إلى الشعب المصري الكريم

نحن نعيش في عصر تاريخي محفوف بالأخطار مليء بالمفاجآت المتعاقبة، عصر فيه قوى مدمرة طليقة في كل مكان، وهذه الحالة العالمية القلقة تجعل الاعتصام بالاتحاد والصبر ألزم اليوم مما كان في أي وقت مضى، وإذا كان المستقبل مجهولًا، فإن هناك أمرًا واحدًا محققًا في حياتنا هو أننا لا نعرف الركود ولا الجمود.

شمل الاضطراب كل شيء في العالم، والاستقرار لا يتم في مصر بنفسه، وإنما يتم بتوجيهنا وعزيمتنا، والنهضة لا تتحقق بالمصادفات، وإنما تجيء ثمرة عمل قوي متصل يُبنى على رسم وتصميم وتخطيط، بعد درس طويل، وبعد تعبئة عامة، وتعاون وثيق، والنهضة الإصلاحية لا تقوم إلا على الصلابة في الحق والنزاهة والإيمان.

ولن يحقق المواطنون المصريون لبلادهم مجدًا خارجيًّا ومكانة عالمية، إلا إذا حققوا فيها مجدًا داخليًّا يرفع معيشة الطبقات العاملة المنتجة، ويكفل سعادتها وحرياتها، فإذا كانت الأمة تنهض بقيادة المستنيرين من أبنائها، فإنها لا تسعد إلا بسعادة سوادها الأعظم، والإصلاحات الكبرى لا تقوم إلا على فهم شعبي، وتأييد من رأي عام قوي مستنير.

ولا ريب في أن شيئًا من ذلك لن يتم على وضع صحيح دائم إلا باستقرار الوحدة القومية، والوحدة لا تستقر إلا في ظل ميثاق قومي ترضاه الأمة ويكفل الحريات، ويجمع المبادئ الرئيسية في العدالة السياسية والعدالة الاجتماعية.

وعلى الذين يحبون مصر أن يعملوا، وأن يدعوا المستنيرين من جميع الآراء والمذاهب والألوان إلى الاشتراك في العمل معهم، فأبناء مصر سواء في شرف خدمتها.

إن مصر ينبغي أن تتحمل تبعاتها السياسية كاملة، داخلية كانت أم خارجية، وسياسية الارتجال التي اقترنت بالتهديد والإرهاب والإغراء من جانب، والخوف والخضوع والاستسلام من جانب آخر، سياسة قصيرة النظر، قصيرة الأجل، انتهت دائمًا بالفشل والخيبة والخسران.

إن رسم السياسة المصرية الجديدة وتخطيط أساليبها هو أعظم واجب على ساسة مصر في الظروف الحاضرة، وإن ما نحتاجه هو التصميم على نبذ سياسة المساومة السرية، والاعتماد على تأييد القوة الحية في البلاد، ولا سبيل لإنقاذ الشرف القومي والكرامة المصرية إلا بقيادة تكون من صميم قوى الحرية الحقة والديمقراطية الصحيحة.

نحن نريد أن تبقى بلادنا الأرض التي تسودها الحرية المنظمة، ويقوم فيها الحكم النيابي الصحيح، يملأ قلوب أبنائها الإيمان بالاعتدال والثبات، بلادًا شعارها الاقتباس والابتكار والبناء، لا الهدم والتدمير والتخريب.

نحن نؤمن بحرية مصر ونحب الحرية لغيرنا، نؤمن بكرامة مصر ونحب الكرامة لغيرنا، نؤمن بالعدل ونحب العدل لغيرنا، نريد ضمان العدالة الإدارية على أسس ديمقراطية واسعة النطاق في نظام غايته كرامة الفرد وحريته، والمساواة بين المواطنين جميعًا، نريد تنزيه الحياة النيابية والحزبية، والعمل على أن يكون البرلمان صورة صحيحة لكافة طبقات الأمة، وأن يمثل جميع عناصرها المنتجة، نريد سياسة مصرية موحدة يؤيدها المصريون جميعًا، سياسة لا تقوم على العنف ولا تُعالج بالعنف، سياسة تعاون وسلام.

نحن في عصر هوت فيه ديمقراطيتنا رغم ما كسبناه من تجارب وما ذقناه من آلام، واليوم نجد يقظة عامة هي الأمل في إنقاذ مصر وإسعاد أبنائها، والواجب الأول هو إعادة فن الحكم إلى سيرته الأولى من عدل وحرية، بتشريع قويم يحميها من عبث العابثين، وبتصميم كل فرد على أن يقوم بنصيبه في خدمة هذه المبادئ الرفيعة، والتعاون على نشرها، حتى يسود التفاهم والتسامح، ويدعم القانون والنظام في كل مكان.

والاتحاد هو الأساس الأول لكل عمل وطني، وهو كذلك القوة الأساسية في العالم، والاتحاد الصحيح قوة يكون فيه الحاكمون والمحكومون والزعماء والأنصار شركاء حقًّا في الرأي والعمل، وفي البذل والتضحية، متضامنين في كل شيء وقت الخطر.

وتحقيق السلام الداخلي جوهري في حياتنا الوطنية، فإذا استطاعت الجبهة أن تساعد الشعب المصري في الوصول إلى الوحدة والاستقرار تكون رسالتها قد نجحت، ولكن سواء أنجحت أم فشلت فإن السعي لتحقيق المبدأ الأساسي لفكرة الوحدة، ولإيجاد وسائل تحقيقها وتأييدها ينبغي أن لا يتوقف لا في عهدنا ولا في عهد أبنائنا، حتى تستقر الوحدة على أساس مكين.

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ.

والله معنا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤