رمسيس نجيب

غرام الأسياد (النبيل)

سحرَتْنا أودري هيبورن بالشخصيات التي جسَّدَتها في العديد من أفلامها؛ ما دفع بكُتاب السيناريو، والسينمائيين إلى التكالُب على أفلامها لتحويلها إلى أعمالٍ مصرية، ابتداءً من «إجازة في روما» و«الحب في الظهيرة» و«سابرينا»، و«سيدتي الجميلة»، و«اللغز»، وغيرها. وعندما كرَّس المنتج رمسيس نجيب كل جهده من أجل تصعيد مكانة زوجته لبنى عبد العزيز في السينما، فإنه تحوَّل إلى الإخراج من أجلها، واقتبَس لها أدوارًا مشهورة في السينما العالمية، منها وجه «سابرينا»، الذي تم إنتاجه عام ١٩٥٤م، وفيه وقعَت بين غرام شقيقَين جسَّد كلًّا منهما همفري بوجارت، وويليام هولدن. إذن كانت هذه هي المرة الأولى تقريبًا التي يجسِّد فيها عمر الشريف دور وجه ممثلٍ أمريكي، باعتبار أن أدواره السابقة كانت مأخوذةً من رواياتٍ مصرية، أو عالمية. وقد دارت أحداث الفيلم في أجواء يُحبها بطلا الفيلم، وهو عالم الفروسية، وبدَت لبنى عبد العزيز بالغة التلقائية والجمال، وهي تؤدي دور «نور»، ابنة السايس في أسرة تهتم بتربية الخيول من ناحية، ولها مكانتها الاجتماعية.

إنه موضوعٌ تقليدي، لكنه خفيف؛ فعلى غرار الكثير من أفلام تلك المرحلة، فإن هناك منافسةً ثم خصومة وتضحية بين أخوَين من الأسرة الثرية على قلب فتاة، بدَت لكلٍّ منهما جميلة، وكانت أمامهما فترةً طويلة، تُخفي جمالها في ملابس الغلمان، وهي تقوم بالاهتمام بمربط الفرس، وخاصة بالحصان فرحان، المفضل لدى الأخ الأكبر أحمد. هذان الشقيقان متناقضان، يقعان في حب نور، فقط بعد أن هربَت من البيت، وذهبَت للعمل في مجال عروض الأزياء، وصارت نجمة، وتحوَّلَت ظروفها الخاصة، وإن ظل أبوها هو السايس إلى الأبد.

الفتاة التي صارت مانيكان، ما إن رآها كلٌّ منهما، بعد أن تغيَّرَت، حتى سقط في هواها. وبدأَت المنافسة بين الطرفَين لدرجة أن أحدهما يصفع الآخر، ثم يبكي، وذلك دون أي اعتراض من الأب، والأم، باعتبار أن أحمد هو العاقل. أما عصام الأصغر، فهو المتهور، المندفع، النزِق، الذي لا يفكر فيما يبتعد عن قدمَيه. وهو يمثل الجانب الخارج عن الطوع في الأسرة؛ يلعب القمار مع زملائه، ويحاول أن يعتدي جنسيًّا على نور، حين يراها معجبةً بجسدها ليلًا، فينبهر بها. ويكون نتيجة ذلك أن تهرب في الظلام، وتذهب إلى لولو، الفتاة الثرية، ابنة صاحب محلات الأزياء، وهي في الوقت نفسه مغرمة بأحمد.

يجد عمر الشريف نفسه، وقد جسَّد شخصية سبق أن قدَّم بعضًا منها في فيلم «إحنا التلامذة»، «الولد» طايش. أما هي فقد أخفت كل هذه الأنوثة خلف ملابس «أولاد»، ولم تتعلم شيئًا عن العلاقات العاطفية، ولا كيف يعيش العشَّاق حيواتهم. وهي تحب الأخ الأكبر، كأنها سوف تناله يومًا، ومن هنا أتت حساسية الصراع العاطفي على قلبها بين الأخوَين. إلا أن الظروف تتغير من حولها ببطء، فتبدأ في الاهتمام بأنوثتها، ووضع بعضٍ من المساحيق الخفيفة. إنها لا تعرف مقدار ما بها من جاذبية، لكن كل هذا الجمال ينكشف بعد أن تتلقى التدريبات، وتتحوَّل إلى عارضة أزياء.

figure

والعالم من حول هذه الشخصيات ضيقٌ للغاية؛ فصاحبة معارض الأزياء ليست بعيدة، وهي التي تدفع أباها إلى أن يُجرِّبها، بعد أن تدلَّلَت عليه إحدى عارضاته. وكانت الفرصة أمام «نور» مفتوحة؛ لذا فسرعان ما سيراها عصام، وهي فوق خشبة العرض. كان مع زملائه، وبدت أمامه بسحرها، فتحوَّلَت رغبته المتقدة فيها إلى حالة من العشق، وسرعان ما يطلبها للعشاء، ويُبلغها أنه سوف يتزوَّجها، وأنه لا يحب ابنة خالته الثرية التي تنتظره، ويعترف لأصدقائه الذين يسهر معهم أنه متيَّم بها. وهو لن يتحوَّل بسرعة إلى الشاب المعتدل، بل يتصرَّف بنفس النزق والاندفاع، يتحدث إلى أخيه الأكبر وهو مخمور. ويبدو التناقض في كلام أحمد، وتصرفاته؛ فهو عندما يعرف أن أخاه يحب ابنة السائس، فإنه يكلِّمه بلهجة العقلاء، ويحاول أن يثبت له أن المسئولية أمرٌ مهم، في الزواج داخل العائلات. وسوف ترى أن ما حدث بين الأخوَين أقرب إلى ما دار بين الأخوَين في فيلم «كهرمان» للسيد بدير ١٩٥٩م، في معالجةٍ أقرب إلى «تاييس»؛ حيث إن الأخ العاقل الذي سيذهب إلى المرأة التي يحبها أخوه، من أجل أن تبتعد عنه هو نفسه لن يلبث أن يسقط صريعَ هوَى تلك الفتاة، ويلبس ثوبًا مختلفًا. لن يكون نَزِقًا، ولن يشرب الخمر، ولكنه سيكون عاشقًا عاقلًا، سوف يتزوج من نور. وسيدفع هذا بعصام، في لحظة تحوُّل أن يقوم بالتضحية، كي يقترن الأخ بنور.

أهم ما في الأمر هنا، أن «لولو» عندما تُحس بخطورة «نور» عليها، وأن وجودها يهدِّد علاقتها بأحمد، فإنها تدبِّر لها مؤامرةً صغيرة، حين تطلب من عصام أن يحضُر حفلًا، سيرى أثناءه نور وهي في أحضان أخيه، فتحدث المواجهة. وبعد الغضب فإن عصام يصطدم مع أخيه، بينما تحاول لولو أن تذكِّرها أنها مجرَّد سائسة «إنتي خدامة لأحمد مراد، فوقي لروحك، إنتي بنت السايس»، وينتهي المشهد أن أحمد الأخ الأكبر العاقل المتزن، يبكي، مما يؤثِّر في عصام وهو يردِّد: «ماكنتش متصور ان الحب يخليك تبكي في يوم من الأيام.»
لم نرَ أي صراعٍ إضافي بين قابيل وأخيه هابيل، مثلما رأينا في عشرات الأفلام المصرية التي تناولَت هذا الموضوع؛ فوسط نُبل الأُخوَّة في هذه الطبقات الراقية، فإن عصام يخبر أباه أنه يطلب يد ابنة خالته سامية، دليلًا على التضحية. ولم نرَ الأب يعترض أو يوافق على أن يتزوَّج ابنه الأكبر، الذي تأخَّر زواجه كثيرًا؛ ففي الوقت نفسه يذهب أحمد للبحث عن حبيبته لدى لولو، التي دبَّرَت خطتها للإيقاع بين الأخوَين، وفي النهاية يلتقي نور في مكانٍ قريب من داره، ويردِّد لها: «حتفضلي دايمًا معايا.»

في هذا الفيلم، رأينا كيف يجتمع اثنان من النجوم الرجال، للتنافس بشكلٍ ملحوظ في شخصيتَين متناقضتَين. وقد وقف عمر الشريف في أفلامٍ عديدة أمام نجوم لهم وزنهم، وأثبت أنه قادر على المجابهة. وهذه هي المرة الثانية التي يقف أمام أحمد مظهر بعد «لوعة الحب». إنهما يتنافسان دومًا على حب المرأة نفسها، وفي كلتا المرتَين، تنازل عن غير إرادته بالمرأة إلى خصمه، هنا إلى شقيقه، بعد أن أدرك أن أخاه في «حالة حب» للمرأة التي اختارها، وفي الفيلم السابق، فإنه يتراجع عن موقفه بأن تنفصل حبيبته، زوجة سائق القطار، عندما عرف أن التحوُّلات من حوله كانت أكبر من إرادته.

من السهل جدًّا أن نرى من خلال هذا الفيلم، كيف صار المجتمع مرنًا؛ فمن السهل على ابنة السائس أن تتحول إلى فتاةٍ غنية، دون اللجوء إلى الملاهي الليلية، أو صالات القمار، وتعمل كعارضة أزياء، كي تغيِّر من مستواها الاجتماعي؛ لذا فقد كان كل هم الأب، هو ألا تكون ابنته قد فرَّطَت في شرفها، بسبب هذا التحوُّل أو نتيجة له.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤