاعرة والمعتزلة دون أن يجعل الحسن والقبح من إرادة الله أمرًا ونهيًا كما يفعل الأشاعرة، ولا من العقل كما يفعل المعتزلة، بل على الفطرة. ولما كانت الفطرة من خلق الله، خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الخلف.

وفي النبوة يرفض ابن رشد إثباتها بالمعجزة بطريقة الأشاعرة أو عن طريق الجواز العقلي الذي يعني الجهل. ويثبتها بالإعجاز، إعجاز القرآن أي تحدي القدرات البشرية على الإبداع. وهو معنًى لا يختلف كثيرًا عن المعجزة إلا سلبًا. تدل المعجزة على قدرة الله على خرق قوانين الطبيعة. ويدل الإعجاز على عجز الإنسان وصرف الله دواعيه، وهي مقدمات خطبية مثل مقدمات الأشاعرة، خطوة أخرى إلى الأمام ثم خطوة إلى الخلف.

وفي المعاد وأحواله ابن رشد أيضًا على التوسط بين الفلاسفة الذين يقولون بالمعاد الروحاني والحشوية الذين يقولون بالمعاد الجسماني. ينفي المماثلة بين الدنيا والآخرة من الفلاسفة ويثبتها قياسًا للغائب على الشاهد مع الحشوية، خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الخلف.

فابن رشد ينقد الأشاعرة بسلاحها وهو عقل الإيمان. ينقد الأشعرية الضعيفة الساذجة من أجل إقامة أشعرية أقوى وأعمق. ينقد الأشعرية التي تسيء تأويل النص وتسيء استخدام العقل من أجل أشعرية تبدأ من ظاهر النص وبالعقل كغريزة أو فطرة وليست منطقًا أو استدلالًا.

لابن رشد إذن جوانب مختلفة متشابهة تسمح بقراءات متعددة له. أخذ الغرب اللاتيني والحديث جانبًا وصمت عنه المشرق الإسلامي غالبًا في العصور التالية له. ومنذ فجر النهضة العربية وتتنازعه قراءتان، رينان وفرح أنطون وبعض ممثلي الاستشراق العربي، ابن رشد العقلاني المادي الملحد وابن رشد المفترى عليه المؤمن المصلح، القاضي الفقيه في صراع بين السلب والإيجاب، وهو ما يميز الأحكام المطلقة في الفكر العربي الحديث.

ابن رشد فيلسوف اشتباه يجمع بين النقيضين في آن واحد، ويحقق المطلبين الرئيسيين في كل نسق فلسفي، المثال والواقع، العقل والحس، الصورة والمادة، وهو ما حاوله أرسطو والفارابي قديمًا وهيجل وهوسرل وبرجسون حديثًا. هذا التوتر داخل كل نسق فلسفي هو أحد أسباب بقائه في التاريخ، وتعدد القراءات له.

١  جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في بيروت، المعهد العالي للدراسات الإسلامية، ٢٥–٢٦ يناير ٢٠٠٠م.
٢  السابق، ص١٣٤، ١٨٢، ١٤٨، ١٦٠، ١٦٨–١٧٠، ١٧٦، ١٨٢، ١٩١، ٢٠١. فصل المقال ص٣١، ٣٤.
٣  ابن رشد: الكشف عن مناهج الأدلة، تقديم وتحقيق محمود قاسم، الأنجلو المصرية، القاهرة، ١٩٦٤م، ص٢٤٨–٢٥١.
٤  ابن حزم: ملخص إبطال القياس والرأي والاستحسان والتقليد والتعليل، تحقيق سعيد الأفغاني، دار الفكر، بيروت، ١٣١٨ ﻫ/١٩٦٩م.
٥  ابن حزم: النبذ في أصول الفقه الظاهري، تعليق: محمد زاهد الكوثري ومراجعة السيد عزت العطار الحسيني. الخانجي، القاهرة، ١٣٦٠ﻫ/١٩٤٠م.
٦  ابن رشد: بداية المجتهد ونهاية المقتصد (جزءان)، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، ١٩٦٩م، ج٢، ص٤١٩.
٧  انظر دراستنا: ابن رشد فقيهًا، مجلة ألف للبلاغة المقارنة، العدد (١٦)، القاهرة، ١٩٩٩م، ص١٦–١٤٤.
٨  انظر دراستنا: العقائد الدينية في الأمثال العامية، الفلسفة الإسلامية وبناء الإنسان المعاصر، كتاب المؤتمر الدولي الثاني للفلسفة الإسلامية ٥–٦ أبريل، ١٩٩٧م، كلية دار العلوم، جامعة القاهرة، ص٤٨٢–٤٩١، حصار الزمن، ج١ (إشكالات)، ص٢٨١–٢٩٤.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤