المقدمة

من منا لا يُحب عمر الشريف؟ … بكلِّ ما به من خليطٍ إنساني، متناسقٍ أحيانًا، متناقضٍ أحيانًا، امتد به العمر حتى قدَّم كل ما يرغبه، صار نموذجًا للعديد من الأجيال التي تلاحقَت طَوالَ أكثرَ من ستين عامًا، ربطَنا به بقصص حب بين الواقع والأفلام، وتصرَّف كأنه رجل الشرق الوسيم الذي تحوطه النساء، والثروات، والشهرة، والكاميرات، وموائد اللعب، وتغيَّر شكله مع الزمن، فبدا كأنه الوجه الذي ينسلخ من الآخر، بسهولة، لكنه لن يعود إليه أبدًا.

إذ رأيتَه، مثلما حدث معي، لا تملك إلا أن تُثبِّت عينَيك عليه، هل هذا هو عمر الشريف الذي أحبَّتْه كل هؤلاء النساء على الشاشة، وفي الواقع، وتتساءل أين مكانة هذا الرجل الواقف أمامك، من كل عشرات الوجوه التي عرفناها عنه على الشاشات وفي الواقع.

ما أمتَع أن يكتب المرء عن مثل هذه الشخصية! ليست الكتابة المقصودة هنا التوغُّل في حياته؛ فهذه في أغلب الأحيان كتاباتٌ خفيفة، ولا تعبِّر عن مدى إعجابنا بالرجل، الرجل بالنسبة لنا هو الوجوه أو الشخصيات، التي رأيناه عليها؛ فهو ممثل؛ أي يجب أن تتنوَّع وجوهه، وهذه الأقنعة الحية هي التي نُشاهِدها مندوبةً عنه على الشاشات.

ولذا، فإننا نقدِّم كتابًا عن هذه الوجوه التي نعرف الكثير منها، ونحفظها عن ظهر قلب، راجع نفسك مثلًا، كم رأيته في وجه «الخرونج» حسين في فيلم «إشاعة حب» وحاول أن تصل إلى إجابة: لماذا أشاهده من جديد؟ هذا هو ما يهمنا لدى الممثل، تهمُّنا وجوهه التي مثَّلها بقَدْر ما يهمُّنا وجهه الواقعي في بعض الأحيان، وجه العاشق، الأب، الرومانسي، وجه الأعزب الوسيم، وجه الأعزب الوسيم، وجه «الكاوبوي» و«الأراجوز» و«الأمير»، وجه المناضل، والخارج عن القانون.

هناك عدة وجوهٍ خاصة بالممثل؛ الأولى يطلُع بها علينا، متنوِّعة، متشعِّبة، تنطق بلغاتٍ متعددة، وتحمل هُويَّات قومياتٍ متباعدة، بين الأوطان والتواريخ، لكنها في النهاية تحمل اسمه، وفي عناوين الأفلام، هناك إشارةٌ أنه موجود هناك، أيًّا كانت مساحة الدور الذي قام به، على مدى مراحلَ من حياته المِهْنية، التي استمرَّت أكثر من ستين عامًا، وستظل حيَّة لقرونٍ عديدة، باعتبار أن السينما هي الأكثر ضمانًا الآن لكسب قدسية الخلود لمن عملوا فيها، خاصة في التمثيل، وربما في الإخراج.

وقد كان عمر الشريف في السينما «ممثلًا»، لم يقم بأي نشاطٍ إضافي في هذا الإطار، لم يقم بالإنتاج، ربما مرةً واحدة في فيلم كان سيقوم ببطولته هو «لا تطفئ الشمس»، كما أنه لم يقترب من الإخراج، أو الكتابة؛ بما يعني أن كل الوجوه التي طلَع بها علينا هي من اختيار الآخرين، ولا أعتقد أنه كان يرفض الدور الذي يقوم ببطولته، مثلما حدث مع تشي جيفارا، وإن كان قد أعطى الحق لنفسه كثيرًا أن ينتقد نفسه على هذا الاختيار، وهكذا سنراه ينتقل بين البطولات والأدوار الصغيرة، ونراه يقوم بالتمثيل بأربع لغاتٍ على الأقل؛ هي العربية والإنجليزية والإيطالية والفرنسية، ويُقال إن من بينها أيضًا الإسبانية.

حول هذا الرجل، صاحب كل هذه الوجوه نقدِّم هذا الكتاب؛ ولذا فإننا جعَلْنا الحديث عن الوجوه السينمائية أسبق من الحديث عن وجهه هو، واخترناه أن يتكلم هو عن نفسه، عن وجهه الخاص. بدأنا بقراءة وجوهه في السينما المصرية، وهو الذي سافر وعاد ولم يُقِم في الخارج مثلما فعل المهاجرون، كما أن لسانه الأعجمي لم يؤثِّر قَط على نَبْرته المصرية، ثم قدَّمنا القسم الثاني عن وجوهه الكثيرة التي قدَّمها في السينما العالمية (الولايات المتحدة وأوروبا)، وبعد أن قدَّمنا مختصرًا بلسانه لسيرته الحياتية، تفانَيْنا قَدْر الإمكان في تجميع قوائم أعماله السينمائية ببعضٍ من التفصيل، مع ذكر أعماله التليفزيونية في أماكنَ متفرقةٍ من الأوطان، وعلى كلٍّ فأغلبها لم يكن للممثل نفس البريق؛ حيث إن نضارة الوجه السينمائي وإشراقه كان سببها الأول هو عمله مع مخرجين بأعينهم في مصر والعالم، كانوا من الأفضل دومًا، هذا ما دفعَنا إلى الكتابة عن الممثل من خلال المخرجين الذين عملوا معه، سواء في مصر أو العالم؛ فالأمر لم يتغير كثيرًا.

وأرجو أن يعذرني القارئ أنني لم أتمكَّن من العثور على أفلام تُعَد علاماتٍ بالنسبة له، مثل «الموعد» و«رحلة حب»، ولا أعرف كيف لا تتوفر هذه الأعمال بالوسائل التقليدية حاليًّا. كما أشكر الأستاذ يوسف شريف رزق الله فيما بذلَه من جهد، وقد عملتُ بنصائحه.

محمود قاسم
القاهرة ٢٠١٥م

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤