وصيَّة شاعِر

على مثال وصية «هيني» الشاعر الألماني

أسأل القارئ وأعفيه من مئونة الإجابة: ألا يحب المرء لعدوه كل سوء؟

أليس كرهك مصادر شقوتك طبيعيًّا؟

ليس هذا من كرم الخلق في شيء ولا ريب، ولكن خداع الألفاظ عظيم، وما أكثر ما نُمَوِّهُ بها حتى على أنفسنا، وإن كان الأصل أن يغالط المرء غيره لا نفسه، ولكنه يألف الرياء والغش والمغالطة حتى تجوز عليه كسواه، وكرم الخلق صفة لا وجود لها في هذه الدنيا الدنية، ولم يمشِ على ظهر الأرض رجل واحد — عدا الأنبياء والمجانين — يستطيع أن يقول بينه وبين نفسه «أنا كريم الخلق بالمعنى الصحيح».

وخير للناس أن يتقبلوا وصيتي هذه بقبول حسن؛ فإنها قطعة من القضاء، وما أخلقهم أن يشكروا لي أني تحريت العدل في القسمة، ولم أحرم أحدًا من نصيبه الذي يستحقه على عكس المألوف في الوصايا، مذ كتبت في هذا العالم، ولئن شكروا لأزيدنهم!

ستُرخى على هذي الحياة الستائر
وتطفأ أنوار ويقفر سامرُ
فهل راق هذا الناس قصةُ عيشتي
وماذا يبالي من طوته المقابرُ؟
تركتُ لهم من قبل موتي وصية
نظير التي أوصت بها لي المقادر
وهبت لأعدائي — إذا كان لي عدى —
همومي وما منه أنا الدهرَ ثائر
وأوصيت للمحبوب بالسهد والضنى
وبالدمع لا يرقا ولا هو هامر
وبالجدري في وجهه ليزينَه!
وبالعرج المرذولِ والله قادر
وبالضعف والإملاق واليأس والجوى
وبالسقم حتى تتقيه النواظر
وللشِّيبِ بالأوجاع في كل مفصل
وبالثكل في الأبناء والجد عاثر
وكل سقام قد تركتُ لذي الصبا
وما كنت منه في الحياة أحاذر
وللناس ألوانَ الشقاءِ وإنني
إذا متُّ لا آسَى على من يخامر

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤