تمهيد

عديدة ومختلفة هي أنواع الكتب التي يمكن تأليفها عن اللاأدرية. فالموضوع يدعو إلى الاستكشاف من زوايا عديدة ومتنوِّعة. يمكن مثلًا أن يكون محورَ دراسة استقصائية في العلوم الاجتماعية تبحث في المواقف الدينية المعاصرة. وربما يكون أحدَ جوانب البحث في اللاهوت السلبي؛ وهو سِمة من سمات عدد من التقاليد الدينية التي تُقدَّم فيها طبيعة الإله على أنها غير معروفة إلى حد كبير، أو غير معروفة تمامًا ولا سبيل إلى معرفتها. ويمكن أيضًا أن يكون جزءًا من تاريخ كِبار مفكري العصر الفيكتوري. غير أنَّ هذا الكتاب الصغير لا يُمثِّل أيًّا من هذه الزوايا. فعلى الرغم من وجود بعض المعلومات التاريخية فيه — وفي هذا أنا مَدين بشدة لكتاب برنارد لايتمان الملهِم، «أصول اللاأدرية» — فإن ما أُقدِّمه هنا يتناول اللاأدرية من زاوية فلسفية. السؤال الرئيسي هنا عمَّا إذا كانت اللاأدرية مبرَّرة أم لا، أي ما إذا كانت هي الموقف الصحيح الذي ينبغي اتخاذه تجاه تلك القضية الأكثر إلحاحًا، وهي وجود إله، أم لا. تلك دعوةٌ للقارئ للانخراط في النقاش، مما يتضمن درجةً من مرونة الانتقال بين المواقف المختلفة. فمن سِمات الكتابة الفلسفية أن المواقف تُطرَح في معظم الأحيان لتُقدَّم عليها الانتقادات والاعتراضات بعد ذلك، وقد يكون ذلك مزعجًا بعض الشيء للقراء الذين لا يألفون هذا الأسلوب بالفعل، وربما يظلون يتساءلون في أنفسهم عن الموقف الذي يتبنَّاه المؤلِّف. وتَحسُّبًا لأن يكون لدى القارئ أيُّ شك تجاه موقفي، فإن ما أُقدِّمه في هذا الكتاب هو دفاع من نوعٍ قويٍّ إلى حدٍّ ما عن اللاأدرية. على الرغم من ذلك، فإن هذه اللاأدرية (كما أُجادل) تتوافق مع العيش وَفقًا لمنظور ديني؛ وأنا أدرك أنَّ هذا قد يبدو مفاجئًا.

كان عليَّ أيضًا أن أكون انتقائيًّا للغاية فيما يتعلَّق بالأفراد الذين سأتناولهم بالنقاش. فقد يبدو غريبًا على سبيل المثال أنَّ الكتاب لا يُورِد أيَّ ذكر للرجل الذي وُصِف ﺑ «اللاأدري العظيم»، روبرت جي إنجرسول (١٨٣٣–١٨٩٩)، وهو محامٍ أمريكي اشتُهِر بصفته خطيبًا ألقى خُطبًا حَظِيَت بشعبية كبيرة بشأن مجموعة متنوِّعة من المواضيع الإنسانيةِ الطَّابع في الغالب. لكن مهمة إنجرسول لم تكن تتمثل في تشجيع اللاأدرية بقدرِ ما كانت تهدف إلى التحرُّر من الدِّين. وعندما سُئل عمَّا إذا كان يعتقد بأفضلية اللاأدرية على الإلحاد أم لا، أجاب أنه لا يوجد فرقٌ بينهما. وليس هذا هو المسار الذي أوَدُّ اتِّباعه في هذا الكتاب.

أودُّ أن أتوجَّه بالشكر إلى كلِّ مَن ساعد في هذا المشروع خلال مرحلة اكتماله: أندريا كيجان، التي أسندت إليَّ مهمة تأليف الكتاب، وقدَّمت النصيحةَ والتشجيع في المراحل الأولى؛ وإيما مارشانت، التي أسهمت في إنجازه حتى اكتماله؛ وكاري هيكمان، التي نفَّذت الرسوم التوضيحية؛ واثنين من القراء التابعين لدار نشر أوكسفورد، اللذين قدَّما تعليقات مفصلة على مُسَوَّدة النسخة المطبوعة على الآلة الكاتبة.

روبين لو بواديفان
أبريل، ٢٠١٠

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤