عز الدين ذو الفقار

نهر الحب (فرونسكي)

معذرة؛ فأنا لم أحب قط هذه القصة بصياغتها المصرية، خاصة أنها تحوَّلَت إلى فيلمٍ مصري مرتَين في تاريخ السينما؛ هي «المستهترة» ١٩٥٣م، و«نهر الحب» ١٩٦٠م. ورغم أنني قابلتُ الكثير من عشاق هذا الفيلم، ورغم هذه الكوكبة من النجوم والعاملين في الفيلم، ورغم الاقتباس عن روايةٍ روسية تُرجمَت بترجماتٍ عديدة إلى اللغة العربية، فإنني لم أحب قط التسييسَ الملحوظَ لشخصية الباشا في الفيلم، وهو وزير ورجل سياسة ينتظر الكثير من المستقبل السياسي، فإن السيناريو الذي كتبه المخرج مع يوسف عيسى، جعل الباشا رمزًا يُشوِّه به رجل السياسة الذي كان يمثِّل الحكم فيما قبل ثورة يوليو، وأعطى الحق للزوجة أن تُحب شابًّا وسيمًا، ضابطًا في الجيش، يتسم بالوسامة، والشباب، والجاذبية، والرومانسية. أما الباشا؛ فقد بدا «جلَنف» بلا قلب، أو مشاعر. هو رجل أكبر سنًّا من زوجته نوال، وهي تقع في غرامِ مَن يُناسِب سنَّها. وقد صوَّر الفيلم الشخصية وقد امتلأت بالغلظة والقسوة، سواء على الزوجة وهي خائنة تسافر مع عشيقها في رحلة حب إلى جبال لبنان دون أن تراعي مشاعر زوجها، أو ابنها، طفلها الوحيد.

ولا يمكن أن تحب فيلمًا، الشخصية الرئيسية فيه بهذه الغلظة الشديدة، رغم أنه يتكلم بالمنطق، ولديه المزيد من المسئوليات السياسية والاجتماعية. أما الزوجة، فكل ما تسعى إليه هو إشباع أنوثتها وشبابها، وأن تظهر مع خالد في الحفلات الليلية التي يتردَّد عليها أبناء الطبقة الراقية. والغريب أن نهاية الفيلم قد صوَّرَت نوال باعتبارها ضحية الزوج، وأيضًا باعتبارها المرأة التي لم تنَل شيئًا مما كان حولها؛ الزوج، الابن، الحبيب، المكانة. وإذا كانت قد توسَّلَت إلى زوجها بعد كل هذه الفضائح، والتشهيرات، أن يقبلها خادمة، فإن الرجل البالغ العقل، والمنطق، ما كان له أبدًا أن يقبل توبتها أو اعتذارها، باعتبار أن قوانين السينما لا تعرف الغفران أبدًا لهؤلاء النساء، لا تُسامِح تصرفات هذه المرأة التي ارتدَت قناع فاتن حمامة.

figure

هناك اختلافٌ واضح بين الرواية، في كافة الترجمات، وبين الفيلمَين المصريَّين؛ فقد منح السيناريو المصري لأبطاله أسماءً ذات معنًى؛ فالوزير طاهر، والحبيب خالد، والفيلم عن نوال الفناة البسيطة التي تعيش مع أخيها المحامي الشاب ممدوح، الذي يأمل أن يحقِّق شيئًا في وظيفته، ويتعرف على الباشا طاهر الذي يُعجَب بنوال ويتزوجها رغم فارق السن، ينجبان طفلًا صغيرًا، لكن الباشا يتسم بقسوةٍ بادية. وتعاني نوال من حرمانٍ عاطفي، تلتقي بالضابط خالد في القطار وتهيم به حبًّا. يُذاع أمر العلاقة في الأوساط الراقية، تطلُب الزوجة الطلاق، إلا أن الباشا يطردها من المنزل ويحرمها من ابنها دون أن يحقِّق أملها. تسافر نوال مع خالد إلى لبنان، وتلتقط لهما الصحافة الصور، مما يدين نوال، ويؤثِّر على المستقبل السياسي للزوج. يموت خالد في حرب ١٩٤٨م، ويرفض الزوج أن تعود امرأته إلى الدار. وعندما تخرج بسيارتها إلى الطريق تتعطَّل سيارتها عند المزلقان، ويصدمها القطار وتموت.

آنا كارنينا (الرواية): تتسم آنا كارنينا بجمالٍ فاتن، وجاذبيةٍ ملحوظة، وهي زوجةٌ للوزير كارنين، الذي يكبرها بعشرين عامًا، وتزوَّجَته منذ ثمان سنوات، وتعيش في سان بطرسبورج، أنجبَت منه خلالها ابنهما سيرج، تسافر إلى موسكو قادمةً من بطرسبورج لزيارة أخيها أوبلونسكي. وفي القطار تقابل امرأة تحدِّثها بشكلٍ جذاب عن ابنها فرونسكي، الشديد الوسامة، تلتقيه في المحطة، مع أخيها، وفي الليل تراقصه، ويقع كلٌّ منهما في حب الآخر، ويصير عليها أن تواجه المجتمع، وأن تتحداه. أما هو فقد تحوَّل عن خطيبته كاترين، وتفرَّغ لحبه الجديد. تصل الأخبار إلى الزوج، صاحب المقام الرفيع. لا تأبه آنا لكل ما يُقال حولها، لدرجة أن العشيقة تُنجب منه طفلة، فتُنسب إلى الزوج الذي يُضطَر إلى أن يطلِّقها، وأن يطردها من المنزل، فيحرمها من ابنها، وتنجح يومًا في العودة إلى الدار، لرؤية ابنها. تبدأ مشاعر التوتر، في شرخ العلاقة بين آنا وفرونسكي، ويتجه إلى امرأةٍ أخرى، بعد أن صارت شديدة الغَيرة عليه. تقرِّر آنا أن تنتحر أمام هذه المشاعر الجديدة لعشيقها، فترمي بنفسها تحت عَجَلات القطار .
فرونسكي: «إنه على جانب عظيم من الثراء، والأناقة، وله صلاتٌ وثيقة بجميع الشخصيات المبرزة، ثم إنه طيب الخلق، كريم، عظيم الذكاء، والمستقبل فسيح أمامه.»

وفي مكانٍ آخر: «كان من حسن حظ فرونسكي أنه وضع لنفسه في الحياة مبادئ لا يحيد عنها. ومن هذه المبادئ أن الرجل الشريف يجب أن يدفع دَين القِمار، لكن ليس من الضروري أن يدفع دَين صانع الثياب، وأنه لا يجب أن يكذب على رجل، ولكن لا مانع من أن يكذب على امرأة، وأنه لا ينبغي أن يخدع أحدًا إلا الزوج، وأنه لا يجب أن يصفح عن الإهانة، ولكن يجوز له أن يهين الغير … إلخ.»

وفي مكانٍ ثالث: «ورأى أن ذلك الزوج المخدوع، الذي طالما نظر إليه كما ينظر إليه، كمخلوقٍ وضيع يستحق بالرثاء، أو إلى عقبةٍ مضحكةٍ عارضة لا ضرورة لها، رأى أن هذا الزوج أبعدُ ما يكون عن صفات الضعة والقسوة والنذالة التي كان ينسبها إليه، وأنه أنبل منه وأكرم، وأسمى، وأنهما تبادلا الأوضاع، فأصبح كارنين عظيمًا بكرمه وأفكار ذاته، وأصبح هو وضيعًا بخيانته وإثمه، ونذالته.»

صدَرَت رواية آنا كارنينا باللغة الروسية، عام ١٨٧٧م، في ٨٦٤ صفحة، وقد صدَرَت الطبعة العربية الكاملة في الاتحاد السوفييتي، لكنها لم تُترجَم إلى اللغة العربية كاملة. ولعل من أبرز الترجمات التي صدَرَت في العدد ١٦٦ من روايات الجيب «يوم الأربعاء» ٣ مايو ١٩٣٩م، من ترجمة عمر عبد العزيز أمين، صاحب السلسلة، وناشرها. وتقع هذه الطبعة في ٣٠٠ صفحة (عدد ممتاز). في هذه الطبعة صُورٌ من الفيلم الذي قامت ببطولته جريتا جاربو عام ١٩٣٦م.

كما صدَرَت طبعاتٌ مختصرة من السلسلة من أبرزها «مطبوعات كتابي» تحت عنوان «التراث العالمي للقارئ المعاصر» من ترجمة حلمي مراد، صاحب السلسلة، عدد الصفحات ٢١٠، وقد استعانت الطبعة بصور من الفيلم الروسي الذي تم إنتاجه عام ١٩٦٧م. وقد أعيد طبع هذه النسخة مرةً أخرى عندما أعيد إصدار السلسلة لدى المؤسسة العربية الحديثة في أوائل هذا القرن.

وقد جاء في مقدمة الطبعة العربية (كتابي) أن كتابة هذه الرواية استغرقَت خمس سنوات؛ فقد بدأها في ربيع عام ١٨٧٣م، وأتمها ونُشرَت في أكتوبر عام ١٨٧٧م.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤