«زنجر» في مأزق

خرج «مُحب» مُسرعًا من منزله، فقفز إلى دراجته، وأخذ يجتاز الشوارع مُسرعًا في طريقه إلى منزل صديقه «عاطف»، حيث يجتمع المغامرون الخمسة: «تختخ» و«مُحب» و«نوسة» و«عاطف» و«لوزة» والكلب «زنجر».

اقترب «مُحب» من منزل «عاطف»، فأخذ ينظر إلى الحديقة ليرى دراجات الأصدقاء، ويعرف من الذي حضر، فلم يرَ الرجل الذي كان يمرُّ أمامه في هذه اللحظة، وهكذا لم يشعر إلا وهو يصطدم بالرجل ثم يسقط على الأرض.

تمَّ كل شيء بسرعة، فلم يَدرِ «مُحب» ماذا حدث إلا عندما سمع الرجل وهو يؤنبه على سرعته وإهماله النظر أمامه، ولحسن الحظ كان «مُحب» قد خفض سرعته عندما اقترب من منزل «عاطف»، فلم تحدث إصابات، ولكن وقعت من يد الرجل حقيبة كان يحملها.

وقف «مُحب» يُنظف ثيابه، وقال للرجل معتذرًا: آسف جدًّا يا سيدي، إنني مُخطئ فعلًا لأنني لم أنظر أمامي.

رد الرجل بلغةٍ عربية سليمة، ولكن بلهجةٍ غير مصرية: على كلِّ حالٍ كيف حالك أنت؟ هل أُصبت؟

قال «مُحب» إنني آسف جدًّا! هل أصبت، أو انكسرت الحقيبة؟

رد الرجل: لا، لم يحدث شيء، وبالمناسبة يا أخي، هل تعرف أين الشارع رقم ٩٣؟

أخذ «مُحب» يتذكَّر: الشارع رقم ٩٣، يبدو أنه في آخر المعادي، وعلى كل حال، بدلًا من إضاعة الوقت، اسمح لي أن أستدعيَ أصدقائي، ولا بد أن أحدهم يعرف الشارع.

وقبل أن يرد الرجل، قفز «مُحب» سلالم الفيلا التي يسكن فيها «عاطف»، وشرح للأصدقاء ما حدث، وسألهم عن الشارع، فقال «تختخ»: إنني أعرفه ولكنه بعيد جدًّا في آخر المعادي، ولا يمكن أن يصل إليه الرجل إلا إذا صحبناه.

وبسرعة خرج الأصدقاء، وتبادلوا التحية مع الرجل الذي عرَّفهم بنفسه قائلًا: إن اسمه «قاسم» وإنه مواطنٌ من «الكويت»، وقد حضر في زيارةٍ لشقيقته التي تسكن في الشارع رقم ٩٣، وقدم له «مُحب» الأصدقاء واحدًا واحدًا.

سار الأصدقاء طويلًا، وهم يتبادلون الحديث مع الأستاذ «قاسم»، حتى وصلوا إلى الشارع رقم ٩٣، فسألوا عن الفيلا رقم ١٢ حيث تسكن شقيقة الأستاذ «قاسم» حتى وجدوها.

قال الرجل وهو يستعد لدخول المنزل: إنني أشكركم كثيرًا، وأرجو أن أراكم مرةً أخرى.

رد «تختخ» نيابة عن الأصدقاء: مرحبًا بك في مصر … وسوف يسعدنا أن نزورك في أقرب فرصة.

ودخل الرجل، وتحرك الأصدقاء في طريق العودة، فقال «تختخ» وهو يشير إلى المنزل المقابل لرقم ١٢: منزلٌ غريب، لقد مررتُ به بضع مرات، وفي كل مرة ألاحظ أن نوافذه مغلقة، وليس به أثر للحياة، كأنه مهجور.

رد «عاطف»: ولكن نوافذ المنزل نظيفة، وستائره ليس عليها أتربة، مما يدلُّ على وجود أشخاص بالداخل يقومون بالنظافة.

وتوقف الحديث عن المنزل عندما قالت «نوسة»: إننا لم نَصِل إلى قرارٍ في موضوع تذاكر الحفلة الخيرية التي تُنظِّمها المدرسة لصالح المجهود الحربي … فنحن لم نَبِع إلا عددًا قليلًا من التذاكر.

مُحب: لو تذكَّرنا الآن لبِعنا بعضها إلى الأستاذ «قاسم»؛ فالكويتيون كرماء، ويمكنه أن يشتري منك عددًا كبيرًا.

نوسة: فكرةٌ ممتازة، وفي إمكاننا على كل حال أن نَحضر غدًا.

تختخ: ما رأيك لو بعت تذكرة للشاويش «فرقع» يا «نوسة؟»

ضحك الأصدقاء على هذه الفكرة، وقالت «لوزة»: إنك تستطيع أن تبيع تذاكر حتى في القمر يا «تختخ»، ولكن للشاويش «فرقع»! مستحيل، خاصةً أن التذكرة ثمنها جنيهان.

رد «تختخ»: إذن سأقبل التحدي، وأذهب إلى الشاويش وأبيع له تذكرة، وإذا نجحت فعليكم أن تُقدموا طبقًا من الجيلاتي على حسابكم.

وافق الجميع، وكانوا قد اقتربوا من منزل «تختخ»، فاستأذنهم في الدخول، فحيوه جميعًا، وانصرفوا بعد أن وعدته «نوسة» أن ترسل له تذكرةً مع الشغالة التي تعمل عندهم.

دخل «تختخ» غرفته الخاصة التي يحتفظ فيها بأدوات التنكُّر، وأخذ يقلب في الملابس، حتى استقر رأيه على ملابس «قارئ كف» وهي مكوَّنة من سروال من الحرير الأبيض وبالطو من الصوف الأسود وطاقية بيضاء عالية يُزيِّنها الريش.

وعندما أقبل المساء، وأحضرت الشغالة التذكرة، قام «تختخ» بارتداء ملابس التنكر، ثم خرج من الباب الخلفي، وانطلق إلى منزل الشاويش.

وعندما دق «تختخ» جرس الباب، فتح له ولدٌ صغير، عرفه «تختخ» على الفور؛ فهو «سيد» ابن الغسالة التي تحضر إلى منزلهم أحيانًا للمساعدة في أعمال النظافة، فسأله «تختخ» عن الشاويش فقال إنه غير موجود، ولكنه سيحضر بعد قليل.

دخل «تختخ» وطلب من «سيد» أن يأخذه إلى غرفة الصالون لينتظر الشاويش، ولم يكد «تختخ» يجلس حتى دخلت «فتحية» الغسالة، فعرفها «تختخ» بنفسه على أنه «قارئ كف» من بلاد المغرب، يقرأ الكف للناس، ويعرف الماضي والمستقبل، فسُرَّت الغسالة، وطلبت من «تختخ» أن يقرأ لها كفها، ودهشت جدًّا لأنه قال لها أشياء كثيرة من حياتها … وبالطبع كان «تختخ» يعرف «فتحية» ويعرف معلوماتٍ كثيرة عنها.

مضت دقائق و«فتحية» تستمع في دهشةٍ إلى كلام «تختخ» عنها، وفجأة دخل الشاويش غاضبًا يصيح: غير معقول! غير معقول هذا الكلب المزعج، إنه يأكل الفراخ أيضًا … والناس تشكو وأنا لا أعرف ماذا أفعل …

قامت «فتحية» مسرعة وقالت للشاويش: هدئ نفسك يا حضرة الشاويش … وتعال اسمع ماذا يقول هذا القارئ العجيب … إنه يعرف كل شيء.

الشاويش: قارئ … أي قارئ … دعيني في مشكلة هذا الكلب!

قال «تختخ» بصوتٍ عميق: لا داعي للثورة يا سيدي … أرني كفَّك وسوف أقول لك على كل شيء.

مدَّ الشاويش يده إلى «تختخ» وهو يرمقه بنظرة شك، فأمسك «تختخ» بالكف وقال: نعم … هنالك مشاكل خطيرة … خاصة من كلبٍ أسود.

قال الشاويش: مُدهش! … من أين عرفت هذا؟

تختخ: صبرًا يا سيدي … هناك أيضًا ولدٌ سمين … يُزعجك كثيرًا … ويتدخَّل في عملك …

صاح «فرقع» في استغراب: إنك تعرف كل شيء فعلًا … أنتَ مُدهش! … أنت رائع …!

واستمر «تختخ» يحدث الشاويش بما يعرفه عنه، دون أن يتصور الشاويش أن قارئ الكف الذي يتحدث إليه عن «تختخ» هو «تختخ» شخصيًّا.

ثم قال «تختخ»: إنني أنصحك يا سيدي أن تشتري تذكرة للحفل الخيري الذي تقيمه المدرسة الإعدادية، فهناك يا نصيب على التذاكر وأعتقد أنك ستكسب الجائزة الأولى.

فرح الشاويش كثيرًا بهذا الخبر … وبرغم ضخامة المبلغ فقد دفع الجنيهَين قيمة التذكرة، وهو يفكر في الجائزة التي سيكسبها.

بعد أن خرج «تختخ» قال «سيد» ابن الغسالة: إنني أستطيع أن أصطاد لك الكلب الأسود الذي يَسرق الفراخ … ما رأيك يا سيدي؟ هل تعطيني عشرة قروش؟

قال الشاويش: نعم … أعطيك عشرة قروش.

تخلص «تختخ» من ثياب التنكر، ثم أسرع إلى دار السينما حيث اتفق مع الأصدقاء على دخولها، وهناك روى لهم كيف قابل الشاويش وقرأ له الكف، وأخذ منه ثمن التذكرة، فضحك الأصدقاء.

وبعد الخروج من السينما عاد الأصدقاء إلى بيوتهم، «مُحب» وأخته «نوسة»، و«عاطف» وأخته «لوزة»، أما «تختخ» فعاد وحيدًا إلى البيت.

بعد أن تعشى «تختخ» صعد إلى غرفته، وجلس يقرأ، وفجأة تذكر أن «زنجر» غير موجود.

أطلق «تختخ» صفارة من فمه يَستدعي «زنجر»، ولكن الكلب الأسود الظريف لم يظهر، أطلق «تختخ» صفارة … وصفارة … ولكن الكلب لم يظهر.

نزل «تختخ» إلى الصالة، ثم ذهب إلى المطبخ، وسأل الطباخة عن الكلب فقالت: لقد خرج عندما سمع صوت دراجتك يا أستاذ «تختخ»، وأنت عائدٌ من السينما، ومن ساعتها لم أره!

طاف «تختخ» بالمنزل كله دون أن يَعثر ﻟ «زنجر» على أثر، فأخذ يفكر في الخروج للبحث عنه، ولكنه عندما نظر في ساعته، وجد أن الساعة تقرب من الحادية عشرة ليلًا، ولم يكن هناك فائدة من الخروج.

ذهب «تختخ» للنوم، وظل يتقلَّب في فراشه فترةً طويلة، وهو يُفكر أين ذهب «زنجر» وكيف يعثر عليه إذا كان ما يزال حيًّا، ثم غلبه النوم فنام، ولكنه استيقظ مُبكرًا جدًّا.

أفطر «تختخ» سريعًا، ثم خرج يدور حول البيت يبحث عن دليل يُفسِّر له الطريقة التي اختفى بها «زنجر»، وفعلًا عثر على قطعةٍ من الدوبار في طرفها قطعة من اللحم، فعرَف أن «زنجر» قد سرَق، وأن اللص استخدم الدوبارة وقطعة اللحم في جذب الكلب.

ركب «تختخ» دراجته، وأسرع يَلتقي بالأصدقاء في منزل «عاطف» حيث أبلغهم بسرقة الكلب.

حزنت «لوزة» حزنًا شديدًا ثم قالت: سنَعثُر على «زنجر» … لا بد أن نعثر عليه.

عاطف: إذا كان حيًّا، أو ما زال في المعادي!

لوزة ثائرة: إنه في المعادي … وحي أيضًا … إن قلبي يُحدثني أنه قريبٌ منا … إنه في انتظارنا لنُنقذَه.

واتَّفق الأصدقاء على أن يَخرُجوا جميعًا على دراجاتهم، يطوفون بالمعادي لعلَّهم يعثُرون على أثرٍ للكلب.

ركب «تختخ» دراجته، وسار يُفكِّر … وفجأةً تذكَّر شيئًا … تذكر كلام الشاويش في اليوم السابق عن الكلب الذي يَسرِق الفراخ، هل شكَّ الشاويش أنه «زنجر» فأمسَكَه؟ ولكن هل يقوم الشاويش بخطف الكلب؟ غير مُمكن! هل يُكلِّف شخصًا آخر بسرقته؟ هذا مُمكن! من هو؟

قرَّر «تختخ» أن يزور مسكن الشاويش، ولكن كيف يدخله؟ الحل الوحيد أن يتنكَّر … وهكذا عاد «تختخ» مسرعًا إلى البيت، ولم يكد يدخل الصالة حتى سمع والده يتحدَّث في التليفون وسمعه يقول: غير معقول … «زنجر» يَسرق الفراخ؟ ويَفتك بها؟! غير مُمكن! وسكت والد «تختخ» قليلًا ثم عاد يقول: على كل حالٍ يا حضرة الشاويش، سوف أحضر بعد ساعتَين لأرى الكلب.

أدرك «تختخ» أن المتحدِّث على الطرف الآخر هو الشاويش «فرقع»، إذن «زنجر» عند الشاويش متهمًا بسرقة الفراخ، وقد يَنتهي إلى ملجأ الكلاب حيث يتمُّ إعدامه.

دارت رأس «تختخ» بسرعة: كيف أنقذ «زنجر»؟ كيف أُنقذ كلبي العزيز؟ … لا بد من وسيلة!

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤