الفصل الرابع

المشهد الأول

(المنظر: داخل كنيسة١ ما، يدخل دون بيدرو، ودون جون ابن السفاح، وليوناتو، والقس فرانسيس، وكلوديو، وبينديك، وهيرو، وبياتريس وآخرون).
ليوناتو :
هيا أيها القس فرانسيس، وأوجز: اقتصر على الصورة البسيطة
لعقد القران، وعليك أن تؤجل تفاصيل واجبات الزوجين لوقتٍ
لاحقٍ.
القس : هل جئت يا مولاي إلى هنا لتتزوج هذه الليدي؟
كلوديو : لا. (٥)
ليوناتو (مصححًا الصيغة) : قُلْ جئتَ لتزويجكَ منها، وأنت الذي سوف
يُزَوِّجُهُما يا قِس!
القس : يا ليدي، هل جئتِ إلى هنا لتزويجكِ من هذا الكونت؟
هيرو : نعم.
القس :
لو كان أحدكما يعرف عائقًا خفيًّا٢ يحول دون عقد القران، فإنني (١٠)
أطلب إليه بحق روحه أن يفصح عنه.
كلوديو : هل تعرفين أي عائق يا هيرو؟
هيرو : لا يا مولاي.
القس : وهل تعرف أنت أي عائق يا كونت؟ (١٥)
ليوناتو : أتجاسر بالإجابة عنه بالنفي.
كلوديو :
يا لما يتجاسر الناس على فعله! ويا لما يفعلونه! ويا لما يفعلونه كل
يوم جاهلين ما يفعلون!
بينديك :
ما هذه الألفاظ؟ هل هي استعراض لصيغة التعجب؟ لو كان الأمر
كذلك فكتاب النحو يقول إنها مثل أصوات التعبير عن الضحك: ها ها هي!٣ (٢٠)
كلوديو :
أرجو أن تتنحَّى يا قِسُّ قليلًا.
(إلى ليوناتو) عفوًا يا أبَتِ أقول:
هل تُعلِنُ أنَّك قدَّمت إليَّ بروحٍ طائعةٍ مختارة
هذي العذراء ابنتك إليَّ؟
ليوناتو : مختارًا يا ولدي وكما أعطانيها الله.
كلوديو :
وبماذا ألتزمُ بأن أعطيك مقابلها وبحيث يوازي (٢٥)
هذي الهبة الغالية البالغة القِيمَةْ؟
دون بيدرو : لا شَيء إلَّا إنْ رَدَدْتَها له هي نَفْسَها.
كلوديو :
علَّمتَنِي أمِيرَنَا الكَريم نُبْلَ الامْتِنَانِ والشُّكرِ الجَزِيلْ!
خُذْها لِيُونَاتو إذَنْ! إنِّي أردُّها إليك!
لا تُعْطِ بُرتقالةً فَاسِدةً٤ كَهذه إلى صَدِيقِكْ! (٣٠)
ولَيْسَ فيها غَيْرُ مظهرِ الشَّرَفْ
بلِ انظُرُوا الخَدَّينِ قد عَلَتْهُمَا، كأنَّها عَذْرَاءُ، حُمرةُ الخَجَلْ!٥
ما أقْدَرَ الخَطِيئَةَ التي إذَا اسْتَعَانَتْ بالدَّهاءِ
أخْفَتْ ذَاتَها ثم اكْتَسَتْ مَظَاهِرَ الإقْنَاعِ بالحَقِيقَة!
فهَلْ أتَتْ تلكَ الدِّمَاءُ لِلخُدُودِ شَاهِدًا بالصِّدقِ (٣٥)
كي يُؤكِّدَ الفَضِيلَةَ البَرِيئَة؟ هَلَّا حَلَفتُم،
يا مَنْ جَمِيعًا تَشْهَدُونَها بأنَّها عَذْرَاءُ
بالذي تَرَوْنَهُ مِنَ المَظَاهِر؟ لكنَّها لَيْسَتْ كذلك.
فهذه عَرَفَتْ حَرَارَةَ الفِراشِ الفَاسِقِ الدَّنِسْ،
وهذِه الدِّمَاءُ في الخُدودِ آيةُ الآثَامِ لا البَرَاءَة. (٤٠)
ليوناتو : ماذا تَعْنِي يا مَوْلَاي؟
كلوديو :
أعْنِي أنِّي لنْ أتَزَوَّجْ! لَنْ أَربِطَ رُوحي.
بامرأةٍ ثَبَتَ عَليها العُهْر!
ليوناتو :
يا مَوْلَاي الأَكْرَمْ! إنْ كُنْتَ بخِبْرَتِكَ
قَهَرْتَ مُقَاوَمَةَ شَبَابِ ابْنَتِنا (٤٥)
وظَفَرتَ بِعُذْرِيَّتِها …
كلوديو :
أفْهَمُ ما تَبْغِي قَوْلَه! أي إنْ كنتُ أنا ضَاجَعْتُ٦ البِنت
فَلَسَوْفَ تَرُدُّ بأنَّ فَتَاتَك قَبِلَتْني واعْتَبَرتْنِي زوجًا،
وبِذَلِكَ ستُخَفِّفُ مِن ذَنْبِ دُخُولي٧ بِفَتَاتِي قَبْلَ المَوْعِدْ.
لا لِيُوناتو! (٥٠)
لم أُغْوِ فَتَاتي قَطُّ بِلَفْظٍ خَارِجْ.
لكني كنتُ أُعَامِلُهَا مِثلَ شَقيقٍ يُظهِرُ لِشَقيقَتِه الإخْلَاصَ
وآياتَ الحُبِّ الأسْمَى وعلى استِحيَاءْ
هيرو : أتُراني أبْدَيتُ إذَنْ ما يَنْقُضُ ذلك؟
كلوديو :
فَلْيَخْسَأ ما تُبْدِين إذَن! وسَأَنْقُضُهُ بالحُجَّةِ والبُرهَان!٨ (٥٥)
تَبْدِينَ لِعَيْنِي مِثْلَ دِيَانَا رَبَّةِ هذا القَمَر السَّيَّار٩
في عِفَّةِ بُرْعُمِ زهرٍ لم يَتَفتَّحْ بَعْد،
لكنَّكِ جَامِحةٌ في دَمِكِ الفوَّارِ
جُمُوحَ الرَّبَّة فينوس!١٠ أو حَيَوَانَاتِ التَّدْلِيلِ المعْرُوفَة١١
ذاتِ الشَّهواتِ الصَّارِخَةِ الوَحْشِيَّة! (٦٠)
هيرو : هَلْ مَوْلَاي بخيرٍ حَتَّى يَجْنَحَ في القَوْلِ لِهذا الحد؟
ليوناتو (إلى دون بيدرو) : لماذَا يا أمِيرنَا الكَرِيمَ لا ترُدُّ؟
دون بيدرو :
مَاذا عَسَايَ أنْ أردَّ بِه؟
إني أُحِسُّ ها هُنَا بالخِزْيِ بَعْدَ أن سَعَيْتُ
في ارتباطِ صَاحِبي الحَبِيب بهذه الدَّنِيئَة العَاهِرة!
ليوناتو : هل قِيلَتْ هذي الألفاظُ هنا حقًّا أم أني أحلُم؟ (٦٥)
دون جون : قِيلت حقًّا يا سيِّد وهي صَحِيحة.
بينديك : لا يبْدُو هذا حَفْلَ زَفَاف.
هيرو : وهي صحيحة؟ يا لله!
كلوديو :
اسمعْ ليوناتو! ألستُ واقِفًا هُنا؟
أليسَ ذلك الأمير؟ أما هذا أخُو الأمِير؟ (٧٠)
ألَيْسَ هذا الوَجْهُ وَجْهَ هيرو؟ أليستِ العيونُ هذه عُيُونَنا؟١٢
ليوناتو : بل ذاك حقٌّ كُلُّهُ فما الذي تَرمي إليه يا مَوْلاي؟
كلوديو :
فَلأقْتَصِر على سُؤالٍ واحدٍ إلى ابنتِك،
واطلُبْ إليها أن تُجِيبَني بِصِدق،
بِحقِّ سُلطة ِ القَرَابةِ … وحقِّ سُلطانِ الأُبُوَّةْ! (٧٥)
ليوناتو : آمُرُكِ إذَن بالصِّدْقِ بِحقِّ الأب عِنْدَ ابْنَتِهِ!
هيرو :
اللَّهُمَّ أغِثْنِي فلقد حُوصِرْتُ تمامًا!
ماذا تَدْعُون إذن هذا التحقِيقْ؟
كلوديو : نُرِيدُ أن تُجيبِينا إجَابَة تليقُ باسمِكِ العَرِيق.١٣
هيرو :
أليسَ هيرو؟ مَنْ يَسْتَطِيعُ أن يَشُوبَ ذاكَ الاسم (٨٠)
بأيِّ إثمٍ صادقٍ وثابِتْ؟
كلوديو :
بل تستطيعُ هيرو أن تَشُوبَه!
وتستطيعُ هيرو أن تَشُوبَ عِفَّتَها بِنَفسِها!
مَنِ الذي حَادَثتِهِ في اللَّيلَةِ البارِحةِ
إذ كُنْتِ واقِفةً لدى شُبَّاكِ مَخْدَعِكْ
ما بَيْن نِصفِ اللَّيلِ والوَاحِدة؟ لو كُنْتِ عذراءَ أجيبي. (٨٥)
هيرو : مَولايَ ما حَادَثْتُ آنَذَاك أيَّ رَجُلْ.
دون بيدرو :
لستِ إذَن يا هيرو عَذْرَاء! يا ليوناتو!
يُؤسِفُنِي أن أُجْبِرَكَ على أن تُصْغِي؛ فَبِشَرَفي أُقسِمُ
إني وأخِي والكُونت المَكْلومَ هنا
شاهَدْنَاها وسَمِعنَاها في تلك السَّاعةِ لَيْلَةَ أمس، (٩٠)
تتحدَّثُ مع وَغْدٍ من شُبَّاكِ المخدَعْ،
بل إنَّ الوَغْدَ انْفَلَتَ لِسَانُه،
وأقرَّ بأنَّهما الْتَقَيا سِرًّا
في ألفِ لِقاءٍ آثِمْ!١٤
دون جون :
تبًّا لِلِقَاءَاتٍ آثِمَةٍ تبًّا! لا وَصْفَ لها يا مَولاي١٥ (٩٥)
ولا يَجْدرُ أن نَتَحَدَّثَ عَنْها!
لا نَمْلِكُ في اللُّغَةِ مِنَ الألْفَاظِ العَفَّة ما نقدِرُ أن
نَنْطِقَه إلَّا وجَرَحْنا الإحْسَاس! وإذن يا ليدي يا حَسْنَاء،
يُؤْسِفُنِي أن يَثْبُتَ مَسْلَكُكِ المُنحَلُّ المُنْحطُّ!
كلوديو :
آهٍ يا هِيرو! كَمْ كَان بِوسْعِكِ تَخْلِيدُ اسْمِكِ (١٠٠)
لو أنَّكِ جنَّدتِ ولَوْ نِصْف مَفَاتِنِ جِسْمِكِ
لمحَاصرةِ نَوَازعِ قَلْبِكِ وشَوَارِدِ أفْكَارِك!
لكنِّي أسْتَودِعُكِ الله! يا شرَّ الخلقِ وخَيْرَ الخَلْق!١٦
ووَدَاعًا يا أطْهَرَ دَنَسٍ، يا أَدْنَس طُهرٍ!
من أجلِكِ أُغلِقُ أَبْوَابَ الحُبِّ جميعًا١٧ (١٠٥)
ولَسَوفَ تُقِيمُ الرَّيبَةُ فَوْقَ جُفُوني،
لِتُحوِّلَ كُلَّ جَمَالٍ لخَواطِرِ ضُرٍّ؛
كي يَفْقِدَ للأَبَدِ الفِتْنَةَ والسِّحر!
ليوناتو : أفَلا يغرِسُ أحدٌ خِنْجَرَهُ في هذا الصَّدر؟ (تسقط هيرو مغشيًّا عليها.)١٨
بياتريس : ماذَا بِكِ يا ابنَة عَمِّي؟ ولماذا انْهَرتِ عَلى الأرْضِ؟ (١١٠)
دون جون :
هيَّا نَذْهَب! إنَّ تَكَشُّفَ ما انْكَشَفَ هنا
قد خَنَقَ قُوَاهَا حتَّى أرْدَاهَا.

(يخرج دون بيدرو، وكلوديو، ودون جون.)

بينديك : ما حالُ اللِّيدي؟
بياتريس :
ماتَتْ في ظَنِّي! النَّجْدَة يا عَمِّي! أقْبِلْ!
هيرو! لَهفِي يا هيرو يا عَمِّي، يا سِنيور بينديك،١٩ يا كاهنْ!
ليوناتو :
أطْبَقْتَ عليها يا قَدَرُ فلا تَرْفَعْ كَفَّكَ عَنها، (١١٥)
فالموْتُ لَدَيْنا خَيْرُ دِثَارٍ نَرْجُوهُ لِسَتْرِ العارْ.
بياتريس : ما حالُكِ يا ابنةَ عَمِّي هيرو؟

(هيرو تتحرك وتومئ.)

القس : مَوْلَاتي اطْمَئِنِّي.
ليوناتو : هل تَجْرُؤُ عَيْنَاكِ على النَّظرِ إلى المَلأ الأعْلَى؟٢٠
القس : قَطْعًا! لمَ لا؟
ليوناتو :
لِمَ لا؟ أفَلَا تَصْرُخُ كُلُّ المَخْلُوقَاتِ الأَرْضِيِة (١٢٠)
بالعارِ عَلَيْها؟ هَل تَقْدِرُ أن تُنْكِرَ في هذا المَوقِفِ
قِصَّتَها المطبُوعَة في دَمِها؟ لا تَحْيِيْ يا هيرو!
بل إيَّاكِ وفتْح عُيُونكْ!
لو أنِّي كنتُ أظُنُّ بأنَّ الموتَ سيَتَأخَّرُ عَنْك،
أو أنَّ قواكِ الجَسَديَّة أقوَى من عارِكْ، (١٢٥)
لَهرِعتُ على أثَرِ فَضِيحَتِكِ بِغَرْسِ الخِنْجَرِ في صدْرِك!
هل كنتُ حَزِينًا أنِّي لم أُرْزَق إلا بفَتَاةٍ واحدةٍ؟
هل كان لِساني يَشْكُو من تَقْتِير الأقْدَار؟
واحدةٌ مِثْلُكِ أكثرُ ممَّا يبْغِي المَرء! ولماذا جَاءَتني؟
ولماذا كُنتِ بِعَيني دومًا ذاتَ جمَال؟ (١٣٠)
لِمَ لَمْ يتلطَّف قَدَرِي ويَمُدَّ إليَّ يَدَ الإحْسَانِ فَيَجعلَني
شحَّاذًا أحمِلُ بين يديَّ رضِيعةْ،
حتَّى أقفَ لدى مَدْخَلِ بَيْتِي وأصيحَ، وقد
لوَّثَها العارُ ولَطَّخَها، ليْسَت تِلْكَ فَتَاتي!
«ينبُعُ هذا العَارُ هُنا من صُلْبٍ مَجْهُولْ!»
لكنَّك بنتي! مَنْ أحْبَبتُ ومَنْ أَثْنَيْتُ عَلَيها،
بِنتِي، مَنْ كنتُ بها أتفاخَرْ! بل كانت عِندي
— مِن فَرْطِ وُلُوعي وفَنَائِي فيها — أغْلَى مِن نَفْسي!
لكنَّ فَتَاتي، وا أسفَا، سَقَطَتْ في جُبٍّ مِن حِبرٍ أسوَدْ
ومِدَادُ الجُبِّ الأسوَدِ لا يَغْسِلُهُ البَحرُ الشَّاسِعُ؛ (١٤٠)
إذ لا يَقْدِرُ ما فيه من الماء على مسْحِ العارِ،
ولا يَقْدِرُ ما فيه من المِلْحِ على حِفْظِ الجَسَدِ
وقَدْ لَوَّثَهُ الشَرِّ!٢١
بينديك :
يا سيِّدي عَلَيكَ بالصَّبْرِ الجَمِيل! أمَّا أنا فإنَّنِي،
مِن فَرْطِ دَهْشَتِي التي غَمَرتْني، أصبَحتُ عَاجِزًا عنِ الكلام.٢٢ (١٤٥)
بياتريس : أقْسَمتُ بِرُوحي إنَّ ابْنَةَ عمِّي مَظْلُومة!
بينديك : تُراكِ قد شَاركْتِها الفِرَاش لَيْلَة أمْس؟
بياتريس :
كلَّا بالحقِّ ولكنِّي حتَّى ليلةِ أمس،
كنتُ أشَاركُها المَضْجَعَ طِيلَةَ عامٍ كامل.٢٣
ليوناتو :
في ذَاكَ توكيدٌ وتَثبيت! زادَ اليَقينُ قُوَّةً (١٥٠)
حتى وإنْ دعَمَتْهُ قُضْبَانُ الحَديدِ قَبْلًا!
هل يكذِبُ الأمِيرَان؟ وهَل كُلُوديو كاذبٌ،
وهوَ الذي أحبَّها حُبًّا حَدَا به عند الحديثِ عن آثَامِها،
أنْ يَغْسِلَ الآثَامَ بالدُّمُوع؟ إنِّي نَبَذتُها وليَختَطِفها الموت!
القس :
أرجو أن تُصغِيَ لي لحظاتٍ مَعْدُودَة: (١٥٥)
لم ألجأ للصَّمتِ طُوالَ المشهدِ
تاركًا الأقدارَ تُحَقِّقُ ما تَبغي،
إلَّا كي أرقُبَ هيرو! ولقد لاحَظْتُ٢٤
ظُهُورَ طُيُوفٍ لا حَصْرَ لها من ألوَانِ حَيَاءٍ جَمٍّ
فوق مُحَيَّاهَا،٢٥ وطُيُوفًا أخرى لا حَصْرَ لها أيضًا (١٦٠)
تشهَدُ بِبَراءَتِها، بَيْضَاء بَيَاض ملائِكةٍ نُورَانيَّةْ،
تهزِمُ ألوانَ الخجَلِ المذكورة! وبِعَينيها اشتَعَلت نارٌ
تُحرِقُ مُفتريات أميريْنا٢٦ والتشكيك كذلك في
صادِقِ عُذريَّتِها! لكَ أن تدعُونِيَ أحمَقَ،
أو تنزِع ثِقَتَكَ في مَعرِفَتي أو في نَظَراتِي الثَّاقِبة (١٦٥)
مُدَعَّمَةً بتجارِبَ تَطبعُ أقوالي وقِرَاءاتي
بالحقِّ السَّاطِع! بلَ وانزعَ ثِقَتَك في هرَمِي
ووَقَاري أو كَهَنُوتي أو ربَّانيَّة عِلْمِي
إنْ كانت هيرو كاذبة، أو لم تكُ في الحقِّ بريئة
وضحيَّةَ خَطَأٍ فَاحشْ. (١٧٠)
ليوناتو :
ذاكَ مُحالٌ يا قِس! إذ تشهَدُ أن لم يَبْقَ لها من كفَّارة،
إلا عَدَم إضافةِ إثمٍ آخر لِسِجِلِّ مساوِئِها
بخَطِيئة حِنثٍ في القَسَمِ! لم تُنكِر هي تلك التُّهمَة،
فلماذا يا قِسُّ تحاول أنتَ الإتيَان لنا بِذَرَائع شتَّى،
كي تُخفي ما يبدو في صُورَةِ حقٍّ ساطِعْ؟ (١٧٥)
القس : مَنِ الذي اتُّهِمْتِ يا هيرو بهذا الإثم في صُحبَتِه؟
هيرو :
يعرِفُه أصحابُ التُّهمة! لكنِّي لا أعرِفُ أحدًا!
لو كنتُ أحيطُ بمعرفةٍ عنْ أيِّ رجالِ الأرضِ الأحياءْ
تَتَجاوزُ ما يَقبَلُه خَفَرُ العَذْراء،
لا رَحِمَ الله خَطَايَايَ جَمِيعًا! إيِه يا أبتيِ!٢٧ (١٨٠)
لو أثبتَّ بأنِّي كنتُ أُحادِثُ رجلًا،
في وقتٍ غيرِ مُلائِم، أو أنِّي ليلةَ أمس
كنت أُبادِلُ مخلوقًا أيَّة كلمات؛
فانْبِذنِي واكرَهْني بل عذِّبني حتى الموت!
القس : خطأٌ غَرِيبٌ قد تردَّى فيه كلُّ مِنْ أميرَيْنا!٢٨ (١٨٥)
بينديك :
مِنْ بينهمو اثنانِ من السَّادَة، مَشهُودٌ لهما بالشَّرفِ الحقِّ!
وإذا كانا قد خُدِعَا، رغمَ الفِطنَة والحِكمة،
فالخُدْعَةُ مِن تَدبيرِ السَّافِلِ جون النَّغْل،٢٩
فهو ابنُ سِفَاحٍ ويُوجِّه كلَّ قُوَاه لِتَدبيرِ أحابِيل الشَّرِّ!
ليوناتو :
لا أدْرِي. لو صَدَقَتْ أقوَالُهمو عَنْها (١٩٠)
فلسوفَ أقطِّعُها إربًا بيديَّ. أمَّا إن كانوا قد ثَلَمُوا شَرَفَ البنتِ
فسوف أُجَازِي أكثرَهُم عِزًّا وتفاخرْ!٣٠
ما جَفَّفَ كرُّ الزَّمن دِماءَ شبابي بَعْد!
لم يُفلِح هَرَمِي في أن يَلتَهِمَ ذَكَائي ودَهَائي،
أو تعصِف أقْدَاري القُلَّبُ بثرائي، (١٩٥)
بل ما عِشْتُ حياةً ظالمةً تحرِمُني من أصحابي،
وغَدًا يشهدُ كُلٌّ منهم فيَّ الصَّحْوَةَ كاملةً،
بالقُوَّةِ في الأطرافِ وخيرِ الفِطنَةِ في العَقْل،
والسَّعَةَ بإنفاقِ المَالِ وحُسنِ خياري للأصحاب،٣١
كي أثأرَ مِنهُم ثَأرًا يَشفِيني. (٢٠٠)
القس :
أرجوكَ تَريَّثْ، ولتَعْمَل بمشُورَتي الآن عليك:
تَرَكَ أميرانا هيرو مُقتَنِعيْن بموتِ البِنت!
فلْتَحْتَجِبِ البنتُ عن الأعيُن زمنًا ما،
وأذِع في الناس بأنَّ البِنتَ بحقٍّ ماتت،
وأشِعْ كُلَّ مظاهِر حُزنِكَ وحِدادِكَ. (٢٠٥)
وعلى شاهِدِ مَدْفَنِ أُسْرَتِكَ التالِد عَلِّقْ
أشعار رثاءٍ وأقِمْ كُلَّ شعائِرِكَ المُعتادةِ
في دَفْنِ الموتَى.
ليوناتو : ما غاية هذا كُلِّه؟ ماذا يُجْدِي ذلك؟
القس :
أُقْسِمُ إنْ نحنُ أجدْنا التنفيذَ أفَدْنا هيرو؛ (٢١٠)
فلسوف نحوِّلُ ما كان سبابًا للبنتِ إلى نَدَمٍ وأسًى،
وبهذا بعضُ الخير!٣٢
لكنَّ مَرَامي مِن هذا المشْرُوع المستغْرَبِ أبعدُ مِنْ ذلك؛
إذ أرجُو أن تَتَمخَّض آلامُك عن مَولِدِ شيء أعظم!
فَلَسوف نُؤكِّد دومًا أنَّ الِبنتَ قَضَت فور سماعِ التهمة، (٢١٥)
ولَسَوفَ إذَن يَبْكِيها النَّاس ويُبدُون الإشفاق،
ويلتمِسُون الأعذَار بِلا استثنَاء. فالواقع أنَّا
لا نُدرِك قيمةَ ما في أيدِينا حقًّا أثناء تمتُّعنا بِوجودِه،
لكنْ حين يَضيعُ ونفتقده،
فَلسَوْفَ نُغَالي في قِيمَتِه بل نُدْرِك فيه مَزَايَا (٢٢٠)
لمْ تتكشَّفْ أثناء وُجُودِ الشَّيء بأيدينا حِين مَلَكنَاه.
وَلَسَوفَ يكونُ كلوديو في تِلكَ الحَال:
فإذا سمِعَ بأنَّ حَبِيبَتَه ماتت فوْرَ الإصغاءِ لِكلماتِه،
فلَسوفَ نرى صورةَ محيَاهَا تَتَسلَّلُ في رِفْقٍ وعُذُوبةِ خَطوٍ
لحياة مُخيِّلَتِه! وستكسو كلَّ مَلامِحِهَا الفاتنة الحية (٢٢٥)
برداءٍ أثْمَنَ ورُوَاءٍ أكثر إيقاظًا للحسِّ،
رقيقًا يزخَرُ بالرُّوحِ الحيَّة كيْ
يَتَغلغلَ في عَيْن الذِّهنِ وما يُدركُه القلبُ
بأكثر ما كان الحالُ عليه في أثناءِ حَيَاة حَبِيبَتِه.
ولسوف إذن يبكي ما فَقَدَه — (٢٣٠)
إنْ كان الحُبُّ تمكَّن يومًا ما من كَبدِه —٣٣
بل يتمنَّى لو لم يرْمِ ابنَتَكَ بتلك التُّهمة،
حتَّى لو كان يظنُّ بأنَّ التُّهمة ثابِتةً وصَحِيحة.
نفِّذْ هذي الخطَّة، وتأكَّد أنَّ التنفيذَ سيأتي
بثمارٍ أفضلَ وعواقِبَ أجمل ممَّا (٢٣٥)
أقدِر أن أحدِسَه أو أتوقَّعَهُ الآن.
أمَّا إنْ أخطَأنَا المرمَى في كُلِّ عَوَاقِبَ نرجُوها،
باستِثنَاء العاقِبةِ المَذكُورَة، فتَظَاهُرُنا بوَفَاةِ ابنتِكَ
كفيلٌ أن يوقِف لَوْكِ الألسنةِ لِعَار فَضيحَتِها.
وإذا لم نَنجَح فعَلَيْكَ بأن تُخْفِيها — (٢٤٠)
سترًا ووقاءً للصِّيتِ المجرُوح —
في مَأوًى مَعْزُولٍ أو في أحَد الأدْيِرَة،
بِمَنْأى عَن كُلِّ لِسانٍ أو عَينٍ أو ذِهنٍ أو ضُرٍّ.
بينديك :
سنيور ليوناتو! أرجُوك أن ترضَى ِبِمَا أشار هذا القِسُّ بِه!
ورغمَ ما عَلِمْتَهُ مِنْ حُبِّي العَمِيقِ والعَلاقَة الحمِيمَة (٢٤٥)
بَيني وبَينَ ذلك الأميرِ وكلوديو،
فَسَوفَ أُبقِي السِّرَّ مكتُومًا، قَسَمًا بما لي من شَرَف،
مُراعِيًا مَبَادِئَ الإنصَافِ في هذي القضية،
كأنَّني بالحَقِّ رُوحُكَ التي في بَدَنِك!
ليوناتو : ما دُمْتُ ببحرِ الأحزان فإنِّي أتعلَّقُ في اليمِّ بأصغر قَشَّةْ! (٢٥٠)
القس :
أحسنتَ بأن وافَقْتَ فهيَّا للعمل بلا إبطاءْ؛
فغَرِيبُ الأدوية وأعجَبُها لِغريبِ الأمراض شِفاءْ.
هيَّا يا آنسة إلى الموتِ تعُودي بَيْن الأحياءْ،
واعتبري أنَّ زَفَافَكِ لمْ يُلْغَ وإن طال الإرجاءْ.
واعتَصَمي بالصَّبر إذنْ وتَحَمُّلِ كُلِّ عناءْ.

(يخرج الجميع ما عدا بينديك وبياتريس.)

بينديك : هل كُنتِ تَذرِفين الدَّمعَ يا بياتريس طُولَ هذا المشهَد؟٣٤٣٥ (٢٥٥)
بياتريس : نعم وسوف أذرف الدموع فترة أطول.
بينديك : لن أرجو ذلك.
بياتريس : لا داعي لرجائك؛ فأنا أبكي باختياري.
بينديك : أعتقد واثقًا أن ابنة عمك الحسناء أضيرت. (٢٦٠)
بياتريس : ما أعظم الجزاء الذي يستحقه عندي الرجل الذي يثأر لها!
بينديك : هل من سبيل إلى إثبات مثل هذه الصداقة؟
بياتريس : أرى السبيل واضحًا مباشرًا، ولا أرى هذا الصديق!
بينديك : هل لرجلٍ أن يقوم بذلك؟ (٢٦٥)
بياتريس : المهمة مهمة رجال، ولكنك لا تصلح لها!٣٦
بينديك : لا أحب شيئًا في الدنيا قدر حبي لك! أليس هذا غريبًا؟
بياتريس :
بل غريبًا غرابة كل ما أجهله. وربما استطعت أن أقول أنا أيضًا إنني
لا أحب شيئًا قدر حبي لك، لكن لا تصدقني! ومع ذلك فلست (٢٧٠)
كاذبة، فأنا لا أعترف بشيء ولا أنكر شيئًا، وأشعر بالأسى لما حلَّ
بابنة عمي.
بينديك : أقسم بسيفي يا بياتريس إنك تحبينني.
بياتريس : لا تقسم قسمًا وتبتلعه!
بينديك :
أقسم على السيف إنك تحبينني، وسأرغم من ينكر حبي لك على (٢٧٥)
ابتلاع السيف!
بياتريس : ألن تبتلع كلمتك؟
بينديك :
بل مهما تكن الصلصلة التي تبتكر لها! وأنا مصرٌّ على إعلان حبي
لك!
بياتريس : وإذن فليغفر الله لي!٣٧ (٢٨٠)
بينديك : أي ذنب يا بياتريس الرقيقة؟
بياتريس :
لقد استوقفْتني في ساعة هنيئة،٣٨ إذ كنت أوشك أن أعلن أنني
أحبك.
بينديك : أعلنيها من كل قلبك.
بياتريس : لقد مَلَكَ حُبُّكَ أقطار قلبي فلم يترك فيه ذرةً مُعارِضَةْ! (٢٨٥)
بينديك : هيا اطلبي مني أن أفعل شيئًا من أجلك.
بياتريس : اقتل كلوديو!٣٩
بينديك : لا لا! ولو نلت الدنيا وما فيها!
بياتريس : إنك تقتلني برفضك، إلى اللقاء. (٢٩٠)

(تبدأ السير في طريق الخروج.)

بينديك : تمهَّلي يا بياتريس الرقيقة (يستبقيها بيده)
بياتريس :
إني ذهبت وإن كنت هنا. ليس في قلبك حب. لا أرجوك! ارفع
يدك ودعني أذهب!
بينديك : بياتريس …
بياتريس : أقسم إني سأذهب. (٢٩٥)
بينديك : فلنصبح أصدقاء أولًا!
بياتريس : هل تستَسهِلُ مصادقتي عن مقاتلة عَدُوٍّ لي؟!
بينديك : وهل كلوديو عدو لك؟
بياتريس :
أفلم يُثبِتْ أنه وغد إلى أقصى الحدود؟ أفلم يقذف بالباطلِ (٣٠٠)
والبهتان ابنة عمي، ويحتقرها ويلوِّث شرفها؟ ليتني كنتُ
رجلًا حتى أنازله! يا عجبًا! هل يخدعها بالذهاب إلى موقع عقد
القران ثم يرميها فيه بالتهمة علنًا، بالباطل والبهتان السافر المباشر
والحقد القاهر؟ يا لله ليتني كنت رجلًا! إذن كنت ألوكُ قلبه وسط
السوق! (٣٠٥)
بينديك : أصغي إليَّ يا بياتريس …
بياتريس : «تتحدث مع رجل من النافذة!» رواية تقبل التصديق!
بينديك : كلا ولكن يا بياتريس …
بياتريس : واهًا لهيرو الرقيقة! إنها مظلومة، مفترًى عليها، ضاع شرفها! (٣١٠)
بينديك : بياتريس …
بياتريس :
أمراء وأشراف٤٠ حقًّا! شهادة أميرية، ورواية مشرفة! الكونت
«مهلبية»،٤١ لا بد أن يكون شهمًا حلو المذاق! آه ليتني كنت رجلًا (٣١٥)
حتى أتصدى له! أو ليت لي صديقًا يغدو رجلًا من أجلي! ولكن
الرجولة ذابت اليوم في مظاهر السلوك «المهذبة»، كما ذابت
الشجاعة في المداهنات الخاوية، واستحال الرجال ألسنة، بل ألسنة
ذربة ذلقة! لقد أصبح الرجل اليوم شجاعًا مثل هرقل الذي يقتصر
على قول الكذب ويقسم إنه صادق! لن تفلح الأماني في تحويلي (٣٢٠)
لرجلٍ، ومن ثَمَّ فسوف أموت امرأة من فرط الحزن!
بينديك : تمهَّلي يا بياتريس الرقيقة! أقسم بهذه اليد٤٢ إني أحبك!
بياتريس : أَثْبِتْ بها حبك لي بأسلوب آخر غير القَسَمِ!
بينديك : هل تؤمنين في قرارة نفسك أن الكونت كلوديو يتجنى على هيرو؟ (٣٢٥)
بياتريس : نعم! ثقتي بذلك ثقتي بفكري أو بروحي.٤٣
بينديك :
يكفي ذلك، هذا عهدي لك! سأتحداه للمبارزة، وسوف أَقَبِّلُ
يَدَكِ الآن قبل أن أتركك.٤٤ قسمًا بهذه اليد سوف أحاسب كلوديو
حسابًا عسيرًا. وليعتمدْ رأيُك فيَّ على ما يصلك من أنبائي، اذهبي (٣٣٠)
فَسَرِّي عن بنت عمك، أما أنا فلا بد أن أقول إنها ماتت. إلى اللقاء
إذن.

(يخرجان، كلٌّ منهما من باب مختلف.)

المشهد الثاني

(المنظر: غرفة مكتب أو استقبال في السجن. يدخل الكونستابلان دوجبري وفيرجيز، والقَنْدَلَفْت الذي يقوم بمهمة كاتب المحضر، وهم يرتدون الأرواب الرسمية، ومعهم أفراد الحرس وبوراكيو وكونراد.)

دوجبري : هل اكتمل لنا النصاب القانوني؟٤٥
فيرجيز : نعم، وهذا الكرسي والوسادة لحضرة الكاتب.
الكاتب (وهو يجلس) : مَنْ المُتَّهَمُون؟
دوجبري : نحن! أنا وشريكي هذا.
فيرجيز : قطعًا! إذ لدينا التكليف٤٦ بإجراء التحقيق. (٥)
الكاتب :
ولكن من المُتَّهَمُونَ الذين سوف يجري التحقيق معهم؟ (إلى
دوجبري) مُرْهُمْ أن يحضروا يا حضرة الكونستابل.
دوجبري :
فعلًا! فليحضروا أمامي. (الحرس يأتون بالرجلين، بوراكيو
وكونراد، ثم يتراجعون)، (إلى بوراكيو) ما اسمك؟ (١٠)
بوراكيو : بوراكيو.
دوجبري (إلى الكاتب) : اكتب بوراكيو أرجوك. (إلى كونراد) وما اسمك
أنت يا غلام؟
كونراد : بل سيد شريف يا سيدي، واسمي كونراد. (١٥)
دوجبري : اكتب «السيد الشريف كونراد». أيها السيدان هل تعبدان الله؟
كونراد وبوراكيو : نعم يا سيدي، نرجو ذلك.
دوجبري :
اكتب إنهما يرجوان أن يعبدا الله. واكتب لفظ الجلالة أولًا! فمعاذ (٢٠)
الله أن نُقَدِّمَ عليه هذين الشقيَّين. أيها السيدان، لقد ثَبَتَ قَبْلًا أنكما
من الأوغاد الخونة، وسوف نقيم البرهان على ذلك بعد قليلٍ، ما
ردكما على ذلك؟ (٢٥)
كونراد : نقول يا سيدي لسنا كذلك.
دوجبري :
رجل ذو لماحية بارعة، قطعًا! لكني أعرف كيف أحاوره! (إلى
بوراكيو) تقدم أنت يا غلام! يا سيدي، دعني أقول لك في أذنك٤٧
إننا نرى أنكما وغدان خائنان. (٣٠)
بوراكيو : وأقول لك يا سيدي لسنا كذلك.
دوجبري :
تنحيا إذن. أقسم يمين الله إنهما متواطئان. (إلى الكاتب) هل كتبت
إنهما ليسا كذلك؟
الكاتب :
يا سيدي الكونستابل، ليست هذه طريقة التحقيق. لا بد أن تستدعي (٣٥)
الحراس الذين اتهموهم.
دوجبري :
فعلًا والله! هذه أبرع طريقة! فليتقدم الحرس! (الحراس يتقدمون)
أيها السادة الحراس آمركم باسم الأمير أن توجهوا الاتهام إلى هذين
الرجلين. (٤٠)
الحارس ١ (مشيرًا إلى بوراكيو) : هذا الرجل يا سيدي، قال إن دون جون،
شقيق الأمير، وغد!
دوجبري :
اكتب يا كاتب «الأمير جون وغد». يا عجبًا! هذا في ذاته يُشَكِّلُ
خيانة واضحة! أن يدعو أخا الأمير وغدًا!
بوراكيو : يا حضرة الكونستابل … (٤٥)
دوجبري : أرجوك أنت أن تصمت! ولا يعجبني شكلك أيضًا، ثِق في هذا!
الكاتب : وماذا سمعته يقول أيضًا؟
الحارس ٢ :
بالحقِّ أنه تقاضى ألف دينار من دون جون مقابل توجيه تهمة ظالمة (٥٠)
لليدي هيرو!
دوجبري : خيانة صريحة لا تدانيها خيانة!
فيرجيز : نعم وأُقْسِمُ!
الكاتب : وماذا أيضًا يا رجل؟
الحارس ١ :
وأن الكونت كلوديو كان ينتوي، وفقًا لما قاله، أن يُشَهِّرَ بالليدي (٥٥)
هيرو أمام الحشد كله، وألَّا يتزوجها!
دوجبري :
يا للشرير! لسوف يعاقبك الله «بالخلاص»٤٨ الأبدي لقاء قولك
هذا!
الكاتب : وماذا أيضًا؟ (٦٠)
الحارس : هذا كل شيء.
الكاتب :
وهو أكثر أيها السيدان مما تستطيعان إنكاره. فلقد فَرَّ الأمير جون
هذا الصباح، مُتَسَلِّلًا خفية، ووُجِهَتْ الليدي هيرو بالتهمة على
النحو المذكور، ورفضَ كلوديو الزواج بها على النحو الموصوف
أيضًا، وما إن سمعتْ ذلك الاتهام حتى صعقها الحزن فماتت. (٦٥)
يا حضرة الكونستابل، ضَع هذين الرجلين في القيود، وأحضرهُما
إلى منزل ليوناتو، وسوف أسبِقُ الجميع لأعرض عليه نتيجة
التحقيق.

(يخرج الكاتب.)

دوجبري : هيا قَيِّدوهما.٤٩
فيرجيز : ضعوا القيود في أيديهما. (يتقدم الحراس منهما لتقييدهما) (٧٠)
كونراد : خَلِّ عني يا مغفل!
دوجبري :
يا لله! أين الكاتب؟ ليته كان هنا حتى يسجل أن ضابط الأمير
مغفل! هيا قيدوهما (إلى كونراد الذي يبدي المقاومة) أيها الشرير
الحقير!
كونراد : خلِّ عني! أنت حمار، أنت حمار! (٧٥)
دوجبري :
أفلا تحترم٥٠ منصبي؟ أفلا تحترم سِنِّي؟ ليت الكاتب كان هنا ليسجل
أني حمار! ولكن اذكروا أيها السادة أني حمار، ولو لم يكتب
ذلك! لكن لا تنسوا أني حمار. لا يا أيها الشرير! إنك مفعم
«بالورع»٥١ كما سوف يثبت عليه بشهادة الشهود الصادقة. واعلم (٨٠)
أنني حكيم، زد على ذلك أني ضابط، زد على ذلك أني أملك
منزلًا،٥٢ زد على ذلك أني وسيم الطلعة أجاري أفضل رجل في
مسينا، ورجل يعرف القانون — تقدَّم! — ولديَّ ثروة كافية، هيا
بنا!٥٣ ورجل ذاق طعم الخسائر المادية،٥٤ ورجل لديه عباءتان (٨٥)
رسميتان، ولديه كل ما يبعث الرضا! هاتوه معنا! هيا! ليت
الكاتب سجَّلَ أنني حمار!

(يخرج الجميع.)

١  هذا هو مشهد الكنيسة الشهير، ولا تنصُّ الإرشادات المسرحية على وجود مارجريت أو أورسولا، وإن كانت بعض العروض المسرحية تقدمها مع بقية ممثلي المسرحية، وإن لم تكن لهما أدوار أو حوار، ويستعيض المخرج عن الكلام أثناء العرض بتصوير ردود أفعالهما بالحركة الجسدية.
٢  «عائقًا خفيًّا» يقابل عندنا «المانع الشرعي».
٣  أوضحت المعنى الذي يقصد إليه كلوديو في الترجمة نفسها لتقليل الاعتماد على الحواشي.
٤  «برتقالة فاسدة» كانت الإيحاءات الخبيثة المرتبطة بالبرتقال شائعة آنذاك؛ إذ كان الناس يربطون بين البرتقالة والعاهرة، ويتوسَّع الشرَّاح في إيضاح الأسباب وضرب الأمثلة، ولكن الطريف أن المخرجين كانوا يرون في العبارة «إباحية» شديدة فدأبوا على حذفها طيلة القرن التاسع عشر، بل قبل ذلك ومنذ عرض جاويك عام ١٧٤٨م، وحتى العقد الأول من القرن العشرين.
٥  «حمرة الخجل» كان دليلًا على البراءة والإحساس بالذنب في ذلك العصر معًا.
٦  «ضاجعت» يستخدم كلوديو هنا الفعل المستخدَم في الكتاب المقدس بهذا المعنى وهو «عرفت» انظر سفر التكوين، ٤: ١ حيث يقول:
(And Adam Knew Heva his wife, who conceiving … etc)
والترجمة العربية القديمة تقول «وعرف آدم امرأته» والحديثة تقول «وعاشر آدم حواء زوجته» ولكن الترجمتين تترجمان الكلمة التالية باللفظة نفسها أي «فحبلت»، وأما أحدث طبعة إنجليزية للكتاب المقدس فتجاري ما اتَّبعه أصحاب الترجمة الحديثة إذ تقول:
(Adam lay with his wife Eve, and she conceived …)
٧  «ستخفف من ذنب دخولي …»: يقصد أن زواجهما الوشيك سوف يمحو خطيئة جماعهما قبل الزواج (أو استباق الزواج وهو ما يسمى في مصر «إصلاح الخطأ»)، وكان الرأي في العصر الإليزابيثي منقسمًا حول تخطئة المعاشرة قبل عقد القران «رسميًّا» إذا كانت الخطبة قائمة.
٨  كانت قدرة المرأة على التظاهر بالعفة، ومن ثَمَّ صعوبة التمييز بين المحصنات وبين من يتظاهرن وحسب بأنهن كذلك من القضايا الشائعة في الأدب الإليزابيثي، على نحو ما نرى في ملكة الجان للشاعر إدموند سبنسر. وتشير ماكيتشيرن إلى كتاب أصدره ألكسندر نيكولز (Niccholes) بمثابة مرشد للعزاب عنوانه كيف تميز بين الزوجة الصالحة والفاسدة عام ١٦١٥م يبيِّن فيه مدى صعوبة ذلك التمييز (ماكيتشيرن ص٢٦٠).
٩  «مثل ديانا ربة هذا القمر السيار» كانت ديانا، الربة الرومانية للعفة، ترتبط صورتها بالصيد وبتغيُّر أوجه القمر، وكان يقال إنها تسكن القمر نفسه.
١٠  «وجموح الربة فينوس»: كانت فينوس، ربة الحب، ووالدة كيوبيد، ذات سمعة سيئة بسبب خيانتها لزوجها فولكان مع مارس رب الحرب.
١١  «حيوانات التدليل المعروفة» يذهب بعض الشرَّاح إلى أنه يقصد القردة، وانظر ما يقوله ياجو في عطيل «فمحال أن تشهد ذلك حتى لو كانا/في فسق الماعز أو شهوة ذئب أو شبق القردة!» (٣ / ٣ / ٤٠٩-٤١٠) ولكن انظر ما يقوله الملك لير:
لَكَمْ تَظَاهَرَتْ بمظهر الفضيلة،
وكم تهزُّ رأسَها إن مَسَّ سمْعَها ذِكْرُ الملاذِّ والرذيلة!
لكنها عند الجماع ذاتُ شهوةٍ تفوقُ شهوةَ السنَّورِ والجِيَادِ الشَّبِقَة!
فالرأسُ رأسُ أنثى، والجسمُ جسم فَرَس.
ونِصْفُها العُلْوِيُّ للأرباب … ونِصْفُها السفليُّ للشيطان.
(٤ / ٦ / ١١٩–١٢٥).
١٢  أسئلة كلوديو الإنكارية تصب في جوهر اهتمام المسرحية بقدرة الإنسان على إصدار أحكام تقوم على «الأدلة العينية» فما تراه العين قد يكون خادعًا.
١٣  «تليق باسمك العريق»: كان اسم هيرو اسم بطلة في الأدب اليوناني، وكانت كاهنة في معبد فينوس، ومع ذلك وقع في حبها لياندر الذي اجتهد لاجتياز مضيق الدردنيل سباحةً من أجلها فغرق، ودفعها إخلاصها له إلى إغراق نفسها، ومن ثَمَّ فإن صيتها يجمع بين الإخلاص وبين الحب الجسدي؛ وهذا الجمع مدار حوار كلوديو مع هيرو في هذا المشهد. وتقول باربارا لوولسكي (Lewalski) في دراسة لها بعنوان «اسم هيرو، وسميتها، في ضجة فارغة» إن ترجمة تشابمان لقصيدة موزايوس هيرو ولياندر (١٦١٦م) جاء فيها: «تصبح هيرو رمزًا للتظاهر فيما يتعلق بأمر العفة، وذلك بأنها تستمر في شغل منصبها الكهنوتي رغم الحب الذي تكنُّه لعاشقها لياندر، ومنذ ذلك الحين نبذتها فينوس»:
منذ ارتكبتْ هيرو ما ارتكبته بأن كَذَبت بل وَصَمتْ بالعارِ
شعائر معْبَدِها فأشاعت في كلِّ صدورِ الناسِ
مغبَّة خُدْعتِها حتى أصبَحَتِ اليومَ مثالًا،
لِتظاهُرِنا وتَنَكُّرِنا لحقيقة ما نَحنُ عليه،
ما عُدْنَا نَثِقُ اليوْمَ بأي فتاةٍ أو أيِّ رَجُل.
(مقتطَف في لوولسكي، مذكرات في اللغة الإنجليزية ٧، ١٩٧٠م، ص١٧٨).
وفي ضوء هذا يتضح أن كلوديو يعني إما أن تفريط هيرو في عفَّتِها يشين اسم هيرو الأسطورية، وإما أن هيرو التي اشتهرت بعدم العفة تطمس أية فضائل قد تتمتع هيرو بها.
١٤  كان دون جون يدرك أن «محادثة رجل تحت الشباك» دليل واهٍ، ومن ثَمَّ اضطر إلى الإتيان بما يقول إنه اعتراف من جانب بوراكيو.
١٥  في العروض المسرحية التي تتضمن وجود مارجريت في هذا المشهد، يجعلها المخرج تتقدَّم لإنكار ما يرويه دون جون دون أن تنطق فيسارع هذا بإسكاتها قائلًا ما يقوله هنا.
١٦  «يا شر الخلق وخير الخلق» الأصل هو (most foul, most fair) وفيه السمات اليوفوية، وهو مبني على مثلٍ قديم يقول «خيرٌ في ظاهره لكنْ في باطنِه شرٌّ» ولاحظ التصالب في بناء هذا المثل، أي إن بناء العبارة الثانية يمثِّل عكس بناء الأولى فيه، وذلك من سمات الأسلوب اليوفوي أيضًا.
١٧  «أغلق أبواب الحب جميعًا» يقول الشرَّاح إنه يعني الحواس، وخصوصًا العينين، في وجه الحب، ولكن الأصل (all the gates of love) قد يزيد معناه على ذلك.
١٨  يقول النقاد إن هيرو تسقط مغشيًّا عليها حين ينقلب أبوها عليها.
١٩  «يا سنيور بينديك» يقول النقاد إن بينديك يتخذ قرارًا مُهِمًّا حين يقرر ألا يترك المسرح مع من تركوه.
٢٠  «النظر إلى الملأ الأعلى» هو المعنى المضمر في توجيه عيني الإنسان أو وجهه كله إلى السماء، وكان المعتقد آنذاك أن ذلك دليل على البراءة، على عكس غض البصر وخفض الرأس.
٢١  ١٢٠–١٤٣ يقول كوكس في كتابه المشار إليه الذي يرصد فيه طرائق تقديم المسرحية على خشبة المسرح إن كثيرًا من المخرجين كانوا يحذفون هذا الخطاب الذي يلقيه ليوناتو، وذلك منذ القرن الثامن عشر وحتى أوائل القرن العشرين، ابتغاء إسباغ الوقار عليه في هذا المشهد، والتقليل مما يعبِّر عنه من استهجان وأسى على حاله، حتى يصبح أقدر على إثارة تعاطف أكبر مما يوحي به النص الكامل للمسرحية (ص١٨١) والمعروف، كما ذكرت في المقدمة، اختلاف صورة «والد الفتاة» هنا عن صورتها في الأصل أو المصادر الخاصة بالمسرحية، فنظيره في بانديللو يفسر إحجام «العريس» بأنه يأنف من مصاهرة أسرة فقيرة، ولا يشك لحظة واحدة في براءة ابنته، ولكنه يحزن بسبب ما «يعانيه من فقرٍ وافتقار إلى النجاح الدنيوي» (بولو، ص١١٨-١١٩).
٢٢  ١٤٤-١٤٥ يرد هذان السطران، وهي ثلاثة في الأصل، أي في طبعة الكوارتو الأولى وفي طبعة الفوليو أيضًا، في صورة نثر، ويجمع النقاد على إيقاع النثر بها، وعلى هذا ترِد في طبعة نيو كيمبريدج، ولكنه منذ أن وضعها الشاعر ألكسندر بوب في قالب منظوم والمحررون يفضِّلون عدم كسر السلاسة اللحنية لإيقاع النظم في المشهد، وأتى الباحثون بأسبابٍ عديدة لعدم كتابة السطور الثلاثة في صورة نظم، ولا داعي للخوض فيها، وهي مقنعة على أية حال، وتأخذ بها جميع الطبعات الحديثة التي رجعت إليها (باستثناء الطبعة المذكورة) ولكنني أردت في الترجمة نقل الإحساس باختلاف الإيقاع فاخترت لها بحرًا شعريًّا يختلف عما سبقه أو لحقه، وقسَّمت التعبيرات وفقًا للتقسيم الوارد في الأصل بدقة.
٢٣  «طيلة عام كامل» تهدف بياتريس إلى دحض زعم بوراكيو من أنه التقى بهيرو سرًّا «في ألف لقاء آثم» (السطر ٩٤ أعلاه) ولكن ليوناتو لا يدرك مرماها.
٢٤  ١٥٥–١٥٨ أخطأ من تولى طباعة هذه السطور فجعلها نثرًا، ولكنها نظم ومن البحر نفسه الذي يستعمله القس، ولهذا لم تأخذ بالبناء النثري أي الطبعات، ولم آخذ به في الترجمة، انظر الحاشية السابقة.
٢٥  يفسر القس شحوب اللون (أي البياض) بأنه دليل براءة يدحض حمرة الخجل التي توحي بالإثم، وانظر الحاشية على ٣٢ أعلاه.
٢٦  «نار تحرق مفتريات أميرينا» الصورة مستمدة من إحراق (إعدام المرتدين أو المارقين أو إحراق الكتب التي يكتبونها، وانظر ١ / ١ / ٢١٨-٢١٩.
٢٧  «إيه يا أبتي!» الخطاب موجه إلى أبيها أو إلى القس، حسبما يرى مخرج المسرحية.
٢٨  «أميرينا»: المقصود دون بيدرو وأخوه دون جون، ولكن رد بينديك في السطر التالي يوحي بأن المقصود ثلاثة من بينهم كلوديو، وليس من الأمراء قطعًا.
٢٩  «جون النغل» هذه أول إشارة صريحة إلى أنه ابن سفاح يسمعها الجمهور، وإن كان النص يصرح بهذا في الإرشادات المسرحية وفي ذكر المتحدثين، ولكن إخراج المسرحية كان — ولا يزال — يوحي للجمهور بهذا بتأكيد طبعه السوداوي والحسد الذي «ينهش» قلبه، وكان الإخراج في عصر النهضة يجعله يرتدي ملابس سوداء.
٣٠  «أما إن كانوا … وتفاخر» يتحوَّل موقف ليوناتو بعد أن يُلمِحَ بينديك إلى احتمال كون هيرو بريئة، فإذا به يحاكي والد الأميرة التي اتهمت ظُلمًا عند أريوسطو، وإذا به يكتسب فجأة موقف الشهامة الفروسية:
من سوف يهُبُّ وفي يدِهِ السَّيفُ ليحمي ابنتَه المحبُوبة،
ولكيْ يُثبِتَ صِدقَ بَرَاءِتها بِنِزالٍ ومُبارزةٍ مشهُودَة.
(غضبة أورلاندو، ٥ / ٦٨ / ٣-٤).
٣١  «الأصحاب» أي من سوف يساندونني في المبارزة.
٣٢  يقول جوناثان بيت (Bate) في دراسة له بعنوان «الموت من أجل الحياة في ضجة فارغة» نُشِرت في كتاب من تحرير ياسوناري تاكادا عام ١٩٩٤م، إن التظاهر بموت هيرو هنا يشبه أسطورة ألْسِيسْتِيسْ (ألْكيستيس باليونانية) التي تتطوع بأن تموت فداءً لزوجها أدميتوس، ولكن هرقل يكتشف تضحيتها ويأتي بها من جديدٍ إلى عالم الأحياء ويعيدها إلى زوجها الذي يشعر بالذنب ويدرك قيمتها الحقيقية، ويقول بيت «إذا كانت هيرو تعادل ألْسِيستِيس فإن كلوديو يعادل أدميتوس الذي يندم على موقفه ويتعلَّم من مسلكه الظالم السابق درسًا، … ولا بد أن يؤدي الموت «الوهمي» إلى تنبيه كلوديو لفضائل هيرو، وجعله محبًّا ذا نبل أكبر» (من كتاب مشاهد مدهشة: مقالات تكريمًا للأستاذ ياسوناري تاكاهاشي، طوكيو، ١٩٩٤م، ص٦٩–٨٥).
٣٣  «إن كان الحب تمكَّن يومًا من كبده» كان المعتقد في العصر الإليزابيثي أن الكبد مركز المشاعر، تمامًا مثل القلب، وهو شائع لدينا في التراث العربي أيضًا، ولكن الكبد كانت لها ظلال دلالات فكاهية أكبر.
٣٤  ٢٥١–٢٥٥ ينهي القس حديثه بأربعة أبيات ذوات قوافٍ متناوبة، وترجمتُها في خمسة أبيات موحدة القافية، ولم ألتزم باختياره بيتًا سداسي التفعيلة في ختامها، فالمهم عندي إخراج المعنى الصادق في نظم متسق، فذلك أدعى لتقريب الصورة الشعرية العامة.
٣٥  لا يشير النقاد إلى أن هذا السطر منظوم، لكنني وجدت فيه من الإيقاع ما يبرر نظمه في الترجمة.
٣٦  «ولكنك لا تصلح لها» أي لأن الأصول تقضي بأن يثأر لهيرو رجلٌ من أفراد أسرتها، وربما لأن بينديك صديق كلوديو وصديق الأمير، أو لأن بياتريس ترى أنه ليس من حقِّها أن تطلب ذلك من بينديك، نظرًا للقطيعة التي أصابت علاقتهما القديمة. ويقول كوكس في كتابه عن تاريخ إخراج المسرحية إن بعض الممثلات في القرن التاسع عشر كُنَّ يلقين هذه العبارة بنبرة ساخرة حتى أتت إلين تيري فألقتها باعتبارها فكرة طارئة «خطرت لامرأة لا تريد تعريض حبيبها لمخاطر المبارزة، حتى ولو كان في ذلك انتقاص من رجولته» (ص١٨٩) والواقع أن قبول بينديك القيام بالمهمة بمثابة اعتراف برابطة القرابة («ما أروع رابطة القرابة!» ٢ / ١ / ٢٩٢).
٣٧  «فليغفر الله لي»: يقول أ. ر. همفريز في طبعة آردن الثانية (١٩٨٢م) إنها تطلب الصفح لأنها خرقت التقاليد التي تقضي بعدم مبادرة المرأة بإعلان حبها، ولكننا نرى تبريرها هنا معقولًا، فهي تطلب الغفران لأنها سمحت لنفسها بالتفكير في الحب («ساعة هنيئة» ٢٨٢) وابنة عمها تواجه مأساة قاصمة!
٣٨  «استوقفتني» أي صرفتني عن توجيه ذهني كله للثأر لبنت عمي، واعترافها بأنه اعترافه بالحب جاء في ساعة هنيئة معناه أنها تبادله الحب (نظر الحاشية السابقة).
٣٩  «اقتل كلوديو»: نبرة إلقاء هذا السطر تحدد «نغمة» المسرحية كلها، وكذلك نوع رد فعل الجمهور (الضحك) الصمت إزاء الإحساس بالصدمة؟) وعلى الإخراج يتوقف الكثير.
٤٠  «أشراف»: الأصل (counties) وهي صيغة جمع ساخرة للقب الكُونت، والمعروف أن هذا اللقب يُجمَع على (countships). وكلمة «رواية» (الأصل count) تمثِّل تعريضًا آخر بلقب الكُونت، فقد تكون بمعنى «تهمة» أو «رواية» (account) والمهم هنا أسلوب التكرار الساخر المرير.
٤١  «مهلبية» الأصل (comfit) أي حلويات بصفة عامة، وقد اخترت «المهلبية» لدلالتها المصرية الشائعة التي تقابل في ظني ما تقصده بياتريس. وهذا ما يتفق عليه النقاد باستثناء رأي يورده فيرنسيس في طبعته (التي تتضمن دراسات نقدية للمسرحية حتى أواخر القرن التاسع عشر؛ إذ صدرت أولًا عام ١٨٩٩م ثم أعيد طبعها أخيرًا عام ١٩٦٤م، نيويورك) لناقد يقول إن الكلمة قد تكون مُشتقة من التعبير الفرنسي (conte cofect) بمعنى الحكاية الملفَّقة، ولكن العبرة عندي ليست بالاشتقاق بل بما يقرؤه القارئ ويسمعه الجمهور.
٤٢  «أقسم بهذه اليد»: إما يدها التي يمسكها أو يده التي يمدُّها إليها تعبيرًا عن إخلاصه.
٤٣  «ثقتي بفكري أو بروحي»: يجد النقاد النسويون في هذا القول تجديدًا وجرأة غير معهودة لأن الإقرار بوجود فكر مستقل للمرأة، أو نفس، لم يكن من الأمور المقطوع بها. وتورد إحداهنَّ مقتطفًا من كتاب كتبه جون دَنْ الشاعر عام ١٦٢٣م بعنوان مشكلات معينة يقول فيه:

لماذا يفترض العامة أن للمرأة نفسًا؟ إننا ننكر وجود النفس في كائنات أخرى تعادل المرأة في كل شيء إلا في الكلام … هل تتمتع المرأة بمزايا كثيرة وطاقات كبيرة على إيذائنا حتى ما نجرؤ أن نغضبها، بل نمنحها ما تريد … أم ترانا بصورة ما (في هذا التكريم للمرأة) نداهن الأمراء والكبراء الذين يخضعون خضوعًا كبيرًا للنساء؟ أم ترانا بسبب ما اعتدناه من تراخٍ، ومن سرف، نفقد نفوسنا كل يوم بلا اكتراث لهذا أو ذاك قائلين بأن للمرأة نفسًا، فكأنما نتصور أن النفس أمر تافه؟

(مقتطف من ماكيتشيرن ص٢٧٧)
والمفهوم إذن أن بياتريس تقصد بالروح النفس، ولكنني لم أستخدم كلمة «بنفسي» خشية أن يُفهَم منها «الذات»، وكلمة (soul) الإنجليزية تعني النفس مثلما تعني الروح، وكذلك الحال في العربية بالنسبة لكلمة «نفس» التي توازي الروح (أي السر الإلهي أو طاقة الحياة) وقد توازي الضمير أو القلب والإحساس، وانظر إلى الفرق بين الجمعين الأنفس والنفوس تجد الفرق واضحًا.
٤٤  العهد الذي يقطعه بينديك على نفسه هنا يمثِّل نقطة تحوُّل واضحة في موقفه وفي مسار حدث المسرحية؛ لأنه يقرر أن يهجر أو يتنكَّر لصداقته لكلوديو وإخلاصه للأمير بمعنى انتمائه إلى «نادي الرجال» حسبما يقول بيرجر (انظر المقدمة) في سبيل امرأة يحبها ويؤمن بما تقوله.
٤٥  «النصاب القانوني»: دوجبري يقول (dissembly) بدلًا من (assembly) ولما كان نطق الكلمتين متقاربًا لا يحدث خلطًا في أذهان الجمهور ويتيسَّر معه إدراك المرمى أتيت بالمعنى المقصود، وأما بالعربية فللممثل إن أراد إصدار التأثير الفكاهي نفسه أن يخطئ في نطق الكلمة فيقول مثلًا النَّصَّاب القانوني وما إلى ذلك.
٤٦  «التكليف» يخطئ فيرجيز فيقول (exhibition) بدلًا من (commission) ولم أغيِّر الكلمة هنا أيضًا لأن السياق لا يسمح بغير المعنى المقصود. ويبدو أن فيرجيز هو الذي يتولى تنظيم غرفة التحقيق في هذا المشهد.
٤٧  دعني أقول لك في أذنك: يقصد دوجبري أنه يرجو انتزع اعتراف من بوراكيو إذا قام باستجوابه على انفرادٍ، متجاهلًا أن بوراكيو قد سمع الاتهام من قبل.
٤٨  «بالخلاص» يقصد الهلاك، انظر الحاشية على ٣ / ٣ / ٤ أعلاه.
٤٩  «قَيِّدُوهما»: يقول (opinioned) بدلًا من (pinioned) بزيادة حرف علة في البداية، ولو حاكيتُ الخطأ في الترجمة لاختلَّ السياق.
٥٠  «تحترم»: يقول دوجبري (suspect) بدلًا من (respect) وكما ذكرت في الحاشية على ٣ / ٣ / ١٦٠ عندما تشترك الكلمتان في الجذع نفسه، وهو الذي يقع عليه الضغط في النطق (spect) يصل المعنى المقصود إلى السامع مهما يكن خطأ المتحدث، ولكن الأبنية الصرفية للكلمات العربية مختلفة، ولن يستطيع السامع تخمين معنى الاحترام إذا قلت «تشك في» أو تشتبه في منصبي، ولهذا أتيت بالمقصود وحسب.
٥١  دوجبري يقول «الورع» ويقصد به العكس (الكفر/الإلحاد، إلخ) والجمهور يسمع «الورع» ولا مناص من إيرادها!
٥٢  «أملك منزلًا» أي من حقي الإدلاء بصوتي في الانتخابات، وفقًا لقانون ذلك العصر.
٥٣  قد تكون عبارة (go to!) مجرد حشو تأكيدي كقولك بالعامية «سيبك أنت!» أو «واخد بالك؟» وقد تعني «هيا بنا»، واخترت المعنى الأخير على «ضعفه» بسبب استحالة ترجمة أي التعبيرين العاميين إلى الفصحى المعاصرة، ولأنني أحسست أن التعبير العامي قد لا يُفهَم خارج النطاق المحلي.
٥٤  «ذاق طعم الخسائر المادية» أي لديَّ من الثروة ما يمكنني من أن أخسر بعضها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤