الفصل الثالث

البحث عن السعادة

بالأمل وحده يحيا الإنسان، وينطوي الأمل في تعريفه على التفكير في شيءٍ أفضل. وفي رأيي أنَّ بقاءنا على قيد الحياة نفسه يعتمد على فكرةٍ ما بشأن تحقق السعادة في المستقبل. غير أننا إذا قبلنا أنَّ البشر يميلون جوهريًّا نحو نَشد السعادة وتجنُّب المعاناة، فسيظل علينا استكشاف ما تعنيه السعادة، والمصادر التي يمكن أن نستقيها منها. إنَّ السعادة مصطلحٌ عامٌّ إلى حدٍّ ما، ومن ثمَّ فقد يُساء فهمها. ينبغي أن نوضح على سبيل المثال، أننا في السياق العلماني لهذا الكتاب لا نتحدث عن المفاهيم الدينية للسعادة المطلقة، بل عن البهجة البسيطة أو السعادة التي نفهمها جميعًا بالمعنى العادي أو في سياق الحياة اليومية.

مثلما أشرتُ سابقًا، فإن تحقيق السعادة لكائناتٍ مثْلنا على هذه الدرجة من التعقيد ليس بالأمر السهل. فعلى عكس سعادة الكلاب أو القطط على سبيل المثال، تستلزم السعادة البشرية ما هو أكثر من الإشباع البسيط للشهوة الحسية. فما هي إذن مصادر سعادة الإنسان؟

هناك ثلاثة عوامل تسهم بدرجةٍ كبيرة في رفاهية الإنسان تطرح نفسها على الفور، وأعتقد أنَّ معظم الأشخاص سيوافقون عليها، وهي: الثروة أو الرخاء، والصحة، والصداقة أو الرفقة.

(١) الثروة والصحة والصداقة

فلنبدأ إذن بالثروة. هل يؤثِّر وضعنا المادي في سعادتنا؟ حسنًا، إنه يؤثر بالطبع! من الحماقة أن ننكر أهمية العوامل المادية في رفاهيتنا. ففي نهاية المطاف، حتى الناسك الذي يعيش معتزلًا في كهفٍ جبلي يحتاج إلى الطعام والكساء. وبدون مستوًى معين من الراحة المادية، لا يمكن للناس العيش بالكرامة التي نستحقها جميعًا كبشر. فالمال بلا شك عاملٌ مهم في سعينا لتجنُّب المعاناة وتحقيق السعادة.

لكن كم يكفينا من المال؟ في اللغة التبتية، نشير إلى المال في بعض الأحيان بالاسم المستعار «كونجا دوندوب». يبدو هذا اللقب للأذن التبتية كأي اسمٍ شخصيٍّ عادي، لكنه يعني شيئًا أشبه بأنه «القدر الذي يجعلنا جميعًا سعداء ويمكنه تلبية جميع رغباتنا». ونظرًا إلى أن المال يمنحنا الخيارات والحرية، فمن الطبيعي أن يجده الناس شديد الجاذبية لا يستطيعون فيما يبدو الاكتفاء منه. ومن حين لآخر، أمازح جمهوري التبتي بشأن إخلاصهم ﻟ «كونجا دوندوب». ففي جزء من ممارستنا الدينية التقليدية، عادةً ما نتلو — نحن التبتيين — إحدى تعويذات المانترا المرتبطة ببوذا الرأفة: «أوم ماني بادمي هَم». نتلوها كثيرًا طوال اليوم، همسًا في كثير من الأحيان، حتى عندما نكون مشغولين بأشياءَ أخرى: نقول: «أوم ماني بادمي هَم، أوم ماني بادمي هَم.» لكن عندما يتلوها الناس بسرعة، تُدغَم الأصوات بعض الشيء فتصبح: «أوم ماني بادمي، أوم ماني بادمي … ماني بادمي … أوم ماني … ماني … ماني»، وعند هذه المرحلة يبدو الأمر كما لو أنهم يتحدثون الإنجليزية، ويقولون: «ماني، ماني، ماني»؛ أي «المال، المال، المال»!

لكن مرةً أخرى، وبغض النظر عن المُزاح، لا شك أنَّ الثروة والرخاء يعودان بالفوائد. فنحن البشر نحتاج إلى مأوًى لائق، وبيئةٍ صحية، وطعامٍ مغذٍّ، ومياهٍ نظيفة. هذه هي احتياجاتنا الأساسية، ومن ثمَّ فهي متطلباتٌ أساسية لسعادة الإنسان.

بالرغم من ذلك، فمع أن المزيد من فوائد الثروة، مثل منزلٍ جديد، أو سيارةٍ جديدة، أو ربما هاتف جديد، قد توفِّر بعض الارتفاع المؤقت في مستوى راحتنا أو تكيُّفنا اليومي، ليس هناك ما يضمن أنها ستجلب أيَّ إشباعٍ دائم أو أنها ستسهم في تعزيز الشعور العام بالرفاهية. حقيقة الأمر أنَّ الحصول على الكثير جدًّا من الممتلكات غالبًا ما يؤدي إلى مزيد من القلق، والإجهاد، والتوتر. ويمكن لهذه العوامل بدورها أن تُغذِّي مشاعر الغضب والاستياء أيضًا.

من المثير للاهتمام أن الأدلة التي جمعها علماء النفس والاجتماع في السنوات الأخيرة تشير بوضوحٍ كبير إلى أن المقتنيات المادية ليس لها سوى تأثيرٍ مؤقتٍ على ما يسمونه «الازدهار النفسي». تشير تلك الدراسات إلى أنه بعد تلاشي الإثارة الأولية الناتجة عن عملية شراء جديدة، سرعان ما تعود سعادتنا إلى مستواها السابق. في اللغة التبتية المنطوقة، لدينا تعبير يجسِّد هذه الظاهرة جيدًا، ولا أعرف له مكافئًا دقيقًا في لغاتٍ أخرى. عندما يكون الشخص منجذبًا بصفةٍ خاصة إلى الإثارة الناتجة عن اقتناء أشياءَ جديدةٍ، نسمي ذلك الشخص «أسار تسابو»؛ أي «أسار جدًّا»، حيث «سار» تعني «جديد». والمعنى الضمني هو أن مثل هذا الشخص ليس طمَّاعًا فحسب، بل سريع الانفعال أيضًا ومتقلب؛ فدائمًا ما يسير وراء أحدث التوجهات أو أحدث الأدوات. وأعتقد أن الثقافة الاستهلاكية الحديثة تميل إلى تشجيع هذا النوع من التقلب.

من الصراع على الموارد في العالم الطبيعي إلى الصراع داخل العائلات، غالبًا ما تكون القيم المادية مصدرًا للمشكلات. غير أنَّ الثروة المادية ليست بضمان للسعادة. فقد قابلتُ في الواقع بعض الأشخاص الشديدي الثراء وحتى أصحاب المليارات الذين اعترفوا أنهم لا يشعرون في حياتهم بالرضا أو السعادة على المستوى الشخصي. تنسج الثروة حول الأشخاص ما يشبه الشرنقة؛ مما يجلب شعورًا بالوحدة في كثيرٍ من الأحيان. ومن ثمَّ فإن «كونجا دوندوب» ليس بالصديق الذي يُعتمَد عليه، والذي يجلب أيضًا الكثير من المعاناة. وبينما يمكن للثروة المادية أن تكون مصدرًا لقدرٍ كبير من التوتر والتعاسة، فإن الثروة النفسية، القائمة على الحب والرأفة، لا يمكن أن تصبح كذلك. من الواضح إذن أيُّ نوعَي الثروة ينبغي أن نسعى إليه حقًّا.

لكنك قد تقول إن الثروة تمنح حقًّا نوعًا من الأمان والرضا الدائم إلى حدٍّ بعيد. ربما يكون هذا صحيحًا، لكن ما مدى الأمان الذي يمكن أن توفِّره الثروة المادية؟ إنَّ الكوارث الطبيعية المتكررة تذكِّرنا على الدوام بمدى هشاشة الأمن المادي الذي نشعر به.

ولهذا، فالأكثر أهمية من المال، أو الممتلكات، أو المكانة هو حالتنا المعنوية أو النفسية. سيكون أفراد الأسرة الفقيرة سعداء إذا شعروا بالعاطفة والطِّيبة والثقة فيما بينهم. وقد يعيش جيرانهم الأغنياء في رفاهية، لكن إذا أحاط الشك أو الاستياء بعقولهم، فلن يشعروا بسعادةٍ حقيقية. وذلك أمرٌ بديهي. ولذا فإن المستوى النفسي أمرٌ جوهري في نهاية المطاف.

إنَّ الأبحاث الحديثة في مجال العلوم الاجتماعية لم توضح أنَّ الفوائد النفسية للثروة هي أمرٌ مؤقت فحسب، بل أوضحت أيضًا أن المستوى العام للرضا في المجتمع عندما تكون الثروة موزَّعة بالتساوي بين السكان يكون أكبر مما هو عليه عندما تكون هناك فوارقُ كبيرة بين الأغنياء والفقراء. ومرةً أخرى يشير هذا إلى أنه لا يمكن قياس الرفاهية بأُسسٍ ماديةٍ موضوعية؛ إذ يعتمد على مجموعة من العوامل السياقية التي تؤثِّر على الموقف النفسي للفرد تجاه علاقتنا بتلك الثروة.

•••

وماذا عن الصحة؟ هل الصحة مصدر للرفاهية؟ لا شك أنها هي أيضًا كذلك. فمثلما اختبر معظمنا بنفسه، عندما نشعر بألمٍ مستمر أو انزعاج، فقد يصبح حفاظنا على السلوك الإيجابي أمرًا شديد الصعوبة. ولذلك، فالاعتناء بصحتنا البدنية أمرٌ بالغ الأهمية. علينا أن نأكل جيدًا، وأن ننام جيدًا، وأن نمارس بعض التمارين. وإذا مرضنا، فيجب أن نستشير طبيبًا مؤهَّلًا مناسبًا وأن نتبع العلاج الموصوف. وهذا جانبٌ واضح من الأمر. ومع ذلك، إذا نظرنا إلى الصحة بوصفها أمرًا بدنيًّا خالصًا، ولم نهتم إلا بحالة أجسامنا وأهملنا ما سوى ذلك من العوامل النفسية والعاطفية، فإننا نكون مخطئين. ذلك أنه لا يوجد ارتباطٌ ضروري أو مباشر بين الاستمتاع بصحةٍ بدنيةٍ جيدة وبين السعادة. فبالرغم من كل شيء، أليس ممكنًا لشخصٍ يتمتع بجسمٍ سليم وقوي أن يكون غير سعيد؟ الحق أنه أمرٌ شائع للغاية. وهل يكون من غير الممكن بالقدْر نفسه أيضًا أن يشعر شخص يعاني صحةً ضعيفة، بل سيئةً للغاية، بالسعادة؟ أنا واثقٌ من إمكانية حدوث هذا. هل ذلك الضَّعف البدني الذي يصيب العجائز على سبيل المثال، ينطوي بالضرورة على التعاسة؟ بالطبع لا! ولذا، على الرغم من أن الصحة البدنية تسهِم بالتأكيد في سعادة الإنسان، فهي ليست مصدرها المطلق. أما المصدر الحقيقي للسعادة، فنؤكِّد مرةً أخرى أنه يتعلق بحالتنا النفسية، ونظرتنا، ودوافعنا، ومستوى مودتنا تجاه الآخرين.

•••

والآن لنتناول الصداقة. مما لا شك فيه أن وجود دائرةٍ قريبة من الأصدقاء؛ الأشخاص الذين يمكننا قضاء الوقت معهم وتبادل الخبرات، أمرٌ مهم للغاية. ونظرًا لأننا حيواناتٌ اجتماعية، تشكِّل علاقاتنا مع الآخرين جزءًا أساسيًّا في تحقيقنا للرفاهية. بالرغم من ذلك، علينا أن نفكِّر مليًّا فيما يميز الصداقة الحقيقية عن العلاقات السطحية التي لا تجلب سوى المنافع الاجتماعية السطحية. لا شك أن المال والمكانة الاجتماعية والمظهر، كلها من الأمور التي تجلب معها قدرًا كبيرًا من الاهتمام في المجتمع البشري. لكن ما الهدف الحقيقي لهذا الاهتمام؟ أيمكن ألا يكون هؤلاء الأشخاص أصدقاءَ حقيقيين لنا بل أصدقاء لأموالنا، أو مكانتنا، أو مظهرنا الجيد؟ وإن كان الأمر كذلك، فماذا سيحدث إذا انحسرَ مَعينُ ثرواتنا أو نَضُب؟ ماذا لو فقدنا مظهرنا الجيد أو أموالنا؟ هل سيظل هؤلاء الأصدقاء موجودين عندما نحتاج إليهم، أم أنهم سيتلاشون من حياتنا؟ مَكْمَن الخطر أنَّ هؤلاء الأصدقاء سيختفون سريعًا.

من الجلي أن الصداقة الحقيقية لا تقوم إلا على الثقة والمودة، ولا يمكن أن تنشأ إلا على أساسٍ من الشعور المتبادَل بالاهتمام والاحترام. ومن ثمَّ؛ فإن مشاعر الثقة والحنان الناشئ عن الحب، التي تقاوم مشاعر العزلة أو الوحدة، لا تنبع من مجرد الوجود الخارجي للآخرين أو من المظهر الخارجي للصداقة، بل مما يبديه الشخصُ نفسه من الاهتمام والاحترام تجاه الآخرين. إنَّ مصدرها الجوهري يكمن بداخلنا.

خلال إحدى زيارتي إلى إسبانيا منذ عدة سنوات، التقيتُ راهبًا مسيحيًّا قضى خمسَ سنواتٍ يعيش ناسكًا في صومعته. سألتُه عما كان يفعله خلال كل هذه الفترة. فأجاب أنه كان يتأمل في الحب. عندما قال هذا، بلغةٍ إنجليزية أضعف حتى من لغتي، رأيتُ عمق المشاعر في عينَيه حتى إنه لم يكن يحتاج إلى قولِ أيِّ شيء أكثر من ذلك. إنه مثالٌ على شخص عاش بمفرده لكنه لم يشعر بأي وحدة. إن الحنان أو الرأفة هما ما يربطنا بالآخرين قبل أي شيء. فقد يشعر بعضُ الأشخاص ممَّن يبدو أن لديهم الكثير من الأصدقاء والمعجبين بعزلةٍ شديدة مع ذلك. وأودُّ أن أذكِّر مثل هؤلاء الأشخاص أنَّ الترياق الوحيد لمثل هذه الوحدة هو موقفهم الداخلي من المودة، والاهتمام، والحنان تجاه إخوانهم من البشر.

(٢) مستويان من الرضا

تكشف هذه الاعتبارات أننا حين نتحدَّث عن السعادة، فإننا غالبًا ما نخلط بين حالتَين مختلفتَين تمامًا ومستقلتَين إلى حدٍّ كبير، ومستويين، من الرضا. فمن ناحيةٍ ما، لدينا تلك المشاعر الممتعة التي تنبع من التجارب الحسية. وتسهِم كلٌّ من الثروة والصحة والصداقة إلى حدٍّ كبير في تكوُّن مثل هذه المشاعر لدينا. ومن ناحيةٍ أخرى، ثمَّة مستوًى أعمق للرضا لا ينبع من المحفِّزات الخارجية بل من حالتنا النفسية ذاتها. هذا هو المستوى الثاني من الرضا، الذي ينبع من داخلنا، وهو ما أعنيه عندما أتحدَّث عن السعادة البشرية الحقيقية.

نظرًا لأنَّ النوع الأول من الرضا يعتمد على التحفيز الحسي، فإنه هشٌّ وعابر بطبيعته. ذلك أنَّ هذه المتع لا تدوم إلا بقدر دوام التحفيز الحسي، وعندما يتوقف التحفيز، لا يكون لها أي دورٍ دائم في إحساسنا العام بالرفاهية. على سبيل المثال، يقضي كثيرٌ من الناس وقتًا طويلًا في مشاهدة الفاعليات الرياضية. لكن ما الذي يتبقى لهم بعد انتهاء الفاعلية؟ ما المنفعة الطويلة الأجل التي اكتسبوها؟

تنبع جميعُ المتع القائمة على التحفيز الحسي عن إشباع رغبةٍ ملحة بمستوًى ما. وإذا أصبحنا مهووسين بإشباع تلك الرغبة، فسيتحوَّل هذا في النهاية إلى شكلٍ من أشكال المعاناة. حتى المتعة التي نشعر بها من تناول الطعام تتحوَّل إلى معاناة إذا أفرطنا في الأكل.

لا أريد بهذا أن أقول إنَّ مثل هذه المتع عديمة القيمة تمامًا، وإنما أرغبُ فحسب في توضيح أن الرضا الذي تجلبه هو رضًا عابر وينطوي على دوراتٍ من الرغبة الملحَّة تتولَّد من تلقاء نفسها. وفي عالَم اليوم المادي الذي نغفل فيه عن القيم المعنوية في كثير من الأحيان، من السهل للغاية أن نقع في عادة السعي المستمر وراء التحفيز الحسي. غالبًا ما ألاحظ أنه إذا لم يكن الناسُ يستمعون إلى الموسيقى، أو يشاهدون التلفزيون، أو يتحدثون في الهاتف، أو غير ذلك من الأفعال، فإنهم يشعرون بالملل أو القلق ولا يعرفون شيئًا آخر يقومون به. وذلك يشير إلى أن إحساسهم بالرفاهية يعتمد بشكلٍ كبير على مستوى الرضا الحسي.

فماذا عن المستوى الآخر؛ المستوى الداخلي للرضا؟ من أين ينبع؟ وكيف يمكن الوصول إليه؟ حسنًا، إن السعادة الحقيقية تستلزم أولًا راحة البال أو درجة من الهدوء النفسي. وعندما يتحقق ذلك، تهون المشقة. فمع القوة النفسية والاستقرار المستمدَّين من السلام الداخلي، يمكننا أن نتحمل جميع أنواع الشدائد.

يمكن توضيح الدور الذي تؤديه عقولنا في تقرير سعادتنا بسهولةٍ كبيرة. تخيَّل فردَين قد شُخِّصا بالمرض العضال نفسه، لنقل إنه شكلٌ متقدم من أشكال السرطان غير القابل للعلاج. يتلقى أحدهما هذا الخبر بمشاعر الغضب والإشفاق على الذات، مع هوس بالتركيز على وَضعه الظالم، بينما تلقَّاه الآخر بتقبُّلٍ هادئ. في كلتا الحالتَين، فإنَّ الحالة المادية، من حيث الصحة البدنية والمعاناة، واحدة. غير أنَّ الشخص الأول يتجرَّع مزيدًا من الألم النفسي والعاطفي، أما الشخص الهادئ فهو أفضل استعدادًا لمواصلة الحياة والاستمرار في الاستمتاع بالأشياء التي تجلب له الفرح، كالأسرة مثلًا أو الإخلاص لقضيةٍ معينة، أو القراءة. والفرق الوحيد بينهما هو نفسية كلٍّ منهما.

مع المرونة الداخلية، يصبح من الممكن الحفاظ على درجة من السعادة حتى في الظروف الشديدة الصعوبة. ومن دون هذه القوة الداخلية، لا يمكن لأي قدرٍ من الإشباع الحسي أن يجعلنا سعداء.

بالرغم من ذلك، إذا كان السلام النفسي هو خط دفاعنا الأول ضد المشقة والمعاناة، فثمَّة عواملُ جوهريةٌ أخرى تسهِم هي أيضًا بشكلٍ كبير في مستوى سعادتنا وفرحنا الحقيقيَّين. تشير الأبحاث العلمية الحديثة إلى أن العامل الرئيسي من بينها هو الإحساس بالغاية الذي يتجاوز المصلحة الذاتية الضيقة والشعور بالتواصل مع الآخرين أو الانتماء إلى مجتمعٍ ما. وأنا أعتقد أن أساسَ هذين العاملَين هو الرأفة أو المودة، وذلك هو ما أنتقل إليه الآن.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤