نيازي مصطفى

فضيحة في الزمالك (المخدوع)

الفيلم الوحيد الذي جمع كلًّا من عمر الشريف ونيازي مصطفى كان بمثابة تجربةٍ غريبة وفريدة لكلٍّ منهما؛ فقد أسند المخرجون بشكلٍ عام إلى عمر دَور الدون جوان، الذكَر الخالد، الذي تسقط النساء، خاصة الأكبر منه سنًّا، في هواه، وهو الذي يقوم بدور الخاطئ، ولم نرَه قَط في دور الزوج الذي تخونه زوجته، حتى ولو من أجل المال. ومثلما انتشَرَت الأفلام التي تعتمد على قيام الربيب بخيانة ولي نعمته، مثلما حدث في «غلطة حبيبي»، فإن هناك نوعًا آخر من الأفلام رأيناه في نفس السنوات، تقوم قصته على أساس أن زوجةً بريئةً طاهرة، تدفع ثمن خيانة أختها لزوجها، وتُلقى عليها الاتهامات بالخيانة أحيانًا، والقتل أحيانًا. واللطيف أن مريم فخر الدين بوجهها البريء في تلك السنوات قد قامت بأداء هذه الشخصية أكثر من مرة، منها فيلم «ارحم حبي» لبركات، و«البنات والصيف» لعز الدين ذو الفقار.

يعني هذا أنه لم يكن هناك الجديد في قصص الأفلام؛ فالفيلم يقوم على إعدادٍ للمخرج مع كاتب السيناريو عبد الحي أديب. أما القصة والسيناريو فمن إعداد الروائي فتحي أبو الفضل. وتدور الأحداث كما في عنوان الفيلم، في حي الزمالك، وكان في تلك الفترة في حالة إنشاء، يبدو بالغ الرقي، والتطور، تخلو شوارعه من المارة، ويمكن للخيانة الزوجية أن تحدُث فيه بسهولة. وتأتي جسامة الحدَث في أن الزوجة تخون زوجها مع مراد، أقرب أصدقائه، وهو الذي يموت بين يدَيها بالسكتة القلبية وهي تزوره في شقته بالزمالك، ثم تأتي الجسامة التالية أن أختها الوحيدة التي سوف تُتَّهم بأنها قتلَت هذا العشيق.

الفيلم منذ بدايته يجعل الصديق الخائن يدفع ثمن ما اقترف، وعندما تسقط الزوجة من أعلى عمارة تحت الإنشاء تُطِل مباشرةً على النيل، فإنها بذلك تكون قد دفعَت ثمن ما اقترفَت من خيانة، وأيضًا من تضليل العدالة، وهي التي ارتدَت بعض ملابس أختها خاصة الحذاء. ومفتاح هذا المشهد الختامي يأتي في حي الزمالك، الذي يُطِل على النيل، بمثابة الفردوس، وأيضًا الجحيم المنتظر.

عمر الشريف (أحمد) في هذا الفيلم هو مثل آلاف الموظفين الشباب؛ وسيم، له جاذبيته الجنسية، أنيق، متزوج من امرأةٍ لا تشبع، لا من الجنس، أو من الأموال؛ فهي دائمة المطالب بما يتنافى مع دخله، غير راضيةٍ عن حالها، خاصةً أن الأشخاص الذين يعيشون في دائرتهم الاجتماعية لديهم قدرة، وميسرة، ابتداءً من أختها أمينة، زوجة المهندس الناجح كمال، التي تسكن في الزمالك. وأيضًا الصديق مراد، الذي يساعد صديقه بالمال من وقتٍ لآخر. وعندما تتعرَّف عفاف على مراد، فإنها تصبح بسرعةٍ ملحوظة لقْمتَه السهلة، وتغدو عشيقتَه، ويموِّلها بالنقود التي تطلبها، فتشتري شقةً بالزمالك، وترتدي الملابس الفخمة. وتبدو هذه المرأةُ كأنها لا تشبع، وهو يُحاوِل إسكات جسَدها دومًا بالجنس، لكنها لا تشبع. وفي أحد المشاهد التي تلت خلافًا دار بينهما، فإنها تتلوَّى فوق الفِراش بما يعكس ما نالَته من إشباع. لكن الجنس هنا ليس المطلوب وحده، وإنما الطموح والمكاسب المادية.

مراد، على سبيل المثال، صائدُ نساءٍ محترف، في أغلب المشاهد التي يظهر بها، وتبدو اختياراته من النساء الناضجات ما يُشبِع رغباته، وهو جريء ومقدام. أما أحمد فهو لا يعرف، حسب الفيلم، سوى زوجته التي يُحبها، ويعيش معها في مثل هذا التوتُّر الدائم. وقد تتابعَت أسباب تمرُّد امرأته بشكلٍ سريع، في البداية، كي نعرف أن هذا النوع من النساء من الصعب إشباعه؛ فعندما تذهب لتزور شقة أختها لأول مرة فإن الأمر يتطلب ملابسَ جديدةً أنيقة تبدو بها في حفلٍ صغير تقيمه أسرة أمينة. وفي فيلا الزمالك الجديدة، تتصرَّف الزوجة على أنها يمكنها أن تطلب أي شيء، وكل شيء من أي شخص؛ فهي تقبل أن تُهديَها أختها البورديرة (علبة البودرة) وتأخذها معها إلى شقة مراد، أكثر من مرة، كما تأخذ حذاء أختها، وكلها أسبابٌ سوف تساعد في توجيه الاتهام إلى أمينة في أنها عشيقة مراد.

هناك جرائمُ مفتوحة، مكشوفة، لكنها ليست كالجرائم؛ فالصديق الخائن يُصاب بأزمةٍ قلبية أثناء إحدى زيارات الزوجة له، ويلفظ الروح. ويصير على عشيقته أن تُفلِت بجلدها، خاصة أن هناك جريمةً أكبر تنتظرها؛ فزوجها أحمد دائم الزيارة لصديقه. ويبدو أحمد منساقًا بقوة لكل الإغراءات التي حوله؛ فهو لا يسأل عن مصادر الأموال التي تدبَّرت للسكن في الزمالك، وأيضًا ماذا حدث لزوجته من تغيير. والغريب أنه لا يسأل، ولا يشُك، لكن كل شيء يحدُث بسرعة؛ فالزوج حين يدخل شقة مراد يسترعيه أن امرأةً تهرُب، ولا يتمكَّن من رؤيتها، لكنه يتعرف على حذائها فيما بعدُ، ونعرف أن المتهَمة هي أمينة.

figure

ليست هناك جريمة، لكن هناك شرطة؛ يأتي المحقق بسرعة وتبدأ إجراءاته، وينطلق الكلب البوليسي في شوارع الزمالك متتبعًا حركة المرأة، التي أصرَّت على الذهاب إلى شقة أختها لتستريح، وكي تأتي الشرطة للقبض على صاحبة البيت؛ فهي أيضًا صاحبة الحذاء. وتصبح الجريمة هنا هي الخيانة، تلك مسألة ترجع إلى الزوج كمال، الذي لم يكُن يميل إلى مراد، حين حاول ذات مرة أن يغازل أمينة. ويبدو كمال هنا بالغ الحدة في موقفه؛ فهو يقرِّر أن يُطلِّق زوجته، دون أن يستمع إلى الكلمة الأخيرة في التحقيقات. وتتأزم الأمور أمام أحمد، الذي يجب أن يسدِّد عجزًا في خزانته، ولكن إلقاء القبض عليه يعوقُ دون ذلك حتى يتدخل كمال ويدفع له الكفالة. هناك أشياءُ بوليسية تحدُث بين المحقق والزوج الشاب الذي يبدأ في فهم الخيوط الأساسية التي تشكل الأمور. وسرعان ما يفهم أن أمينة لم تكن عشيقةً لمراد، ولم تكن في شقته، وإنما كانت زوجتُه هي التي كانت هناك، ويقرِّر أن يذهب إليها في شقتها كي ينتقم منها.

يحاول الفيلم صبغ الصفات بشكلٍ مجسَّد على الأشخاص؛ فرغم أن أمينة خَسرَت حياتها العائلية بسبب فعلة أختها، وأنه تم القبض عليها وإيداعها الحجز، ورغم أن كمال طلَّقها وطردَها من حياته، فإن أمينة عندما عرفَت أن أختها في خطر، وأن زوجها سوف يُلاحِقها كي يقتلها، اتصلَت بالخادمة في البيت، وحذَّرَتها مما هو قادم. وهنا تبدأ المطاردة الثنائية النهائية في شوارع الزمالك، حتى يصعد الاثنان إلى إحدى العمارات، تحت الإنشاء، المُطِلة على النيل. وتُحاوِل المرأة الإفلات من غضب زوجها، وتبدو لأول مرةٍ ضعيفة، وتتراجع حتى تسقط من أعلى العمارة.

نحن أمام فيلمٍ صغير، ليس به سوى أبطاله، الطيبون، والطامعون، يدورون في فلَكٍ بالغ الضيق، فلا تكاد الأحداث تبتعد عنهم. وينتقل الأشخاص إلى حيث يمارسون أحلامهم؛ فمراد يدعو صديقه أحمد وزوجته إلى شاطئ المنتزه بالإسكندرية، وهو يمارس خيانته وبينهما جدارٌ واحد. ويتصرَّف أحمد بسذاجةٍ واضحة، كأنه لا يكاد يعرف اقتراب الطاقة من النيران. وبدَت برلنتي عبد الحميد هي الشخصية الرئيسية في الفيلم. وخرج محمود المليجي من الأحداث في منتصف الفيلم عقب إصابته بأزمةٍ قلبية. وبدا محسن سرحان كأنه يقوم بدورٍ مساعد، وأيضًا زوجته. وإن كان أحمد لوكسر قد أجاد ضمن مراتٍ عديدة، في دور المحقِّق الذي يصل إلى الحقيقة. وسرعان ما سينكشف أن سبب الموت هو سكتةٌ قلبية؛ ما يعني براءة أيٍّ من النساء من القتل. لم يلتفت المحقق إلى جريمة الخيانة الزوجية؛ ولذا صار على المحقِّق أن ينزع فتيله عن القضية. ما إن فهم أحمد الوقائع، وأنه كان المخدوع دومًا؛ لذا فقد طارد زوجته، حتى سقطَت من أعلى العمارة. إلا أن الفيلم لم يُشِر، هل كانت هذه هي العلاقة الآثمة الأولى في حياة الزوجة، وقد نفهم أن الزواج ليس قديمًا، وليس حديثًا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤