الفصل الأول

لماذا نتعلَّم اللغات؟

من جانبي، أرى تعلُّمَ لغة جديدة طريقةً للتعرُّف على الشعوب؛ فما أمتع أن أجلس في حافلة في بلدٍ أجنبي وأن أتحاور مع أشخاص غرباء بلُغتهم؛ فأنا جزء من بيئتهم ولستُ مجرد متفرِّج. أذكُر أنني يومًا كنتُ جالسًا في ترام في بولندا أخوض في نقاش سياسي مع الركاب الآخرين، وأفكِّر في نفسي قائلًا: «ها أنا ذا أسبر الكيفيةَ التي يفكِّر بها البولنديون أنفسُهم مباشَرةً من البولنديين أنفسهم.» وقد تشكَّلَتْ لديَّ ذكرياتٌ رائعة عن ألمانيا الشرقية؛ حيث كنتُ ألتفُّ حول مائدةٍ مع بعض الألمان الشرقيين في منازلهم نناقش أمورَ الدين والسياسة. أفكِّر في كل النزهات الخلوية التي دُعِيت إليها، والأوقات التي أمضيتُها مع عائلات أثناء إقامتنا في أوروبا، وأدرك أن هذا ما كان سيحدث أبدًا لو لم نكن نتحدَّث بلغة البلد المُضيف.

إن تعلُّم لغة شخصٍ آخَر هو فعلٌ يدلُّ على الصداقة؛ فهو يمدُّك بفهم عميق للطريقة التي يفكِّر بها. ثمة شعور بالإثارة يصاحب أولى محاولاتك الناجحة في إجراء حوارٍ مع شخص بلغته؛ عندما تكتشف للمرة الأولى أنك تفكِّر بلغته.

شتَّان بين أن تزور بلدًا وأنت تعرف لغته، وأن تزوره وأنت لا تعرفها؛ فالأمر يكون أكثر إثارةً إلى حدٍّ كبير حين تتحدَّث بلغة البلد وأنت تسأل عن الاتجاهات، وتتسوَّق، وتستقلُّ القطار أو الأتوبيس، وتحجز غرفة في أحد الفنادق، وتطلب وجبة. لا تحتاج إلا إلى الإلمام بأساسيات اللغة لتقوم بكل هذا. وإحدى أولى الجُمل التي أتعلَّمها في أي لغة هي: «معذرة، هل تتحدَّث …؟» بعد ذلك أتعلَّم كلمات اللغات التي تمنحني شعورًا بالثقة. يفيدني هذا عندما أقع في مأزق؛ إذا كانت الإجابة معقَّدة، وإذا ردَّ أحدهم بطرح سؤال عن شيء لا أفهمه.

في بلدك، ستبني صداقات مع الأشخاص الذين يسعدهم أنك تحاول تعلُّمَ لغتهم.

(١) أسباب تعلُّم لغة جديدة

معظم الذين يتعلَّمون لغة جديدة لديهم أسباب قوية وملِحَّة للقيام بذلك. عادةً ما يعود هذا إلى أسباب في العمل؛ نكون مضطرين إلى السفر ونرغب في أن نكون قادرين على التواصُل، أو لعلك تتعامل مع أشخاص أو شركات يديرون أعمالَهم بلغة أجنبية. ستستفيد من القدرة على التحدُّث بلغة المورِّد أو المقر الرئيسي لشركتك. وقد تكون كلُّ الأدلة الإرشادية مكتوبةً باللغة السويدية أو الكورية؛ حتمًا ستستفيد إذا استطعتَ قراءتها.

أو ربما تُخطِّط للسفر لقضاء عطلة في بلد يتحدَّث أهله لغةً مختلفة. ستحقِّق من هذه التجربة نفعًا أكبر كثيرًا إذا كنتَ قادرًا على التحدُّث قدرًا يسيرًا — على الأقل — من اللغة.

أو ربما تكون لديك أسباب رومانسية لتعلُّم اللغة — زواج أو علاقة — فربما يُعِينك التحدُّث باللغة الفيتنامية أو الإيطالية على فهم شريكك وعائلته فَهْمًا أفضل؛ فاللغة ستُعرِّفك على ثقافتهم.

ربما تدرس أو تبحث في موضوعٍ معظمُ المعلومات المنشورة عنه منشورةٌ بلغة أجنبية، والاطِّلاعُ على المصادر الأصلية سيساعدك حتمًا. وإذا كنتَ تدرس بالخارج، فأنت في حاجةٍ إلى إلمامٍ كبير باللغة (مع أني أتذكَّر جيدًا مهاجرين وفدوا إلى أستراليا حينما كنتُ صبيًّا ولم يكونوا على دراية بالإنجليزية البتة؛ كثيرون منهم كانوا في فصلي في المدرسة، وسرعان ما تفوَّقوا علينا في الدراسة؛ فقد تعلَّموا الإنجليزية بسرعة كبيرة).

ربما أنت «مضطر» لتعلُّم اللغة لأنك تدرس مادةً تقتضي الإلمامَ بهذه اللغة وليس لك من الأمر شيء.

ومن الممكن أن يكون لأسباب تبدو تافهةً في ظاهرها؛ كأنْ تحب صوتَ لغةٍ بعينها، أو تكون قد اشتريتَ منهجًا زهيد الثمن باللغة التي تتعلَّمها، أو أنك شغوفٌ بأصول اللغة التي تريد تعلُّمها، أو حتى بأصول لغتك، وربما تريد أن تتعلَّم لغةً بعينها بهدف التحدِّي أو المتعة.

إن تعلُّم لغة جديدة يحفظ شباب المخ؛ فهي طريقة ممتعة للحفاظ على العقل في حالة جيدة ولتشغيل المخ. وفي الواقع، أصدرتْ رابطةُ علماء النفس الكنديين بيانًا عام ٢٠٠٤، تؤكِّد فيه أن القدرة على التحدُّث بلغتين أو أكثر قد يَحُول دون بعض تأثيرات الشيخوخة على وظائف المخ، ويؤخِّر الإصابةَ بمرض ألزهايمر (التقرير متاح على الإنترنت على الرابط التالي: www.apa.org/journals/releases/pag192290.pdf).

(١-١) تعلم أكثر من لغة أجنبية واحدة

إنْ كنتَ قد درستَ بالفعل إحدى اللغات الأجنبية، سواء أتعلَّمْتَها في المدرسة أم تعلَّمْتَها لأن أسرتك تتحدَّث بها، أو لأنك عشتَ بعض الوقت في مكان يتحدَّث أفرادُه بلغة أخرى؛ فإنك لن تجد صعوبةً في تعلُّم اللغة التالية؛ إذ سيتحسَّن مستواك مع الممارسة؛ لأنك تعرف كيف تتعامل مع هذا بشكل طبيعي، بالإضافة إلى فَهْم آلية القواعد اللغوية بدرجة أفضل، ورؤية أوجه التشابُه، وإدراك أصول الكلمات واشتقاقاتها؛ على سبيل المثال: إذا كنتَ قد تعلَّمْتَ الفرنسية، فإنك لن تجد صعوبةً في تعلُّم الإسبانية أو الإيطالية، وإذا كنتَ قد درستَ الألمانية، فلن تجد صعوبةً في تعلُّم الهولندية أو أي لغة من اللغات الإسكندنافية؛ وسيمنحك الإلمامُ بالروسية تميُّزًا في تعلُّم أيٍّ من اللغات السلافية.

ذات مرة، أثناء زيارة مكتبة مدينة هانوفر، وجدتُ منهجًا لتعليم اللغة اليديشية، مُرفَقًا به كتابٌ وأسطوانات فونوغرافية، فاستعرتُه وأخذتُه معي إلى شركة الإلكترونيات التي أعمل بها، وقلتُ لزملائي: «استمعوا إلى هذا. إليكم منهجًا لتعليم اللغة اليديشية استعرتُه من المكتبة.» استمعنا إلى التسجيلات، وما كان ردُّ فعلهم الفوري إلا أن قالوا: «هاه! إننا نستطيع فهم اليديشية.» لأن اليديشية تبدو وكأنها لُكْنة من اللغة الألمانية. وفعليًّا، هذه اللغة مشتقَّةٌ من اللغة الألمانية القديمة. وثَمَّة لُكنات ألمانية أتعثَّر في فهمها، وكثيرون من الألمان لا يستطيعون التحاورَ مع أبناء بلدهم؛ لأن اللكنات غير واضحة. لكنَّ اللغة اليديشية تبدو لي سهلةَ الفَهْم (في فيلم «فتى فريسكو» تتحدَّث الشخصية، التي لعب دورَها جين وايلدر، باللغة اليديشية، إلى أفرادٍ من طائفة الأميش، لكنهم لا يستطيعون فهْمَه، وهو أيضًا لا يستطيع فهْمَهم عندما يتحدَّثون الألمانية. لا أعرف لهذا سببًا؛ إذ لم يكن لديَّ أدنى صعوبة في متابعة طرفَيِ الحوار في الفيلم).

حتى إنْ كانت اللغة التي ترغب في تعلُّمها لا تنتمي إلى فئةٍ من اللغات التي تُلِمُّ بها، فستجد أنك مع ذلك تكون مستعِدًّا على نحوٍ أفضل مع كل لغة جديدة تدرسها؛ فكثيرون يشرعون في تعلُّم لغة واحدة، ثم يجدون أنفسهم قد أصبحوا مهووسين بتعلُّم المزيد من اللغات. وأنا أنظر إلى كل لغة على أنها صديق جديد؛ فمن الممتع أن تتعرَّف على صديقك الجديد بنحوٍ أفضل.

•••

أيًّا كان السبب، فسأفترض أنك متحمِّس لتعلُّم لغةٍ بعينها (سواء أكنتَ راغبًا أم مُكرَهًا). أيًّا كان السبب، فسأُوضِّح لك في الفصول المقبِلة أسهلَ الطرق لتحقيق هدفك.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤