نتائجُ غريبة

في الصباح، خرج المغامرون الخمسة على دراجاتهم في الطريق إلى محطة «دار السلام» السابقة على المعادي، حيث يَسكُن «عوض»، كان اليوم مشرقًا جميلًا، و«زنجر» يجلس في السلة خلف «تختخ» يستمتع بالهواء والشمس، ويتمنَّى أن تطول الرحلة، ولا تنتهي.

ولكن الرحلة قاربت الانتهاء عندما وصلوا إلى محطة «دار السلام»، وبدءوا البحث عن الشارع الذي يسكن به «عوض»، ولم تكن هذه مشكلة؛ فقد عثروا عليه سريعًا، ثم وجدوا المنزل، وصعدوا إلى الدور الثالث حيث يَسكُن، ولكن كانت مفاجأة سيئة، عندما دقوا الجرس طويلًا دون أن يفتح أحدٌ، ولكن «تختخ» لم يكن ليترك الفرصة تفوته؛ فدق جرس الجيران وسألهم عن «عوض» فقالوا له إنهم لا يَعرفون مكانه بالتحديد، ولكنه في الأغلب يكون على المقهى التي في السوق.

عاد المغامرون إلى دراجاتهم، وانطلقوا إلى السوق، ورأوا المقهى الذي وصفه الجيران، ولكن أين «عوض» بين كل هؤلاء الجالسين؟!

وقف الأصدقاء ينظرون إلى الحركة النشيطة في السوق، والداخلين والخارجين من المقهى دون أن يعرفوا ماذا يفعلون، ولكن «تختخ» قال: ما دام الجيران قالوا لنا إنه في الغالب موجود هنا في المقهى، فمعنى هذا أنه يتردَّد عليها كثيرًا، ولا بد أن عمال المقهى يعرفونه، فانتظروا هنا، وتعالَ معي أنت يا «مُحب» حتى لا نلفت الأنظار.

واتجه «تختخ» و«مُحب» إلى المقهى، ودخلا، واتجه «تختخ» إلى أحد العمال وسأله: هل الأستاذ عوض موجود؟

قال العامل: أي «عوض» … إن هنا أكثر من «عوض»؟ فمن الذي تريد؟

تختخ: إنه الشاب الأنيق الذي يَسكُن قريبًا من هنا؟

العامل: آه … إنه ذلك الشاب الذي يجلس على طرف المقهى.

وأشار العامل إلى شابٍّ كان يجلس وحيدًا، يشرب الشاي، ويدخن الشيشة، فاتجه إليه «تختخ» وبعد أن حيَّاه سأله إذا كان ممكنًا أن يتحدث إليه قليلًا، فقال «عوض»: عن أي شيءٍ تريد أن تتحدث معي … هل أنت من طرف ذلك الشاويش الغبي … إنني لن أتحدث عن هذه السرقة مرةً أخرى … إن الرجل العجوز يستحقُّ ما حدث له … فطالَما قلتُ له أن يعطيني النقود لأضعها له في البنك أو في صندوق التوفير … ولكنه رفض طلبي … ومع ذلك يأتي ذلك الشاويش ويتَّهمني بالسرقة.

قال «تختخ» في نفسه: إذن فقد سبقنا الشاويش مرةً أخرى … ولكن لا بأس … سوف نحاول أن نستنتج أكثر منه، ثم سأل «عوض»: هل كنتَ تعرف مكان النقود؟

رد «عوض» غاضبًا: لو كنت أعرف مكان النقود لأخذتها ووضعتها في البنك، لقد نصحتُ العجوز الأحمق عشرات المرات ولم يستمع لي.

تختخ: وأين «هدى»؟

كان السؤال مُفاجئًا ومزعجًا فوقف «عوض» وقال ﻟ «تختخ»: هل تتهمني بشيء … هل أنت من رجال الشرطة … إنني لا أعرف أين «هدى»، ولعلها في زيارة أقاربها في القاهرة أو أيِّ مكان آخر … إنني لستُ حارسًا لها حتى تسألني هذا السؤال!

وتضايق «مُحب» من أسلوب «عوض» فقال: ولكنَّكَ كنتَ موجودًا في الصباح الذي سُرقت فيه النقود … وكنت تُحدِّث «هدى» حديثًا غاضبًا، وقد سمعك السباك!

عوض: إنَّني لم أكن وحيدًا في ذلك الصباح؛ فقد قال لي الشاويش إنه كان هناك خمسة غيري … فلماذا أُتَّهم أنا؟ أما حديثي مع «هدى» فقد كان خاصًّا بمسائلَ شخصية لا علاقة لها بالنقود أو غيرها.

ولم يجد «تختخ» فائدة من الاستمرار في الحديث، فقال ﻟ «عوض»: على كل حالٍ شكرًا لك … ولعلَّنا نراك مرةً أخرى قريبًا.

ولحق «تختخ» و«مُحب» ببقية الأصدقاء، وبدءوا رحلة العودة إلى المعادي دون أن يصلوا إلى أية معلوماتٍ جديدة … وبدا كل شيء أمامهم غامضًا ومحيرًا … وكان «عاطف» يقول في صوتٍ خافت ولكنه مسموع: إننا نُضيع وقتنا بلا فائدة … فالمسألة أصبحت واضحة، إن الفتاة هي التي سرقت النقود لسببٍ أو لآخر، ثم فرَّت بها بعيدًا … وسوف يُمسك بها الشاويش، وتُقدَّم للمحاكمة، فليس هناك إذن ألغاز من أيِّ نوع … هذا هو رأيي على كل حال.

ولكن أخته «لوزة» لم ترَ هذا الرأي فقالت: ولكن يا «عاطف» كيف تُفسِّر سرقة الأثاث؟ هل «هدى» هي التي سرقته أيضًا؟ كيف يُمكن لفتاة رقيقة وطيبة مثلها أن تسرق أثاث رجل عجوز وأعمى ومسكين … ذلك شيء لا يُمكن تصديقه.

وكان «تختخ» يستمع إلى المناقشة وهو صامتٌ تمامًا، ثم قال بصوتٍ مسموع وكأنه يحدث نفسه: هل يُمكن أن تكون النقود لم تُسرَق على الإطلاق؟ هل النقود ما زالت في منزل الرجل العجوز، ولكنه نسيَ مكانها؟!

ولكن «مُحب» تدخل قائلًا: إنني ميال إلى تفسير آخر، فلعلَّ السارق شخص سابع لم يدخل في قائمة المشتبه فيهم، لقد اعتمدنا على الأشخاص الذين رآهم الأستاذ «قاسم» من شرفة منزله، ولكن ألا يُمكن أن يكون هناك شخصٌ آخر جاء من الباب الخلفي عن طريق الحديقة، ودخل دون أن يراه أحد، وسرق النقود واختفى؟!

رد «تختخ»: إن الألغاز البوليسية تُشبه الصورة الممزقة، وعلى الباحث الذكي أن يعثر على كل الأجزاء ويضعها بجوار بعضها البعض حتى يحصل على الصورة كاملة … وفي هذا اللغز هناك جزءٌ ضائع من الصورة، يجعل من غير الممكن وضع بقية الأجزاء بجوار بعضها البعض … إنه جزءٌ مهم لا بد من العثور عليه.

وكان المغامرون الخمسة قد اقتربوا من المعادي، وفجأة سمعوا بجوارهم صوتًا مألوفًا يقول: هل ما زلتم تبحثون!

كان هذا هو صوت الشاويش فقال «مُحب»: نعم … ما زلنا نبحث … هل انتهيت من البحث؟

رد الشاويش: إذا كنتم تتحدَّثون عن سرقة الرجل الأعمى فقد انتهى الأمر … وغدًا ستجدون الحل في الجرائد.

وقبل أن يسأله الأصدقاء عن هذا الحل الذي وصل إليه، كان قد اختفى وهو يضحك، فقد انتهى من حل اللغز قبلهم، وأبلغ المفتش «سامي»، وستَنشُر الجرائد غدًا أن «هدى» هي السارقة لأنها الوحيدة التي تعرف مكان النقود، والوحيدة التي اختفت بعد اكتشاف السرقة!

وكان المساء قد أقبل، فافترق الأصدقاء، وقالت «لوزة» وهي تُودِّع «تختخ»: لا تيئس يا «تختخ»، إنني أحسُّ أن هناك أشياء ستحدث … فاللغز لم ينته بعدُ كما يقول الشاويش، ومهما كتبت الجرائد، علينا أن نواصل البحث من أجل الجزء الناقص من الصورة … إلى اللقاء غدًا على كل حال.

وفي الصباح التالي استيقظ «تختخ» مبكرًا، وأمسك الجريدة، فلم يجد هناك شيئًا منشورًا في الصفحة الأولى، ولكن في الداخل، قرأ وصفًا مفصلًا للحادث، وأسماء المشتبه فيهم، ودور كل منهم في ذلك الصباح الذي وقعَت فيه السرقة، ولم يكن الاتهام موجهًا للفتاة المسكينة الغائبة، ولكن الذي كتب المقال أوضح وجهة نظر «الشاويش»، فكانت كل أصابع الاتهام موجهة للفتاة «هدى»، ومعنى هذا أن الناس جميعًا سوف ينظرون في كل وجهٍ للبحث عن الفتاة السارقة.

قرَّر «تختخ» أن يعمل منفردًا في ذلك اليوم، فخرج وركب دراجته، ووضع «زنجر» في السلة، ثم انطلقا معًا إلى الشارع رقم ٩٣.

كان الأستاذ «قاسم» يجلس في الشرفة كالمعتاد، فرحب ﺑ «تختخ»، وجلسا معًا يتناولان الشاي … قال «قاسم»: لقد حضرَت شقيقة الرجل العجوز وأخذته معها.

وقد بكى الرجل عندما علم باختفاء «هدى» وكان يُردِّد: إنها التي تعرف كل شيء … إنها التي كانت تعرف مكان النقود … ولكني لا أصدق أنها تسرقني … إنها الوحيدة التي ائتمنتها على سري، فكيف تخونني؟! إنني لا أصدق … لا أصدق!

قال «تختخ»: أرجو أن تُعطيني مفتاح المنزل يا أستاذ «قاسم»، إنني أشعر أنني هزمت، ولكني سأحاول مرةً أخرى.

وأخذ «تختخ» المفتاح، ثم أخذ «زنجر» ودخلا منزل الرجل العجوز، ولكن «زنجر» لم يستمر في البحث طويلًا، وخرج إلى الحديقة، لعله يجد قطةً يعاكسها، أو فأرًا يصطاده.

وقف «تختخ» في الغرفة المسروقة … كانت الستائر الخضراء النظيفة معلقة على النوافذ … وكان «تختخ» يُحدِّث نفسه قائلًا: لو أن الفتاة كانت تنوي سرقة النقود، فلماذا كان تعبها في ذلك الصباح من أجل تنظيف هذه الستائر، وتعليقها … غير معقول … فالذي سيسرق ويهرب لا يمكن أن يهتم بالستائر، ولا بغيرها … وأمسك «تختخ» بالستائر يُزيحها جانبًا، فأحسَّ أنها سميكة، من النوع المبطن، وبدا أنه يسمع في داخلها شيئًا يخشخش، إنه شيء جافٌّ ليس قماشًا … هل … هل … هل …

كان «تختخ» يُردِّد كلمة «هل» وهو مذهولٌ هل النقود ما زالت موجودة هنا … داخل هذه الستائر؟!

وتحسس «تختخ» الستائر من أسفل، وأدرك الحقيقة فورًا، لقد أحس بانتفاخٍ غير عادي على امتداد الستارة من أسفل، وبسرعة فك أحد الخيوط، ومد أصابعه ثم أخرجها وبينها ورقة من ذات العشرة جنيهات!

أخذ «تختخ» يردِّد في فرح: النقود … النقود … الألف جنيه هنا.

ومد أصابعه فأخرج ورقةً أخرى وثانية وثالثة، ثم بدأ يتمالك أعصابه، وخشي أن يراه أحد، فأسرع يُعيد النقود إلى مكانها داخل الستارة، ثم جذب الخيط مرةً أخرى، وأغلق الثقب الذي فتحه، وهو يكاد يطير فرحًا.

وبدأت الصورة تتجمع في ذهنه، لقد أخفت «هدى» النقود في الستارة لتُبعدَها عن يدَي «عوض»، الذي كان يُهدِّدها لتخبره عن مكانها، وكان أقرب مكان منها … وأبعد مكان عن كل الناس هو الستائر … يا لها من فتاةٍ عظيمة!

وقرَّر «تختخ» أن يترك النقود مكانها، فلن يفكر أحد مطلقًا في الاقتراب من المنزل المسروق، وفي نفس الوقت يُمكنه الاحتفاظ بالمفتاح، وبسرعة أغلق الباب وخرج وأخذ يدعو «زنجر» الذي ظهر في تلك اللحظة وقد عثر على شيءٍ هو الآخر … لقد كان يمسك بين أسنانه الحقيبة الحمراء … حقيبة «مُحب» الضائعة … وأسرع «زنجر» … في حركةٍ استعراضية يضع الحقيبة بين يدي سيده، الذي انحنى عليه، وأخذ يربت على شعره الناعم قائلًا: يا له من يومٍ سعيد يا «زنجر»! لقد عثرت أنا على النقود، وعثرت أنت على الحقيبة، وبقي أن نعثر معًا على الفتاة … هيا بنا، ثم وضع الحقيبة تحت «زنجر» في السلة حتى لا يراها أحد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤