الجبل

١

(كهف فوق سطح المقطم. إلى اليسار ممر يبدأ من نقطة عند حافة الكهف اليسرى ويمتد فوق السطح إلى الخارج. إلى اليمين ممر يبدأ من نقطة عند حافة الكهف اليمنى وينحدر نحو الخارج موحيًا بالامتداد حتى سفح الجبل.)

(الكهف مظلم. ثمة أشباح. يد شبح تشعل المصباح المدلَّى من سقف الكهف. يتضح المنظر. يوجد رجل بالملابس البلدية مقيد اليدين والقدمين جالسًا على الجهة اليسرى من الأرض وأمامه من الناحية المواجهة خمسة من الشبان جالسين على الأرض أيضًا يرتدون القمصان والبنطلونات.)

(يتوسَّطهم عساف بمركز الرياسة. إلى يمينه إسماعيل وحلمي. إلى يساره رمزي وحسني.)

الرجل المقيد (في حال فزع) : انقضضتم عليَّ في الظلام وأنا راجع فتوهَّمتكم لصوصًا، وها أنا أرى أنكم أبناء من حارتي، أنت عسَّاف، أنت إسماعيل، أنت حلمي، أنت رمزي، وأنت حسني، جيران وأبناء جيران، ما معنى ذلك؟ لماذا فعلتم بي ما فعلتم؟!
عساف : جئنا بك لنحاكمك.
الرجل (وقد امتزج الفزع بالدهشة) : قلت تحاكمونني؟
عساف : نعم.
الرجل : ما أنا بالمجرم.
عساف : إنك مجرم.
الرجل : وما أنتم بالقضاة.
عساف : نحن قضاة كما ترى.
الرجل : إن كنتم تريدون نقودًا …
عساف (مقاطعًا) : لسنا لصوصًا!
الرجل : ولستُ مجرمًا.
عساف : إنك مجرم وتعلم أنك مجرم.
الرجل : حذار يا أبنائي من الخطأ، القانون لا يغفل، ولا يفلت أحد من العقاب.
عساف : نشكر لك نصيحتك التي لا حاجة بنا لها.
الرجل : إنكم شبان، الحياة أمامكم طويلة وعريضة، ولستم قضاة.
عساف : نحن قضاة ما دام العدل لا يجد مَن يقيمه.
الرجل : إن كنتم قضاة فأين الدفاع؟
عساف : ما جدوى الدفاع وجريمتك جارية على كل لسان.
الرجل : إنني أقرأ الحكم في أعينكم متجسدًا.
عساف : وسبق أن حكم عليك كل متعامل معك.
الرجل : أمثالي يملئون الأسواق.
عساف : سيجيئون تباعًا.
الرجل : ليس ذنبي ولكنه الزمن.
عساف : بل هو الجشع.
الرجل : وما عقوبتي في تقديركم؟
عساف : القتل!
الرجل (صارخًا) : القتل!
عساف : رجوعك يعني هلاكنا.
الرجل (متوسِّلًا) : أقسم لكم …
عساف (مقاطعًا) : طالما حلفت كذبًا بالطلاق!
الرجل : الرحمة!
عساف : قتلك رحمة بالعباد.

(يقفون وهو يرتعد. يحمله أربعة. الخامس يحمل خمس عِصي غليظة ويتبعهم نحو اليسار. الرجل طيلة الوقت يستغيث.)

(إظلام.)

٢

(إضاءة.)

(يرجعون متجهمي الوجوه. تمر فترة صمت في وجوم ثم يبدأ حسني الكلام وهو أسوأهم حالًا.)

حسني : أن تقتل إنسانًا عمل فظيع حقًّا، لن أنسى نظرة عينيه ولا جمود الموت الناطق بالفناء، لا تُعرف الحياة على حقيقتها إلا لحظة الموت، الحق لقد مت معه …

(صمت. حسني يجفف عرقه.)

حسني : معذرة فإنها المرة الأولى.
رمزي : نحن مثلك.
عسَّاف (متغلِّبًا على وجومه) : هل انهرتم وانتهيتم؟
رمزي وإسماعيل وحلمي : كلَّا … كلَّا … كلَّا …
عسَّاف (مخاطبًا حسني) : إني مثلك تمامًا يا حسني ولكن علينا أن نحترف ضبط النفس …
حسني : تلزمنا أعصاب من فولاذ وقلوب لا تخفق!
عساف : علينا أن نتذكر دائمًا الظلم وأن نثق تمامًا بقوة العادة، وقد تناقشنا طويلًا، واقتنعنا بكل قلوبنا، وتعاهدنا على عمل لا رجوع فيه، إنها رسالة، والرسالة وقودها العذاب …
حلمي : هذا ما ارتضيناه بوعي كامل …
عساف : واعتياد الظلم أفظع من اعتياد القتل.
حسني : الظلم والقتل، كلاهما فظيع.
إسماعيل : لتغفر لنا نوايانا الطيبة.
عساف : تذكروا أننا شرفاء ورحماء.
حسني : ولكننا لن نعرف الابتسام.
عساف : لنكن شهداء.
رمزي : لنكن شهداء.
عساف (بنبرة جديدة) : علينا أن ننسى الجبل إذا رجعنا إلى الحارة.
حلمي : نمارس حياتنا مثل بقية الناس.
إسماعيل : ونتساءل عن سر اختفاء عم فرجل مع الآخرين.
عساف : ونلعن اللصوص ونعطف على أولاده.
حسني : أولاده! إنهم مظلومون مثلنا.
عساف (بخشونة) : نحن قضاة لا محامون، والتاريخ نهر طويل يتدفق بالدم المسفوك تسعة أعشره من دماء الأبرياء.
عساف (يتحرك نحو اليمين وهو يقول) : لا تنسوا أن دماءنا ستلتحم بدمائه البريئة ذات يوم.

(يذهبون واحدًا في إثر واحد.)

(إظلام.)

٣

الكهف – عساف – إسماعيل – رمزي – حسني
عساف : لندعُ لحلمي أن يوفَّق في مهمته.
إسماعيل : فكرة طيبة، المجرم زير نساء، سرعان ما يقتنع بأنه قادم على سهرة طيبة.
رمزي : ستهتز الحارة هذه المرة حتى الأعماق.
عساف : سيؤمنون بأنه سفَّاح خطير.
رمزي : لن يعطفوا على جلَّاديهم.
إسماعيل : من أسف أنَّ الخوف سيجتاح الجميع.
حسني : وربما فطنوا عاجلًا إلى نوعية المختفين.
عساف : لعلَّه أنفع لرسالتنا.
حسني : في تلك الحال يخشى على الأبرياء من سوء الظن.
عساف : الأبرياء لا خوف عليهم.
حسني : قد يتعرضون للأذى.
عساف : أشعر أنك لمْ تبرأ بعدُ من ضعفك.
حسني : ألا ترى أني أعمل مثلكم؟
عساف : أعني القلب، فقد يستقل عن اليد واللسان!
رمزي : اطمئن إليه كما تطمئن إلى نفسك.

(تترامى نحنحة آتية من الخارج. يدخل حلمي يتبعه رجل في ملابس بلدية فاخرة. الرجل يدهش لرؤيته الآخرين ويتوقف عن التقدم.)

الرجل (مخاطبًا حلمي) : ما معنى هذا؟

(ينقضون عليه بسرعة وإحكام يطرحونه أرضًا. يقيِّدون قدميه وذراعيه وهو يقاوم عبثًا. يجلسونه مكان الضحية السابقة وهو ينظر إليهم في فزع.)

الرجل : ما معنى هذا يا أبنائي؟ محال أن تكونوا لصوصًا!
حلمي : صدقت، ستعرف كل شيء.
عساف : لسنا لصوصًا كما قلت، نحن قضاة نحاكم مجرمي حارتنا.
الرجل (برعب) : قضاة … محاكمة … مجرمون!
عساف : كما ترى … وقد سبقك إلى هنا عم فرجل.
الرجل : ماذا فعلتم به؟
عساف (مشيرًا إلى اليسار) : إنه مدفون في الجبل.
الرجل : ألا تخافون القانون؟
عساف : نحن رجال القانون الأسمى، دافع عن نفسك.
الرجل (بفزع) : أنا في عرضكم … خذوا ما تشاءون!
عساف : دافع عن نفسك.
الرجل (بضراعة) : صبركم، فكِّروا قليلًا، فيمَ أختلف عن أي مالك في مصر؟ ماذا يجديكم قتلي؟
عسَّاف : ينقص الظالمينَ واحدًا.
الرجل : الأمر أكبر من ذلك، فكِّروا قليلًا، لنتفاهم، تجعلون من أنفسكم قتلة بلا ثمرة حقيقية.
عساف : لديك أقوال أخرى؟
الرجل : ماذا أقول؟ ماذا يمكن أن يقال؟ ستبقى المشكلة، إنها أكبر مني ومنكم، قد يوجد حل ولكنه ليس في القتل.

(يقفون. أربعة يحملونه إلى سطح الجبل، يتبعهم الخامس بالعصى.)

(إظلام.)

٤

(إضاءة.)

(يرجعون بوجوه متجهِّمة. نلاحظ أيضًا أنهم أملك لأنفسهم من المرة الأولى. أما حسني فقد انتحي جانبًا على حال واضحة من السوء. أربعتهم يلاحظونه بقلق، خاصة عساف.)

(صمت.)

عساف : لا يمكن أن تمضي الأمور على هذا النحو.

(صمت.)

عسَّاف : إني أتساءل متى تبرأ من ضعفك!
حسني : يستحوذ عليَّ إحساس غريب، لعله المرض.
عساف : كلا، إنه أدهى وأمر.
حسني (بنبرة اعترافية) : أخي عساف، ينبغي أن أصارحك بأن دفاع الرجل أقنعني!

(فترة صمت.)

عساف : ما شاء الله، وإذن فالرجل هو المظلوم لا أهل حارتنا!
حسني : لا أعني ذلك، إنما أعني أن قتله لن يحل المشكلة.
عساف : اتفق رأينا فيما سبق على نقيض ذلك!
حسني (منفعلًا) : سنمضي من جريمة إلى جريمة، سنحترف الإجرام ونحن لا ندري، بت أشعر بالمرض.
عساف : إنك مريض حقًّا، مريض الإرادة والروح.
حسني (بعصبية) : العكس هو الصحيح!
عساف : حقًّا؟ كلامك يعني أنك سليم وأننا المرضى؟

(صمت.)

حلمي (لحسني) : أهذا ما تعنيه؟
رمزي (لحسني) : ماذا تقترح؟
عساف : بكل بساطة إنه يمهِّد للانسحاب.
حسني : كلا … أقترح أن نعدل جميعًا عن خطتنا.
عساف : عن احتراف الإجرام.

(صمت.)

عساف : لا فائدة ترجى من مواصلة المناقشة، امكث قليلًا في هواء الليل النقي، استرخِ في هدوء، ثم نستأنف الحوار.

(حسني يتردد قليلًا ثم يذهب ناحية اليمين ويخرج. يتبادلون النظرات.)

عساف : ما رأيكم؟
حلمي : سوف يثوب إلى رشده.
إسماعيل : إني لا أشك في إخلاصه.
عساف : وإني لا أشك في إخلاصه، ولكن الضعف غزاه، ويجب أن نخشى عواقبه ضعفه.
رمزي : لعله من الخير له ولنا أن ينسحب.
عساف : إنه حل قد يسفر عن عواقب وخيمة.
إسماعيل : لن يصلح رفيقًا لنا.
عساف : أوافقك تمامًا، ولكن ما الخطوة التالية؟
رمزي : نعفيه من العمل.
عساف : من يضمن لنا سكوته؟
إسماعيل : لا شك في إخلاصه.
حلمي : وكشْف الأمر يودي به كما يودي بنا.
عساف : الضعف قد يؤدِّي إلى التهور أكثر مما تؤدي إليه القوة!

(صمت.)

إسماعيل : احتمال بعيد جدًّا.
عساف : وهل نضع أرواحنا ورسالتنا تحت رحمة الظروف؟
رمزي : لديَّ اقترح آخر، أن يقتصر عمله على استدراج المجرمين.
عساف : لن يغير ذلك من واقع الأمر شيئًا.
إسماعيل : فلنجرب، لست متشائمًا.
عساف : دعوني أختبره.

(عساف يخرج ناحية حسني. إسماعيل وحلمي ورمزي يتبادلون النظرات في حيرة واضحة.)

إسماعيل : الصبر، سينتهي الصراع إلى خير.
رمزي : لعله.
حلمي : صدري منقبض.

(يرجع عساف متثاقل الخطوات. يجلس القرفصاء دافنًا وجهه بين ركبتيه. ينظرون نحوه بقلق واستطلاع.)

إسماعيل : ماذا وراءك؟

(صمت.)

رمزي : يبدو أنك لم تقنعه؟

(صمت.)

حلمي : تكلَّمْ يا عساف، لا تُسَلِّط علينا الهواجس.

(يذهب إسماعيل إلى الخارج. تترامى منه آهة فزع. يرجع منفعلًا نحو عساف.)

إسماعيل : لقد خنقته!

(يضطرب رمزي وحلمي. يهرعان إلى الخارج. يرجعان أشد اضطرابًا.)

إسماعيل : مَن يصدق؟
رمزي : إنه قرار انفرادي ما كان ينبغي أن يُتَّخذ دون الرجوع إلينا.
حلمي : نحن نتدهور وننتحر.
عساف (رافعًا وجهًا متقلصًا من الحزن) : الألم يمزقني.
إسماعيل (بحدة) : هيهات أن يرده ذلك إلى الحياة.
عساف : لم يدع لي فرصة الاختيار.
إسماعيل : نحن نعمل كوحدة لا تتجزأ فلِمَ انفردت بالقرار؟
عساف : لقد تحملت عنكم الألم وحدي.
إسماعيل : لقد قضيت علينا بألم لا يُمحى.
عساف : أقدمت على الجريمة دفاعًا عنكم وعني وعن الرسالة، إني صريع الحزن والألم.
إسماعيل : إنك قاسٍ فوق ما تصوَّرت.
عساف : الرحمة وحدها هي التي تحركنا.
إسماعيل : يا للعجب! كيف طاوعتك يداك؟!

(عساف يدفن وجهه بين يديه. صمت.)

(إظلام.)

٥

(إضاءة.)

(عساف، إسماعيل، حلمي، وجوههم جادة ولكن يبدو أن ذكرى حسني قد جرفتها الأحداث.)

حلمي : لم يعد للحارة من حديث إلا حديث السفاح الخفي.
عساف : عظيم.
إسماعيل : أهلي يتساءلون أين أمضي بعض الليالي حتى الفجر!
عساف : إنه سؤال يتردد في بيتي أيضًا ويثير متاعب.
إسماعيل : لذلك يتولَّاني شعور أحيانًا بأنني مطارد.
حلمي : وقد يربط قوم بين غيابنا واختفاء الضحايا!
عساف : لقد اخترنا وسلمنا بالمصير المحتمل.

•••

(يدخل رمزي متأبِّطًا ذراع كهل. يدهش الرجل ويدهش كذلك عساف وإسماعيل وحلمي.)

الكهل : أين نحن؟

(رمزي يدفعه فيوقعه. يتعاونون على تكبيله رغم مقاومته وصراخه. يتبادلون النظرات في صمت.)

الكهل : خدعتني يا رمزي، ماذا أرى؟ أنتم لصوص؟!
عساف : لنحمله إلى الخارج حتى نتشاور.

(يمضون به إلى اليسار ثم يرجعون.)

عساف (لرمزي) :  إنه ليس من كنا ننتظر ولا هو من المدانين.
رمزي : لكنه لا يختلف عنهم في شيء.
عساف : ما جريمته؟

(صمت.)

حلمي : المسألة بصراحة أنه نجح في أن يكون خطيب البنت التي يحبها رمزي.
عساف : كيف تقحمنا في شئونك الخاصة؟
رمزي : إنه كهل وهي فتاة في السادسة عشرة، استغل فقرها، وفضلًا عن ذلك فهو فاسق بدليل مجيئه معي جريًا وراء سهرة محرمة.
عساف : مسألة شخصية.
رمزي : بل إنه استغلالي دنيء للضعفاء.
عساف : قد تكون البنت آثرته باختيارها.
حلمي : لا نملك دليلًا ضده، ثم إنها مسألة خاصة.
رمزي : لها صفة عامة في رأيي.
عساف : لا يمكن أن نقتل لمثل هذه الأسباب.
حلمي : أتفق معك.
إسماعيل : وأنا كذلك.
رمزي : هل نطلق سراحه ليفشي سرنا؟
عساف : للأسف لا مفر من قتله، ولكننا لن نقتله، فلسنا مجرمين.
رمزي : إنك تلقي ألغازًا؟
عساف : إني واضح تمامًا، عليك وحدك أن تقتله، وعليك وحدك أن تدفنه.

(رمزي ينظر نحو إسماعيل وحلمي ولكنهما يوافقان صامتين. أخيرًا يتناول عصاه ويندفع نحو اليسار.)

عساف : سيصبح منذ الآن مجرمًا.
حلمي : أجل.
إسماعيل : الحق أننا شركاء له في جريمته.
عساف : ماذا؟
إسماعيل : ها هو بريء يقتل بموافقتنا واقتراحنا، ماذا تريدون أكثر من ذلك؟!
عساف : هل عندك حل أوفق؟

(إسماعيل يصمت.)

عساف (لحلمي) : هل عندك أنت؟
حلمي : كلا.
عساف : هل من سبيل لإنقاذ شرفنا؟
إسماعيل : لن تنقذه قوة في الأرض.
عساف : بل توجد وسيلة لإنقاذه!
إسماعيل : حقًّا!
عساف : أن نعاقب المجرم بما يستحق.
إسماعيل (فزعًا) : تقتله كما قتلت حسني؟
عساف (ساخرًا) : إنما أشير إلى الطريق الصواب ولكما الاختيار.
إسماعيل : إنه فوق ما نستطيع.
عساف : كونا مجرمين إذن.
حلمي : لننسَ الأمر كله.
عساف : هيهات!
حلمي : لا مفر من ذلك.
عساف : إنه الضعف يغزونا مرة أخرى.
إسماعيل : أصبحت الحياة كريهة.
حلمي : لننسَ الأمر ولنواصل السير، أصبحت الحياة كريهة حقًّا.
عساف : لقد جردتنا هذه الجريمة من شرفنا.

(يرجع رمزي غاضَّ البصر. يقف مستندًا إلى الجدار. يسود صمت.)

(إظلام.)

٦

(إضاءة.)

(عساف، إسماعيل، حلمي، رمزي أمام ضحية جديدة مكبلة بالحبال. عند رأس الممر الأيمن خارج الكهف تقف فتاة متنصتة.)

عساف : انتهي التحقيق فلنحمله.

(يحملونه ناحية اليمين مثل كل مرة سابقة.)

(الفتاة تدخل الكهف بحذر، متوارية وراء الجدار تصرخ فزعة وتقع مَغْمِيًّا عليها.)

(يرجع الشبان الأربعة فزعين وبأيديهم العصي. عسَّاف يركع إلى جانب الفتاة على حين يجري الآخرون نحو المخرج الأيمن.)

عساف (بحنان) : هبة … حبيبتي … ماذا جاء بك؟

(يربت على خدها. يرجع الشبان.)

إسماعيل : لا يوجد أحد، كيف جاءت؟!
عساف (للفتاة) : هبة … هبة … أفيقي!
رمزي : ماذا جاء بها؟

(تأخذ الفتاة في الإفاقة. تنقل عينيها بين الوجوه. تتذكَّر تقف فزعة.)

هبة (لعساف) : ابعد عني، إنك قاتل، كلكم قتلة.
عساف : مهلًا، لسنا قتلة، اهدئي حتى أطمئن عليك.
هبة : لا تمسني … ابعد!
عساف : مهلًا … كيف جئت إلى هنا؟
هبة : إنه حظي، لأعرفك على حقيقتك، أنت قاتل؟!
عساف : سأشرح لك كل شيء.
هبة : لقد رأيت بعيني … رأيت القتل والدم.
عساف : ماذا جاء بك يا هبة؟
هبة : كنت عمياء، لاحظت تغيُّبك ليلة بعد أخرى، ظننت … المهم أنني تبعتك.
عساف : يا لسوء الحظ!
هبة : يا للقتل والدم والوحشية.

(تتحول لتذهب، يقف رمزي في طريقها.)

هبة : دعني أذهب!

(يتبادلون النظرات.)

حلمي : غير ممكن.
إسماعيل : هذا مفهوم تمامًا.
هبة : فيمَ تفكرون؟
رمزي : لا يمكن أن تذهبي، هذه هي الحقيقة الأليمة!
هبة : ماذا تعني؟
إسماعيل : حقيقة أليمة حقًّا.
حلمي : أي لعبة قذرة دامية!
رمزي (لعسَّاف) : تكلم يا عساف.

(عساف يئن صامتًا.)

رمزي : لا حيلة لنا.
هبة : ماذا تريد؟
رمزي : لن ترجعي أبدًا.
هبة (وهي في رعب متزايد) : ماذا تقصد؟

(تنظر نحو عساف فيزداد منها قربًا.)

عساف : دعوا المسألة لي.
رمزي : أوضح!
عساف : يلزمني وقت للتفكير.
رمزي : الأمر واضح جدًّا ولعلك لم تنسَ مصرع حسني!

(عساف ينظر إلى رمزي بقهر.)

رمزي : تكلَّم يا عساف.
عساف (بانفعال) : لا.
رمزي : لا؟! ماذا تعني؟!
عساف : قلت لا!
رمزي : أتريد أن تضحِّي بنا من أجل حبيبتك؟

(هبة تقترب أيضًا من عساف.)

رمزي : إنها بريئة، سيئة الحظ، ولكن لا مفر من قتلها!

(هبة تصرخ فزعة.)

رمزي : عليك أن تقتلها وعليك أن تدفنها.
إسماعيل : يجب أن ينتهي هذا العذاب.
حلمي : لقد حلَّت بنا اللعنة.
رمزي : إنها مهمتك يا عساف.
هبة (لعساف) : أنت تقتلني؟
عساف : كلا … لن يمسك سوء.
رمزي : هل تعني ما تقول؟
عساف (بتحدٍّ) : كما تسمع وترى.
رمزي : ها أنت تنكشف على حقيقتك.
عساف : لن يمسها سوء وأنا حي.
رمزي (للآخرين) : لنتخذ قرارًا.
إسماعيل : صبرك.
رمزي : حتى متى؟
عساف : اعتمدوا عليَّ، إنها مشكلتي وسأجد لها الحل المناسب.
رمزي : إنه قرار غير قابل للتأجيل.
عساف : نهرب معًا، أنا وهي …
رمزي : وتتخلى عن الرسالة وعنا؟
عساف : إنه الحل الوحيد.
رمزي : بل يوجد حل آخر، أن تقتلها وتدفنها بنفسك.

(ثم ينظر رمزي إلى إسماعيل وحلمي محتدًّا ويقول.)

رمزي : تكلما … ما معنى الخرس في موقف البيان؟
حلمي : الحقيقة واضحة.
إسماعيل : هذا حق.
رمزي : إنه قرار إجماعي.
عساف : إنه المستحيل!
رمزي : نعفيك من التنفيذ ونقوم نحن.

(هبة تصرخ متعلقة بعساف.)

عساف : لن يتم هذا وأنا حي.
رمزي (منقضًّا علية بعصاه) : إذن يتم وأنت ميت.

(يتبادلان الضرب. يسقط رمزي. هبة تندفع نحو اليمين هاربة. حلمي يتبعها بعصاه. يندفع عساف في أثر حلمي فيعترضه إسماعيل ولكنه يقتله وينطلق خارجًا.)

(إظلام.)

٧

(إضاءة.)

(يرجع عساف حاملًا هبة بين يديه. يضعها على الأرض. ينظر إليها حزينًا.)

عساف : عندما يتجاوز الشعور بالألم حده يفقد الإحساس بذاته. لذلك فإني هادئ وسعيد. لولا أن الوقت غير مناسب لغنيت ورقصت. الوداع لكل شيء طيب أو قبيح. ولتسعفني سعادتي على دفن الحبيبة والزملاء والأمل. وأقول لأي هاتف بأنني لن أعترف ولن أنتحر. في سطح الجبل الغائص في الظلام متسع للتخبط الجنوني الثمل. امضِ أيها الشبح متلقيًا الخلاء بخلاءٍ أشد، مستعذبًا التحدي بلا عون ولا هدف، مستشرفًا ضربات المجهول ومفاجآت الغيب، مستعذبًا الألم والسخرية وذكريات الأحلام الجميلة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤