رقم «صفر» يطلب تنفيذ خطة «كريليوني»!

أخفى «عثمان» أثر المفاجأة التي سمعها من «كريليوني»، زعيم عصابة «اليد الحديدية»، فهو لم يكن يتصور أبدًا، أن يكون الاختبار النهائي أن يطلق الرصاص على إنسانٍ لا يعرفه.

كانا وحدهما في تلك اللحظة، نظر له الزعيم وقال: هل تستطيع؟

ابتسم «عثمان» ليخفي المفاجأة، وقال: إنه مجرد هدف.

ضحك «كريليوني» ضحكة قوية، وقال: يبدو أنك سوف تنجح في الاختبار، وسوف تكون رجل «المهمة الصعبة».

وقف «كريليوني» وهو يقول: هيا بنا الآن، وسوف تعرف تفاصيل المهمة عندما يكون كل شيء جاهزًا.

وقف «عثمان»، فقال «كريليوني»: هل تريد أن تنزل المدينة؟

أجاب «عثمان»: إذا كان ذلك يوافق السيد «كريليوني».

أخفى «كريليوني» ابتسامة وقال: ينبغي أن تعود لمدينة «أنكونا»؛ لقضاء وقتٍ طيبٍ هناك، فلا تزال أمامنا عدة أيام.

تحرك «كريليوني»، فمشى «عثمان» خلفه. كان يفكر: ما الذي يمكن أن يفعله الآن؟

إن هذه المهمة غريبة، وهو لا بد أن يتصل برقم «صفر»، حتى يكون ملمًّا بما يحدث، لكن كيف؟ إنه يعرف أن «كريليوني» لن يتركه لحظة بلا مراقبة، وإذا أرسل رسالةً فلا بد أن تلتقطها أجهزة «كريليوني»، فتكون نهايته.

ظل «عثمان» مستغرقًا في التفكير، بينما كان الزعيم يمشي ببطء، فجأة التفت له «كريليوني» قائلًا: هل تنزل في فندق الشاطئ؟

ابتسم «عثمان» وقال: إذا وافق الزعيم.

نظر له «كريليوني» لحظة، ثم قال: إذا كانت هذه رغبتك، فإن «توب» سوف يحقق كل طلباتك يا عزيزي «لو».

بعد دقائق كانت الطائرة تحمل «عثمان» في طريق العودة إلى مدينة «أنكونا»، حيث تبدأ مغامرته الحقيقية، فحتى الآن وطوال مغامرة «المهمة الصعبة»، كان يجهِّز للخطوة القادمة.

كان «عثمان» يجلس بجوار نافذة الطائرة الصغيرة، ورغم أنه كان ينظر إلى الطبيعة التي يراها من أعلى، إلا أن تفكيره لم يترك له فرصة الاستمتاع بالطبيعة … لقد كانت المغامرة الجديدة أكثر صعوبة من المغامرة السابقة.

فجأة، خطرت على ذهنه فكرة، ظل يدرسها، وعندما استقر على رأي فيها شعر بالراحة والهدوء معًا. وبدأت عيناه تريان الطبيعة وجمالها.

لقد كانت الفكرة التي خطرت له فجأة، هي اليخوت التي تتبع «كريليوني». لقد اكتشف في طريق «ميرو» أن «براتي» الذي يدعي أنه صاحب فندق «الشاطئ»، أحد رجال «كريليوني»، وهذا يعني أنه تحت عين «كريليوني».

لكنه في نفس الوقت قال في نفسه: ما دامت الرسالة إلى رقم «صفر» لم يكتشفها أحد، فهذا يعني أنه يستطيع تكرار التجربة. مع ذلك فقد تردد، ثم توصل إلى فكرة اليخت. إنه يستطيع أن يركب يختًا في عرض البحر، ثم يتحدث إلى رقم «صفر» بكل التفاصيل، حتى يمكنه أن يتصرف بعدها. وهو يستطيع أن يرتب لنفسه نزهة يومية باليخت. وفي هذه الفترة، يمكنه الاتصال بالمقرِّ السريِّ. كانت هذه فكرة طيبة، جعلته يشعر بالراحة، ويبدأ في الاستمتاع بكل ما حوله.

هبطت الطائرة في مطار مدينة «أنكونا» هذه المرة، وكأنها مسألة عادية تمامًا. نزل طاقم الطائرة الذي لم يكن سوى اثنين فقط، وأخذ الجميع طريقهم إلى خارج المطار، ولأنه طيران داخلي فإن أحدًا لم يستوقفهم.

كان «عثمان» يفكر: لماذا هبطت الطائرة هذه المرة في مطار المدينة؟ مع أنها عندما ركبها طارت من مطارٍ خاصٍّ، هل هي تجربة أخرى جديدة معه أو أنها أمور عادية؟

عندما أصبحوا خارج المطار ودعه الآخران وانصرفا. تركاه وحده، وهو لا يعرف المدينة جيدًا، لكنه قال في نفسه: إنها ليست مهمة شاقة أن أصل إلى فندق «الشاطئ»، وسوف يجدني «توب» عندما يريد، فحين أدخل من باب الفندق، سوف يتولى «براتي» مهمة توصيل خبر وصولي إلى «توب» …

فكر «عثمان» لحظةً، ثم ترك نفسه لشوارع المدينة، كانت الشوارع هادئة بعض الشيء. فكَّر أن يرسل الرسالة إلى رقم «صفر»، لكنه لم يفعل، فقد خشي أن يكون مراقبًا. ظل يمشي في الشوارع، ثم في النهاية أشار إلى تاكسي، وعندما ركب قال للسائق: فندق «الشاطئ».

وبسرعة كان التاكسي يأخذ طريقه إلى هناك. قال في نفسه: يبدو أنه فندق مشهور تمامًا.

بعد حوالي ربع ساعة كان التاكسي يقف أمام الفندق، قدم للتاكسي الأجرة، ثم نزل متجهًا إلى الفندق. أحس في لحظة أن أحدًا يراقبه. لم ينظر خلفه، إلا عندما كان يدخل من الباب. وكان إحساسه صحيحًا، فقد كان هناك من يتبعه فعلًا، وهذه مسألة يستطيع الشياطين اكتشافها بسهولة.

عندما خطا داخل الصالة في الفندق التي كان فيها اثنان فقط، منهمكَين في حديث. رأى «براتي» العجوز. كان يقف وظهره في اتجاه «عثمان» … قال في نفسه: أيها العجوز الداهية، لقد تصورتُ أنك رجلٌ طيبٌ حقًّا، لكنك خيبت ظني، وظهرت كأحد رجال «كريليوني»، ومن حسن الحظ أنني اكتشفتك.

تقدم في هدوءٍ، حتى وقف خلف «براتي»، ثم قال: تحياتي للعجوز «براتي».

التفت «براتي» بسرعةٍ، ورسم ابتسامة عريضة غطت وجهه العجوز، ثم قال: أهلًا بالبطل «لو»، أين كنت؟

ابتسم «عثمان» وهو يقول: عند صديق.

سأل «براتي»: من المدينة؟

أجاب «عثمان»: نعم.

قال «براتي» مبتسمًا: هيه، هل وجدت عملًا؟!

ابتسم «عثمان» ابتسامة عريضة، وهو يقول: نعم، عمل جيد.

رفع «براتي» حاجبيه، علامة الدهشة، ثم قال: رائع! أين؟

قال «عثمان»: في الميناء.

كان «عثمان» يعرف أن «براتي» يحاول أن يبدو جاهلًا بكل شيء. وقال في نفسه: من المؤكد أنك تعرف جيدًا، أيها العجوز الخبيث!

ثم قال ﻟ «براتي»: سوف أصعد لأرتاح قليلًا، فإنني متعبٌ بعض الشيء.

ابتسم «براتي» وقال: لكننا سوف نسهر معًا يا عزيزي «لو»، نقضي ليلة هادئة، نحكي فيها حكايات.

قال «عثمان»: هذا ما كنت أفكر فيه فعلًا.

حيَّاه «عثمان»، ثم انصرف إلى غرفته. كان لا يزال يفكر في الإقدام على إرسال رسالة إلى رقم «صفر»؛ ولذلك عندما دخل الغرفة أغلقها جيدًا، ثم خلع ثيابه، واستلقى على السرير. ظلَّ يفكِّر قليلًا، وفي النهاية أخرج جهاز الإرسال من جيبه، ووضعه تحت الوسادة، ثم اندس تحت الغطاء. وبعد قليل تحركت يداه لتخرج جهاز الإرسال الصغير، ثم أخذ يرسل رسالة إلى رقم «صفر»، دون أن يبدو أنه يفعل شيئًا، فقد أغمض عينيه، وكأنه قد استغرق في النوم.

كانت الرسالة طويلة، ختمها بأرقام شفرية تقول: «٧٠–٥٠» وقفة «٢٨–٤٠–٦٠–٣٠» وقفة «٢–٣٠» وقفة «٢–١٦–٥٠–٢٤» وقفة «٢–٥٠–١٤–١٠–٢–١٠» وقفة «٢٥–٥٠–٢٨» وقفة «٢–٣٠–١٨–٢–٣٠» انتهى.

ولم تمضِ دقيقة أو دقيقتان، حتى استغرق في النوم. فقد كان يشعر بالإجهاد، وعندما استيقظ من النوم، كانت الغرفة تغرق في الظلام. ألقى الغطاء جانبًا، ثم تحسس المكان حتى وصل إلى زرِّ النور، فأضاء الغرفة. بحث عن جهاز الاستقبال تحت الغطاء، حتى وجده. وعندما أدار الشريط، كانت هناك رسالة مسجلة من رقم «صفر».

لم يستمع «عثمان» إلى الرسالة، فقد خشي أن يُكتشَف أمره. أبدل ثيابه بسرعة، ثم خرج. في الصالة وجد «براتي» العجوز كان يبتسم نفس ابتسامته التي تبدو طيبة تمامًا.

ألقى إليه بتحية المساء، فرد «براتي»: إلى أين؟

رد «عثمان»: سوف أتريَّض قليلًا، ثم أعود.

ابتسم «براتي» وقال: إنني في انتظارك يا عزيزي «لو».

خرج «عثمان» إلى الشارع، كان الهواء باردًا بعض الشيء، مما جعله يشعر بالنشاط والانتعاش. أخذ طريقه إلى وسط المدينة، حيث الازدحام أكثر، وحتى تصبح مراقبته صعبة. وعندما اطمأنَّ تمامًا، أخرج السماعات الصغيرة للجهاز، ووضعها في أذنَيه، وكأنه يستمع إلى موسيقى.

ضغط عثمان زر الجهاز، فبدأت رسالة رقم «صفر». كانت رسالة شفرية، أخذ يستمع إلى أرقامها، ويترجم الأرقام إلى حروف، ويجمع الحروف لتصبح كلمات، كان يفعل ذلك بسرعة، وكأنه يستمع إلى كلماتٍ عاديةٍ.

كان رقم «صفر» يجيبه، وينقل إليه تحيات الشياطين، ويمدح خطته مع العصابة. وفي نهاية الرسالة، وكانت المفاجأة، أن رقم «صفر» يقول: استمر، ونفذ ما يطلبه منك «كريليوني»، إن هذه فرصة، وبها سوف نستطيع أن نوقع بالعصابة كلها، سوف نجهِّز كل شيءٍ. وسوف تصلك الطلقات المطلوبة للتنفيذ … «أحمد» سوف يتصل بك، حاول أن تشاهد فيلم «الرصاصة الوحيدة»، وهو موجود في أندية الفيديو. سوف تجد فيه خطة تفكير «كريليوني». تحياتي لك وتحيات الشياطين أيضًا.

استغرق «عثمان» في التفكير، ماذا يعني رقم «صفر» بالطلقات المطلوبة؟ وهل سيرسل إليه طلقات خاصة؟ وما نوعها؟ وما دورها؟

ظل «عثمان» يمشي، وهو يقلب المشكلة في ذهنه، لكنه لم يصل إلى شيء. قال لنفسه في النهاية: إن لقاء «أحمد» سوف يوضح الأمور أكثر، وبهدوءٍ أخذ طريقه عائدًا إلى فندق «الشاطئ»؛ ليقضي السهرة مع العجوز «براتي»، وليكون في حالة اختبار جديدة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤