الفصل التاسع والثلاثون

لقاء الزوجين

ولم يخطئ أتوس في زعمه، فإن الكردينال لم يلبث أن نزل ودخل غرفة الحراس فوجد بورتوس وأراميس يتقامران، فقال لهما: أين أتوس؟ قالا: سمع أن الطريق خطرة فمضى يتجسسها. قال: إذن فاتبعاني، فإن الزمان قصير. ثمَّ رَكِبَ ورَكِبا معه وساروا من حيث أَتَوْا.

أما أتوس فإنه ذهب بجواده غير بعيد ثمَّ عاد فوقف إلى جانب الطريق بحيث يَرَى ولا يُرى، ولم يَمْضِ عليه قليلٌ حتى رأى الكردينال وأتباعه عائدين، فأَتْبَعَهُمْ بصرَه حتى غابوا وعاد يركض جواده إلى الفندق، وقال لصاحبه: إن معي رسالة للامرأة التي عندَك وقد نَسِيَ الذي كان معها أن يدفعها إليها فأرسلَني بها الآن، فقال له: اصْعَدْ فهي في غرفتها. فصعد ودخل عليها وأقفل الباب وراءه، فالتفتت الامرأة إليه وإذا بها ترى رجلًا ملتفًّا بردائه وقد أحنى قلنسوته على عينيه، فارتاعت منه وقالت له: من أنت؟ وماذا تريد؟ فقال في نفسه: هي والله. ثمَّ أرسل رداءه ورفع قَلَنْسُوَتَه ودنا منها وقال: أَمَا تعرفيني؟ فأجفلت ميلادي لمرآه ولم تُحِرْ جوابًا، فقال: أرى أنك عرفْتِني؟ فقالت — وقد رجعت حتى لصقت بالحائط: وَيْلاهُ إنِّي أرى الكونت دي لافير؟ قال: نعم يا ميلادي هو الكونت دي لافير بعينه، أتى من عالم الأموات ليراك، «فاجلسي أحدِّثك» كما قال الكردينال. فجمدت ميلادي في مكانها كأنها صُعِقت، فقال لها: ما أظنُّكِ واللهِ إلا شيطانًا مارِدًا أَفْلَتَ من النار، ولكن رُوَيْدَكِ، فإن للرجال هِمَمًا تفوق عزائمَ الْمَرَدة، وواللهِ ما أدري كيف خَلُصْتِ من جَهَنَّمَ إلى هنا باسمٍ غير اسمك وهيئةٍ تكاد تكون غير هيئتك، ولكنها لم تَمْحُ ما تحملين من العار والزهرة التي في جسمك. فأَجْفلت ميلادي من كلامه إجفال الْحَمَل ونهضت من مكانها، فقال لها وهو قاعد: ما أراك إلا تحسبينني ميِّتًا كما أحسبك، فإن اسم أتوس أَخْفَى عنكِ الكونت دي لافير، كما أن اسم ميلادي كلاريك أخفى عني حنة دي بويل، أوَلم يكن ذلك اسمك عندما عقد لي عليك أخوكِ الكاهن؟ وما أظن أن كلًّا منَّا ترك صاحبه إلا لتوَهُّمه إياه ميِّتًا. فقالت: ما الذي أتى بك إليَّ؟ وماذا تريد مني؟ قال: أريد أن أقول لك أني متَّبع آثارك من غير أن تشعري بي. قالت: أوَعالم أنت بما صنعت؟ قال: نعم، فاسمعي أقصُّ عليكِ أفعالك من يوم دخلتِ في خدمة الكردينال إلى هذا المساء، فأنت سارقة الجوهرتين من الدوق بيكنهام، وأنت الخاطفة الامرأة بوناسيه، وأنت طَرُوقَة الكونت دارتانيان تحسبينه صديقك الكونت دي ويرد، ثمَّ طَرُوقَته أيضًا باسمه تحرِّضينه على قتل دي ويرد بزعمك أنه خادعك، ثمَّ أنت التي حاولت قتل دارتانيان فأفلت منك بين الرصاص والسم، وأنت المعاقدة ريشيليه الليلة على قتل بيكنهام بشرط أن يسمح لك بقتل دارتانيان، فوالله ما أظنُّك بعد ذلك إلا من الْمَرَدَة الأشرار، ومهما يكن من أمرك فإن قتل بيكنهام وحياتَه سِيَّانَ عندي فهو إنكليزي لا أعرفه، أما دارتانيان فواللهِ لئن مَسَسْتِه يومًا لأجعلنَّ ذلك اليوم آخر أيامك من الدنيا وأولها من الآخرة، ولأطلبنَّك ولو كنتِ بين لحم الكردينال وجلده. قالت: لقد خدعني دارتانيان فيجب أن يموت. فذكر أتوس عند ذلك ماضي أيامه معها وما كان من أمرها، فهاج به حب الانتقام، فأخرج غَدَّارة من حزامه ورفعها إلى جبهة ميلادي، وقال لها بصوت يَرْجُف منه الأسدُ: واللهِ لئن لم تُعْطِني ورقةَ الكردينال لأذهبَنَّ بحياتك. وكانت ميلادي تعرف أتوس وبَأْسَه، فأخرجتْ له الورقة وقالت له: خذْها عليك لعنة الله. فأخذها وردَّ سلاحه إلى مكانه ودنا من النور وقرأ:

إن حامل هذه الورقة قد صنع ما صنع بأمري ولخير المملكة، فلا يعارضه أحد.

في ٣ كانون الأول سنة ١٦٢٧
ريشيليه

ثمَّ طوى الورقة ووضعها في جيبه وقال لها: قَلَّمْتُ أَظْفارَكِ فاخدشي. ثمَّ فتح الباب وخرج فلَقِيَ الضابطين اللذين من قِبَل الكردينال، فقال لهما: امضيا فيما رسمه لكما مولاكما من أخذ الامرأة إلى قلعة بوات ولا تتركاها إلا هناك. ثمَّ ركب جواده وركضه في عرض تلك البيداء حتى سمع وقع حوافر الخيل فعرف أنه الكردينال، فقال: من يحيي؟ فقال له الكردينال: تقدَّم يا أتوس فإن لك عليَّ شُكرًا في حراستك لنا، وها قد وصلنا الآن فامضوا إلى مضاربكم، وكلمة المرور «الملك وري». ثمَّ حيَّاهم وذهب، فلما أبعد قال الصاحبان لأتوس: ما ترى كَتَبَ لها؟ قال: صَهْ فإن الورقة معي. ثمَّ أرسل خادمه يدعو دارتانيان وسار وصاحبيه، لا ينطقون إلا بكلمة المرور حتى بلغوا مضاربهم.

أما ميلادي فركبت الْفُلْك فأقلع بها إلى إنكلترا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤