الفصل الحادي عشر

ابتداء مهمة بديعة التي وقفت حياتها لأجلها وهي عمل الخير

واستفاقت بديعة من نومها في ثاني يوم قبل لوسيا، فلم تَشَأْ أن تُوقِظَهَا فتركتها نائمة، وصعدت إلى «ظهر الباخرة» وجلست هناك تنظر إلى ذلك البحر الواسع وصفائه ورونقه، وتَوَدُّ لو كان بحر أفكارها هادئًا مثله إذ ذاك.

وفيما هي تنظر إليه، وتتذكر قصتها من الأول إلى الآخر، وتحسبها لغرابتها بأنها حُلم لا يقظة، وفيما هي هكذا طرق أذنها صوت وقع أقدام بعيدة عنها، فنظرت لترى من ذا الذي يمشي، وإذا بفتاة تمشي الهويناء على ظهر تلك الباخرة، وهي تنظر يمينًا وشمالًا لترى إذا كانت منظورة، ولحسن حظها لم تَرَ بديعة وهي جالسة تراقبها. ولما وصلت إلى طرف الباخرة تناولت من صدرها شيئًا يشبه الصورة وتأملت فيه مليًّا وهي تذرف الدموع الغزيرة، ثم أرجعته لمكانه فوق قلبها ورسمت على وجهها إشارة الصليب، وصلت ودموعها تنهمل من عينيها بغزارة. وكانت بديعة لحظت من الفتاة بأنها تنوي إتيان أمر ما فلبثت تلاحظها إلى حين انتهائها من صلاتها، وإذ ذاك قامت من مكانها وأسرعت نحوها وأمسكتها بذراعيها وأرجعتها إلى الوراء؛ ذلك لأن الفتاة رامت أن تلقي بنفسها في البحر.

وكانت لما اقتربت منها قد سمعتها تقول: ما أرهبَ الموت، وما أَمَرَّ الحياة! إنني قبل أن أقدمت عليه ظننته من أسهل الأمور التي يأتيها الإنسان تخلُّصًا من عذابات الأرض. ولكنني لما عزمت عليه حقيقة وجدته من أصعب تلك الأمور، فكيف أعمل؟ فهل أرجع للبيت لأراه سعيدًا معها وأنا أتقلَّى على مقالي الغيرة؟ أو أسافر إلى أمريكا ولا مال معي يوصلني؟ أو أموت غير مأسوف عليَّ ولا معروف أين هو قبري؟ نعم، نعم، أموت لأن الموت ختم من ذهب على العذابات الأرضية. فارحمني يا إلهي يا من سددت بوجهي كل منافذ السعادة في الحياة ولم تفتح سوى باب الأبدية، ارحمني على هذا الموت الذي يقولون بأن من يموته يخسر الدنييين معًا، ارحمني وساعدني واغفر لمن كان سبب موتي، وهَبْ والديَّ التعيسين سلوى بعد موتي.

ولما انتهت من هذا الكلام وهَمَّتْ بإلقاء نفسها لم تقدر؛ لأن يدا بديعة القويتين أرجعتاها إلى الوراء كما تقدم، وصوتها العذب ناداها قائلًا: كلا، إنك لا تموتين هذه المِيتة التي هي مِيتة المجانين، ومن تكلم كلامك لا يكون مجنونًا.

فأجفلت تلك الفتاة من كلام بديعة أكثر ممَّا أجفلت من إرجاعها إياها عن عزمها، وللحال وقعت إلى الأرض هي وبديعة التي لم تتركها مغمًى عليها. ولما استفاقت وجدت رأسها المملوء همومًا على ركبة بديعة، وعينا هذه تنظران إليها وملؤهما الدموع. فنظرت إلى ذلك البحر الهادئ الواسع أمامها، وتَبَيَّنَ لها ما كانت مُزْمِعَةً أن تفعل. ثم حوَّلت نظرها منه إلى وجه بديعة الجميل الذي حال بينها وبين السكن في قعره العميق.

وكانت الفتاة ذكية، فقرأت حالًا على وجه بديعة سور الرحمة والمحبة والحنو، وعرَفت كم هو مفيد للإنسانية التعيسة ذلك النور الباهر الذي كان ينبثق من عينَيْ بديعة. ومن الغرابة بمكان أن وجه الناظرة كان ما يسمونه «بسيطًا»، بينما وجَّه المنظورة كان جميلًا فتَّانًا يستخرج الغيرة من قلب كل امرأة، إلا قلب تلك الفتاة التي شعرت من تلك الساعة بحُبٍّ خفي وامتنان زائد لذلك الوجه الذي نجاها من الغرق، وهل ليست محبة هذه الفتاة لتلك من العجائب، وبينهما حاجز عظيم هو كل ما ترنو إليه المرأة وهو الجمال؟ نعم، ولكنَّ هناك سرًّا خفيًّا لا يتبينه إلا كل ناقد، وهو مساواة تينك الفتاتين بجمال النفس، وإن اختلفتا بجمال الجسد. فبعين الجمال من النفسين نظرت جميلة بديعة فأحبتها؛ لأن نفسها جميلة مثلها، ولم تكترث لجمال وجهها لأن من يعتبر الجوهر يحتقر العَرَضَ.

تحدثت نفسا الفتاتين وقلباهما قبل تبادُل لسانيهما الكلام، وبعد برهة من التأمُّل قالت الفتاة جميلة لبديعة: إنني أشكرك على معروفك يا أختي، ولكن قد كان هذا المعروف مضاعفًا لو تركتِني أموت؛ لأن الموت خير من الحياة عندي.

فأجابتها بديعة بصوت حنون، وهي تُمِرُّ يدها على رأس الفتاة الذي كان لم يَزَلْ على ركبتها: ولماذا كل اليأس يا صديقتي؟

– إن لذلك سببًا يا عزيزتي لو عرفتِه لما لُمتِ من تَرُومُ إبدال الراحة بالعذاب.

فعرَفت بديعة ذكاء الفتاة، وأنها لم تُقدم على الموت انتحارًا إلا بعد أن قطعت كل رجاء من الحياة السعيدة. وقالت: ما عسى أن يكون أمرها غير أنها مصابة بداء كدائي؛ إذ ما هو الذي يعكر صفاء راحة فتاة بهذا العمر غير الحب، وهو أول صعوبة تمر عليها في الحياة وأعظم صعوبة. إن الداء متشابِهٌ ولكن الدواء مختلف. ثم نظرت إليها وقالت بحُنُوٍّ: لو كنت أعرِف بأن انتحارك تعقبه راحة لا عذاب مزدوج، لكنت تركتك تتصرفين بنفسك كيف تشائين. ولكن كما أنني لا أجهل مرارة الهموم، فأنا لا أجهل بأن نفسنا ليست لنا وقتلنا إياها يعني الهلاكَيْن في الدنيا والآخرة.

– قد كنت أعلم كل هذا لمَّا كنت بهناء من العيش، ولكن لمَّا تواترت عليَّ المصائب لم أفتكر إلا بإغماض العين عنها في هذه الدنيا ولم أكترِثْ لما يحل بي بتلك.

– مهما يَكُنْ مُصابُك عظيمًا ففي الدنيا مِثلُه وأعظم منه، وأنا لا أشُكُّ الآن في عظمته؛ لأنني عرَفتُ مقدار ما أنتِ عليه من الذكاء والفضل من حديثك، فعرفت بأن:

أفاضلُ الناسِ أغراضٌ لدى الزمنِ
يخلو من الهمِّ أخلاهم من الفطنِ

ومن اعتقادي أن الله بعدل يخص فُضَلَاءَ الناس بكثير من المصائب؛ وذلك ليكونوا قدوة لسواهم من الناس. وقد قيل بأن الإنسان «خُلِقَ ليكون تعيسًا إن كان عاقلًا، وسعيدًا إن كان جاهلًا.» والسر بهذا أن الإنسان كلما كثُر شعوره كثُرت مَطالِبُه، وكلما كثُرتْ مطالِبُه وعظُمت مقاصِدُه كثُر هَمُّه.

ولكن العقل الذي هو سلاح الإنسان يجب أن يحارب الهموم مع النفس، وليس النفس مع الهموم. ومن جَنَى على نفسه وهو جاهل يعذره الناس، أما العاقل فلا عُذْرَ له لمعرفة ماهية الأمور. ومن العار أن تحاربي نفسك أنتِ بسلاح الجبناء الذي هو الانتحار.

– ولكن لو حكيتُ لك قصتي لعذرتِني.

فلم تسألها بديعة أن تحكي لها قصتها؛ تأدُّبًا وإبعادًا لها عن الافتكار بما يؤلمها. أما الفتاة فقد لحظت منها هذا، وقالت: اسمعي قصتي واحكمي عليَّ: إنني فتاة وحيدةُ والديَّ، ولما كنت في الثانية عشرة من عمري خطبني شاب من أسرتنا لئلَّا يذهب الميراثُ للخارج، فبعد خروجي من المدرسة أحببت الشاب حبًّا أقل ما يُقال فيه إنه صادق، ومن مدة وجيزة أعلن وقت زفافنا وأخذت أنا بالاستعداد، وفي وسط هذا الاستعداد وجد الشاب من هي أجمل مني وجهًا فأحبها، واقترن بها ولم يكتفِ بما فعل كأن حبي له كان ذنبًا عظيمًا يستحق قصاصًا أكبر من هذا، فصار يجعل لي سبيلًا للغيرة بأعماله وأقواله، حتى كاد يمزق قلبي وأنا لم أتكلم كلمة. ولما عِيل صبري وازداد هو تماديًا بعذابي تركت أبي وأمي الشيخين وجئتُ لبيروت، ومنها سافرتُ على ظهر هذه الباخرة لأرمي بنفسي في البحر حيث يبقى أمر انتحاري مكتومًا عن كل إنسان، فأتيتِ أنتِ وخلصتِني.

وكانت بديعة تسمع حديث الفتاة وتبكي لبكائها، فلما انتهت منه قالت لها: اسمحي لي يا أختي أن أقول لك بأنك ضعيفة للغاية.

– وهل تكون قوية من تكون في مركزي؟

– نعم وألفُ نعم، متى انتصبت أمامها ثلاثة واجبات: أولها واجبها نحو نفسها بأن تُخَلِّصَهَا لا تُهْلِكَهَا، وواجبها نحو والديها بأن لا تنغص حياتهما، وواجبها نحو بنات جنسها بأن لا تكون لهُنَّ مثلًا قبيحًا.

– إن واجب الحب يفوق على كل ما ذكرتِ، وكأني بكِ لم تعانيه ولم يطعنْك رجل بحربة الخيانة لتعرفي ما فيَّ.

فقالت بديعة: آهِ لو عرفتِ! ثم قالت بلطف وحماسة معًا: إنني امرأة مثلك يا أختي، وغَيْرَتِي على بنات جنسي تدفعني للقول بأن المرأة التي تشقى حيث بوسعها أن تسعد، وتضر بنفسها وهي تقدر على نفعها لأجل رجل خائن، تكون ضعيفة جبانة وعارًا على الجنس.

فتحركت لكلامها آلام الفتاة، وقالت: وبِّخيني ما شئتِ فأنا ممنونة، ولكن لا تقولي إن المرأة متى أحبَّتْ رجلًا حبًّا حقيقيًّا تعود قادرة على نزع ذلك الحب من قلبها، ولو عرَفت بأنه أكبر الخونة الأشقياء؛ فإن التحذُّر يكون قبل دخول الحب قلب المرأة وليس بعده.

فتأثرت بديعة لشرف عواطفها وقالت: إن هذا من الشرف، ولكن المرأة تحب من الرجل ما يكون بنفسها، فإن كانت شريفة تحب الرجل لشرفه، ولكن متى تَبَيَّنَ لها خلاف هذا يجب أن تساعد على زوال هذا الحب من قلبها بالصبر وليس بالانتحار، وقد ذكرتُ لك ثلاثة واجبات تربط المرأة بحبل الصبر، وها أنا أذكر لك ما هو أعظم من جميعها — وهو الواجب الحقيقي — واجب الدين الذي يحرم علينا الانتحار لِئَلَّا نُهلك نفوسنا.

أفلأجل رجل كالذي ذكرتِه تدوسين كل هذه الواجبات بقدمك وتذهبين ضحية جنونك، وهو باقٍ يتنعم بالحياة ويضحك منك؟ يا لها من فظاعة عظيمة وعار لا يمحى!

ولما سمعت الفتاة كلام بديعة الأخير أطرقت في الأرض برهة وقالت: قد صارت تحلو لي المعيشة في الأرض بعد أن رأيت فتاة مخلصة مثلك فيها؛ فإن كلامك وإن يَكُنْ جارحًا لأنه حق، فهو بلسم لجروح قلبي المُضْنَى. فأنا أحببتُك يا أختي حبًّا مخلصًا قبل أن أعرف اسمك الذي سيكون جميلًا كوجهك أو قلبك.

وبعد أن تعارفت الفتاتان وصرحت كل واحدة للأخرى باسمها، قالت بديعة لجميلة: رأيتُكِ تتأملين بشيء قبل أن هممتِ بإغراق نفسِك …

قالت: نعم، إنه رسم «ل»، ثم مدت يدها إلى صدرها وتناولت الرسم منه وناولته لبديعة. وفيما هي تتأمُّل فيه قاطعتها جميلة الكلام قائلة: إنك ستعرفين سبب تركه لي وحبه لتلك الفتاة الجميلة بدون شك. ولكن عذري هو أنني قسته على نفسي إذ وثقت بعقله وأنه يفضل جمال النفس على جمال الجسد، ولكن بعدما وقع كل شيء تحققت فساد ظني، وعلمت بأنه لا شيء كالمساواة كفيلًا للسعادة إلا ما ندر، والنوادر لا يقاس عليها.

فازداد إعجاب بديعة برفيقتها، وكيف أنها نطقت بجَنانها بهذه الكلمات: «حيث لا مساواة لا حب على الأغلب.» وكان جواب بديعة على هذا الكلام أن قبَّلَتِ الفتاة بحرارة زائدة، وقالت لها: هل لكِ أن تضعي ثقتك بي وتتخذيني لكِ أختًا في الحياة لأكون لك مساعِدَةً على مداناة الحياة السعيدة!

فقالت جميلة: كيف لا يكون هذا وقلبي قد تعلق بحبك، وأنا شديدة الوثوق بأنك سوف لا تخونينني لأن الجمال لا يهمك … قالت هذا وابتسمت لأول مرة ربما من حين مفارقتها بيتها.

فسُرَّت بديعة بابتسامتها التي جاءت دليلًا على بعض السرور، وقالت وهي تبتسم أيضًا: إن الجمال هو أحد أركان السعادة، ولا غِنى عنه في الصداقة بين النساء والرجال، وأنت بنظري حاصلة على أكمله؛ لأنني أنظر إليك بعين النفس وليس بعين الجسد كما نظر إليك ذلك الجاهل.

قالت جميلة: إنني بعد أن سمعتُ كلامك انفتح أمامي بابٌ كان مُقْفَلًا من قبلُ، وهو باب معرفة واجبي نحو والديَّ على الأخص؛ لأن موتي على هذه الصورة كان يعني موتهما أيضًا. ولما ذَكَرَتِ الفتاة والديها أجهشت في البكاء، فساعدتها بديعة التي ذكرت بأنه كان لها والدان أيضًا وقد كانا يُحِبَّانِهَا.

وبعد أن غسلتا بعض الهموم بدموعهما الطاهرة تخابرتا بشأن السَّفَرِ، فقرَّ رأي جميلة على أن تذهب إلى أمريكا برفقة بديعة، وتخبر والديها بالأمر من مرسيليا، وأنها متى راقت الأحوال نوعًا ترجع إليهما.

وقالت بديعة لرفيقتها بأن لها رفيقة أخرى يجب أن تذهبا إليها. فقالت جميلة: وهل من الواجب أن نخبرها بالقصة؟

قالت بديعة: كلا. لأنه قد قيل:

إذا ضاق صَدْرُ المرء عن كَتْمِ سِرِّهِ
فصَدْرُ الذي يُستودَعُ السِّرَّ أضيقُ

وهذا الشِّعر وإن كان لا ينطبق على الجميع فهو صوابي؛ لأن في العالم خمسة أشخاص يؤتَمَنُون على السر، وهم الوالدان والزوج العاقل المخلص والأخ والصديق الودود بعد امتحانه، وما عدا هؤلاء فالسر يكون معهم بين الشك واليقين.

ولما نزلتا إلى حيث كانت لوسيا، نظرت إليهما هذه شزرًا وقالت لبديعة بغضب: ما هذا الإبطاء وأين كنتِ؟ فقالت بديعة بلطف: اعذريني يا عزيزتي؛ لأنه أتيح ليَ التعرُّف برفيقة جديدة ستكون لنا ثالثة، وخيرُ الرفيقات الثلاث. ثم عرَّفتها بجميلة فلم تكترث لها لوسيا كثيرًا، وكلمتها ببرودة كلية، ولا غرو فإن القلب أكبر دليل؛ لأن جميلة لما نظرت بوجهها عَرَفَتِ الفرق بين النساء.

واستأنفت بديعة رحلتها العقلية، ولكن بتغيير قليل؛ لأنها بعدَ أن عرَفت مصيبة جميلة صغرت مصيبتها قليلًا في عينيها، ولا شيء يُخَفِّفُ المصاب إلا المصاب على حد ما قيل:

ولكل شيء آفة من جنسهِ
حتى الحديد سطا عليه المِبْرَدُ

ومن جهة أخرى كان وداد وذكاء جميلة أكبر مساعدَيْن على تسليتها، كما أن إخلاصها وحبها لجميلة كانا يهدئان رُوعَ تلك الفتاة ويُنْسِيَانِهَا شيئًا من مصائبها وأحزانها. ولنتركهما الآن ينمو حبهما بانحلال الأيام وعين لوسيا تنظر إليهما بغَيْرَةٍ كلية.

راجعين إلى نسيب، فإنه لما صعد إلى الباخرة وذهب إلى الدرجة الأولى فأضيف إلى ركابها نظر بديعة ولوسيا معها فتحقق ما عند الفتاة الأخيرة من الجمل الرائع، وقال: إن هذا من حسن الحظ، فإذا يئست من إقناع بديعة فيمكنني اجتذاب هذه الفتاة نحوي؛ لأنه يظهر من حركاتها ونظراتها بأن بين بديعة وبينها بَوْنًا شاسعًا من الرزانة والتعقُّل، بل أكثر من ذلك؛ لأن دلائل الافتخار بالجمال تظهر على وجهها، ومن كانت كهذه يقدر الرجل على اجتذابها بأسهل طريقة، ولميلها إلى التدليس والإطراء، اللذين وإن يكونا آفة بعض الفتيات الخفيفات، فهما سلاح بعض الرجال لمحاربة أولئك النساء اللواتي لم يَخْتَبِرْنَ بعدُ العالم.

على هذا الفكر وعلى فكر آخر هو أن لا يظهر ذاته لبديعة في البحر، سافر نسيب مع الفتيات ولم يَشْعُرْنَ به.

ولما وصلت الفتيات إلى مدينة نيويورك العظمى لم يَجِدْنَ أقل اعتراض على الدخول؛ لأنهن كن صحيحات الأجسام جميلات الصورة مرتَّبات الملابس مُهذَّبَات، وعيونهن سالمة من المرض الذي هو سبب إرجاع أكثر المهاجرين، وأحيانًا يكون موجودًا حقيقة وأحيانًا لا يكون له أصل، بل يتخذونه واسطة لمنع دخول السوريين الذي لا حاجة لأمريكا إليهم؛ لأنهم قوم لا ينفعون البلاد بشيء كما قال مرة أحد المتوظِّفِين بإدارة المهاجرة لأحد الأفاضل من السوريين. وهذا المرض يسمونه «التراخوما»، ويقول الأطباء بأنه مسبَّب عن وجود الرمال الناعمة بوطننا، وبعضهم يقول بأن من أسبابه «إهمال النظافة». وعلى كل حال فمن كان به علة جسدية خطِرة لا يدخل، وخصوصًا متى كان مصابًا بعينيه.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤