الفصل الثاني

المنظر الأول

(خيمة ريكاردوس قلب الأسد)

الجزء الأول

(ريكاردوس (مريض على سريره) – ديفو (جالس بجانب السرير))
ديفو :
يعز على الناس قلب الأسد
بأن يبصروك مريض الجسد
وأنت إمامهم المرتضى
وأنت رئيسهم المعتمد
تقابل عنهم سيوف العدو
وتمنع عنهم زحام العدد
وتحميهم من صروف الزمان
كأنك درع لهم من زرد
مرضت وأنت فؤاد الجميع
فأضحى جميع الورى في كمد
فأخمدت الحرب نيرانها
وأطفئ من جمرها ما اتقد
وعادت نصال الظبى للغمود
كأن لم تسل ولم تستحد
شديد عليَّ بأن ألتقيكْ
طريح الفراش قليل الجلد
وقد كنت ألقاك قطب القتا
ل ليث النزال ورب المدد
فليتك كنت سليمًا لنا
وكان جميع الورى في نكد
فإنك تغني غناء الجميع
وشخصك لم يغن عنه أحد
ريكاردوس (يفيق) : صديقي أنت هنا واقف؟
ديفو : … نعم، أنا أحرس قلب الأسد، وأدعو له بالشفاء القريب.
ريكاردوس : … هيهات برح سقمي وجد.
فلا تحسبن أني جزوع
من الموت أو خائف إن وفد
ولكنني قد مللت الفراش
وترك قتال عدوي الألد
لذلك صممت أن أنتهي
إذا لم يكن لمماتي مرد
ديفو : وكيف تنتهي يا مولاي؟
ريكاردوس : أترك هذا القتال، ألم ترَ كيف أنَّ الملوك أصحابي أوقفوا الحرب والنزال؟ ألم تبصر كيف دار بهم سكر الغرور والكسل، وكيف سلموا أنفسهم إلى السلم، واستطابوا هذا التوقف والفشل؟ أقادمون نحن إلى مسرات وشرب راح؟! ألا يعلم كل واحد منهم أنه هجر وطنه للحرب والكفاح؟ أإذا مرضت إنما يمرض الجيش بأسره؟! آه أيها الصديق، ما هذا السكوت الطويل؟ لقد حرت في أمره!
ديفو : رويدك يا مولاي، ألا تعلم أنك القلب والرأس؟ فإذا مرض القلب فكيف تنشط الأعضاء، وكيف تتحرك الحواس!
ريكاردوس : كفى يا ديفو؛ فإن الملك يحسبُ رأسًا يدير الأعضاء، متى كان في عنفوان صحته، أو يعد من الأحياء، أما أنا فقد صرتُ كما تراني أليف الداء عزيز الدواء؛ فليفرض الخائنون أنني قضيت نحبي الآن، ولينظروا ملكًا غيري يكلون إليه أمرهم في هذا الشأن، آه يا صلاح الدين! ما أشد خجلي منك! وكم أخجل عن هذا الجيش الجرار أن يرجع عنك! من لي بأن أراك فأبت إليك دخيلة مرامي؛ فإمَّا أن نفترق صديقين، وإما أن تموت بحد حسامي؛ فإن شرفي لا يكون إلا في قتلك أو في سلامك؛ فأنت تشرف صديقك في حياتك، كما تشرف عدوك من حسامك.
ديفو : أنت تمدحه يا سيدي … ما هذا الكلام؟!
ريكاردوس : نعم أمدحه أيها الصديق؛ فإنه يستحق المديح والإكرام، وشهد الله أنني لم أَرَ أثبت منه في موقف الحرب، ولا شاهدت فارسًا يفعل فعله عند اختلاف الطعن والضرب، وكفى بمروءته أنه قبل بهذه الهدنة، وهو السلطان القادر الملك الأجَلُّ، وكفاه فخرًا أنني أمدحه على حسن فعله؛ فما يمدح البطلُ إلا البطلَ.
ديفو : ما هذه الفضيلة يا مولاي، وما هذه المكارم؟ من لي بأن يكون كل هذا الجيش مريضًا، وأن تكون الصحيح السالم؟ إلى هذا الحد تبلغ مروءتك ورفعة علائك، حتى تمدح من هم خصومك، وتثني على أعدائك؟!
ريكاردوس : بل أنا قد فعلت أكثر من ذلك في هذا الشأن؛ حتى كتبت إليه أمس، أعرض عليه الصلح، وتقرير الأمان، ثم عرضتُ عليه أختي لتكون عروسًا له في عهد القران.
ديفو : أختك يا مولاي …؟
ريكاردوس : نعم، فلماذا تعجب من هذا القصد؟ ألا تعلم أنَّ الملوك إذا لم تجمعهم جامعة الدين جمعتهم علائق المجد؟ فأي كفء أجد لأختي خير من هذا السلطان العادل، الذي وجدته في السلم خير أمير كما وجدته في الحرب خير مقاتل، فاكتم الآن هذا الخبر لنرى ما يكون؛ فإني قد عزمت على عقد الصلح معه إذا يئست من الحياة.
ديفو : ولكنك ستُشفى يا مولاي بإذن الله.
ريكاردوس : إذا شفيت يا ديفو؛ فلا يكون لي عدو سواه؛ فعند ذلك أنازله؛ فإمَّا أن أنتصر عليه، وإمَّا أن أموت ملكًا كريمًا ويكون مماتي من يديه؛ لأنه عار على قلب الأسد إذا شفي من السقام أن يُفَضِّل راحة الهدنة على الحرب، ويميل إلى عقد السلام، كما أنه عار عليه إذا أشرف على الحمام، أن يدع جنده في قبضة غيره تحت خطر القتال وحد الحسام.
ديفو : ولماذا لا تنتخب لهم سواك يا مولاي، وأنت رأسهم وسيدهم، وأعلم الناس بهم؟
ريكاردوس :
ليس فيهم من يستحق الإمامة
وإذا كان فالنزاع أمامه
كلهم طامع بأن يفتدي السيـ
ـد فيهم ورب كل كرامة
فإذا اخترت واحدًا أصبح الكـ
ـل عدوًّا له وراموا خصامه
ودليلي في ذاك أنهم للآ
ن لم يعرفوا طريق السلامة
لو أقاموا على صفاءٍ لأضحى
واحد منهم وليَّ الإمامة
آه من سقم قلبهم وسقامي
ليس فينا من ليس يشكو سقامه
سمعتُ أنَّ ملك إيكوسيا سيرسل ولي عهده إلى هذه البلاد، فلماذا لا يرسله الآن لأقيمه إمامًا على جميع القواد؟ فقد بلغني عن صفاته ما يُبيح له بالعدل هذا المنصب … آه ما هذا الدوار الذي أصابني! لماذا تهتز أطناب المضرب؟ (يغشى عليه).
ديفو : لقد أخذته نوبة الحمى، يا رب، عجل بشفائه، ولا تتركنا نموت بفقده ويموت بدائه.

الجزء الثاني

(المركيز – مارتين)
المركيز : تعالَ نبعد قليلًا عن خيمة الملك، واسمع ما أقول لك.
مارتين : لا تقل يا سيدي المركيز ولا أقول لك؛ فإن الأمر قد انتهى.
المركيز : ويحك يا مارتين وكيف انتهى؟
مارتين : إنك يا سيدي قد غمرتني بأنعامك وطوقتني بعطاياك، وأنا أعلم أن ذلك ليس من محبتك لي؛ لأنني قبيح لا أستحق المحبة، وفقير لا تطيب معي الصحبة، ولكنك تحب الأميرة جوليا أخت الملك، وتريد أن تقترن بها، وهي لا تحبك، ولا تريد أن تقترن بك، بل تحب ذلك الفارس الأسكتلندي الجميل كما قلت لي، ولما كنتُ أنا خادمها المقرب إليها؛ فقد وعدتني بمائة دينار إذا كنت أقدر أن أسرق لك خاتمها أو شيئًا منها؛ لكي تجعلها تحبك بالسحر لأنك غير قادر على قتل حبيبها البطل، ألم تعدني بذلك؟
المركيز : نعم، فما معنى هذا السؤال الآن؟
مارتين : أقول لك معناه إذا أعطيتني المال ووفيت بالوعد.
المركيز : ولكن كيف أفي بوعدي، وأنت لم تقم بوعدك؟!
مارتين : لا يا سيدي بل قد قمت بوعدي.
المركيز : عجبًا، وهل حصلت على شيء منها؟
مارتين : نعم، سرقت منها خاتمها وها هو، فماذا تُريد أن تفعل به؟
المركيز : وحقك لا أدري، ولكن كن على ثقة من أنني لا أضرها، ولا أسعى لها بسوء، فهاته وخذ المال (يعطيه المال ويأخذ الخاتم) اذهب الآن واكتم الأمر.
مارتين : وأنت يا مولاي فاحرص على الكتمان.

الجزء الثالث

(ريكاردوس وديفو إلى جانب)
المركيز :
أهلًا بخاتم من أحب فإنه
بدلًا لقلب في هواها هائم
قد نلت خاتمها بكفي بعدما
أضحى الفؤاد بكفها كالخاتم
أثر يذكرني بحسن أصابع
منها ويحكي حسن ثغر باسم
قد مس منها كفها فغدا به
من طيبها آثار طيب دائم
ماذا عساني صانع بك والتي
حملتك لم تنظر لدمعي الساجم
يا رب كيف أنالها بل ما الذي
أجري لتغدو ذات قلب راحم
كيف السبيل ترى لنزع حبيبها
منها فأنجو من عذاب مزاحمي
سأرى الذي أجريه ها هو قد أتى
فلأذهبن فذاك أشأم قادم

الجزء الرابع

(صلاح الدين – عماد الدين (متخفيين) – وليم – ريكاردوس – ديفو)
وليم : هل أقدر أن أثق بكلامك أيها الطبيب؟ وهل تقدر أن تشفيه؟
صلاح الدين : نعم أشفيه بقوة الله؛ فإنما نحن واسطة لما يريد الله، ولكن يجبُ أن أراه أولًا وأجس يديه.
وليم : لا أدري إذا كان يسمح لك بالدخول عليه؛ فإن هذه الحمى قد غيرت أخلاقه؛ حتى لم يعد يطيق أحدًا أمامه، ولكن عجبًا كيف يرسلك صلاح الدين لشفائه، وهو خصمه العنيد بل من ألد أعدائه؟!
صلاح الدين : إن مولاي السلطان رجلٌ كريم الأخلاق، وقد سمع بكرم سلطانكم، فأراد أن يشفيه من هذا الداء، فأرسلني إليه لأنني عنده رأس الأطباء، ووعدني بأجلِّ الهبات إذا نال مولاكم مني الشفاء.
وليم : احذر أيها الرجل، أن تكون العدو في صورة الطبيب، وأن يكون قدومك قدوم خصم منتقم وجاسوس مطلع؛ إذن والله لا يكون نصيبك إلا الموت العاجل، ولكن لا فأنت رجل حقير لا تسأل عن حياتك في قتل ملك باسل.
عماد الدين : لا تقل حقيرًا.
صلاح الدين : اسكت يا عماد الدين؛ لئلا ينفضح الأمر.
عماد الدين : كيف يقول أنك حقير؟
صلاح الدين : إنه لا يعرف السر، ادخل أيها الفارس واستأذن لي على مولاك، ولا تخف عليه من سوء؛ فأنا عندكم رهن الهلاك، ولعله يريد أن أعالجه، فلماذا تمنع عنه الشفاء؟!
وليم : اصبر لأسأله أولًا ثم تفعل بعد ذلك ما تشاء (يتقدم للخيمة).
صلاح الدين (لعماد الدين) : إياك أن يبدو منك شيء يفضحنا فنحن بين الأعداء.
ديفو : من هذا؟ … ماذا تريد؟
وليم : رجل يريد شفاء الملك من دائه.
ديفو : إن الملك نائم الآن والحمى شديدة عليه.
وليم : لا بأس فأيقظه ليأذن لهذا الطبيب بالدخول عليه، فهو طبيب أرسله صلاح الدين، ويزعم أنه يشفي الملك ويرد إليه عافيته!
ديفو : قل له أن يرجع على أعقابه، فإنَّا نفضل أن يبقى الملك حيًّا، ولو بقي في أوصابه؛ أطبيب عدو يرسله عدو يشفي الملك من السقام! إنك أحمق فقل لهذا الطبيب أن يرجع بسلام.
وليم : قلت لك إنه طبيب ماهر أرسله السلطان إلينا، وهو يقول: إنه يشفي الملك ويرد حياته علينا، وإن لم يقدر ومات الملك؛ فإن حياته وحياة خادمه بين أيدينا، فقل للملك ذلك عساه أن يسمح بدخوله.
ديفو : لو جاء صلاح الدين بنفسه ما أيقظتُ الملك، فكيف أوقظه لأجل رسوله! قل له أن يرجع فهو غادر ماكر وطبه حيلة، فلو أصاب الملك بسوء فإن دماء قومه بهِ قليلة، أعجز القوم عن قتالنا بسلاح الأعداء؛ فأرسلوا لنا بدلًا له عنها سموم الأطباء؟
صلاح الدين : لا أيها الفارس، إنَّ القومَ لم يعجزوا عن قتالكم، ولكنهم كرام الأخلاق، يُريدون نفعكم وشفاء رجالكم، فادخل على مولاك واستأذن لي عليه، عسى أن يكون شفاؤه على يديَّ ونجاحي على يديه، عجبًا أريد أن أشفيكم ولا تريدون، إنَّ ذلك عار عليكم، ولا شك أنكم تخافون؛ فأنتم إذًا لا تستحقون النعمة عليكم، وقد أخطأ مولاي صلاح الدين في أنه أرسلني إليكم.

(يهم بالرجوع.)

ديفو : قف فنحن لا نخاف على نفوسنا، ولكننا نخاف على ملوكنا أكثر مما نخاف على رءوسنا، ولو كان الأمر يتعلق …
ريكاردوس : من هذا الذي يتكلم؟ أنت يا ديفو توقظني لكي أتعذب وأتألم؟!
ديفو : لا يا مولاي، بل هذا طبيب أرسله السلطان إليك، وقد مضى عليه مدة يريد أن يراك، وأنا أمنعه من الدخول عليك.
ريكاردوس : أيرسله صلاح الدين ثم تمنعه الدخول؟! ادخل أيها الطبيب إلى هنا، تعال أيها الرسول؛ فقد بلغني عن سلطانكم كل مروءة وشهامة، فهو يستحق كل إكرام ويستحق رسوله كل كرامة، أنت تشفيني من دائي وأنت طبيب عدوي الألد، هل فعل هذا الفعل سلطان؟ وهل بلغت المروءة هذا الحد؟! ولكن من يضمن لي أنك صادق في ادعائك؟
صلاح الدين : يضمن لك ذلك قدومي إليك وأنا عدوك تخشاني وأخشاك، وأنت تعلم أنَّ مولاي صادق لا يكذب، وأنه لا يخشى من قتالك، ولا يحتاج لأن يسقيك السم في الشراب، ولكنه يريد أن تشفى؛ لتكون خصمه في النزال، لأنه يأسف عليك أن تموت على فراشك بغير موت الأبطال.
ريكاردوس : صدقت أيها الطبيب؛ ذلك ما قاله السلطان، ولكن تعال قبل أن تجس يدي، واسمح لي أن أجس يديك (يجس يدي السلطان) إنه لا يضطرب يا ديفو بل هو ثابت الأعضاء، افعل ما تُريد أيها الطبيب ليس ذلك حال من يسم الأمراء، (السلطان يهيئ الدواء) إذا شفيت يا ديفو كافأت هذا الرجل، وإن مت فلا يطالبه أحد بدماء.
صلاح الدين : اشرب يا مولاي هذا الكأس، والله الشافي من كل داء.
ريكاردوس :
أشرب الكأس حبًّا بمن
يستقبل الحرب بقلب شديد
ومن يرد الخصم عن ملكنا
ويحتوي من أرضه ما يريد
ومن نراه أولًا داخلًا
في باب أورشليم قبل الجنود
واسأل الله بأن أغتدي
أول من يدخل تحت البنود

(تُسْمَعُ ضجة عظيمة من الخارج؛ فيلتفت لها الجميع، ويجلس الملك على سريره.)

ما هذه الضجة يا ديفو؟ انظر ما الخبر فإني أظن أن العرب قد هاجمتنا وأن الجيش قد انكسر.
صلاح الدين : إن العرب لا تهاجمكم إلا بأمر صلاح الدين السلطان، وهو قد سمح لكم بالهدنة، وهيهات أن يعبث بالأمان.
جندي : مولاي إن ملك النمسا قد خرج من مضربه الآن، ونصب علم دولته بجانب علم إنكلترا في ساحة الميدان، وهو يزعُمُ أنَّ الدولتين سواءٌ، وأنك وإياه متساويان.
ريكاردوس (ينهض غاضبًا) : ويل لملك النمسا من قلب الأسد، بل ويل لعسكره إذا برق هذا السيف في هذه اليد، اتبعني يا ديفو اتبعوني أيها الأمراء.
صلاح الدين : مهلًّا أيها الملك، فإني أخاف عليك من تأثير الدواء.
ديفو : ارجع يا مولاي بالله ولا تعرض نفسك للخطر.
ريكاردوس : إنه خير لي أن أموت بدائي من أن أترك مثل ملك النمسا يساويني في علائي، وإن هذا العلم الذي رفعه إلى جانب علمي لا بد من أن أكسره الآن بيدي، ثم أدوسه بقدمي؛ لتعلموا أنني في كل مكان لا يُساويني أحد، ويعلم الأعداء من هو ريكاردوس بعد الآن؛ فيرهبوا قلب الأسد، اتبعوني، (يخرجون).

الجزء الخامس

(صلاح الدين – عماد الدين)
عماد الدين : مولاي ما هذه الفعال؟
صلاح الدين : هذه أسباب انشقاقهم وتوقفهم عن القتال؛ إنَّ كل واحد منهم يريد أن يكون الملك الأعظم، وكل منزل ينقسم على نفسه لا بد أن يتهدم، وسترى من أمورهم أكثر من ذلك إذا مات قلب الأسد، ولكن إذا تيسر شفاؤه فإن له عليهم حكم الوالد على الولد، ولستُ أدري ما سيكون من عواقب هذا الشأن، فتعال نتبعهم لنرى ما سيكون في الميدان.

المنظر الثَّاني

(رابية عليها جنود وعلمان منصوبان)

الجزء السادس

(ملك النمسا – الجنود)
ملك النمسا : هنا يجبُ أن يكون علمي بعد الآن، أنا ملك النمسا، أقول لكم ذلك فاخضعوا أيها الشجعان.
ضابط إنكليزي : لا نُسلم لك بذلك، ولا نرضى بهذا الشأن، وأنا أكلمك بلسان الإنكليز، فكُن على حذر وأنزل العلم قبل أن يعرف قلب الأسد فتقع في الضرر، أنزل العلم قلتُ لك؛ فهو خير وأولى.
ملك النمسا : اسكت أيها الجبان، فنحن لا نخاف الجندي ولا نخاف المولى، وهنا قد نصبت علمي فلا ينزعه أحد.

الجزء السابع

(ملك النمسا – ريكاردوس – ديفو – وليم – المركيز – مارتين – صلاح الدين – عماد الدين – جنود)
ريكاردوس : غلطت يا جبان، بل ينزعه قلب الأسد من مكانه.
إني وضعت على هام السهى قدمي
فكيف ينزل عن هام الربى علمي
هذي هي الراية العلياءُ أرفعها
بالرغم عن جمعكم في هذه القمم
لا راية تغتدي في جنب رايتنا
ولو حمتها أسود الغاب في الأجم
وتلك رايتكم ما بين أرجلكم
ألقي بها وهي مني موطئ القدم
من ذا يدافع عن تمزيقها فأنا
له … … … … …
ملك النمسا :
… … … … …
لقد فت حد الجور والنقم
أنا أدافع عنها بالحسام فخذ
ضربًا له قسمة الإنصاف في القمم
فقد تماديت في ظلم وزدت بما
لم نلتق بمثله في سابق القدم
ريكاردوس :
أأنت تلقى حسامي في النزال لقد
غرتك نفسك في الهيجاء فانهزم
واسلم بنفسك مني إنني رجل
… … … … …
ملك النمسا :
… … … … …
ستغدي مطعم العقبان والرخم
فيليب ملك فرنسا (يدخل بين المتحاربين) : مهلًا أيها الملكان! ارجعا عن هذا العناد، كيف ينشب هذا القتال بين أخوين مُتحالفين! بل ركنين من أركان الجهاد، أتُريدان أن يشمت الأعداء فينا؟ أتحبان أن ينشب القتال بيننا ونسفك دماءَنا بأيدينا؟ ألا تعلمان أنَّ الجيش إذا انقسمت قواده كان نصيبه الانكسار، وأنَّ المملكة إذا انقسمت على نفسها كان حظها الخراب والدَّمار؟ وإذا كنتم قد مللتم من هذه الهدنة وعدم القتال فحولوا سيوفكم إلى أعدائكم؛ فهو أشرف لكم في مواقع النزال، فإنه خير للمرء أن يموت من كف من يعاديه من أن يقتل نفسه بيده أو يموت من سيف أخيه، فانتصحا لي وارجعا عن هذا العمل، ولا تكونا عدوين لأصحابكما ومساعدين على الانكسار والفشل.
ريكاردوس : مهلًا أيها الملك، فإن هذا الرجل الواقف أمامي قد تعدى على حقي فأدبته، ولا أزال مستعدًا لتأديبه بحد حسامي.
ملك النمسا : إليك يا ملك فرنسا، وإلى كل أمير أرفع شكواي، فإن هذا الملك قد أهانني ورمى علمي وأنا إليكم أعرض دعواي.
ريكاردوس : أهنتك لأنك رفعت علمك إلى جانب مجدي، وهذا المكان مختص برايتي، ولي فيه حق التصرف وحدي.
ملك النمسا : قد رفعت رايتي بجانب رايتك؛ لأنَّ منزلتي مساوية لمنزلتك.
ريكاردوس : إذا كنت صادقًا فأثبت هذه المساواة في الميدان، فهناك أجعل رأسك أيها الملك كما جعلت رايتك الآن.
فيليب : مهلًا أيها الملك فإني أرى ملك النمسا مخطئًا فيما قال، وأنت أيها الصديق، لا تظن أننا رفعنا علم إنكلترا عن خضوع وإذلال، بل نحن لما كنا قد دخلنا في أمر هذا الجهاد، رأينا أن نُقيم علينا رئيسًا يرجع إليه أمر الجيوش والقواد؛ فأقمنا ملك إنكلترا باختيارنا رئيسًا علينا، لأنه أشد منا قوة وبأسًا وأحسن قائد لدينا، ولكن هذه السلطة التي أعطيناه إياها الآن لا تكون له في غير هذا الزمان والمكان، ألا ترى علمي أنا ملك فرنسا الذي يخضع له الجميع، كيف تنازل لعلم إنكلترا، وسمح له بالمقام الرفيع؛ وذلك حبًّا بهذا الجهاد وفوزه ورغبة في النصر السريع، فاصطلحا الآن فيما بينكما فهو أولى، واذكرا أنكما تخدمان الله في جهاده، وأنَّ الله أعظم وأعلى.
ريكاردوس : قد قبلت حُكمك أيها الملك؛ فإن القبول بالصلح أحرى، لكن على شرط ألَّا يعود ملك النمسا إلى مثل ذلك مرة أخرى، وأنت يا ديفو، احرس الراية في هذا المساء.
ديفو : لا يا مولاي، لا أحرس راية إنكلترا وأترك ملكها تحت خطر الداء.
ريكاردوس : ما أشد عنادك، أنت يا وليم احرس العلم عنه، واعلم بأنَّ رأسك يسقط إذا سمحت لأحد أن يمسه أو يدنو منه، والآن فلنصطلح كما حكم الملك؛ حتى لا يبقى نفار ولا عداوة بيننا.
المركيز (على حدته) : وا بشراي؛ لقد نلت هلاك مزاحمي كما أشاء.
(لمارتين) تعال أيها الشيطان، فإني أُريدك في هذا المساء، أنت قد سرقت لي هذا الخاتم، ولكن لا فائدة له إلَّا الآن، فقم بما آمرك به وإياك أن يطلع أحد على ما كان، أنت تدري أن هذا الفارس الذي تولى حراسة العلم هو الذي تحبه جوليا من دوني، وتميل إليه وهو رهن أمرها وإشارتها، ولا يخرج في شيء من أموره عن حُبِّها وطاعتها، فمتى انتصف الليل وانصرف هذا الجيش إلى خيامه تأخذ هذا الخاتم وتأتي إليه مُسْرعًا، وتقول له: إنَّ حبيبته جوليا تُريد أن تراه، وإنها أرسلت له معك خاتمها ليذهب إليها، وأنَّ هذا الخاتم علامة منها إليه، وحينئذٍ فلا بد من أن يذهب إليها ليطارحها الغرام، ويترك العلم وحيدًا في هذا المقام، فآتي أنا … ولكن لا … افعل ما قلته لك، والسلام، وهذا الخاتم احرص عليه، وإياك أن يطلع أحد على الأمر.
عماد الدين : أسمعت يا مولاي ما قاله هذان الرجلان؟
صلاح الدين : نعم سمعته، ولكن اسكت لنرى في خاتمة الأمر ماذا يفعلان، فإني قد خلصت قلب الأسد من دائه، وأنا أُريد أن أجري العدل على يده بين أتباعه فاكتم الأمر الآن، وإياك أن يعلم به أحد.
فيليب : قد تم الاتفاق والحمد لله، وحصلنا على مرامنا؛ فهلموا نذهب الآن إلى معسكرنا ونستريح في خيامنا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤