حصون مدينة الإسكندرية

(١) الحصون من قبل الفتح الإسلامي إلى حكم المماليك

كانت مدينة الإسكندرية أوسع رقعة قبل الفتح الإسلامي منها بعد هذا الفتح، وكانت دائرة أسوارها القديمة المحيطة بها أكبر من دائرة سورها في حكم العرب.

ذلك أنها كانت عاصمة المملكة المصرية منذ أسسها الإسكندر الأكبر إلى أن فتحها العرب، فجلت عنها عساكر الرومان وأسرهم وحكامهم وكثيرون من النازلين بها من طوائف الأمم المختلفة، خصوصًا بعد أن فتحت الفتح الثاني في عهد خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وبعد أن اتخذت مدينة الفسطاط عاصمة للديار المصرية واكتظت بالسكان.

وكانت في عهدها القديم مدينة منيعة حصينة غاية الحصانة مشهورة بأسوارها العديدة وخنادقها العميقة وأبوابها المحكمة وأبراجها الكثيرة الباذخة وحصونها العديدة الشامخة.

ولقد عانى العرب في فتحها شدائد وأهوالًا وظلوا في حصارها ومهاجمتها أربعة عشر شهرًا، يصبحونها ويمسونها بالغارة تلو الغارة حتى فتحها الله عليهم، فهالهم ما رأوه فيها من وثيق البنيان وكثرة السكان، وعظيم الحضارة والعمران، وفسيح الميادين، وعجيب الملاعب والعمد والأساطين، وغرائب المباني والقصور، ووفرة الحوانيت والأسواق والدور، وروائع المسلات والعمارات، والهياكل والكنائس والخانات.

ولما ظنوا أنها دانت لهم اتخذوا بها رابطة وشحنوها بمقاتلتهم، وعاد الفاتحون مع أميرهم عمرو بن العاص إلى داخلية البلاد، وتفرقوا في أنحائها واتخذوا الفسطاط دارًا لإمارتهم. وظلت الحال على ذلك ردحًا من الزمن.

فلما كانت خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه عزل عنها عمرًا، واستعمل عليها بدلًا منه عبد الله بن سعيد بن أبي السرح، فلم تمضِ على ولاية هذا أيام حتى ثارت الإسكندرية على حاميتها فقتلوها واستولوا على مرابطها، وكانوا قد كتبوا بذلك إلى ملك الروم فأرسل إليهم المقاتلة والأمداد فملكوا المدينة وخرجوا منها لقتال المسلمين والاستيلاء على الريف ثم على سائر مصر، وعند ذلك طلب المسلمون من الخليفة أن يعيد إليها عمرًا؛ لأن له هيبة في صدورهم ومعرفة بحربهم، فأعاده إليها وعادت الحرب بينه وبينهم وكانت حربًا شعواء كتب الله النصر فيها للمسلمين، وقد حلف عمرو لئن فتح الله مدينة الإسكندرية ليهدمن حصونها وأسوارها. فلما فتحها الله عليه بر بقسمه وسواها بالأرض، حتى لا تعود فتنتقض على المسلمين مرة أخرى ويعتصم مقاتلتها بأسوارها وحصونها.

وفي هذا الفتح الثاني استحر القتال بين عمرو والروم بالقرب من باب السدرة، فقتل منهم مقتلة عظيمة، ولما رأى القتل قد استحر فيهم أمر برفع السيف عنهم رحمة بهم، وأسَّس في هذا المكان مسجدًا أسماه «مسجد الرحمة»، وهو المسجد المعروف الآن بمسجد العمري عند تقابل شارع أبي الدرداء بشارع الخديو الأول، وكان هذا المسجد أكبر مما هو عليه الآن كثيرًا.

ثم في أثناء ولاية أحمد بن طولون على مصر عندما استقل بها في نحو سنة ٢٦٥ﻫ (٨٧٨م) أحاط الإسكندرية بسور جديد؛ خوفًا من غارة عسكر الخليفة عليها، ويُقال إن هذا السور هو الذي بقي إلى أن دخلها الفرنسيون، كما يُقال أيضًا إنه تهدم وإنه بُني ثانيًا في أيام حكم المماليك البحرية، وإن هذا هو الذي بقي عند مجيء الحملة الفرنسية.

وإليك النصوص التي استندنا إليها في هذا الشأن:

قال ابن عبد الحكم المتوفى سنة ٢٥٧ﻫ (٨٧١م) في كتابه «فتوح مصر ص٤٢»:

كانت الإسكندرية ثلاث مدن بعضها إلى جنب بعض — منة وهي موضع المنارة وما والاها، والإسكندرية وهي موضع قصبة الإسكندرية اليوم، ونقيطة. وكان على كل واحدة منهن سور وسور من خلف ذلك على الثلاث مدن يحيط بهن جميعًا — ثم نقل عن طريف الهمذاني أنه كان على الإسكندرية سبعة حصون وسبعة خنادق. ا.ﻫ.

وجاء في خطط المقريزي المتوفى سنة ٨٤٥ﻫ (١٤٤١م) ج١ في آخر الكلام على مدينة الإسكندرية ما نصه:

وكان بناء الإسكندرية طبقات وتحتها قناطر مقنطرة عليها دور المدينة يسير تحتها الفارس وبيده رمح لا تضيق به حتى يدور جميع تلك الآزاج والقناطر التي تحت المدينة. وقد عُمل لتلك العقود والآزاج مخاريق ومتنفسات للضياء ومنافذ للهواء — إلى أن قال — وكان عليها سبعة أسوار من أنواع الحجارة المختلفة الألوان بينها خنادق، وبين كل خندق وسور فصول. ا.ﻫ.

وقال ابن عبد الحكم في كتابه الآنف الذكر ص٨٠:

لما هزم الله تبارك وتعالى الروم وفتح الإسكندرية وهرب الروم في البر والبحر خلف عمرو بن العاص بالإسكندرية ألف رجل من أصحابه، ومضى عمرو ومَن معه في طلب مَن هرب من الروم في البر. فرجع مَن كان هرب من الروم في البحر إلى الإسكندرية فقتلوا مَن كان فيها من المسلمين إلا مَن هرب منهم. وبلغ ذلك عمرو بن العاص فكرَّ راجعًا ففتحها. ا.ﻫ.

وهذا النص يتعلق بفتحها الأول.

وجاء في الصفحة ٨٢ منه:

وكتب عمرو بن العاص بعد ذلك إلى عمر بن الخطاب — رضي الله عنه — أما بعد، فإني فتحت مدينة لا أصف ما فيها، غير أني أصبت فيها أربعة آلاف بنية بأربعة آلاف حمام وأربعين ألف يهودي عليهم الجزية، وأربعمائة ملهى للملوك.

وعن أبي قبيل أن عمرًا لما فتح الإسكندرية وجد فيها اثني عشر ألف بقال يبيعون البقل الأخضر. وعن محمد ابن سعيد الهاشمي قال: ترحل من الإسكندرية في الليلة التي دخلها عمرو بن العاص أو في الليلة التي خافوا فيها دخول عمرو سبعون ألف يهودي — إلى أن قال — وكان عدة مَن بالإسكندرية من الروم مائتي ألف من الرجال، فلحق بأرض الروم أهل القوة وركبوا السفن، وكان بها مائة مركب من المراكب الكبار، فحمل فيها ثلاثون ألفًا مع ما قدروا عليه من المال والمتاع والأهل وبقي مَن بقي من الأسارى ممن بلغ الخراج فأُحصي يومئذٍ ستمائة ألف سوى النساء والصبيان. ا.ﻫ.

وجاء في الصفحة ١٣٠ منه:

لما استقامت للمسلمين البلاد قطع عمرو بن العاص من أصحابه لرباط الإسكندرية ربع الناس، وربع في السواحل والنصف مقيمون معه. وكان يصير بالإسكندرية خاصة الربع في الصيف بقدر ستة أشهر، ويعقب بعدهم شاتية ستة أشهر. وكان لكل عريف قصر ينزل فيه بمن معه من أصحابه واتخذوا فيها أخائذ. ا.ﻫ.

وجاء في الصفحتين ١٧٥ و١٧٦ منه:

كانت الإسكندرية انتفضت وجاءت الروم عليهم منويل الخصي في المراكب حتى أرسوا بالإسكندرية، فأجابهم مَن بها من الروم ولم يكن المقوقس تحرَّك ولا نكث. وقد كان عثمان بن عفان عزل عمرو بن العاص وولَّى عبد الله بن سعد. فلما نزلت الروم الإسكندرية سأل أهل مصر عثمان أن يقر عمرًا حتى يفرغ من قتال الروم؛ فإن له معرفة بالحرب وهيبة في العدو ففعل. وكان على الإسكندرية سورها فحلف عمرو بن العاص لئن أظهره الله عليهم ليهدمن سورها حتى تُؤتى من كل مكان — إلى أن قال — وقتلهم عمرو حتى أمعن في مدينتهم فكلَّم في ذلك فأمر برفع السيف عنهم وبني في ذلك الموضع الذي رُفع فيه السيف مسجد، وهو المسجد الذي بالإسكندرية الذي يُقال له مسجد الرحمة، وإنما سُمي مسجد الرحمة لرفع عمرو السيف هنالك، وهدم سورها كله. ا.ﻫ.

وهذا النص يتعلق بفتحها الثاني.

وقال علي باشا مبارك في خططه (ج٧ ص٤٣):
وفي القرن التاسع من الميلاد — أعني بعد فتح مصر بقرنين أيام خلافة المتوكل وهو العاشر من بني العباس والثاني والثلاثون من الخلفاء بعد رسول الله — هدم أحمد بن طولون الأسوار القديمة١ وبنى غيرها فما كان جهة البحر والغرب بقي على ما كان عليه مع بعض تغيير. وأما ما كان من الجهة الشرقية والجهة القبلية فقد دخل كثيرًا لخراب هاتين الجهتين، وذكر بعضهم أن ابن طولون إنما عمَّر الأسوار القديمة فقط، ثم في سنة ١٢١٢م اعترى المدينة والأسوار تخرب فاحش، فبنى أحد مَن تولى على تخت الديار المصرية بعد صلاح الدين أسوارًا أُخَر وهي التي بقيت إلى دخول الفرنساوية.
ثم قال:

وبهذا الانتقال كانت مساحة المدينة في زمن ابن طولون أقل من نصف مساحتها في زمن الرومانيين، وبقيت على ما وضعها عليه ابن طولون إلى زمن دخول الفرنساوية لكنها على حسب الأزمان والأحوال كانت أخذت في التخرب. وفي سنة ١٧١٨م بناء على ما ذكره مابي قنصل فرنسا في ذلك الوقت في وصف إسكندرية، كان التخرب قد اعتراها وغيَّر معالمها حتى صار لا يوجد في مدينة العرب أكثر من مائة بيت، وتحول غالب الناس إلى ساحل الميناء وبنوا منازلهم فوق الأرض التي حدثت من انحسار البحر في محل السبع غلوات، وهُجرت مدينة العرب بالكلية فكانت خرابًا بلقعًا لا يأوي إليها إلا أشقياء الناس. وتلك البلد التي حدثت بُنيت بأنقاض مدينة الأروام. وعلى هذا كان الخراب ممتدًّا من مكان مدينة كانوب (أبو قير) إلى باب العرب (بالمكس) على ساحل البحر، ومن جهة الأرض إلى ساحل البحيرة وخليج إسكندرية. وكان لا يزيد عدد أهل البلد الجديد عن أربعة آلاف نفس. ا.ﻫ.

(٢) الحصون في أواخر حكم المماليك الجراكسة

قال خليل بن شاهين الظاهري حاكم الإسكندرية في عهد السلطان الأشرف برسباي من سلاطين دولة المماليك الجراكسة والمتوفى سنة ٨٥٠ﻫ (١٤٦٨م) في كتابه «زبدة كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك» ص٣٩ في الكلام على ثغر الإسكندرية وحصونه ما نصه:

فصل في ذكر ثغر الإسكندرية

وهو أجل ثغور الإسلام وأعظمه، يشتمل على سورين محكمين بهما عدة أبراج يحيط بها خندق يُطلق فيه الماء من البحر المحيط عند وقت الضرورة، وللثغر عدة أبواب محكمة حتى إن على كل باب منها ثلاثة أبواب من حديد، وبأعلى الأبراج مناجيق ومكاحل. وفي وقت الضرورة يُعلق على كل شرافة قنديل. وهذا الثغر في غاية التحصين وعلى كل برج منه أعلام وطبلخاناه وأبواق وحرسية يشهر ذلك وقت الضرورة. ا.ﻫ.

(٣) الحصون قبل حكم محمد علي

كانت حصون مدينة الإسكندرية عند قدوم الحملة الفرنسية عبارة عن سور محيط بها فيه أبراج ومزاغل ومرامي للنار، وحوله خندق يصل إليه ماء البحر الملح. وهذا السور كان يُسمى سور العرب؛ لأنه بُني في زمن حكمهم، وهذه حقيقة لا ريب فيها لأن دائرة هذا السور كانت أضيق كثيرًا من دائرة مدينة البطالسة — أي الإسكندرية القديمة — عند استيلاء العرب عليها.

وإليك تخطيط سور العرب المذكور:

الجهة الشمالية منه

كان السور يبتدئ في هذه الجهة من موقع الباب رقم ١٠ من أبواب مخازن الجمارك الحالية أمام شارع البحرية ويمتد في استدارته إلى ناحية الشرق مسافة قدرها ٣٤٠ مترًا؛ حيث كان يوجد في نهاية هذه المسافة منه باب يُدعى «باب البحر الغربي» — الباب الأخضر — وموقعه الآن عند تقابل شارع الطوبجية بشارع الباب الأخضر، ثم يمتد في استدارته أيضًا إلى ناحية الشرق مسافة أخرى قدرها ٣٥٠ مترًا إلى أن يقطع شارع دانسطاسي، ثم ينحرف إلى الجنوب قليلًا ممتدًّا مسافة قدرها ١٠٠ متر، ثم ينكسر متجهًا إلى ناحية الشمال ممتدًّا مسافة قدرها ١٥٠ مترًا حتى يصل إلى نقطة موقعها الآن وراء المحكمة المختلطة بقدر ٦٠ مترًا تقريبًا. ثم يعتدل مشرقًا مسافة قدرها ١٠٠ متر؛ حيث كان يوجد في نهاية هذه المسافة منه باب يُدعى «باب البحر الشرقي» كان موقعه بالقرب من تقاطع شارعي مسجد العطارين والسبع بنات الآن، ويمتد مسافة أخرى في هذا الاتجاه قدرها ٢٢٠ مترًا؛ حيث موقع البورصة الآن، ثم ينكسر مرة أخرى متجهًا إلى الشمال مسافة قدرها ١٨٠ مترًا مخترقًا شارع البورصة القديمة إلى نقطة تقابله بشارع سعد زغلول، ثم يعود فيعتدل إلى ناحية الشرق الشمالي ممتدًّا مسافة قدرها ٥٨٠ مترًا تقريبًا حتى يصل إلى موقع محطة الرمل الآن، ثم يرجع فينكسر إلى ناحية الجنوب ممتدًّا مسافة قدرها ٣٢٠ مترًا غربي شارع المسلة بمقدار ٣٠ مترًا، ثم يعتدل مرة أخرى إلى ناحية الشرق ويكون حينئذٍ في شمال شارع السلطان حسين كامل الآن وعلى بعد ٣٠ مترًا منه ممتدًّا مسافة قدرها ١١٠٠ متر حتى يصل إلى موضع حداق البلدية الآن من شارع بلجيكا.

الجهة الشرقية منه

هذه الجهة تبتدئ عند تقاطع شارع بلجيكا والسلطان حسين كامل في موضع حدائق البلدية الآن، ويتجه السور من هذه الجهة نحو الجنوب ممتدًّا مسافة قدرها ٢٣٠ مترًا تقريبًا؛ حيث كان يوجد في نهاية هذه المسافة منه باب يُدعى «باب رشيد» أو الباب الشرقي، ثم يمتد مسافة أخرى في هذا الاتجاه قدرها ٣٠٠ متر تقريبًا حتى يصل إلى موقع شارع الأمير عبد القادر الحالي.

الجهة الجنوبية منه

هذه الجهة من السور كانت تبتدئ من الجهة الشرقية الجنوبية، ثم يمتد السور منها ناحية الغرب مسافة قدرها ١٠٠٠ متر تقريبًا حتى يصل إلى موقع محكمة العطارين الجزئية الآن، ثم يميل إلى ناحية الشمال قليلًا ممتدًّا مسافة ١٠٠ متر حتى يصل إلى جنوب كوم الدكة، ثم ينحرف إلى ناحية الجنوب قليلًا ممتدًّا مسافة قدرها ٢٧٠ مترًا إلى أن يصل إلى موقع محطة مصر القديمة؛ حيث كان يوجد في نهاية هذه المسافة منه باب يُدعى قديمًا باسم «باب الصوري»، ثم دُعي بعد ذلك باسم «الباب الجديد» و«باب محرم بك»، ثم يمتد مسافة أخرى في هذا الاتجاه قدرها ٣٥٠ مترًا إلى أن يصل إلى مبتدأ موقع شارع الخديو الأول، ثم يعتدل إلى ناحية الغرب ممتدًّا مسافة قدرها ٣٥٠ مترًا في امتداد شارع الخديو الأول؛ حيث كان يوجد في نهاية هذه المسافة منه باب يُدعى «باب سدرة» أو «باب العمود» وموقعه الآن عند تقاطع شارعي عمود السواري والخديو الأول، ثم يمتد في هذا الاتجاه مسافة أخرى قدرها ٩٧٠ مترًا إلى أن يصل إلى موقع بورصة ميناء البصل الحالية، ويدور حولها ممتدًّا في استدارته مسافة قدرها ٢٤٠ مترًا تقريبًا إلى أن يصل إلى ترعة المحمودية.

الجهة الغربية منه

تبتدئ هذه الجهة من السور المذكور من جنوبي هويس ترعة المحمودية الواقع أمام شون الأقطان، ويمتد السور منها متجهًا إلى الشمال مسافة قدرها ٣٥٠ مترًا؛ حيث كان يوجد في نهاية هذه المسافة منه باب يُدعى «باب المغارات» وموقعه الآن بشارع الكوبري القديم أمام مكابس الأقطان، ثم يمتد في هذا الاتجاه مسافة قدرها ٨٠ مترًا، ثم ينكسر متجهًا قليلًا إلى ناحية الشمال الغربي ممتدًّا في هذا الاتجاه مسافة قدرها ٣٠٠ متر؛ حيث موقع رصيف جمرك المحمودية الآن، ثم يعتدل إلى ناحية الشمال ممتدًّا مسافة قدرها ١٠٠ متر، مارًّا بموقع مخازن الجمرك الآن، ثم يستدير نحو الشرق قليلًا مع اتجاهه إلى ناحية الشمال ممتدًّا في هذا الاتجاه مسافة قدرها ٦٥٠ مترًا، مارًّا بمواقع مخازن جمرك الإسكندرية ومكتب البريد؛ حيث ينتهي بالقرب من مواقع مخازن الدخان الآن غربي شارع البحرية؛ أي عند بدايته في موقع الباب رقم ١٠ الآنف الذكر.

ومن هذا الوصف يُعرف أن جزءًا من مدينة الإسكندرية الحالية كان موجودًا وقت مجيء الحملة الفرنسية، ولم يكن داخل هذا السور وهذا الجزء هو الواقع شمال هذا السور بين الميناء الشرقية والميناء الغربية، ويشتمل على قسم رأس التين وقسم الجمرك وجزء من قسم المنشية، ولا بد أن يكون السبب في ذلك يرجع إلى أن هذا الجزء كان في قديم الزمان مغمورًا بالماء، وكانت الميناءان متصلتين ببعضهما، وكانت المدينة متصلة بجزيرة فاروس بواسطة جسر من الأحجار، وكان هذا الجسر هو الخط الفاصل بين الميناءين المذكورتين، وكان حد الإسكندرية الشمالي ينتهي بسور العرب ولا يجاوزه.

والنتيجة المترتبة على ذلك هي أن هذا الجزء لم يُشيَّد، ولم يصبح في هذه الحالة التي وجدته عليها الحملة الفرنسية إلا بعد أن رُدم هذا الجسر وطُمر واتصلت الميناءان ببعضهما ثم اتصلتا بجزيرة فاروس.

أما بناء هذا السور الحربي فإنه كان على ما يلوح من البناء الفاخر كما تدل على ذلك صوره ورسومه المخططة في كتاب «وصف مصر» لعلماء الحملة الفرنسية.

ومما يُؤسف له أشد الأسف عدم الاحتفاظ بهذا السور الأثري القيم الذي هُدم جانب منه، وهو الجزء الواقع بالقرب من الميناءين في عهد حكم محمد علي، ثم تهدم جزء آخر منه في حكم الخديو إسماعيل، وباقيه هُدم في عهد الاحتلال الإنكليزي.

وإليك وصف هذا السور وقت مجيء الحملة الفرنسية كما جاء في كتاب «وصف مصر» بالجزء الخاص بمدينة الإسكندرية الحديثة:

لا يحتوي سور هذه المدينة المهجور، الذي بعض أجزائه محصن بأكثر من ١٠٠ برج مختلفة الأشكال، إلا على جزء من مدينة الإسكندرية اليونانية الرومانية القديمة. ويُسمى هذا السور من زمن بعيد بسور مدينة العرب؛ لأنه يُظن أن أمراء الأمة العربية الذين دام لهم حكم الإسكندرية ومصر نحو ١٢٠٠ سنة هم الذين بنوه.

ويبدو لنا أن الواقع هو أن هذا السور الذي يبلغ امتداده ٧٨٩٣ مترًا قد شيد العرب أكبر جزء منه في القرن التاسع الميلادي (القرن الرابع الهجري) وحالة حيطانه الآن التي يحميها خندق ضيق، سيئة على وجه العموم، وبين أبراجه الكثيرة الشاهقة التي أكثرها رحب وبنيانها فخم، يُشاهد بعض أبراج واقعة على الميناءين وعلى أطراف المدينة الحديثة يرجع تاريخ إقامتها إلى القرون الأولى التي أُنشئت فيها مدينة الإسكندرية القديمة؛ فقد نقل الخلف عن السلف أن واحدًا من هذه الأبراج، وهو الذي يشرف على الفرضة الجديدة (الميناء الشرقية) من صنع يد الرومانيين، وهذا البرج ما زال إلى الآن يُسمى «البرج الروماني»، وهو البرج القائم قرب مسلات كليوبطرة وعلى الشمال منها.

وهنالك برجان آخران يلفتان النظر بضخامتهما ولونهما العتيق: أحدهما قائم على الميناء الجديدة ومطل على مدخل الساحة التي عندها تنتهي قناطر المجرى المائي، والثاني يشرف على الميناء القديمة وبداخله برج آخر قائم في وسطه. وهذا البرج المزدوج المتصلة حيطانه من الداخل بقبو مستدير، رحب جدًّا وبناؤه أنيق. كما أن بعض أبراج أخرى كانت أجزاؤها السفلى تُستخدم ولا بد لخزن الماء.

ويوجد صهريج فخم في برج من الأبراج المطلة على واجهة المدينة الحديثة الجنوبية.

وقد رُمم الحصن القائم في الزاوية البارزة الواقعة جنوب غربي السور حتى أصبح في حالة صالحة جدًّا للدفاع، ويُقال له نظرًا لشكله «الحصن المثلث»، ولكنه أُبيد بالنيران التي اشتعلت في مستودع باروده قبيل آخر عام ١٨٠١م.

وتنتصب أبراج هذا السور المشيدة حسب مستلزمات الحرب في الأزمنة الغابرة، شامخة فوق مبانيها التي أُعدت لإقامتها عليها، وجميعها منتهية بمماشي بارزة عن قواعدها، وبهذه المماشي شرفات بها كوى وثقوب بواسطتها يمكن منع مَن يريد الدنو من هذا السور. وكافة الأبراج التي في الخط الخارجي لها أبواب سرية أو أبواب للخروج تطل على الخنادق، وأغلب هذه الأبواب مرتفعة العتبات مترًا أو مترين عن قاع الخنادق، ويحجبها الآن ساتر من البناء.

ويُشاهد في صلب بناء حيطان الأسوار وبالأخص في أساس أغلب الأبراج كثير من أعمدة الرخام والصوان مندمجة اندماجًا أفقيًّا فيها، ويُرى أحد طرفيها من الخارج. وبعض أجزاء وجهات هذه الحيطان مطلية بالمرمر؛ لوقاية جوانبها من تأثير رطوبة البحر الملح التي تحدثها أنداء الليل الكثيفة المنتشرة على ساحل مصر. ويعاين الإنسان تأثير الرطوبة الشديد في الحجر الجيري ويرى كيف تحلله هذه الرطوبة بدرجة كبيرة متى تأمل في حيطان السور القريبة من باب رشيد وفي الزاوية البارزة القائمة عنده.

وفي هذا السور خمسة أبواب، منها اثنان في واجهة المدينة الحديثة، واحد في الشرق يُسمى «باب رشيد»، والآخر في الجنوب يُسمى «باب العمود» — عمود السواري — ثم الباب الذي في الغرب، وهو الذي يطل من البرج الهائل على المرفأ القديم «الميناء الغربية»، وهذا البرج هو آخر الأبراج غربًا. وهذه الأبواب مفتوحة في الأبراج الراكبة فوق السور وفتحاتها تواريها من الخارج حيطان الأبراج. وتُستخدم هذه الأبواب للاستكشاف وللدفاع عن الحامية على النمط الذي تُستخدم فيه الأبواب السرية التي في جوانب أبراج حصون فرنسا. ومصاريع هذه الأبواب من النجائر المتينة المصنوعة من خشب الجميز، ووجهاتها الخارجية مكسوة بصفائح من الحديد مثبتة بمسامير ذات رءوس بارزة مشطوفة، ولكن هذا الحديد أكله الصدأ. أما خشبها الذي انحلت قشوره قليلًا فهذا لم يزد على مرور الأيام وكرور الأعوام إلا متانة. ويوجد على وجهات هذه الأبواب كتابة عربية كوفية وغير كوفية، منها يُعلم زمن إنشائها. ا.ﻫ.

والحقيقة أن عدد الأبواب لا بد أن يكون ستة لا خمسة؛ لأنه كان يوجد في الجنوب بابان لا باب واحد كما قالوا. ومما يُؤسف له أشد الأسف أن الكتابة المنوه عنها في هذا الوصف التي كانت على أبواب هذا السور لم تُنقل مع أنها كانت تنبئنا على الأقل عن اسم منشئ هذه المباني العظيمة.

وعدا أبراج سور العرب المذكورة كان يوجد من الحصون عند مجيء الحملة الفرنسية قلعة فاروس أو قايتباي التي هي عبارة عن سور محصن على طراز العصر الذي بُنيت فيه وتحتوي على برج مربع الشكل مشيد في أركانه أربعة أبراج صغيرة، وبمماشيه شرفة فيها مصباح يُضاء في الليل. وكان في غرف هذا البرج العليا أكداس من الأسلحة المختلفة تراكم فوقها الصدأ، وتدل حليها وأشكالها على أن بعضها من أسلحة الصليبيين والبعض الآخر من أسلحة حملة لويس السادس عشر المنكودة، كما كان يوجد حصن آخر يُقال له طابية فاروس الصغيرة لوقوعه إزاء القلعة السابقة، وهو الطابية المعروفة بطابية السلسلة الحالية. وهذه الطابية كانت مشيدة في نهاية خط الصخور التي هي نهاية الميناء الشرقية من جهة الشرق، وقد بُنيت هذه الطابية للدفاع عن هذه الميناء. والصخور الموصلة لهذه الطابية الصغيرة مرتفعة عن منسوب ماء البحر، ولكنها كانت تُغمر به عند اشتداد الأنواء.

وعند قدوم الفرنسيين لم يكن يوجد من هذه الطابية الصغيرة إلا برج مربع الشغل متخرب، به بعض أجزاء من مدافع برى الصدأ حديدها من جراء رطوبة البحر الملح التي حللت هذا الحديد وصيرته شرائح ونفايات معدنية.

ثم كان يوجد في موضع مدرسة رأس التين الأميرية الآن حصن ثالث يشرف على الميناء الغربية.

ولما احتل الفرنسيون المدينة شيدوا حصونًا لحمايتها من الاعتداء عليها من الخارج، وهذا بيانها:
  • (١)
    «حصن كوم الدكة»: وهو الحصن الباقي إلى الآن وسموه حصن كريتان Fort Crétin تخليدًا لذكرى المهندس الحربي الفرنسي القائمقام كريتان الذي أشرف على بنائه ثم قُتل في موقعة أبي قير التي نشبت بين الفرنسيين والجنود التركية في ذلك الحين.
  • (٢)
    «حصن كوم الناظورة»: وهو أيضًا لا يزال باقيًا إلى الآن. وسموه حصن كافاريللي Fort Cafarelli باسم الجنرال الذي كان مشرفًا على الأعمال الهندسية الحربية في جيشهم. وهذا الجنرال فقد إحدى ساقيه قبل مجيئه إلى مصر واستعاض عنها بساق خشبية، فكنَّاه المصريون بأبي خشبة، ثم قُتل في حصار عكاء.
  • (٣)
    «حصن لوتورك Fort Leteruce»: وهو حصن أقاموه غربي الحصن السابق على شاطئ البحر في الموضع الذي به طابية صالح الحالية. ولوتورك اسم أحد قوادهم.
  • (٤)

    «حصن كليوبطرة»: وهو حصن شيدوه على المرتفعات القائم عليها الآن المستشفى الأميري، وسموه بهذا الاسم لمجاورته للمسلة المسماة بمسلة كليوبطرة.

وقد أقاموا عدا هذه الحصون صفوفًا من المدافع (بطاريات) في المواضع الآتية:
  • (١)

    بطارية في نهاية رأس التين في الموضع الذي صار فيما بعد طابية الفنار.

  • (٢)

    بطارية في شمال رأس التين في الموضع الذي صار فيما بعد طابية سراي رأس التين.

  • (٣)

    بطارية في موضع منهد (ميس) ضباط الحرس الملكي الآن، وكان في موضعها قبل ذلك طابية الاسبتالية.

  • (٤)

    بطارية في موضع طابية الأطة الحالية.

هذه هي كل المنشآت التي أقامها الفرنسيون على شواطئ مدينة الإسكندرية وفي داخلها للدفاع عنها من عدو يهاجمها. وليلاحظ أنه في مواضع البطاريات السالفة الذكر أُقيمت طوابي فيما بعد كما سبق.

(٤) الحصون في حكم محمد علي

عَهِد محمد علي إلى جاليس بك تحصين مدينة الإسكندرية، وفي عام ١٨٤٠م كانت حصونها وأسلحتها كما يُؤخذ من رسوم الملازم نيوجنت Nugent من رجال البحرية البريطانية كالآتي:
جدول : جدول بيان الحصون وتسليحها في هذا العهد.
الحصون مدافع أهوان الجملة
الجملة العمومية ٣٣٠ ٥٩ ٣٨٩
(١) طابية السلسلة ٦ ٦
(٢) طابية قبور اليهود ١٠ ١٠
(٣) طابية كوم الدكة ٦ ٣ ٩
(٤) طابية كوم الناظورة ١٢ ٤ ١٦
(٥) طابية قايتباي ٢٠ ١٢ ٣٢
(٦) طابية الأطة ١٠ ١ ١١
(٧) طابية سراي رأس التين ٤٦ ١٧ ٦٣
(٨) طابية فنار رأس التين ٣٣ ١٠ ٤٣
(٩) طابية صالح أغا ١٥ ٣ ١٨
(١٠) طابية أم قبيبة ٣٠ ٣٠
(١١) طابية القمرية ١٠ ٣ ١٣
(١٢) طابية الملاحة القديمة ١٠ ١٠
(١٣) طابية الملاحة الجديدة ٣٤ ٣٤
(١٤) طابية الدخيلة ١٠ ٣ ١٣
(١٥) طابية جزيرة العجمي أو المرابط ٨ ٣ ١١
(١٦) طوابي دائرة السور ٧٠ ٧٠

وبعد سنة ١٨٤٠م وفي أواخر حكم محمد علي زاد عدد هذه الحصون كما يُؤخذ من القائمة المؤرخة بعام ١٢٦٤ﻫ (١٨٤٨م) التي وضعها حسن باشا الإسكندراني ناظر البحرية المصرية الذي أدركته المنية سنة ١٨٥٥م، فغرق مع مَن غرق في سفينة القيادة (مفتاح جهاد) في حرب القرم التي اشترك فيها الأسطول المصري.

وهذه القائمة نقلها إسماعيل سرهنك باشا في كتابه «حقائق الأخبار عن دول البحار» ج٢ ص٢٥٩، ومنها يتبين أن عدد هذه الحصون ومدافعها كان كالآتي:

جدول : زيادة هذه الحصون في أواخر عهد محمد علي وقائمة بأسمائها وبالمدافع التي سُلحت بها.
الحصون مدافع أهوان الجملة
الجملة العمومية ٦١٧ ٦٩ ٦٨٦
(١) طابية الفنار ٥٧ ٦ ٦٣
(٢) طابية الفنار الصغيرة ١ ١
(٣) طابية التراب ٦١ ١٢ ٧٣
(٤) طابية الاسبتالية الجديدة ١٣ ١٠ ٢٣
(٥) طابية الاسبتالية القديمة ٢٥ ٢٥
(٦) طابة الأطة ٥٧ ٧ ٦٤
(٧) قلعة برج الظفر ١١٠ ٦ ١١٦
(٨) طابية ظهر منزل الفرنسيس ٦ ٦ ١٢
(٩) طابية المفحمة ٨ ٨
(١٠) طابية مسلة فرعون ٩ ٩
(١١) طابية قبور اليهود القديمة ١٠ ١٠
(١٢) طابية قبور اليهود الجديدة ٢٠ ٢٠
(١٣) طابية برج السلسلة ١٨ ١ ١٩
(١٤) طابية باب شرقي ٦ ٦
(١٥) طابية كوم الناظورة ١٠ ١ ١١
(١٦) طابية الدخيلة ٣ ٣
(١٧) طابية السلية ٢٠ ٢ ٢٢
(١٨) طابية المكس ٤٠ ٩ ٤٩
(١٩) طابية القمرية ٩ ١ ١٠
(٢٠) طابية أم قبيبة ٥٦ ٤ ٦٠
(٢١) طابية الملاحة القديمة ١٤ ١ ١٥
(٢٢) طابية الملاحة الجديدة ٣٤ ١ ٣٥
(٢٣) طابية صالح أغا ١٣ ١٣
(٢٤) طابية باب سدرة ٨ ٨
(٢٥) طابية كوم الدكة ٩ ٢ ١١

وزيادة في بيان هذه الحصون ومواقعها نقول:

(١) و(٢) طابيتا الفنار والفنار الصغيرة: هما الآن عبارة عن الطابية المعروفة بطابية الفنار برأس التين.
(٣) طابية التراب: وهي الآن تشغل خط النار شمال سراي رأس التين؛ ولهذا تُسمى طابية سراي رأس التين.
(٤) و(٥) طابيتا الاسبتالية القديمة والاسبتالية الجديدة: تقعان الآن تجاه قشلاقات وميس ضباط الحرس الملكي في المكان الذي كان قائمًا عليه هذان المستشفيان.
(٦) طابية الأطة: لا تزال في موضعها كما كانت إلى الآن شرق حمام الأنفوشي، وبها مركز لخفر سواحل قسم الإسكندرية، والأطة كلمة تركية معناها الجزيرة، وهذه الطابية الآن تُعرف عند الناس باسم طابية القضا.
(٧) قلعة برج الظفر: هي في رأينا الطابية المعروفة الآن بطابية قايتباي للأسباب الآتية:
  • (أ)

    تسمية كثيرين من المؤلفين لهذا البرج باسم قايتباي.

  • (ب)

    عدم ذكر اسم حصن قايتباي في قائمة حسن باشا الإسكندراني مع أنه كان أهم حصون الإسكندرية، كما يُؤخذ من حالة تسليحه.

  • (جـ)

    مجيء هذا الحصن بعد طابية الأطة في قائمة حسن باشا الإسكندراني وكذلك في الوضع الجغرافي، فإنه فيه بعد هذا الحصن شرقًا.

نعم كان يوجد بين موقع مسجد الإمام البوصيري وسراي المحافظة القديمة على شاطئ البحر برج صغير كان معروفًا بين الناس باسم البرج الزفر (برج الظفر)، وقد زال ومُحيت آثاره منذ أن رُدم ساحل البحر في هذه الجهة وأُقيم بناء رصيف الميناء الشرقية، فيجوز أن يكون برج الظفر هو هذا البرج الذي زال. وقلعة برج الظفر هي الطابية المعروفة بطابية قايتباي. ولا محيد عن أحد هذين الرأيين، وإهمال ذكر برج الظفر بهذا الاسم وحده في قائمة حسن باشا الإسكندراني يكون لأنه أدمجه تحت اسم قلعة برج الظفر، أو لأنه لم يكن له أهمية حربية.

(٨) طابية ظهر منزل الفرنسيس: كانت واقعة كما يدل على ذلك اسمها على البحر خلف قنصلية فرنسا القديمة التي كانت مشيدة محل ميدان سعد باشا زغلول الآن، ودمرتها نيران الأسطول البريطاني سنة ١٨٨٢م عند إطلاق قنابله على المدينة.
(٩) طابية المفحمة: كانت قائمة على شاطئ البحر أيضًا شرقي الطابية السابقة عند نهاية شارع البورصة القديمة.
(١٠) طابية مسلة فرعون: كانت كما يدل على ذلك اسمها قرب مسلة فرعون بجوار محطة الرمل الحالية.
(١١) و(١٢) طابيتا قبور اليهود القديمة وقبور اليهود الجديدة: كانت أولاهما في موضع المستشفى الأميري الحالي. والثانية بين نهاية شارع يوسف عز الدين ورأس السلسلة.
(١٣) طابية برج السلسلة: كانت تشغل الرأس الداخل في البحر الذي حوَّلته البلدية إلى منتزه.
(١٤) طابية باب شرقي: كانت قائمة بالقرب من أحد أبواب سور المدينة، وهو الباب المسمى بهذا الاسم والمسمى أيضًا بباب رشيد، وموقعها الآن في شارع فؤاد الأول عند ملتقى شارع السلطان حسين كامل بشارع بلجيكا.
(١٥) طابية كوم الناظورة (الناضورة): لا تزال باقية، وفيها الآن مركز إشارات مصلحة الموانئ والمنائر.
(١٦) طابية الدخيلة: كانت واقعة بين باب العرب وطابية العجمي.
(١٧) طابية السلية: وهذه لا بد أن موقعها كان بين طابيتي الدخيلة والمكس.
(١٨) طابية المكس: وهي قائمة إلى الآن قرب باب العرب.
(١٩) طابية القمرية: كانت واقعة شرق الطابية السابقة في موضع مركز إشارات مصلحة الموانئ والمنائر.
(٢٠) طابية أم قبيبة: كانت شرقي طابية القمرية المذكورة، وبينها وبين طابية صالح أغا في موضع شوادر الخشب الآن.
(٢١) و(٢٢) طابيتا الملاحة القديمة والملاحة الجديدة: هما على هذا الترتيب حصنا اليسرى الصغرى واليسرى الكبرى الحاليتان القائمتان بين طريق المكس وبحيرة مريوط خلف المحطة القديمة التي كانت لخط سكة حديد مريوط، ثم تحولت الآن مدرسة للبنات (مدرسة المعلمات الورديان) والحصن الشرقي منهما الذي هو طابية الملاحة القديمة مبين بخريطة مصلحة المساحة باسم حصن الملاحة.
(٢٣) طابية صالح أغا: لا تزال باقية إلى الآن ومعروفة باسم طابية صالح، وهي التي تقوم بإطلاق المدافع لتحية السفن الحربية القادمة إلى الإسكندرية.
(٢٤) طابية باب سدرة: كان موقعها قرب أحد أبواب سور العرب المعروف بباب السدرة، وموقع هذا الباب الآن بشارع الخديو الأول تجاه شارع عمود السواري.
(٢٥) طابية كوم الدكة أو كوم الدماس: لا تزال باقية إلى الآن في موقعها على الشارع المعروف بشارع نبي الله دانيال، وهي مشهورة غنية عن التعريف.

(٥) الحصون في حكم إبراهيم باشا

قال علي باشا مبارك في خططه (ج٧ ص٦٠) ما نصه:

قد اشتغل إبراهيم باشا بمجرد استيلائه بأمور مهمة في إسكندرية وغيرها ذات منافع عمومية، من ضمنها تكميل طوابي الإسكندرية واستحكاماتها على الوجه الذي أُسست عليه في عهد العزيز والده وشحنها بالعسكر والأسلحة والآلات، ومر بالساحل من إسكندرية إلى رشيد ثم إلى دمياط، واستكشفه بنفسه — إلى أن قال — وأمر في ثغر إسكندرية بإنشاء مائتين وخمسين شلوبة طوبجية، كل واحدة تحمل مدفعين لحفظ البوغازات والملاحات. وكان عازمًا على تخطيط سكة تبتدئ من الإسكندرية وتمر بناحية أبي قير وتستمر إلى رشيد ليسهل السير على العساكر والمهمات عند الحاجة — إلى أن قال — لكن لم تمهله الأيام حتى ما شرع فيه وما عزم عليه. ا.ﻫ.

(٦) الحصون في حكم عباس الأول

وقال علي باشا مبارك أيضًا في خططه (ج٧ ص٦١) أثناء الكلام على الإسكندرية في زمن المرحوم عباس باشا ما نصه:

وكان مما وجَّه همته إليه زيادة على غيره تتميم الاستحكامات والطوابي والقلاع طبق ما رسمه رئيس هندسة الاستحكامات جاليس بك ووافقه عليه ذوو الدراية والخبرة وأقره الخديو؛ فأقام معظم حصونها وأضاف إليها بعض حصون رأى أهميتها فأدخلها في النقط المهمة، ومن ذلك قلعة مقابر اليهود وقلعة أبي قير وقلعة العجمي، مع إنشاء مبانٍ ملحقة بتلك القلاع للوازمها؛ فأنشأ في قلعة مقابر اليهود جبخانة جسيمة تسع تسعة آلاف قنطار من البارود، وهي إلى الآن مستعملة في حفظ البارود، وعمل في قلعة أبي قير مخبزًا وطواحين تدور بالهواء، واسبتالية لمرضى العساكر المقيمين بهذه القلعة وما جاورها من القلاع، فكانت العساكر المقيمة في تلك الجهات لا تحتاج لشيء يأتي من الخارج. ولم يزل ملتفتًا إلى الاستحكامات والقلاع والحصون عازمًا على إتمامها، فيُلحِق بها ما يلزم من الورش والبطاريات الطوبجية وقشلاقات العساكر المحافظين والاسبتاليات وغير ذلك حتى انتظم أكثر القلاع التي كان جده وعمه مهتمَّين بها. وبُنيت ورشة للطوبجية في وسط المدينة في شرقي المحل المعروف بكوم الناضورة، طولها مائتا متر في مثلها عرضًا مشتملة على جميع محلات التشغيل كمحلات النجارة والحدادة والبرادة والسبك وغير ذلك كالمخازن، وجلب لها جميع آلات التشغيل والعمال والمعلمين فصارت من أحسن ما يُعمل من هذا القبيل، وعمل بها عدة بطاريات يعمَّر بها كثيرٌ من آلات السواحل وغيرها، ثم أبطلها المرحوم سعيد باشا وأمر ببيع أرضها للأهالي، فبُنيت منازل وغير ذلك، ومن ضمنها الآن حمام هنيدي (حمام الورشة) وأُنشئت القشلاقات داخل الطوابي؛ فمن ذلك قشلاق في طابية الأداء (الأطة) لإقامة خمسمائة عسكري، وقشلاق في قلعة أم قبيبة كذلك، وقشلاق فوق باب الصوري المعروف بباب محرم لإقامة أورطة من العساكر.

ولما أُنشئت سكة الحديد الواصلة إلى الرمل٢ مرت في وسط القشلاق فقسمته نصفين، والآن به عساكر محافظة الضبطية. وبنى الاسبتالية الملكية في حوش مقابر اليهود بجوار المسلة المعروفة بمسلة كليوبطرة ووفَّاها جميع لوازمها من مفروشات وملبوسات وأدوية وآلات، وجعل بها أجزخانة وبيتًا لتركيب الأدوية ونوع محلاتها بحسب أنواع الأمراض والعلل، ورتَّب لها حكماء وجراحجية فجاءت من أحسن الاسبتاليات وحصل بها النفع العام وصار يدخلها الأهالي والغرباء للتداوي بدون مقابل، واستمرت على ذلك حتى هدمتها سكة حديد الرمل أيضًا. والآن عمل من فيض المكارم الخديوية اسبتالية عوضًا عنها في محل قريب منها. ولأجل الوقوف على ما اشتملت عليه الأراضي المجاورة لثغر الإسكندرية أمر باستكشاف ما حوله؛ حيث كان لذلك دخل في المحافظة فكشف سواحل البحر من الإسكندرية إلى العريش — إلى أن قال — واهتم أيضًا بكشف الصهاريج التي بداخل الإسكندرية وخارجها وما تشتمل عليه، وقدر ما تسع من الماء والمجاري التي توصل الماء إليها، وصار التنبيه على أصحاب الأملاك ألا يتلفوا شيئًا من ذلك ولا يتصرفوا فيه، وجعل لذلك قوانين معمولًا بها إلى الآن، وكانت قد بطلت مدة فنشأ عن بطلانها تصرف أصحاب الأملاك في كثير منها بالنقض والهدم. وحيث كان الماء من أهم لوازم الميناء ولا يُستغنى عنه زمنًا ما، لا سيما لو فُرض حصول محاصرة تقطع ماء المحمودية عن الثغر، صدرت أوامره السَّنية بعدم التعرض للصهاريج بوجه ما، والرجوع إلى تلك القوانين، فامتنع الناس من هدمها ولا يخفى أهمية ذلك؛ فإن تلك الصهاريج مبنية من قرون عديدة، ولا شك أنها صُرفت فيها أموال جسيمة، وهي من الآثار القديمة التي نوَّه التاريخ بقدرها وأهميتها بالنسبة لهذه المدينة لبعدها عن النيل. والماء الواصل إليها من الخليج يمر في وسط بحائر ملحة ومنحطة، وفي أي وقت يمكن صرفه إلى البراري أو البحر وحرمان المدينة منه، فيقع أهلها في الضرر وتفارقها العمارية مع أنها مفتاح القطر؛ فلم يكن أهم مما يوصل إلى عماريتها وراحة أهلها، ومن ذلك كشف المسالك الموصلة إليها، ومعرفة ما اشتملت عليه تلك الطرق مما هو من لوازم الحياة كالمياه العذبة والمراعي وحطب الوقود وجلب الميرة ومنع الأعداء، فكل ذلك معرفته مهمة في وقت السلم ليُنتفع به عند حصول ضده، فهذا هو ملحظه — رحمه الله — وملحظ المؤسس الأصلي وملحظ سر عسكر (إبراهيم باشا) جزاهم الله عن الوطن خيرًا. ومن هذا الاستكشاف ظهرت ثمرات جمة، منها عمل سكة عسكرية من طابية القباري إلى باب العرب؛ لتسهيل مرور العساكر والواردين على المدينة من جهة الغرب ووادي سيوة، وكانوا قبل ذلك يقاسون مشقات زائدة لعدم انتظام المسالك — إلى أن قال — وقد رُسم ذلك كله في خرط الاستحكامات؛ حتى لا تتطرق إليه شبهة فيما بعد — إلى أن قال — ولما كثرت الإفرنج والأغراب في مدينة الإسكندرية واستوطنوها واستحوذوا على كثير من الفضاء الذي كان بداخل المدينة وضواحيها رغبوا في سكنى الرمل، وهي قرية شرقي المدينة بينها وبين أبي قير، وأكثروا من شراء الأملاك في هذا المحل لقلة ثمن الأرض هناك إذ ذاك، فتيقظت الحكومة لذلك لما لتلك الجهات من الأهمية لوقوعها في المناطق العسكرية الممنوع البناء فيها، فأمرت بضبط ما بيع من هذه الأراضي وبيان ما بُني وما لم يُبنَ منها، ومنعت التصرف في أراضي الرمل وغيرها إلا بإذن من الحكومة، وجعلت لذلك قوانين تُتبع في هذه الأمور. وبسبب قرب الرمل من المدينة واتساعه وطيب هوائه رغب المرحوم في اتخاذه معسكرًا تجتمع فيه العساكر في المناورات وغيرها، وأمر بردم الملاحة المجاورة لقرية الرمل (ملاحة سيدي جابر — أرض سموحة الآن) لمنع العفونة، وعمل لذلك رسوم وميزانيات، ولكن بموته لم يتم ذلك. ا.ﻫ.

(٧) الحصون في حكم سعيد باشا

الظاهر أن تحصين مدينة الإسكندرية في حكم سعيد باشا بقي على ما كان عليه في حكم سلفه عباس الأول.

(٨) الحصون في حكم الخديو إسماعيل

عزز الخديو إسماعيل هذه المدينة بمدافع أحدث طرازًا من التي كانت بها حتى يجاري بذلك روح العصر الذي كان فيه؛ لأن مدافع عصر محمد علي لم يكن بينها النوع المعروف بالششخانة الذي تحقق تفوقه على النوع القديم، فكان من اللازم التفكير في تسليح هذه الحصون بهذا النوع ما دام القصد من هذا التسليح ضمان سلامتها من غارة أجنبية.

لذلك ابتاع الخديو إسماعيل من إنجلترا فيما بين سنة ١٨٦٩ وسنة ١٨٧٣م ٢٠٠ مدفع من طراز أرمسترونج عيار ٧ بوصات، ووزن ٧ أطنان وعيار ٨ بوصات ووزن ٩ أطنان وعيار ٩ بوصات ووزن ١٢ طنًّا، وعيار ١٠ بوصات ووزن ١٨ طنًّا، وهذه المدافع تعمَّر من الأمام. وابتاع أيضًا أربعة مدافع عيار ٤٠ رطلًا من الطراز عينه، ولكنها تعمَّر من الخلف، ونصب من هذه المدافع في حصون مدينة الإسكندرية الأربعة المدافع الأخيرة و٤٦ مدفعًا من المدافع الأولى، والباقي من المائتي مدفع نصبه في بقية حصون سواحل مصر حتى بورسعيد.

ووقت تركيب هذه المدافع الحديثة نزع بعض المدافع القديمة، وكانت التي نُزعت بالضرورة غير صالحة للاستعمال، ولكن قواعدها استخدمت مداور للمدافع الحديثة.

١  لا يتفق هذا مع النص الذي ذكرناه سابقًا إلا أن يكون المراد أنه هدم أساس أسوارها؛ لأن أسوارها هدُمت على يد عمرو بن العاص بعد انتقاضها وفتحها الفتح الثاني كما ذكره ابن عبد الحكم.
وفي رأينا أن عمرًا إنما هدم أسوارها التي كانت تعوق فتحها وهي أسوارها من ناحية البر، وترك أسوارها البحرية على ما كانت عليه. وبذلك يستقيم الكلام هنا وفيما يأتي.
٢  هذا خطأ ظاهر ولعل صحة الكلام سكة حديد الخط الطولي الموصل إلى القاهرة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤