المربع

كان نائمًا في تلك المساحة المحددة له بالسنتيمترات، ومن تحته أرض صلبة ناعمة تنفث برودة ورطوبة كبلاط الحمام، ومن حوله من كل جانب كُتَل من اللحم، طرية وساخنة ولَزِجة، مختلفة الأشكال والأحجام، أذرع وأرجل ورءوس وظهور وبطون، آدمية كلها من درجة السخونة ومن رائحة الأنفاس، وقد لا تكون آدمية كلها بجوار حصان أو حمار ليقف على هذه الفروق، لكنه يعلم بما يشبه اليقين أنها آدمية كلها، ويعلم بما يشبه اليقين أيضًا أنه واحد منها وأنه آدمي مثلها، لكنه ليس يقينًا كاليقين، فالشيء هنا لا يبدو كالشيء نفسه، إنه يبدو شيئًا آخَر، مختلفًا تمامًا، مختلفًا إلى حد أنه لا يصبح هو الشيء نفسه وإنما شيئًا آخَر قد يصل في بعض الأحيان أن يكون هو النقيض نفسه، فهذا اليقين مثلًا لم يَعُدْ يقينًا كما تعوَّدَه أن يكون، وإنما أصبح أبعد ما يكون عن اليقين، وأقرب ما يكون إلى الشك، لكنه أيضًا ليس شكًّا كالشك وإنما شك غريب يتأرجح بين الشك واليقين، فلا هو شك ولا هو يقين، تلك الحالة الشاذة التي تمر بنا أحيانًا، ربما أثناء النوم، ليس النوم تمامًا وإنما تلك اللحظة الخاطفة السابقة للنوم، أو تلك اللحظة الخاطفة السابقة لفقدان الوعي أو ربما الموت الكامل. وهو لحظة لا يمكن لي أن أصفها، ولا يمكن لأحد غيري أن يصفها، إلا إذا مارَسَ الموت مرةً ثم صحا وجلس كالأحياء ومسك القلم ووصف لنا تلك اللحظة وصفًا دقيقًا، وهذا ما لم يحدث أبدًا.

على أن الأمر ليس هامًّا بالنسبة إليه إلى هذا الحد أن شيئًا لا يعنيه من تلك الأمور التي تعنينا، أن مجرد التفكير على هذا النحو فيما إذا كان ما يحدث له يقينًا أو لا يقينًا، أنه نائم أو غير نائم، أن هذه اللحظة التي يمر بها تندرج في حكم الزمن تحت اليقظة أو النوم أو الموت، هذه كلها تفصيلات تافهة لا تعنيه، فهو مشغول بما هو أهم، وهو مستغرق فيما هو ضروري له الآن، ضرورة مُلِحَّة إجبارية، ضرورة لا تخطر على بال أحدنا؛ لأنها ليست ضرورية لنا، أو لعلها ضرورية لكنها موجودة ومتوفرة في كل مكان وزمان، كالهواء نستنشقه من الجو دون أن يفرغ، وكالأرض نمشي عليها ونرقد فوقها دون أن تنوء بثقلنا أو تضيق بأحجامنا.

لكنه ليس واحدًا منا، أو بعبارة أصح: لم يَعُدْ واحدًا منا. أشياء كثيرة تغيَّرت بالنسبة إليه، ليس تغييرًا بطيئًا متدرجًا كذلك الذي يحدث في حياة البشر العادية، وإنما هو تغيير فجائي، كزوبعة تهبُّ وتكتسح كل شيء، أو فيضان يُغرِق كل شيء، أو زلزال أو بركان يقضي على كل شيء، هكذا في لحظة واحدة تغيَّر كل شيء، في لحظةٍ من تلك اللحظات التي تسبق ظهور أول خيوط النهار، وتسبق ظهور أول خيوط الوعي، قبل أن يستيقظ تمامًا من النوم وقبل أن يرتدي البدلة والحذاء. أجل، لم يكن هناك وقت لارتداء البدلة والحذاء، لكنه أصرَّ على أن يرتدي البدلة والحذاء، كيف يخرج من بيته بغير بدلة وبغير حذاء؟ وضاعت بضع ثوانٍ في ارتداء البدلة والحذاء، ولم يكن هناك وقت لأن يودِّع ابنه الصغير الراقد في الحجرة المجاورة، ليته ودَّعه قبل أن يمشي، لكن ذلك لم يَبْدُ ضروريًّا في تلك اللحظة، كان ارتداء البدلة والحذاء يبدو ضروريًّا أكثر. أشياء ما كانت تبدو ضروريةً أكثر من غيرها، حفلات العشاء مع رئيس الفرع كانت تبدو ضرورية أكثر من قضاء الليلة مع ابنه الصغير، كل ما يتعلق برئيس الفرع كان يبدو ضروريًّا أكثر من أي شيء آخَر، لكن البدلة خلعها والحذاء خلعه ولم يَعُد يستخدمهما، وابنه الصغير سيصحو من النوم ويعرف أنه اختفى دون أن يخطره.

على أن كل هذا لا يخطر بباله الآن، أن يفكر في ابنه لم يَعُدْ ضروريًّا، إن التفكير في الآخرين من الكماليات، بل إنه رفاهية وأي رفاهية، أن يفكر المرء في شخص آخَر غير شخصه، بل أن يفكر في شيء آخَر غير جسمه، جسمه هذا الذي لم يكن يتصوَّر أنه بهذا الحجم الضخم. لم يسبق له أبدًا أنْ عرف حجم جسمه، ربما عرف الطول والوزن ولكن الحجم؟ مَنْ منا فكَّر في أن يعرف حجم جسمه ويقيس ذلك الحيز الذي يشغله؟ لم يفكِّر واحد منا في هذا، لم تكن هناك ضرورة لذلك أبدًا، فالمساحة بين الأرض والسماء تتسع للناس جميعًا، لا تتسع فحسب ولكنها واسعة فضفاضة.

على أن الأمر لم يَعُد كما كان، وكل شيء تغيَّر بسرعة مذهلة، لم تَعُد هناك سماء وإنما جدار عالٍ أجرب تبرز منه ألواح رفيعة طويلة كالقضبان الحديد، والأرضُ لم تَعُد أرضًا وإنما مربعات صغيرة مرسومة ومحددة كصفحة في كراسةِ الرسم البياني، وهو لا يملك إلا مربعًا واحدًا فقط، هكذا بالمسطرة لا يزيد سنتيمترًا واحدًا ولا ينقص، بل إنه قد ينقص إذا ما تكاثر العدد، والعدد قد يتكاثر، بل دائم التكاثر، كالخلية الحية تنقسم وتتكاثر بغير توقُّف.

على أنه أيضًا لا يفكر الآن فيما سيكون من بعد، سيزيد العدد أو لن يزيد، ستقل المساحة المحددة له أو لن تقل، هذا شيء لا يعنيه؛ فالتفكير في المستقبل رفاهية لا يستمتع به إلا مَنْ تجاوَزَ بفكره اللحظةَ الحاضرة وتغلَّب عليها، لكنه لا زال يعيش هذه اللحظة الحاضرة، وبعبارة أصح: لا زالت هي تعيشه ولا زالت تحتويه، إنه يعيش داخلها وتحوطه خيوطها كالعنكبوت، وكان هذا في حدِّ ذاته شيئًا غريبًا مروعًا؛ ذلك أنه بدلًا من أن يعيش هو اللحظة ويستهلكها، إذا بها هي تمسكه وتلتفُّ حوله وتستهلكه.

لكنه لا يُستهلَك أبدًا، لا يتلاشى أبدًا ولو أراد، إنه باقٍ وموجود رغم كل شيء، بل إن وجوده هو الشيء الوحيد الذي يَعِيه، وجسمه هو الشيء الوحيد الذي يحسه، بل لم يسبق له أبدًا أنْ وعى وجوده هذا الوعي، أو أحسَّ جسمه كلَّ هذا الإحساس؛ فالجسم كجسم أو كتلة معينة من اللحم لها وزن وحجم لا نحس به، نحمله معنا في كل مكان بغير تردُّد وبغير عبء، وحين نأكل يأكل بغير حرج، وحين نمارس الجنس يمارس معنا الجنس بغير خجل، وحين ننام ينام.

لكن الأمر بالنسبة إليه أصبح مختلفًا، وهو لا يعرف كيف أصبح مختلفًا، ولماذا أصبح مختلفًا، إنه لا يعرف شيئًا، كل ما يعرفه أنه كان واحدًا من الناس، وكان له زوجة وابن وبيت وسرير ينام عليه، وكان له مكتب يقف على بابه ساعٍ، وكان له رئيس هو رئيس الفرع، وكان يعمل كثيرًا، طول النهار وجزءًا من الليل، لم يكن يعرف ماذا يعمل تمامًا، ولكنه كان يعمل بكل تأكيد ويتقاضى أجرًا عن عمله يكفيه، وكانت سمعته طيبة، يؤدي الفرائض ولا يسكر ولا يعربد ولا يسرق ولا يكذب. والحق ربما كذب في بعض الأحيان، ذلك النوع من الكذب الذي ليس كذبًا، كأن يذهب مع رئيس الفرع إلى حفل عشاء ويقول لزوجته إنه ذاهب لاجتماع اللجنة الدائمة، ذلك النوع من الكذب البسيط الذي لا يُغضِب أحدًا إلا زوجته، وغضب زوجته لم يكن شيئًا يُذْكَر؛ لأنه لم يكن له ضرر يُذْكَر.

وهكذا كان واحدًا من الناس، عاديًّا ومحترمًا وله سمعة طيبة، وله بيت من ثلاث غرف وسرير ينام عليه ويمد ساقيه عن آخِرهما دون أن يعوقهما شيء، فما الذي حدث؟ ومتى؟ وكيف؟ ولماذا؟ أهو عقابٌ ما؟ وإذا كان عقابًا، فما هو الذنب الذي اقترَفَه؟ ومَنْ هو الذي شرع العقاب أو وقفه؟

أسئلة كثيرة لا تدور بذهنه الآن كما تدور بأذهاننا؛ ذلك أنها أسئلة تتعلَّق بشيء مضى، والتفكير في الماضي كالتفكير في المستقبل رفاهية لا يستمتع بها إلا مَنْ تجاوَزَ بفكره الحاضر، أو مَنْ هو قادر على تجاوزه. لكنه غير قادر على الخروج من قبضة اللحظة الحاضرة، لقد سقط فيها واحتوَتْه وحاصرَتْه، ولم يَعُد أمامه إلا أن يدور في جوفها إلى الأبد، أو يختنق ويموت ويتلاشى.

لكنه أبدًا لا يتلاشى، وليس هناك من شيء يبشِّر بهذا التلاشي، جسمه هو جسمه بل لعله يبدو أكبر حجمًا ممَّا كان يظن، لم يكن يظن أبدًا أن جسمه بهذا الحجم الكبير، وأن ساقَيْه حين تمتدان تصبحان بكل هذا الطول. لو كان أصغر حجمًا، لو كانت ساقاه أقل طولًا، ربما كان في إمكانه أن يتكوَّر حول نفسه بسهولة أكثر، وربما كان في مقدوره أن يشغل بالضبط المساحةَ المحدَّدة له، ذلك المربع الصغير من الأرض، مرسومًا ومحددًا بالمسطرة لا يزيد سنتيمترًا واحدًا، وأبدًا مهما زاد حجم جسمه، ومهما طالت ساقاه، ومهما علَتْ درجته، ومهما كانت علاقته طيبة برئيس الفرع، فالكل هنا سواء؛ النحيف والسمين، والطويل والقصير، المتعلم والجاهل، الساعي والمدير، كلهم سواء، متساوون كأسنان المشط، يلبسون من قماش واحد، وينامون فوق مربعات صغيرة كمربعات البلاط، مرسومة ومحددة ومتساوية، ولكلٍّ منهم مربع واحد فقط.

وهذا التساوي في حد ذاته شيء فظيع مروع، ليس هو التساوي بمعنى التساوي، ليس هو أن يأكل مع الكل من صحن واحد، أو يلبس مع الكل من قماش واحد، أو يبول مع الكل في وعاء واحد، أو ينام مع الكل في مربع واحد، ليس هو التساوي كحدث يحدث، وإنما هو الإحساس بالتساوي، الإحساس بأنه واحد من هذه الكتل اللحمية المتراصَّة في صفوف والمتلاصقة، لا شيء يميِّزه عنها، لا شيء يدل على أنه هو نفسه وليس واحدًا آخَر، لا اسم ولا لقب ولا ملابس ولا شهادة ولا درجة ولا علامة، ولا حتى ختم أو وشم طُبِع على بطن يده، وهو لا يكره التساوي، أو بعبارة أصح: لم يكن يكرهه، بل إنه كثيرًا ما قرأ عنه وانفعل، وكثيرًا ما تأثَّر لمنظر طفل يشحذ، وثار لمنظرِ ثريٍّ مُتخَم، كثيرًا ما تأثَّر وكثيرًا ما ثار، وفي كل مرة كان صادقًا، صادقًا أكثر من أي مرة سابقة، حتى إن الدموع كانت تطفر من عينيه أحيانًا من شدة الصدق، على أنه لم يَعُد يذكر الآن شيئًا؛ فالتذكُّر رفاهية لا يستمتع به إلا ذلك الذي يستطيع أن يرقد فوق بطنه أو ظهره، ويمد ساقَيْه عن آخِرهما دون أن يعوقهما شيء ويتذكَّر، لكنه لا يستطيع أن يمد ساقيه، فالمساحة صغيرة لا تزيد عن مربع واحد من مربعات البلاط، ومن حوله أذرع وأرجل ورءوس وبطون، تحوطه من كل جانب، وتضغط عليه من كل ناحية، وهو يحاول بكل قوة وكل جهد أن يتكور حول نفسه، وأن يتقلص وينكمش ويتضاءل؛ ليحشر نفسه داخل المساحة المحددة ويدخل في المربع، وهو لا يعرف كيف يمكن أن يحدث ذلك، كيف يمكن أن ينكمش جسمه الضخم ليصل إلى ذلك الحجم الصغير، كيف يمكن أن يتكور ويتكور ليصبح كالجنين وفي حجم الجنين. كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ إنه لا يعرف، ولكنه يعرف أنه لا بد أن يحدث؛ فليس هناك من حل آخَر، المساحة محددة، والمربع واحد فقط لا يزيد سنتيمترًا واحدًا لأي سبب، وجسمه هو جسمه بحجمه وكثافته لا ينقص جزءًا ولا يعود جنينًا بأي حال، لكنه لا بد أن يدخل في المربع، نعم لا بد. لماذا لا بد؟ وكيف؟ إنه لا يعرف، ولكنه يعرف أنه لا بد أن يحدث، ربما بعد مجهود فظيع مروع ليس في طاقة البشر، وربما بعد وقت طويل بغير حدود، ربما بعد أي شيء، ولكنه في النهاية سيحدث.

على أن ذلك لا يحدث، وجسمه لا زال كما هو بحجمه، ومن حوله أذرع وأرجل ورءوس وبطون ساخنة ولَزِجة تحيط به من كل جانب وتضغط وتضغط، لكنه لا ينضغط وتبقى تحت أي ثقل قطرة زئبق، وهو ليس أضعف من قطرة زئبق، إنه يقاوم بكل قوة؛ يقاوم حجم جسده، ويقاوم طول ساقَيْه، يقاوم كثافة لحمه وعظامه، يقاوم بكل قوته وكل حِيَله وفكره، يقاوم بغير كلل أو ملل وبغير فتور أو يأس، يتكور ويتقلص وينكمش داخل نفسه كثعبان يحاول أن يدخل في ثقب ضيق، تمامًا كثعبان، ليس تمامًا فهو ليس ثعبانًا، إنه إنسان، أكثر مرونةً، أكثر حيلةً، وأكثر قدرةً. كان له مكتب وساعٍ ورئيسُ فرع، وكان له زوجة وابن وبيت من ثلاث غرف، وكان له سرير، أجل كان له سرير واسع، يمد فوقه ساقَيْه لآخرهما ويتمدد فوق بطنه أو ظهره، ويُغمِض عينيه ويحلم، يحلم كما يحلم أي أحد أراد أو لم يُرِد، يحلم بحفل عشاء مع رئيس الفرع، يحلم بعلاوة استثنائية، يحلم بتحقيق المساواة بين البشر. أجل كان يحلم كلَّ ليلة كأي أحد، وربما هو يحلم الآن، لكن السرير ليس تحته وإنما أرض صلبة رطبة كأرض الحمام، وعيناه غير مقفلتين، وساقاه ليستا ممدودتين أفقيتين كما يحدث في النوم، ولكنهما مرفوعتان إلى أعلى مقوَّستان متشابكتان فوق بطنه منثنيتان تحت ظهره. كيف استطاع أن يثني ساقَيْه إلى هذا الحد؟ كيف لانت مفاصله؟ كيف انثنَتْ عظامه؟ إنه لا يدري، فهو لم يكن بطلًا من أبطال اليوجا، ولكنه كان رجلًا مفكرًا يعيش بذهنه، ولا يحرك عضلاته إلا لقضاء ضرورة مُلِحَّة، وكانت مفاصله من قلة الحركة قد يبست وتصلَّبت، تطقطق أحيانًا كلما جلس أو وقف كمفاصل الباب الصدئ، غير أن ذلك لم يكن يهمه أو يضره؛ فهو قادر في النهاية على أن يمشي ويجلس ويقف ويأكل ويمارس الجنس. ثم إن مفاصله ليست هي الوحيدة التي تطقطق، كثيرًا ما سمع مفاصل زملائه، بل إن رئيس الفرع أيضًا كانت مفاصله تطرقع.

على أن كل شيء أصبح مختلفًا بطريقة مذهلة، وما كان في وسع أحد أن يتصوَّر أن تلك الكتلة المستديرة المتكورة كانت في الأصل رجلًا، أو يمكن أن تكون رجلًا بعد أن تنفك وتتمدد، ما كان لأحد أن يتصور، لكن الأمر لم يكن خيالًا أو حلمًا، كان حقيقة، حقيقة الأرض الصلبة الباردة تحت أليتَيْه، حقيقة السخونة ذات الرائحة الآدمية التي تملأ أنفه، وحقيقة وجود جسمه بثقله وحجمه، وجودًا حقيقيًّا أكثر من أي شيء آخَر، بل لا شيء غيره يبدو حقيقيًّا، لا شيء غيره يبدو موجودًا، أو كان موجودًا في وقت من الأوقات، لا مكتبه ولا الساعي ولا رئيس الفرع ولا زوجته ولا ابنه ولا بيته ولا حتى السرير، ربما كان كل عمره السابق حلمًا، حلمًا طويلًا جدًّا، ربما كان أملًا أو وهمًا أو دعوةَ صلاة، ربما كان أي شيء لكنه كان، وهو الآن بجسمه الضخم فوق تلك المساحة الصغيرة المحددة، يحاول أن يدخل في المربع، لكنه لا يدخل؛ فالمربع أصغر من جسمِه، وجسمُه أكبر من المربع، لكنه لا بد أن يدخل ولا بد لهذه اللحظة من أن تمر، هذه اللحظة التي احتوته في داخلها والتفَّتْ حوله وضيَّقَتْ عليه الخناق كاللجام أو سلسلة من حديد، هذه اللحظة الضخمة الطويلة الممتدة إلى الأبد، كيف تكون لحظةٌ واحدة من الزمن طويلةً إلى هذا الحد؟ وكيف كانت اللحظات تمر به من قبل؟ وهل يمكن لهذه اللحظة أن تمر؟ إنه لا يعلم، ولكنه يعلم أنها لا بد ستمر، ربما بعد وقت طويل جدًّا لا يعرف طوله، وربما بعد مجهود فظيع مروع ليس في طاقة البشر، لكنها في النهاية ستمر هكذا كما تمر أي لحظة من العمر، وربما بالبساطة نفسها التي تمر بها أي لحظة أخرى.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤