«نفريتيس» الأول

نايف-عاو-رود با-ني-رع-نترو
حكم هذا الفرعون على حسب ما جاء في «مانيتون» ست سنوات، أما على الآثار فنجد أن آخر أثر عُثر عليه له يرجع إلى السنة الرابعة من حكمه كما سنذكر ذلك فيما بعد، (راجع: L. R. IV p. 161, note 5).

وفي عهد الملك «نفريتيس» أول ملوك الأسرة المنديسية (٣٩٩–٣٩٣ق.م)، نجد أن سياسة «مصر» الخارجية كانت — على ما يظهر — تميل إلى مناهضة الفرس بمساعدتها اليونان، وذلك على الرغم من أنه لم يكن حاكمًا قويًّا — كما سنرى بعد.

ويبتدئ «نفريتيس» على حسب ما جاء في «مانيتون» أسرة جديدة وهي الأسرة التاسعة والعشرون التي يرجع أصلها إلى بلدة «منديس» والظاهر أنه توج على «مصر» في عام ٣٩٩ق.م؛ أي قبل موت «أميرتاوس» أو سقوطه بسنة، ويذكر لنا المؤرخ «شور» (راجع: W. Schur, Klio 20/1926, p. 274) أن «نفريتيس» كان مصريًّا في حين أن «أميرتاوس» كان لوبي الأصل غير أن اسم «نفريتيس» بالمصرية «نايف-عاو-رود» ليس مصريًّا قط، والواقعُ أنه كان مثل كل حكام هذا العصر ينتمي إلى أصل لوبي، ولا يفوتُنا أن نذكر هنا أنه يجوز أن الشخص كان يحمل اسمًا غير مصري، ويكون مِن أصل أجنبي، ولكن العكس كان صحيحًا.

وعلى أية حال فإن التغير في اعتلاء العرش قد جاء عن طريق القوة.

وسنرى أن «أميرتاوس» لم يكن في مقدوره أن يضع قواعدَ ثابتةً لتوطيد أسرته كما فعل من قبل «بسمتيك» الأول مؤسس الأسرة السادسة والعشرين.

وقد ترك لنا «نفريتيس» هذا بعض آثار قليلة ليست بذاتِ أهميةٍ عُظمى، في كل أنحاء البلاد، وذلك في مدة ست السنوات التي حكمها، وسنذكر هذه الآثار التي خَلَّفَها لنا باسمه.

  • (١)

    عثر له في السنة الثانية من حكمه في سربيوم «منف» على لوحتين نُقشا بالخط الهيراطيقي، جاء فيهما ذكر دفن عجل «أبيس»، وهما محفوظتان الآن بمتحف «اللوفر».

    (Deveria, Catalogue des Manuscrits Eg. p. 208; L. R. IV p. 161, Et note 6).
  • (٢)

    وعثر على لفافة مومية مؤرخة بالسنة الرابعة من حكمه، وهي محفوظةٌ الآن بمتحف «اللوفر» ومكتوبة بالخط الديموطيقي.

    Deveria Catalogue des Manuscrits EgyP. p. 207; Maspero Hist. Anc. III p. 753 A. 2; Wiedmann Gesch. Agyptens von Psammetich 1, bis auf Alexander d. Gr. (1886), p. 273; Gauthier L. R. IV p. 162.
  • (٣)
    وفي «تل تمي الأمديد» عثر له على قطعتين من الحجر الجيري عليهما اسمه (A. S. 13, p. 208; Porter & Moss IV p. 37; Gauth, L. R. IV p. 162).
  • (٤)
    وكذلك عثر في نفس المكان على قطعة من تمثال مجيب، منحوت في قطعة من تابوت مصنوع من الجرانيت الأسود، وهي محفوظةٌ بالمتحف المصري، وربما كان هذا دليلًا على أن هذا الملك قد دُفن في «منديس»، (راجع: Rec. Trav. 9, p. 19; L.R. IV p. 163 No. 9).
  • (٥)
    وفي «منف» وُجد له تمثال «بو الهول» برأس رجُل، مصنوع من البازلت، وهو محفوظٌ الآن بمتحف «اللوفر» (A. 26)، وقد كُتب على قاعدته اسم «نفريتيس» ووصف بأنه محبوب «أوزيرسوكو» و«بتاح» القاطن جنوبي جداره.
    (راجع: De Rougé, Notice des Monuments, p. 24; Pierret, Recueil d’lnscri p. II p. 1; Wiedmann Gesch. 273; Gauth. Ibid, 162 No. 5.)
  • (٦)
    وفي «سوهاج» عُثر له على محراب من الجرانيت الأحمر، وُجد في الدير الأبيض (راجع: Ancient Egypt 1915, p. 27).
  • (٧)
    أما في الكرنك فقد عُثر على قطعتين من الحجر الرملي عليهما صورٌ تمثل هذا الملك وآلهة مختلفة، وهذه القطع وُجدت مبنية في معبد «خنسو» الصغير الواقع في الجنوب الشرقي من مُحيط المعبد الكبير، وقد شاهد هذه القطع «لبسيوس» وتدل شواهدُ الأحوال على أن البطالمة قد استعملوها في إصلاح هذا المعبد، وهذه القطع محفوظةٌ الآن في متحف «برلين» (راجع: Mus. Berlin No. 2113 & 2114; Wiedmann Gesch. Aegypt. Von Psammetich 1 bis Alex. p. 273).
  • (٨)
    هذا وتُوجد قطعةٌ أُخرى لهذا الملك من نفس المكان السابق، (راجع: Wiedemann p. S. B. A. VII (1885) p. 111; wiedemann Suppl. p. 75; Petrie Hist. of Egypt p. 373; L.R. IV p. 162 No. 4).
  • (٩)
    وتوجد كذلك قطعة أخرى من نفس المعبد السابق (راجع: Cham p. Not. Descr. II 290; petrie. Ibid. 373; L.R. IV 162 A 5, Potrer & Moss II 89).
  • (١٠)
    ويوجد له تمثالٌ مجيب بمتحف «اللوفر» (راجع: Rec. trav. 4. p. 110; wiedemann, Ibid 273; petrie Ibid 373; L.R. IV 163 No. 9).
  • (١١)
    هذا ويوجد طابع خاتم هذا الملك في المتحف البريطاني، (راجع: Brit. Mus 5583; Hall, Scarabs 1 p. 292 No. 2792; Petrie Scarabs and Cylinders p. 40).
  • (١٢)
    ويوجد له جعرانٌ وقطعٌ أخرى صغيرةٌ في «يونيفرستي كولدج بلندن وبتروغراد» (راجع: Petrie Ibid. p. 33, 40 & pl. LV11, 29, 1).
هذا وقد نشرت كتابة على لوحة من الخشب نشرها «نوري هويت Towry white»، (راجع: p. S. B. A, 23, (1901) p. 130-131)، غير أن هذه النقوش من طراز كتابتها لا بد أن تكون مزورة على الرغم من قلة النقوش التي تنتسب لهذا الملك (راجع: Petrie Hist. III p. 373; Gauth. L.R. IV p. 163 No. 7 & A 1).
هذه هي كل الآثار التي تُنسب إلى عهد هذا الفرعون، ويُلحظ فيها أنها لم تحدثنا بكلمة واحدة عن سياسته الخارجية قط، والواقع أن سياستَه الخارجية كانت تنحصر في علاقته مع ملك الفرس وأعدائه اليونان، وقد لعب دورًا محدودًا في مُدة حكمه، وكان غرضُهُ الأكبرُ هو المحافظة على استقلال بلاده التي كانت تطمع الفرس في استردادها، ووَضْعِها تحت سيطرتها؛ ولذلك نجد أنه قد استجاب في عام ٣٩٦ق.م إلى مساعدة «أجيسيلاس» ملك «لسيدمونيا» «أسبرتا» عندما سار الأخير لمحاربة الفرس، وكانت «لسيدمونيا» تبحث وقتئذٍ عن حلفاء يساعدونها على طاغية الفرس، وقد فكرت بطبيعة الحال في «مصر» عدوة الفرس، وكانت وقتئذٍ بلادًا غنية ولها جيشٌ وطنيٌّ جديد، نالت به استقلالها حديثًا من الفرس، وقد حضر إلى «مصر» فعلًا رسولُ «أسبرتا» لمقابلة «نفريتيس» وطلب إليه عَقْدَ حلف مع بلاده لمناهضة الملك العظيم (راجع: Diod. XIV, 79, 4).
على أن ما قام به «نفريتيس» من مساعدة يدلُّ دلالةً واضحةً على السياسة المحددة التي اتبعها في هذه المرة، وهي سياسةُ دفاع ستكونُ النهج الذي سيسير عليه ملوكُ «مصر» في عَهْدَيِ الأُسرتين التاسعة والعشرين والثلاثين. هذا، ويجدر بنا أن نُشير هنا إلى أنَّ مشروعَ المحالفة لم يأتِ من جانب «مصر»، ولكنه جاء من جانب «أسبرتا»، ومِن ثم يُمكننا القولُ إن هذا الفرعون لو تُرك وشأنه لَمَا دار بخلده أن يقوم بأَيِّ تَعَدٍّ على «أرتكزركزس» عاهل الفرس، والظاهر أنه لم يكن لديه أي رغبة للفتح والغزو، كما كانت عادة الفراعنة أسلافه عند تولِّي عرش الملك في تلك الفترة، بل نجده قد قنع باستقلال بلاده، يضاف إلى ذلك أن «نفريتيس» لم يقدم لحليفته الجديدة «أسبرتا» مساعدة إلا بقدر معلوم، كما حَدَّثَنَا عن ذلك بصراحة «ديودور» إذ يقول: إن الأُسبرتيين لم ينالوا مساعدةَ الفرعون الحربية، بل حَصَلُوا منه على نصف مليون مكيالٍ من الشعير وعلى الأدوات اللازمة لتجهيز مائة سفينة حربية (راجع: Diod. XIV, 79, 4).
وقد اقتضت الأحوالُ أن تكون المساعدةُ المصرية غيرَ كافية جزئيًّا؛ وذلك لأن اللاسيدمونيين الذين حملوا الحبوب المصرية للجيش الذي كان في «آسيا» قد رَسَوْا بسُفُنهم في جزيرة «رودس»، غيرَ عَالِمِين أنها كانت قد انحازتْ لعَدُوِّهِم حديثًا، ومن ثم استولى القائد «كونون Conon» وأهالي «رودس» على ما كانتْ تحملُهُ السفنُ من مئونة (راجع: Ibid. XIV, 79, 7).

وفي هذه الحالة نُشاهد أن موقف الفرعون لم يكن موقفَ تَرَدُّدٍ أو مخادعة؛ إذ لم يتزحزحْ عن خطته، وهي الحياد، فلم يرسل مساعدة فعلية لأعداء الملِك العظيم، والواقعُ أنه لم يغادر البلاد المصرية جنديٌّ واحدٌ أو سفينةٌ حربيةٌ واحدةٌ لمساعدة حليفته، وقد كانت كل مشاركة «نفريتيس» في هذا المشروع الحربي المعادي للفرس قد نفذت بصورة تدل على منتهى التحفُّظ والحرص، ولا شك في أن ما فعله كان خُرُوجًا بعض الشيء عن الحياد، ولذلك يظهر أن المحالفة التي قامت بين البلدين لم تكن محالفةً بالمعنى الحقيقيِّ.

وقد مات «نفريتيس» في عام ٣٩٣ق.م، بعد أن حكم أرضَ الكنانة حوالي ستة سنوات، وقد جاء عنه في الحوليات الديموطيقية عبارةٌ غيرُ كاملة: «لأن ما فعله كان قد عمله بعلم مما جعل ابنه يخلفه»، وقد دُفن في «منديس» أو في ضواحي «تمى الأمديد» حيث عثر على قطعة من تماثيله المجيبة — كما ذكرنا آنفًا — وبموته قامتْ ثورةٌ طاحنةٌ في داخل البلاد، ولم يمكث ابنه «موتس» على عرش البلاد إلا مدة قصيرة جدًّا، «فقد عزل عن الملك بعد مدة قصيرة (؟)؛ بسبب آثام كثيرة ارتكبها في مدة حكمه … وقد عزل (؟)»، وبما أنه كان قد حاد عن القانون فإنه قد نصب خلفه في مدة حياته (راجع: Demotische Chronik col. III 21, IV, 6). هذا، ولم نعرف حتى الآن آثارًا للملك «موتس» هذا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤