حيلة القمر «أكس٩»!

صاحَت «إلهام» بفرح جنوني: ها هو «عثمان»!

وأشارَت إلى نقطة تسبح في الفراغ بلا أدنى مقاومة، وكان هو «عثمان» ببدلته الفضائية، وكان العثور عليه بمثل تلك السرعة معجزةً أخرى …

خفَّف «أحمد» من سرعة المكوك وأوقفه تمامًا حتى صار موازيًا ﻟ «عثمان» الذي لم يلتفت إليهم. لقد كانت ذراعاه وساقاه مسترخيةً ورأسُه قد مال على صدره بلا حَراك …

وصاح «أحمد» في «رشيد»: ألقِ الشبكة المعدنية يا «رشيد».

وضغط «رشيد» فوق ذرٍّ أمامه، فاندفعَت من مؤخرة المكوك شبكةٌ كبيرة من أسلاك معدنية أحاطَت ﺑ «عثمان»، وجذب «أحمد» يدًا ميكانيكية صغيرة أمامه فعادَت الشبكة بحمولتها إلى داخل المكوك.

واندفع الشياطين الثلاثة نحو «عثمان»، الذي كان راقدًا فوق الأرضية بلا حَراك، وأسرع «أحمد» ينتزع خوذة «عثمان»، وأمسك بمعصمه ثم صرخ: إنه لا يزال حيًّا وإن كان نبضُه ضعيفًا جدًّا … وانتزع أنبوبة أكسجين ومدَّ كمامتها نحو فم «عثمان»، على حين راح «رشيد» يقوم بتدليك قلب «عثمان» والضغط فوق رئتَيه لتنشيطهما.

وراقبَت «إلهام» الشيطان الأسمر بعينَين حمراوين داميتَين وهي تكاد تنفجر في البكاء ولا تصدق أن «عثمان» يمكن أن يموت بتلك الصورة!

وعندما لم يُظهر «عثمان» أيةَ استجابة للمحاولة المبذولة لإنقاذه انفجرَت «إلهام» باكيةً بشدة وغطَّت وجهَها بيدَيها.

وصاح «أحمد»: إنه يتنفَّس … لقد بدأ يتنفس!

وحملقَت «إلهام» في «عثمان» ذاهلةً من بين دموعها … كان صدرُ الشيطان الأسمر يرتفع وينخفض في بطء، ومع ضغط أصابع «أحمد» و«رشيد» فوق صدره بدأ يستعيد وَعْيَه وتنفُّسَه الطبيعي، وفتح «عثمان» عينَيه ونظر نحو الشياطين بوجهٍ شاحب وهو لا يصدِّق بنجاته …

قالت «إلهام» من وسط دموعها: حمدًا لله … لقد أنقذناه!

قال «عثمان» بوهنٍ: لقد فقدتُ الأمل في عودتكم وإنقاذكم لي … ظننتُ أنني سأسبح في الفراغ والفضاء إلى ما لا نهاية بعد وفاتي، وأنهم ربما يظنونني فوق الأرض قمرًا صناعيًّا شاردًا.

ضحك الشياطين، واستعاد «عثمان» قوتَه ونشاطه، وقصَّ عليه «أحمد» و«إلهام» و«رشيد» المعركةَ التي دارَت مع المكوك المعادي وكيف نجح «أحمد» في خداعه بمهارته وسرعة بداهته …

وقال «رشيد»: سأُرسل رسالةً شفرية إلى رقم «صفر» لإخباره بما حدث.

وأسرع إلى جهاز الاتصال … وجاء الرد يقول: «انسفوا القمر الصناعي «أكس٩»، وعودوا على الفور.»

تبادل الشياطين النظراتِ، وأدار «أحمد» محركَ المكوك وانطلق في أثر القمر التجسسي بعد أن حدَّد مكانه بالعقول الإلكترونية … ولكن لم يكن هناك أيُّ أثر له …

قال بدهشة: أين ذهب هذا القمر؟ من المفروض أن يكون في هذا المكان حسبما أشارَت العقول الإلكترونية.

إلهام: ربما تكون العقول قد أخطأت.

هزَّ «أحمد» رأسَه نافيًا، وقال: لا أظن … كان علينا أن نتوقَّع اختفاءَه من مداره على أيِّ حال.

نظر بقيةُ الشياطين نحوه بدهشة بدون أن يفهموا ما قاله، وشرح «أحمد» ما يقصده قائلًا: لا بد أن أعداءَنا عرفوا بما ننويه بقمرهم الصناعي، ومن أجل هذا أرسلوا مكوكهم لقتالنا … وعندما نسفناه لم يكن أمامهم غيرُ إعطاء الأوامر لقمرهم الصناعي بتغيير مداره حتى لا نعثرَ عليه وننسفه … إنه هنا في مكان ما من هذا الفضاء الشاسع ينتظر عودتَنا إلى الأرض ليعود إلى مداره من جديد …

تساءل «عثمان» في قلق: وكيف سنعثر عليه؟!

أحمد: سنحاول كشفَ مداره الجديد بالرادار.

وأسرعوا إلى الرادار، ولكن لم يكن هناك أيُّ أثرٍ له فوق شاشته … كان هناك العديد من الأقمار الصناعية … ولكن أحدًا منها لم يكن هو القمر المطلوب بشكله المميز.

تساءل «رشيد» بقلق: ما العمل الآن؟!

وأكملَت «إلهام»: إن وقودنا من الأكسجين والطعام لن يكفيَنا لوقت طويل … هذا أمر لم نضعه في حسباننا.

أحمد: لا يمكن أن تفشل مهمتُنا في نهايتها بمثل هذه الصورة بعد أن تكبَّدَنا كلَّ هذه المشاق … سوف نعثر على هذا القمر اللعين مهما حدث … إنه لن يذهب بعيدًا على أيِّ حال.

وأدار «أحمد» محركاتِ المكوك وانطلق به في مدار أعلى … وتضاءلَت وصغرَت تحتهم كلُّ الأقمار، ولكن لم يكن هناك أيُّ قمر صناعي بشكل أسطواني بمقدمة منبعجة من الأمام.

وراقب «عثمان» عدادَ الوقود بقلق، وقال: لم يتبقَّ من الوقود الكثير، فليس لدينا ما يكفينا للعودة إلى الأرض إلا لوقت قليل.

وساد الوجومُ الشياطينَ الأربعة، وقالت «إلهام» بغضب: أين يمكن أن يذهب هذا القمر الملعون … لقد فتشنا في كلِّ المدارات بلا فائدة … إنه لن ينطلق إلى القمر أو المريخ ليختفيَ هناك فهو لا يملك من المحركات والوقود ما تُعطيه القدرة على ذلك.

هتف «أحمد» بعينَين برَّاقتَين: لقد وجدتُها … كيف غاب عني ذلك؟!

نظر الشياطين إلى «أحمد» بدهشة، وقال «أحمد»: إن القمر لم يغيِّر مداره … إنه لا يزال في نفس المدار، ولم يذهب هنا أو هناك.

اعترض «عثمان»: ولكن كيف؟! لقد فتشنا عنه هناك ولم نجده.

أحمد: لقد كان أمامنا ولم نرَه لسبب بسيط، وهو أننا كنَّا نبحث عن قمر ذي شكل أسطواني بمقدمة منبعجة للأمام … وليس من الصعب أن تتحول المقدمة المنبعجة إلى الشكل الأسطواني أو الدائري بفضل الأوامر الصادرة إليه من الأرض؛ وبذلك يتغير شكلُ القمر الصناعي، ويظل يدور أمام أعيننا بدون أن ننتبهَ إلى أنه طريدُنا.

هتفَت «إلهام» مندهشة: يا لَه من قمر خبيث!

قال «رشيد» مصححًا: بل يا لَهم من قوم خبثاء هؤلاء الذين صنعوه، إنهم أيضًا لم يتركوا شيئًا للصدفة!

عثمان: علينا أن نعثر عليه فورًا … بالكاد وقودنا يكفينا للهبوط إلى الأرض.

اندفع «أحمد» بالمكوك إلى مدار القمر التجسسي … وانطبعَت فوق شاشة الرادار أمامهم كلُّ الأقمار الصناعية التي تدور في نفس المدار. وكانت كلها ذات أشكال متباينة ضخمة عدا أحدها كان شبيهًا بالقمر المختفي؛ فقد كان أسطوانيَّ الشكل بلا مقدمة منبعجة على الإطلاق …

وأشارت «إلهام» نحوه قائلة: ها هو.

وقبل أن تُكملَ عبارتها انطلق شعاعٌ من الليزر من مقدمة الصاروخ نحو القمر الصناعي وأصابه في منتصفه فانفجر في التوِّ، وتناثر إلى شظايا في الفضاء.

أحمد: هذا حسن!

ورفع أصابعَه بعلامة النصر إلى بقية زملائه، ووجهُه يتألق ببريق الانتصار، ولكن «إلهام» سألَته في توتر وقلق: «أحمد» … أظن أننا سنُصادف طائراتٍ معاديةً عند دخولنا إلى الغلاف الجوي للأرض؟

رمقها «أحمد» بعينَين ضيقتَين وسرَت إليه عدوى القلق، تُرى كيف سيواجهون أية طائرات معادية وهم بلا وقود إلا ما يكفي لهبوطهم؟

كان سؤالًا ستجيب عليه الثواني القليلة التالية!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤